يقول السائل :
مشكلتي مثل الكثير من الشباب.. لقد أنعم الله علي بنعم كثيرة.. ولكني في البيت أجد نفسي أشاهد القنوات الفضائية المشينة ؛ رغم علمي بأن ذلك سيغضب ربي .. ولا أعرف لماذا أضعف رغم ندمي المتواصل ... فماذا أفعل؟
الإجابة :
يجيب مجموعة من الدعاه على هذا السؤال :
خير ما نوصيك به هو تقوى الله تعالى، والحذر من نقمته وغضبه، وأليم عقابه، فإن الله تعالى يمهل ولا يهمل، وما يؤمنك أن يطلع الله عليك وأنت على معصيته فيقول: وعزتي وجلالي لا غفرت لك.
وانظر إلى هذه الجوارح التي تسعى بها إلى المعصية، ألا ترى الله قادرا على أن يسلبك نعمتها، وأن يذيقك ألم فقدها؟ ثم انظر إلى ستر الله تعالى لك، وحلمه عليك، وأنت تعلم غيرته على عباده، فما يؤمّنك أن يغضب عليك، فيكشف أمرك، ويطلع الناس على سرك، وتبوء بفضيحة الدنيا قبل الآخرة.
وهل ستجني من النظر المحرم إلا الحسرة، والشقاء، وظلمة القلب؟
وهب أنك شعرت بمتعة أو لذة، يوما أو يومين، أو شهرا أو سنة.. فماذا بعد؟!
موت.. ثم قبر.. ثم حساب، فعقاب... ذهبت اللذات وبقيت الحسرات.
وإذا كنت تستحيي من أن يراك أخوك على هذه المعصية، فكيف تجعل الله تعالى أهون الناظرين إليك؟!
أما علمت أن الله يراك، وأن ملائكته تحصي عليك، وأن جوارحك غدا ستنطق بما كان؟
واعتبر بما أصبح عليه حالك بعد المعصية: هم في القلب، وضيق في الصدر، ووحشة بينك وبين الله.
ذهب الخشوع.. ومات قيام الليل.. وهجرك الصوم.. فقل لي بربك ما قيمة هذه الحياة؟
كل نظرة تنظرها إلى هذه النوافذ الشيطانية، تنكت في قلبك نكتة سوداء، حتى يجتمع السواد فوق السواد، ثم الران الذي يعلو القلب، فيحرمك من لذة الطاعة، ويفقدك حلاوة الإيمان.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه ، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله في قوله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون**" (رواه الترمذي وابن ماجة وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه).
فكن ممن نزع واستغفر وتاب، وأكثر من التضرع لله تعالى أن يُطهر قلبك وأن يُحصن فرجك، وأن يُعيذك من نزغات الشيطان. واجتنب كل وسيلة تدعوك أو تذكرك بالحرام، إن كنت صادقا راغبا في التوبة.
فبادر بإخراج هذا الدش من بيتك، واقطع صلتك بمواقع السوء على الانترنت، واعلم أن خير وسيلة تعينك على ترك ما اعتدته من الحرام، أن تقف عند الخاطرة والهم والتفكير، فادفع كل خاطرة تدعوك للمشاهدة، قبل أن تصبح رغبة وهمّا وقصدا ثم فعلا.
وقد قال صاحب إحياء علوم الدين: "الخطوة الأولى في الباطل إن لم تدفع أورثت الرغبة، والرغبة تورث الهم، والهم يورث القصد، والقصد يورث الفعل، والفعل يورث البوار والمقت، فينبغي حسم مادة الشر من منبعه الأول وهو الخاطر ، فإن جميع ما وراءه يتبعه". وهذا مأخوذ من قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر** (النور:21).
وإن أمكنك الاستغناء التام عن الانترنت فافعل، إلى أن تشعر بثبات قلبك، وقوة إيمانك. واحرص على الرفقة الصالحة، واحرص على أداء الصلوات في أوقاتها، وأكثر من نوافل العبادة، وتجنب الخلوة والتفكير في الحرام ما أمكن.
