لمّا سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت : " كان خلقه القرآن " ، والله جل وعلا قد وصفه بقوله : " وإنك لعلى خلق عظيم " .
فعُلم من هذا أن من هدي النبوة وشمائلها أنه صلى الله عليه وسلم كان ( يضحك ويتبسّم ) .
بل كان جليسه حين يجالسه يشعر في قرارة نفسه أنه أحب من في المجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرة ما يبتسم له .
يقول جرير بن عبدالله رضي الله عنه : ( مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلَا رَآنِي إِلَّا ضَحِكَ ) رواه البخاري.
فقد كان صلى الله عليه وسلم يتبسم ويضحك حتى تبدو نواجذه . .
وما أحوجنااليوم - والدعاة خاصة - إلى معرفة هذا الهدي النبوي اللطيف الذي أسر به صلى الله عليه وسلم النفوس ، وكان مفتاحاً من مفاتيح القلوب .
إن من الناس اليوم من يظن أن الابتسامة والضحك من قلّة الهيبة وخوارم المروءة وعدم الجدّية . . !
يحسب أن الجدّية وجه عبوس !!
وعين جحوظ . . !!
كأنما فقئ في وجهه حب الرمان !!
فمتى يعي أولئك النفر من الناس أن الابتسامة الصادقه ، والضحك البريء
هو هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم . .
متى يعي أولئك أن الابتسامة المشرقة مفتاح من مفاتيح القلوب . .
وأن الضحكة النابعة من قلب صادق وسيلة من وسائل الثبات والتثبيت . .
لقد بلغت ضحكتة وابتسامته عليه الصلاة والسلام منتهاها ، حيث اعتنى بها وهو في لحظات الموت ومفارقة أصحابه ، ولم يمنعه الوجع أو شدة نزع الروح من تلك السجية العظيمة ،
فعن أنس رضي الله عنه قال : ( كان أبو بَكْرٍ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنْ الْفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ وَأَرْخَى السِّتْرَ فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ ) رواه البخاري .
فما أشدّ عنايته صلى الله عليه وسلم بهذاالخلق العظيم اللطيف ( الابتسامة ) .
ولنقف هذه الوقفات مع نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم لنتعلم منه هل نضحك . . . ومتى . . وكيف ؟ !
1 - كان صلى الله عليه وسلم يضحك إذا علّق أحد أصحابه على كلامه بطرفة .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ فَقَالَ لَهُ أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ قَالَ بَلَى وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ قَالَ فَبَذَرَ فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ وَاللَّهِ لَا تَجِدُهُ إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رواه البخاري .
فانظر إليه صلى الله عليه وسلم يضحك من قول هذا الأعرابي ضحكاً آنسه وأدخل السرور عليه .
لو كان اليوم أحدٌ يقول هذا في مجلس معلم أو مرب أو موجّه لربما نهره وانتهره وسمّى ذلك من سوء الأدب !!
2 - يضحك لمن آذاه أو أغلظ عليه .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ ثُمَّ قَالَ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ ) رواه البخاري .
لقد كان قلباً رحيماً . . يطفئ غضب نفسه ببسمة صادقة في وجه من أساء إليه . . وبها كان يشرح قلب محدّثه .
3 - حتى عند اشتداد الأزمات .. يضحك !!
في معركة أحد يُهزم جيش الإسلام ، ويقتل سبعين من خيرة الصحابة رضوان الله عليهم ويصاب المسلمون مصابا عظيماً في ذلك اليوم ، ثم هو صلى الله عليه وسلم يجعل للبسمة في الشدّة مكاناً . .
فعن عامر بن سعد عن أبيه قال : ( كَانَ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَحْرَقَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي قَالَ فَنَزَعْتُ لَهُ بِسَهْمٍ لَيْسَ فِيهِ نَصْلٌ فَأَصَبْتُ جَنْبَهُ فَسَقَطَ فَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى نَوَاجِذِهِ ) رواه البخاري .
