التصــــــــــوف
حركة دينيه انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة كرد فعل مضاد للإنغماس في الترف الحضاري . ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقاً مميزة معروفة باسم الصوفية . ولا شك أن ما يدعو إليه الصوفية من الزهد والورع و ( التوبة ) والرضا ، إنما هي أمور من الإسلام الذي يحث على التمسك بها والعمل من اجلها ، ولكن الصوفية في ذلك يخالفون ما دعا إليه الإسلام حيث ابتدعوا مفاهيم وسلوكيات مخالفة لما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته ، فالمتصوفة يتوخون ( تربية النفس ) والسمو بها بغية الوصول إلى معرفة الله تعالى بالكشف والمشاهدة لا عن طريق اتباع الوسائل الشرعية . وقد تنوعت وتباينت آراء الناس وتوجهاتهم نحو تلك الحركة لإن ظاهرها لا يدل على باطنها ، ومن هنا تأتي أهمية طرحنا لهذا الموضوع الذي نجزم أنه يستحق أكثر من ذلك لتشعبه وصعوبة الإحاطة بأطرافه .... فما هي الصوفية.....؟ ولماذا سميت بهذا الإسم ....؟ وكيف نشأت.....؟ ما هي عقيدتهم ....؟ وما موقف أهل السنة والجماعة منهم ....؟
- يخلط الكثيرون بين ( الزهد والتصوف ) ومن هنا كان تأثر الكثيرين بالتصوف ، فالزهد ليس معناه هجر المال والأولاد ، وتعذيب النفس والبدن بالسهر الطويل والجوع الشديد والإعتزال في البيوت المظلمة ، والصمت الطويل .. !! وعدم التزوج . لإن إتخاذ مثل ذلك نمطا ً للحياة يعد سلوكاً سلبياً يؤدي إلى فساد التصور ، وإختلال التفكير الذي يترتب عليه الإنطواء والبعد عن العمل الذي لا يستغني عنه أي عضو فعال في مجتمع ما ، كما يؤدي بالأمة إلى الضعف والتخلي عن الدور الحضاري الذي ينتظر منها .
- من أين اشتق اسم الصوفيــــــة
لم يتفق الكتاب من المتصوفة وغيرهم في تحديد الأصل الذي يمكن ارجاع اشتقاق لفظ التصوف إليه ، ولعل من أبرز ما ذكر عن مسمى التصوف ما يلي :
- الصفة : حيث سموا بذلك نسبة إلى أهل الصفة وكان لقباً أعطي لبعض فقراء المسلمين في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ممن لم تكن لهم بيوت فأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ببناء فناء ملحق بالمسجد من أجلهم ، وهذا يوضح إدعاء المتصوفة بربط التصوف بعصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه أقر النواة الصوفيه الأولى ، مع العلم أن أهل الصفة ما كانوا منقطعين عن الناس من أجل الزهد الصوفي .
- الصفاء : ومعناها أن الصوفية صافية من الشرور وشهوات الدنيا ، وهذا الإشتقاق غير صحيح لغوياً فالنسبة إلى الصفاء صفوي أوصفاوي أو صفائي وليس صوفياً .
- بني صوفة : بعضهم ينسبون الصوفية إلى بني صوفة وهي قبيلة بدوية كانت تخدم الكعبة في الجاهلية .
- الصوف : وفي هذا يذهب غالب المتصوفة المتقدمين والمتأخرين إلى أن الصوفي منسوب إلى لبس الصوف ، وحرص معظم الصوفية إلى رد اسمهم إلى هذا الأصل يفسر ميلهم إلى المبالغة في التقشف والرهبنة وتعذيب النفس والبدن باعتبار ذلك كله لونا ًمن ألوان التقرب إلى الله ، كما يرون أن لبس الصوف دأب الأنبياء عليه السلام والصديقين وشعار المساكين المتنسكين .
- نشـــأة الصوفيـــــــة
تختلف العقيدة الصوفية عن عقيدة الكتاب والسنة في امور عديدة من أهمها : مصدر المعرفة الدينية ، ففي الإسلام لا تثبت عقيدة إلا بقرآن وسنة النبي - عليه الصلاة والسلام - ولكن في التصوف تثبت العقيدة بالإلهام والوحي المزعوم !! للأولياء والإتصال بالجن الذين يسمونهم ال******ين ، وبعروج الروح إلى السماوات ، وبالفناء في الله ، وإنجلاء مرآة القلب حتى يظهر الغيب كله للولي الصوفي حسب زعمهم وبالكشف ، وبربط القلب بالرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث يستمد العلوم منه . وأما القرآن والسنة فإن للصوفية فيهما تفسيراً باطنياً حيث يسمونه أحياناً تفسير الإشارة ومعاني الحروف فيزعمون أن لكل حرف في القرآن معنى لا يطلع عليه إلا الصوفي المتبحر ، المكشوف عن قلبه .