ومن الجيد أن يشخص الإنسان حالته، وأن يعرف ما يقوم به من خير، وما يصيب من شر، فإن من الظلم للنفس اتهامها على طول الخط، بل لا بد من وضع المشكلة في حجمها الحقيقي حتى نعرف علاجهاأن من آثار الذنوب والمعاصي كما ذكر ابن القيم رحمه الله "زوال النعم" فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ، ولا حلّت عليه نقمة إلا بذنب ، كما قال علي : ما ترك بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة ، قال تعالي: ** وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ** (الشورى:30) .
ولله در الشاعر حين قال:
إذا كنت في نعمة فارعهــــا فإن الذنوب تزيل النعـــم
وحطها بطاعة رب العبــــاد فرب العباد سريــع النقـم
هذا يعني أن الذنب أشبه بالمرض، بل هو هو، وحسب المرض يكون العلاج، فإن مرضًا غير مستعصٍ، تداوى صاحبه منه بدواء يناسب حجمه، وإن كان مرضًا مستفحلاً، كان له من الدواء ما يناسب عظم قدره. ومن الفطنة أن يشعر المرء حقيقة ذنبه الذي يرتكبه كأي سلوك بشري.
ما الذي دفعه إليه؟
ولماذا يعود إليه؟
وما مكانته من نفسه؟
وهل هو من نفسه أم من الشيطان؟
وما درجة تعلق نفسه به؟
وما العوامل التي ساعدت على بقائه في نفسه؟
وما أفضل طرق العلاج التي توائم نفسه ... حتى ولو كان فيها بعض الألم؟
أخي الكريم: هذه الأسئلة يجب أن تجيب عنها بنفسك، فأنت أدرى الناس بنفسك، ولكننا نسعى لتوجيهك، كي تساعد نفسك في التخلص من هذا الذنب.
أما عن طبيعة الذنب، وهو مشاهدة القنوات الخليعة، فهو مرض قد استشرى في عالمنا بعد ثورة الاتصالات التي قذفت لنا كثيرًا من الخير، وأكثر من الشر، ومنها الثورة الجنسية بأشكالها المتعددة، وخلاصة منهج الإسلام في التعامل مع الجنس هو اتساع مساحة الاستمتاع بالجنس بشرط أن يكون حلالاً، بل سعى لحماية المسلم من أن يقع في الحرام، ومن ذلك غض البصر الذي دعا الله تعالى إليه، حين قال: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن..."،
وفي غض البصر أمور:
الأول: أن غض البصر ليس محصورًا على أن ينظر الرجل إلى المرأة أو تنظر المرأة إلى الرجل؛ لأن النظرة قد تكون مباحة إن كانت للحاجة، أو لم يقصد بها شر، أو تدعو إليه، فتجوز النظرة للتداوي وللبيع والشراء وللخطبة وغير ذلك، ولكن النظرة تحرم للاطلاع على العورات الحية أو غير الحية، فيحرم النظر إلى العورات في المجلات ومواقع الإنترنت والفضائيات، ولأنها إن لم تكن حقيقة ملموسة أمام الرجل، لكن لها أثرها الكبير على نفسه، مما قد يدفعه إلى ما حرم الله تعالى، وقد حرم الله تعالى ما يدعو إلى الزنى قبل تحريم الزنى ذاته، قال تعالى: "ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا".
الثاني: أن القرآن ربط بين البصر والوقوع في الفاحشة، "يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم" "يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن"؛ لأن النظرة هي أقرب وسيلة للقلب، وهي المحرك الرئيس لارتكاب الفواحش.