ولو ابتسم أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع لقيل عنه إنه منعدم الشعور ، بل قد يجعل ممن انعدم فيه أصل الولاء ، فكيف يضحك وإخوته مصابون ؟؟!
ولكنهم ليتهم يعرفون كم كان لهذه الضحكة من أثر في نفوس الصحابة، فقد غسلت نفوسهم ، وطيّبت خواطرهم ، وشدّت من عزائمهم .
4 - يضحك حتى لمن أذنب وممن أذنب !!
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ( كان رجل عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَلْعَنُوهُ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) رواه البخاري .
إن ضحكه صلى الله عليه وسلم لم يكن من باب الرضا بذلك المنكر ، ولكنه نوع من التربية الصامتة التي تردع المندفع وتمنع العاصي . إن من الناس اليوم لا يقبل أن يضحك من طرفة يقولها بعض العصاة أو لطافة أو ظرافة فيهم ، ويرى أن ذلك نقصاً في مروءته أو شخصيته حين يضحك من أضحوكة مذنب أو عاصٍ !!
حتى حين يخطئ المخطئ لم يكن صلى الله عليه وسلم ليمنع ابتسامته وضحكته عند توجيه المخطئ من أن تبدو على أسارير وجهه . .
يقول أنس - خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا. فأرسلني يوما لحاجة. فقلت : والله! لا أذهب. وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق. فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي. قال فنظرت إليه وهو يضحك. فقال : "يا أنيس! أذهبت حيث أمرتك؟" قال قلت : نعم. أنا أذهب، يا رسول الله! رواه مسلم .
وإن لهذه البسمة والضحكة البريئة أثرها التربوي في نفس المتربي !!
فيالله كم نخسر من عواطف أبناءنا ومشاعرهم حين نقابل أخطاءهم بالتجهّم والزجر والردع !!
إننا حين نتجهّم على أطفالنا أو زوجاتنا أو حتى إخواننا إذا أخطأوا فإننا إنما نغضب لذواتنا وننتصر لنفوسنا . . !!
لأننا لو أردنا خيرهم ومصلحتهم لسبقت الابتسامة إيقاع العقوبة !!
5 - ابتسامة المغضب !!
يقول كعب بن مالك - وهو أحد المتخلفين عن غزوة تبوك - ( فلما سلمت عليه -أي على رسول الله - تبسم تبسُّم المغضِب ) .
وهي وربي حالة عجيبة ، وكأني به صلى الله عليه وسلم يغلب عليه طبعه من اللين والرحمة والشفقة والرأفة لأن تظهر أثر هذه الرحمة على محياه حتى وقت غضبه !!
من الناس اليوم من يغضب من زوجته أو ولده أو صديقه أو جاره فلا يقبل منه حقاً ولا يقرّ له فضلاً . .
فما أعظم تربية ( ابتسامة المغضب ) وأثرها في نفس المخطئ . .
وكأنها رسالة إليه تقول له : لقد فقدت أيها المخطئ بريق هذه البسمة بسبب خطأك !!
فتبلغ هذه الابتسامة ( ابتسامة المغضب ) أثرها في النفس حتى لا يكاد يخطئ مرة أخرى ليكسب بريق هذه البسمة !!
وأثر هذه الابتسامة في ساعة الغضب أحدّ من السيف القاطع إذا صدرت من قلب محب مشفق ووقعها أشد من كل لفظ قارع . .
وبهذه الابتسامة يحدث التوازن المطلوب بين حسنات الشخص وسيئاته والتغلب على عقدة ( نصف الكوب الفارغ ) !!
6 - وصيته صلى الله عليه وسلم بالتبسّم .
لقد كان صلى الله عليه وسلم يتخيّر الوصايا في وصية أصحابه رضوان الله عليهم ، وكانت وصاياه صلى الله عليه وسلم لصحابته خاصة وللأمة من بعدهم عامة - والدعاة منهم خاصة - فأوصى مرة أبا ذر رضي الله عنه بقوله : " لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ) رواه مسلم .