- عقيدة الصوفيــــة في الله تعــــالى
يعتقد المتصوفة في الله شتى .. منها " الحلول " الذي يعني أن يكون الصوفي إلهاً ورباً يعلم الغيب كما يعلمه الله سبحانه وتعالى حيث أن الهدف الصوفي هو الوصول إلى مقام النبوة أولاً ثم الترقي حتى يصل الفرد منهم في زعمهم إلى مقام الألوهية والربوبية . البسطامي من أعلام القرن الثالث في التصوف ومن أئمة المتصوفين يقول : رفعني مرة فأقامني بين يديه ، وقال لي : يا أبا زيد إن خلقي يحبون أن يروك ، فقلت : زيني بوحدانيتك ، وألبسني انانيتك ، وأرفعني إلى احديتك ... ( تعالى الله عما يقول علواً كبيراً ) وتأكيد الصوفية على القول بالحلول التي جعلتهم يتشبهون بصفات الله جعلهم يصلون في النهاية إلى القول " بوحدة الوجود " التي تعني في العقيدة الصوفية أنه ليس هناك موجود إلا الله سبحانه وتعالى فيس غيره في الكون وما هذه الظواهر التي نراها إلا مظاهر لحقيقة واحدة هي الحقيقة الألوهية . ويؤمن الصوفية بهذه العقيدة حتى يومنا هذا .
- عقيدة الصوفية في الرسول - صلى الله عليه وسلم -
يعتقد الصوفية في الرسول - صلى الله عليه وسلم - عقائد شتى فمنهم من يزعم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يصل إلى مرتبتهم وحالهم ، وأنه كان جاهلاً بعلوم رجال التصوف كما قال البسطامي : " خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله " ومنهم من يعظم الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى درجة الوصول إلى الألوهية حيث يعتقد البعض من الصوفية أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو قبة الكون وهو الله المستوي على العرش وأن السماوات والأرض والعرش والكرسي وكل الكائنات خلقت من نوره وأنه موجود وهو المستوي على عرش الله وهذه عقيدة ابن عربي ومن جاء بعده .
- عقيـــدة الصوفيـــــة في الأوليـــاء
يرى الصوفية أن الولي هو : من يتولى الله سبحانه وتعالى أمره فلا يكله إلى نفسه لحظة ، ومن يتولى عبادة الله وطاعته ، فعبارته تجري على التوالي من غير أن يتخللها عصيان ، وحقيقة الولي عند الصوفي أنه يسلب جميع الصفات البشرية ويتحلى بالأخلاق الألهية ظاهراً وباطناً ، ويصل إلى المساواة مع الله سبحانه وتعالى حيث يعتقد الصوفية في الأولياء بأن لهم القدرة على إنزال المطر وشفاء الأمراض وإحياء الموتى وحفظ العالم من الدمار ولا شك أن هنك آثاراً خطيرة تترتب على هذه العقيدة من أهمها الوقوع في شرك الربوبية والعياذ بالله .
- عقيدة الصوفية في الجنــــة والنــــار
الصوفية يعتقدون أن طلب الجنة والنار والفرار من النار ليس هدفاً ، فالله يعبد لذاته حيث يزعم المتصوفة أن العبادة الحقة هي ما كانت دون طلب العوض من الله وأن يشهد فيها فعل الله لا فعل العبد ، وأن من شاهد فعله في الطاعة فقد جحد ، والصوفية يعتقدون أن طلب الجنة منقصة عظيمة وانه لا يجوز للولي أن يسعى اليه ولا أن يطلبها ومن طلبها فهو ناقص ، وإنما الطلب عندهم والرغبة في الفناء ( المزعوم ) في الله ، والإطلاع على الغيب والتعريف في الكون .. هذه جنة الصوفي المزعومة . وأما النار فإن الصوفية يعتقدون أيضاً أن الفرار منها لا يليق بالصوفي الكامل لإن الخوف منها طبع العبيد وليس الأحرار ..... ( يتبـــــــع )