فإن ما تصنعه من المشاهدة انبهارًا ببنات الفضائيات فهذا وهم لا فائدة منه، فالمرأة هي المرأة، ولو أن إحدى بنات الفضائيات تزوجت، لكان شكلها مختلفًا، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الإنسان إن أعجبه شيء من امرأة أخرى، فليسكن شهوته مع زوجته، فقال صلى الله عليه وسلم: "من رأى من امرأة ما يعجبه، فليأت أهله، فإن فيها مثل الذي فيها".
فلتكن نظرتك واقعية فيما يخص النساء، واهتم بالعلاقة الجنسية بينك وبين أهلك، واقرأ في الثقافة الجنسية بما يشبع رغبتك وشهوتك مع زوجتك، ويجعل حياتكما سعيدة، فلأن تهتم بثقافتك الجنسية وتزيد معلوماتك فيها لتستمتع من زوجك خير من هذا الحرام الذي لا خير فيه، كما لا تنسَ أن زوجتك إن رأتك تشاهد مثل هذه الفضائيات فإنها ستفعل مثلك، وربما جر هذا إلى ارتكابها الحرام، فأغث سفينتك، وأحكم قيادها بتقوى الله عز وجل.
ثم فكر مع نفسك في هذا الرب العظيم الذي يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم الذي أخبرنا عن عظيم فضله وواسع رحمته فقال: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ وَمَن يُّشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا**، يا له من فضل عميم ورحمة واسعة، ويا له من رب كريم وإله عظيم، يغفر ما دون الشرك، يقول عز من قائل في الحديث القدسي: "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" (رواه التِّرمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ).
أدعوك أخي الحبيب للتفكر في هذه الأشياء وأن تقف مع نفسك وقفة صدق كلما هممت بمعصية وقل لها: هل يستحق هذا الإله العظيم منك هذا العصيان؟ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ لو أن عبدا أسدى إليك بمعروف فإنك ستجتهدين في مكافأته وتحرصين على رد جميله.. فهل يكون رد النعم التي لا تحصى من الله هو هذه الذنوب والمعاصي؟
فإذا وجدت في نفسك إصرارا على المضي في طريق المعصية فاستكمل معها الآيات {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ**، وقل لها: إن الموت يأتي فجأة وإن العذاب يأتي بغتة وإن الله يمهل العبد ولكن لا يهمله. والموت ليس له سن معينة ولا تدري لعل الله يقبض روحك وأنت على هذه المعصية؛ فكم من شاب فتي صحيح البدن قبض فجأة بدون إنذار، والمرء يبعث على مات عليه.
فإذا لم تستجب لك، ولم يسلس لك قيادها؛ فاستكمل معها باقي الآيات: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطَتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِن كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ**
استأنف معها الحوار محذرا إياها بأن هناك يوما ستندم فيه أشد الندم على فرطت في جنب الله، تتمنى حين ترى العذاب أن تعود إلى الدنيا مرة أخرى لتكون من المحسنين، ولكن هيهات.. يأتي الجواب الصادم من رب العزة {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ**، يأتي الجواب القاسي الذي يتناسب مع الموقف وما فيه من استهتار العبد برحمة ربه وغروره بإمهاله إياه {كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ**.
قل لها: حينها سينقسم الناس فريقين: فريق الذين كذبوا على الله؛ كذبوا عليه باقتراف الذنوب والمعاصي مع معرفتهم أنه شديد العقاب، كذبوا عليه في عودتهم في توبتهم، وهؤلاء ترى وجوههم مسودة، ومثواهم النار وبئس المصير. والفريق الآخر هم الذين اتقوا وهؤلاء ينجيهم الله بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون.
أخي الحبيب روي أن أحد الصالحين كان يحفر في بيته قبرا، فإذا وجد في قلبه قسوة وفي نفسه ميلا للمعصية نام في هذا القبر وأغلق بابه وتخيل نفسه وهو في قبره وتذكر ذنوبه ومعاصيه فيصيح: "رب ارجعون.. رب ارجعون"، ثم يفتح باب قبره ويقوم ويقول لنفسه: هاأنت يا نفس قد رجعت فاعملي ليوم تقولين فيه "رب ارجعون" فيقال لك: كلا..