قال الإمام النووي رحمه الله : " فِيهِ الْحَثّ عَلَى فَضْل الْمَعْرُوف , وَمَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ , حَتَّى طَلَاقَة الْوَجْه عِنْد اللِّقَاء " .
فماأحوج الدعاة اليوم أن يوصي بعضهم بعضا - من ضمن ما يتواصون به - بالابتسامة والبشاشة .
7 - والتبسم صدقة . . !!
وقيمة الصدقة وعظم أجرها يكون بقدر صدقها والإخلاص فيها . .
يقول صلى الله عليه وسلم : " وتبسّمك في وجه أخيك صدقة " .
كنّا - ولا زلنا - نقرأ في سير السلف الصالح من اشتهر منهم بطول الصلاة ، ومنهم بحب الصيام ، ومنهم بكثرة البر والصدقات . .
وقليلاً ما نلتفت إلى من كانت شهرته بمثل هذه العبادة اللطيفة عبادة ( التبسّم ) وصدقة ( الابتسامة ) . .
فهذا الأعمش الإمام المشهور ، اشتهر بين العلماء بمزحه وطرفته ، ومع ذلك لم تضره تلك الصفة في دينه ، حتى قال عنه الإمام يحي بن سعيد القطان: " كان من النساك ، وهو علاّمة الإسلام " وقال وكيع عنه : " اختلفت إليه قريباً من سنتين ما رأيته يقضي ركعة وكان قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى " .
بل انظر إلى ابن قدامة رحمه الله فقد قتل مخالفيه بابتسامة عريضة تطفئ لهيب الخصومة بينهم ، حتى كان البعض يُقْبِل للمناظرة " والمشاجرة" فإذا رأى ابن قدامة وما عليه من تلك الابتسامة ترك ما عليه من شحناء وبغضاء .
ووجه العلاقة بين الابتسامة والصدقة أن الصدقة - كما نعلم - فيها أجر وثواب وفيها نفع وإحسان .. إذا تصدقت على إنسان فهذا ثواب لك ونفع لذلك الإنسان وصلة بينك وبينه، فكأن الإبتسامة أيضاً تحقق هذا المعنى كله فهي صدقة فيها لك أجر وثواب من الله عز وجل ، وهي أيضاً نفع وفائدة للذي تبتسم في وجهه ، وهي علاقة وصلة بينك وبينه ويكون لها أثرها القلبي والنفسي في تقارب القلوب وتآلف النفوس
8 - يتبسّم صلى الله عليه وسلم تطيباً وتفاؤلاً .
في موقف مع أم حرام بنت ملحان - رضي الله عنها - في موقف يدل على أن الإبتسامة أيضاً تحمل التفاؤل وتدل على بشارة وأمل في المستقبل بإذن الله - عز وجل - في قصة أم حرام من حديث أنس رضي الله عنه :
" أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نام يوماً قريباً منها ثم استيقظ وتبسم ، فقالت : يا رسول الله ما يضحكك ، قال : أناسٌ من أمتي عرضوا عليّ يركبون البحر كالملوك على الأسرة يعني يغزون في البحر، قالت : يا رسول الله ادعوا الله أن يجعلني منهم ودعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
فكانت بعد ذلك ممن غزى في سبيل الله - عز وجل - في البحر مع أول من غزى من الصحابة رضوان الله عليهم .
9 - وبين نسائه يضحك !!
تقول عائشة رضي الله عنها في وصف حاله صلى الله عليه وسلم حين يكون بين نسائه وخلى بهن : " كالرجل من رجالكم الا أنه كان أكرم الناس وألين الناس وكان ضحّاكاً بسّاماً . - رواه مسلم -
فتأمل الوصف على صيغة المبالغة ( ضحّاكاً بسّاماً ) !!
