زبدة
التـوحيـد
تأليف
نعمان بن عبد الكريم الوتر
تقديم
فضيلة القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني
مقدمة فضيلة القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني حفظه الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, وعلى آله وصحبه وجنده وبعد:
فهذا كتاب زبدة التوحيد الذي دبجه يراع الشيخ العلامة نعمان بن عبد الكريم الوتر؛ من أفضل ما أُخرج للناس من المؤلفات, إن لم يكن أفضلها , وكيف لا يكون أفضلها وموضوعه أشرف المواضيع, إذ موضوعه هو توحيد الباري عز وجل, والتوحيد هو أهم شيء, وأعظم شيء, لأن العقيدة مقدمة على كل علم.
فجزى الله المؤلف خيراً ورضي الله عنه, وزاد في الشباب العلماء العاملين من أمثاله آمين اللهم آمين, وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
شوال سنة1431هـ سبتمبر 2010م
محمد بن إسماعيل العمراني.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد:
فهذا كتاب زبدة التوحيد كتبته أرجو به النجاة في الدنيا والآخرة على غرار كتاب التوحيد لشيخ الإسلام الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب النجدي رحمه الله الذي لا أعلم له نظيراً في بابه, وقد جعل الله لهذا الكتاب قبولاً عظيماً, ودفع الله به عن كثير من أهل الأرض شراً عظيماً, وتربى عليه أجيال ثم أجيال, وحفظه الكبار والصغار, وشرحه كبار علماء العصر ومن قبلهم ( ومن سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ).
وقد اعتنيت في كتابي هذا بما اعتنى به ذلك الإمام من بيان أنواع التوحيد وما يضاده, بل ترجمت لبعض الأبواب بمثل تراجمه, وأوردت كثيراً من الأدلة التي أوردها, وزدت في تلك الأبواب ما رأيته مناسباً من الأدلة, ونقصت واعتنيت بترتيبه قدر المستطاع, وجئت بأبواب جديدة تدعو الحاجة في الوقت الحاضر لإيرادها حماية لجناب التوحيد وأهله, والله من وراء لسان كل عبد وقلبه, ولِيُعلم أن الدعوة إلى التوحيد والسنة المحضة ديدن أهل السنة جميعاً وإن اختلفت بلدانهم وألوانهم وألسنتهم وأزمانهم, فإنهم ينهلون من معين واحد الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة:
إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد
أو يختلـف نسب يؤلـف بيننـا ديـن أقـمـنـاه مقــام الوالـد
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعله خالصاً لوجهه, وأن ينفع به كما نفع بأصله, وأن يجعل له القبول, إنه خير مسئول ومأمول وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
باب ما جاء في توحيد الربوبية
وقول الله تعالى ** الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ** وقوله تعالى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ **الزمر62 وقوله تعالى ** إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ** وقوله تعالى ** قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ**.
وقوله تعالى {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ **.
فتوحيد الربوبية هو إفراد الله بالخلق والملك والتدبير ونحو ذلك من معاني الربوبية.
باب ما جاء في توحيد الألوهية
وقول الله تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ **.
وقوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ **.
وقوله تعالى {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ **.
وكان كل رسول يفتتح دعوته لقومه بقوله ** اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ **.
وقوله تعالى ** يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ**.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد ).
أخرجه البخاري برقم 3443 ومسلم برقم 2365.
فتوحيد الألوهية هو إفراد الله بالعبادة فلا يصرف شيء منها لملك مقرب ولا نبي مرسل ولا لغيرهما من الإنس والجن والأشجار والأحجار.
باب ما جاء في توحيد الأسماء والصفات
باب ما جاء في أسماء الله
وقول الله تعالى {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ** وقوله تعالى {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى **.
وقوله تعالى ** اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى**.
وقوله تعالى {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ **.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( إن لله تسعة وتسعين اسماً مئة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة ).
أخرجه البخاري برقم 7392 و مسلم برقم 2677.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( ما أصاب أحداً قط همٌ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبك ابن أمتك, ناصيتي بيدك, ماضٍ فيّ حكمك, عدل فيّ قضاؤك, أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك, أو علمته أحداً من خلقك, أو أنزلته في كتابك, أو استأثرت به في علم الغيب عندك, أن تجعل القرآن ربيع قلبي, ونور صدري, وجلاء حزني, وذهاب همي, إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحاً.
قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها؟
فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها ).
أخرجه أحمد في المسند ( 1/ 391/3712).
وحقيقة هذا الباب أن لا نسمي الله إلا بما سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم, لا نتجاوز القرآن والحديث, ولا نلحد في أسماء الله.
باب ما جاء في صفات الله
وقول الله تعالى {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ ** وقوله تعالى ** لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ **.
عن عائشة رضي الله عنها قالت بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم بقل هو الله أحد, فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:
سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه ).
أخرجه البخاري برقم 7375 ومسلم برقم 813 .
وهذا الباب يرتكز على ثلاث أسس:
الأول: الإثبات بلا تمثيل.
الثاني: التنزيه بلا تعطيل.
الثالث: قطع الطمع عن إدراك كيفية صفات الله.
وقد سئل الإمام مالك رحمه الله: الرحمن على العرش استوى, كيف استوى؟
فأجاب: الاستواء معلوم, والكيف مجهول, والإيمان به واجب, والسؤال عنه بدعة.
وحقيقة هذا الباب أن لا نصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم, من غير تحريف ولا تعطيل, ومن غير تكييف ولا تمثيل, لا نتجاوز القرآن والحديث.
باب شيء من صفات الله
صفة العلو:
قال الله تعالى {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ** وقال تعالى ** أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء**.
وعن معاوية بن الحكم السلمي أن رسول الله قال للجارية: أين الله؟
قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله.
قال: أعتقها فإنها مؤمنة.
أخرجه مسلم برقم 537 .
صفة الاستواء:
** الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى** في سبعة مواضع في كتاب الله.
صفة الكلام:
قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ** وقال تعالى ** يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ **.
صفة اليدين:
قال الله تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ** وقال تعالى {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ **.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين, الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ).
أخرجه مسلم برقم 1827.
صفة النزول:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له ).
أخرجه البخاري برقم1145 ومسلم برقم 758.
صفة الرؤية:
قال الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ** وقال تعالى {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ **.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟
قال: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة؟ قالوا: لا.
قال: هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة؟ قالوا:لا.
قال: فو الذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما ).
أخرجه البخاري برقم 6573 و مسلم برقم 2968 واللفظ له.
صفة الرحمة:
قال الله تعالى {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ** وقال تعالى {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ** الآية .
وقال تعالى {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً **.
عن عمر رضي الله عنه قال: قُدم على النبي صلى الله عليه وسلم بسبي فإذا امرأة من السبي تبتغي إذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته, فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟
قلنا: لا والله وهي تقدر على أن لا تطرحه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أرحم بعباده من هذه بولدها ).
أخرجه البخاري برقم 5999 ومسلم برقم 2754.
وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل ).
أخرجه البخاري برقم6013 ومسلم برقم 2319.