كل هذه نقاط إيجابية وغيرها الكثير أنصحك أن تجلس مع نفسك وتبرز هذه الإيجابيات وتكون منطلقا لك للتوبة والعودة إلى الله تعالى، قف مع نفسك وقل لها: سأعود إلى ربي سأقف بابه فهو الكريم لا يرد من عاد إليه، ستجد صعوبة ومجاهدة من النفس ومن الشيطان ولكن لا تستسلم لهما، وهيا أخي جاهد نفسك وقاوم الشيطان وارفع شعار "وداعا دنيا العصيان.. وأهلِّي دنيا الإيمان".
ولكن اعلم يا أخي أنه ليس هناك معصوم بعد خير خلق الله الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وأن طبيعة المسلم أنه يعصي الله ويفعل الذنوب ولكن سرعان ما يتوب ويرجع إلى ربه؛ فإذا ما تاب توبة صادقة نصوحا متحققا فيها شروط التوبة من ندم وإقلاع عن الذنب وعزم صادق على عدم العودة إليه؛ فإن الله يغفر له ذنبه بل ويتفضل عليه بأن يبدل سيئاته حسنات، حتى وإن عاد إلى ذنبه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أذنب عبد ذنبا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك" (رواه مسلم).
وإليك أخي بعض الوصايا التي أسأل الله أن يكون فيها عون لك على العودة والرجوع إلى الله:
استحضر عظمة الله في قلبك وقدرته على خلقه وعظيم عفوه عنهم، وذلك بالإكثار من ذكره تعالى، والتفكر في عظيم آلائه ونعمه. واستشعر مراقبته لك وضع أمام عينيك دائما "الله معي، الله ناظري، الله مطلع علي"؛ فهذا هو العاصم الوحيد لك من الوقوع في المعصية. فمن يتجرأ على عظمة الله لن تمنعه عظمة المكان أو الزمان.
أكثر من الطاعات واصبر عليها؛ فهناك علاقة عكسية بين الطاعات والمعاصي؛ فكلما زادت الطاعة قلت المعصية، والعكس.
من الوسائل الهامة جدا للثبات على الطاعة والبعد عن المعصية الصحبة الصالحة والبيئة المعينة، وهو ما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل"، وإذا وجدت في نفسك صعوبة وحنينا إلى أصدقاء السوء فتذكر قول الله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً**.
ابتعد عن الأجواء والأسباب التي تؤدي بك إلى الوقوع في المعاصي؛ مثل الخلوة بالنفس، وخاصة مع وجود سبل للمعصية مثل الفيديو أو النت أو القنوات الفضائية.
اعلم يا أخي أن في النفس طاقة لا بد من تنفيسها وترشيدها فيما يفيد وينفع؛ فهذه الطاقة كالبخار في القدر؛ إذا أحكمت إغلاق القدر عليه فإنه سينفجر وإذا فتحت له باب القدر كله ضاع في الهواء من غير فائدة، ولكن إذا فتحت له فتحة مناسبة وأخرجته بقدر حاجتك فإنك يمكن أن تسيِّر به القاطرات. ولذا أوصيك أن تستفيد من جهدك وطاقتك في الأعمال الدعوية والاجتماعية المفيدة والنافعة.
ضع أمام عينيك دائما طبيعة الصراع القائم بين الشيطان والإنسان منذ الأزل؛ فقد توعد الشيطان بإضلال العبد ما استطاع على ذلك سبيلا وصده عن سبيل الله، وأرشد الله عباده المؤمنين على السلاح الذي يستخدمونه في هذا الصراع فقال عز من قائل: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ**.
تذكر دائما يا أخي أن صاحب المعصية يستمتع بمعصيته، ولكنه استمتاع الأجرب بحكه جربه، سرعان ما ينقلب ألما وندما، وأن صاحب الطاعة يستمتع بطاعته استمتاعا أبديا.