ومرّة يكون مع أصحابه في بعض أسفاره ومعه عائشة رضي الله عنها وهي جارية [قالت : لم أحمل اللحم، ولم أبدن]، فقال لأصحابه : تقدموا، [فتقدموا]، ثم قال : تعالي أسابقك، فسابقته، فسبقته على رجلي، فلما كان بعد، خرجت معه في سفر، فقال لأصحابه : تقدموا،ثم قال : تعالي أسابقك، ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم، [وبدنت]، فقلت : كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذه الحال؟ فقال : لتفعلن، فسابقته، فسبقني، فـ [جعل يضحك، و] قال : هذه بتلك السبقة.
بل كان يضحك من أثر الغيرة التي تكون بين زوجاته رضوان الله عليهن : قالت عائشة : لا أزال هائبة لعمر بعدما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم -صنعت حريرة وعندي سودة بنت زمعة جالسة، فقلت لها : كلي فقالت : لا أشتهي ولا آكل فقلت : لتأكلن أو لألطخن وجهك، فلطخت وجهها. فضحك رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وهو بيني وبينها، فأخذت منها فلطخت وجهي، ورسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يضحك، إذ سمعنا صوتا جاءنا ينادي : يا عبد الله بن عمر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : قوما فاغسلا وجوهكما، فإن عمر داخل فقال عمر : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم. أأدخل؟ فقال : ادخل ادخل.
إن من وصايا بعض الأزواج اليوم بعضهم لبعض أن لا تبتسم إلى المرأة أو تضحك إليها !! فإنك إن فعلت ذلك ملكتك واستطاعت عليك !!
وبعض المعددين يرون من الحزم أن لا يضحك بين زوجاته . . !!
فأين هؤلاء من هديه صلى الله عليه وسلم مع أزواجه يكون ضحّاكاً بسّاماً !!
10 - ويبتسم لضحك أصحابه .
سئل جابر بن سمرة - رضي الله عنه - أكنتَ تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! قال : نعم كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت قام وكانوا أي مع الصحابة يتحدثون ويأخذون في أمر الجاهلية في بعض أخبارها السابقة فيضحكون ويبتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
فانظر لطيف أدبه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كيف كان يشاركهم أحاديث مجالسهم حتى لو بابتسامة رضاً ومؤانسة لهم .
وفي بعض تجمّعات الناس اليوم سواء كانت مجمع فرح أو مؤانسة تجد من الحضور من ينعزل عنهم حفظاً لسمعته ومكانته أن يكون معهم من الضاحكين !!
11 - يضحك مما يُضحك منه .
قد يسمع الانسان طرفه ، أو يرى حادثة مضحكة أو موقفاً طريفاً فلربما بعضهم كتم ضرورة الضحك في نفسه ، ومنهم من يطلق لهذه الضرورة عنانها لتعبّر عن مكنون صدرها . .
لقد كان صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يضحك أو سمع ما يضحك تبسّم بل ربما ضحك حتى تبدو نواجذه . .
دخلت ذات مرة زوجة أبا رافع رضي الله عنهما تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له صلى الله عليه وسلم : ما لك ولها يا أبا رافع؟، قال : تؤذيني يا رسول الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : بما آذيته يا سلمى؟ا قالت : يا رسول الله ما آذيته بشيء، ولكنه أحدث وهو يصلي فقلت له : يا أبا رافع إن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قد أمر المسلمين إذا خرج من أحدهم الريح أن يتوضأ، فقام فضربني فجعل رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يضحك ويقول : يا أبا رافع إنها لم تأمرك إلا بخير.
وعن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال: «استأذنَ عمرُ بن الخطابِ على رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وعندَهُ نِسوةٌ من قُريش يُكلِّمنَه ويَستكثِرْنَه، عاليةً أصواتُهنَّ على صَوتِه فلما استأّذنَ عمرُ بن الخطاب قمنَ فبادَرنَ الحجابَ، فأذِن لهُ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فدخَلَ عمرُ ورسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَضحكُ؛ فقال: أضحَكَ اللَّهُ سنَّكَ يا رسولَ الله، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «عجِبتُ من هؤلاء اللاتي كنَّ عندي، فلما سمعنُ صوتَكَ ابتدَرْن الحجاب»، قال عمرُ: فأنتَ أحقُّ أن يهَبنَ يا رسولَ الله. ثم قال عمر: يا عدُوّاتِ أنفُسهِنَّ، أتَهَبْنَني ولا تهبنَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليهوسلم؟ فقلن: نعم، أنتَ أفظُّ وأغلظُ من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إيهاً يا ابنَ الخطّاب، والذي نفسي بيدِه، ما لِقيَكَ الشيطانُ سالكاً فجّاً قطُّ إلاّ سَلكَ فجّاً غيرَ فجِّك».
