فكم رأينا وسمعنا عن أناس تغيرت حياتهم في رمضان، وسلكوا طريق الهداية أو ارتفعت همتهم فانطلقوا نحو المعالي، فكانت البداية من هذا الشهر، وقد تسأل: وما السر في هذا الشهر الكريم؟!
أقول لك: إن الله ما فرض صيام هذا الشهر للمشقة على العباد والتضييق عليهم، وإنما فرضه -سبحانه- لمصلحة عباده في دينهم ودنياهم، وتأمل معي في آيات الصيام وما جاء فيها: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة:185).
إن الله يريد بنا اليسر، إذن علينا أن نشكر.. ماذا نشكر؟ نشكر نعمة الصيام
فالصوم نعمة؛ لأنه يهذب النفس، ويرقق القلب، ويبني معاني الإيمان في النفس الإنسانية.
رمضان يبني فينا معاني المراقبة لله في السر والعلن؛ فتجد الصائم يخلو بنفسه، ومع ذلك يتحاشى أن يتسرب إلى حلقه شيء من الماء خوفًا على صيامه؛ لأنه يعلم أن الله يراه، وأنه رقيب عليه!
ترى لو انسحب هذا المعنى على حياتنا، وفي كل شئوننا؛ فهل بعد ذلك سنجد من يظلم الخلق أو يسرق أموال الناس أو يسعى في الأرض بالفساد؟!
إن الصوم يبني في النفس الزهد في الدنيا؛ كيف لا وهو يترك أهم حاجاته منها من طعام وشراب وغيره طوال اليوم.. فهذا يعوِّده على ترك ما يحرم عليه، وما يضره في دينه من باب أولى.
إن الصوم يذكِّر العبد بالحقيقة الغائبة التي كثيرًا ما نغفل عنها إلا وهي: لماذا خلقنا؟
العبودية لله.. إنك عبد الله في كل وقت ومكان؛ ولذا عندما أمرك -سبحانه وتعالى- بترك الطعام والشراب والشهوة. قلتَ: سمعًا وطاعة، وقدمت أمر الله على هوى نفسك وحاجاتك.
ماذا لو كان هذا منهج حياتك بأن تقدم أمر الله على كل أمر، وعلى هوى نفسك: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (النور:51).
إن الصوم يبني فينا الصبر، والنصر مع الصبر، بالصبر يبلغ العبد أمانيه وينتصر على أعدائه ويصل إلى المراتب العليا في الدنيا والآخرة: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر:10).
الصوم يبني في العبد خلق العطف والرحمة والسخاء على الفقراء والمعذورين؛ لذا تجد فيه من النفقة في أوجه البر ما لا تجد في غيره من الزكاة والصدقة، وتفطير الصائمين، والنفقة في سبيل الله، وصلة الأرحام، وغير ذلك من أوجه البر والخير.
ألست ترى.. أن تحقيق هذه المعاني الإيمانية التي تصلح النفس وتهذب القلب مما يُكثر في الأمة من الأفراد الصالحين، ومِن ثمَّ يوجد المجتمع الصالح؟!
فعلينا أن نجد ونجتهد في هذه الأيام المباركة بصدق وإخلاص، وأن نسعى في صلاح أنفسنا وصلاح بلادنا بالعلم والعمل والدعوة، وتذكير الخلق بأهمية هذه الفريضة، وما فيها من الحِكم والغايات، عسى ربنا أن يغير أحوالنا إلى أحسن الأحوال.
والله الموفق.
منقول