- إذا حدثتك نفسك بالمعصية فاصنع مثل هذا الشاب الذي أغوته امرأة، وتمادى معها بعض الوقت إلى أن أغلق عليهما الباب، فلما همّ بالمعصية وجد شمعة.. فوضع إصبعه عليها وهو يقول لنفسه: إذا صبرتِ على هذه النار الضعيفة تركتك وشأنك، وإن لم تصبري فكيف تقوين على نار وقودها الناس والحجارة؟!. فهذا شاب تحركت نفسه، لكنه زجرها وأعادها بقوة؛ لا لشيء إلا لأنه يملك زمامها فاستطاع أن يقودها إلى طريق الله.
الجأ إلى الله بالدعاء، وقف ببابه ومرغ وجهك على أعتابه وألح عليه في الدعاء أن يفتح لك باب طاعته؛ فهو الكريم الذي لا يرد من لجأ إليه، ويفرح أشد الفرح بعودة عباده إليه، مع غناه عنهم وحاجتهم هم إليه.
احذر الصغائر؛ فهي طريق موصل للكبائر؛ فمن تجرأ على الصغيرة يوشك أن يقع في الكبيرة، ويقال: "لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار".
وتذكر أن الله سبحانه قد قسم الناس من حيث النظر إلى الدنيا إلى صنفين فقال تعالى: (مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ)، وترك سبحانه للمسلم في هذه الحياة حرية الاختيار فقال تعالى وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)، وبين عز وجل أن متاع الدنيا قليل وأن الأجر الكبير في الآخرة فقال قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) وقال عز من قائل قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)، وأوضح سبحانه أن من اختار الآخرة وآثرها على الدنيا فإن الله سيجزيه أجر الدنيا والآخرة فقال مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ).
فإن التردد ليس كله شر، فقد يتردد المسلم عن فعل ما يغضب الله عز وجل، فيكتب الله له الأجر، ففي الحديث (من هم بحسنة فلم يعملها كُتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها كتبت له عشرا إلى سبعمائة ضعف، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب وإن عملها كتبت) أخرجه مسلم. وامتثال قوله تعالى لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ) . وإنما الحلم بالتحلم ، والعلم بالتعلم ، والصبر بالتصبر ، ومن تصبر ؛ صبره الله .
وعلى قدر مستوى حالتك الإيمانيَّة يكون مستوى مقاومة المعاصي. ويجب تدريب النفس على دوام المراقبة، أي أن تظلَّ متيقِّظًا لكلِّ تصرُّفاتك، وتسأل نفسك وأنت جالس أمام القنوات الإباحية ..
هل ما أشاهده هذا سينفعني في ديني أو دنياي؟
هل ستُحسَب هذه الساعة في ميزان حسناتي أم سيئاتي؟
- اسأل نفسك..
هل إذا كان فلان "اختر أحد الصالحين" معي في تلك اللحظة، هل كنت سأشاهد هذه القناة؟
صحيحٌ أنَّك لا تفعل هذا من أجل الأشخاص، ولكن هذا مجرَّد تمرينٍ على فهم الحياء من الله تعالى.
تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البيهقي :" سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: رجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل دعته امرأة ذات منصب فقال: إني أخاف الله، ورجلان تحابا في الله، ورجل غض عينه عن محارم الله، وعين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله."
وروى أحمد والنسائي والحاكم والترمذي عن أبي ريحانة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم :" حرمت النار على عين بكت من خشية الله "
وفي حديث أبي يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"لا يلج النار رجل بكى من خشية الله "
وروى الترمذي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" "عَيْنَانِ لا تَمسّهُمَا النّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحرُسُ في سبيلِ الله".