12 - كان صلى الله عليه وسلم لا يلوم الرجل الضُّحكة .
فقد عُرف عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم أنه من أصحاب الطرافة والضحك ، ومع ذلك فلانجده صلى الله عليه وسلم يعتب عليهم هذه السجيّة فيهم .
من مثل هذا حديث أُسَيْدِ بنِ حُضَيْرٍ ، ـ رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ ـ قال: « بَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ وَكَانَ فِيهِ مُزَاحٌ بَيْنَا يُضْحِكُهُمْ، فَطَعَنَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في خَاصِرَتِهِ بِعُودٍ، فقَالَ: أصْبِرْني، قالَ: اصْطَبِرْ، قال: إِنَّ عَلَيْكَ قَمِيصاً وَلَيْسَ عَلَيَّ قَمِيصٌ، فَرَفَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عنْ قَمِيصِهِ فاحْتَضَنَهُ وَجَعَلَ يُقَبِّلُ كَشْحَهُ، قالَ: إِنَّمَا أرَدْتُ هذَا يَا رَسُولَ الله».
وعن عمرَ بن الخَطاب أن رجلاً كان على عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يُلقبُ حِماراً وكان يُضحكُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد جَلدَهُ في الشراب، فأُتيَ به يوماً فأمرَ به فجُلدَ، فقال رجلٌ منَ القوم: اللهمَّ العَنْهُ، ما أكثرَ ما يؤتى به! فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا تَلعَنوهُ، فو الله ما علمتُ إلا أنه يحبُّ الله ورسوله».
المقصود أنه صلى الله عليه وسلم كان لايعتب على من كان في طبيعته هذه السجيّة من الطرافة والفكاهة .
13 - كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن كثرة الضحك .
جاء عند ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تكثر الضحك ، فإن كثرة الضحك تميت القلب " !
والمقصود في ذلك هو الإفراط في الضحك على كل حال ، فإن هذا الإفراط علامة موت القلب ، إذا القلب الحي هو الذي يتكامل في جانب الفرح والحزن والضحك والبكاء .
ولذلك نجد أن هدي السلف أنهم ما كانوا يقبلون الضحك على كل حال ، وقد رأى ابن مسعود رضي الله عنه رجلاً يضحك فـي جنازة فقال: والله لا أكلـمك أبداً !!
وذلك أنه كان يضحك في موطن لا يسوغ فيه الضحك .
في دراسة حديثة أثبتت : أن الإغراق في الضحك يضعف فعلا ويقلل القدرة على التحكم بالنفس، كما هو شائع في اعتقاد العامة. وجاء في دراسة نشرتها مجلة لانسيت الطبية أن الضحك الشديد يضعف قوى الإنسان ويضعف قدرته على التحكم في ركبتيه. !!
تلك جملة من الأحداث والمواقف والتوجيهات التي تبيّن لنا بجلاء الهدي الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في باب الضحك والتبسّم ، وتتبع مثل هذه المواقف والأحداث ودراستها دراسة تربوية تطبيقية من المهمّأت التي ينبغي علىالدعاة أن يحرصوا على معرفتها ومعرفة موطن الاقتداء فيها .
= = = = = = = =
عندما تضحك . .
بماذا تشعر . . ماذا يحصل لك . . كيف يراك الآخرون ؟؟!
تابع بقية ما تبقى من الساعة في لقاء قادم إن شاء الله
=====