والعين الباكية التي تكون سببا لنجاة صاحبها من النار ، فالمقصود ليس البكاء وحده ، ولكن البكاء دليل على ثبوت القلب على الإيمان بالله ، وثبوت الجوارح على طاعة الله ، ومن كان هذا شأنه من الاستقامة على أمر الله ، فإن المرجو من رحمة الله ، ألا يعذبه الله .
قال الطيبي من أئمة الشافعية في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم (عين حرست في سبيل الله ، وعين بكت من خشية الله ): كناية عن العالم العابد المجاهد مع نفسه لقوله تعالى: {إنما يخشى اللّه من عباده العلماء** حيث وقع حصر الخشية فيهم غير متجاوزة عنهم فحصلت النسبة بين العينين: عين مجاهدة مع النفس والشيطان، وعين مجاهدة مع الكفار، والخوف والخشية متلازمان. قال في الإحياء: الخوف سوط اللّه يسوق به عباده إلى المواظبة إلى العلم والعمل.
وقال الإمام المناوي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم : ( وعين بكت من خشية الله ) : وليس المراد بالبكاء من خشية اللّه لا خشية الحمقاء الذين إذا سمعوا ما يقتضي الخوف لم يزيدوا على أن يبكوا ويقولوا يا رب سلم نعوذ باللّه وهم مع ذلك مصرون على القبائح والشيطان يسخر بهم كما تسخر أنت بمن رأيته وقد قصده سبع ضاري وهو إلى جانب حصن منيع بابه مفتوح إليه فلم يفزع وإنما اقتصر على رب سلم حتى جاء السبع فأكله).انتهى
ولا يشترط في العين الباكية ألا تكون مقترفة لصغائر الذنوب، ولكن يكفيها التوبة الدائمة ، مع الاستقامة ، وذلك أن اقتراف صغائر الذنوب غير معصوم منه أحد ، قال تعالى :"والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم"، فدل على وقوعها من بني البشر ،ومغفرة الله تعالى لهذه الصغائر، وأنها ليست قادحة في دين العبد، بل شرعت التوبة لوقوع الناس في الصغائر والكبائر.
قال الإمام المباركفوري في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي في العين الباكية من خشية الله وعصمتها من النار : وهي مرتبة المجاهدين مع النفس التائبين عن المعصية سواء كان عالماً أو غير عالم. انتهى
وليس في الإسلام عمل يقوم به المرء مرة واحدة ، فيكون سببا لنجاته من النار، وذلك أن الإسلام أمر أتباعه أن يكونوا على وجل دائم ،وأن يأتوا الأعمال الصالحة خائفين ألا يتقبل منهم ، فكيف يأمنون على أنفسهم من عذاب الله ، قال تعالى :"والذين يؤتون ماآتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون".
وينقض أن يكون الإنسان مبشرا بالجنة وهو في الدنيا غير من بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم من صاحبته ، ولو كانت عينه دمعت أحايين تأثرا بما يقال ، ما أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود من حديث ابن مسعود :
"فإن الرجل منكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، فيدخل النار. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة".
على أنه من الإيمان الصادق أن يحسن العبد الظن بالله، ولكنه يكون دائما بين خوف ورجاء ، خوف من عقاب الله ،ورجاء في رحمة الله، فهما كجناحي الطائر بالنسبة للمسلم.
وعليه ، فالمقصود بالنجاة من النار من العين الدامعة البكاية من خشية الله ، استقامة الحال على الطاعة والإيمان. فالعين الدامعة التي تحرم على النار المقصود منها الإنسان الذي يستقيم على طريق الله ، ويكون دائم الخشية من الله ، ولو ارتكب بعض الذنوب ، لكنه دائم التوبة .
حفظك الله تعالى من شر المعاصي والذنوب ، وأتم عليك نعمة الإيمان . نسأل الله تعالى أن يهديك إلى الخير، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أخي الحبيب وفي النهاية أسأل الله أن يتقبل منا توبتنا وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأن يجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ولا تنسانا من صالح دعائك.