صور من مواقف الصحابة في الاستجابة
1- قصة الخاتم من الذهب:
لما رأى الصحابة في يد النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتَمًا مِن ذهب، لبسوا خواتيم من ذهب، فلما خلَعه خلعوا خَواتيمَهم.
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اصطَنع خاتَمًا مِن ذهب، وكان يَلبسه فيجعَل فصَّه في كفِّه، فصنَع الناس خواتيم، ثم إنه جلس على المنبر فنزعه، فقال: ((إني كنتُ ألبس هذا الخاتم وأجعل فصَّه من داخل)) فرمى به ثم قال: ((والله لا ألبسه أبدًا)) فنبَذ الناس خواتيمهم[1].
و لمّا رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في يد رجل خاتمًا مِن ذهبٍ نزَعه منه وطرَحه أرضًا، فمِن حرْص الرجل على طاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رفَض أن يرفَع الخاتم الذي طرحه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم.
عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى خاتمًا في يد رجل فنزعه فطرَحه، وقال: ((يَعمِد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده!))، فقيل للرجل بعدما ذهَب رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: خذ خاتمك انتفِع به، قال: "لا والله، لا آخُذه أبدًا؛ قد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم"[2].
2 - قصة خلع النعال:
وحينما خلَع النبي -صلى الله عليه وسلم- نعلَيه في الصلاة خلع الصحابة نِعالهم؛ تأسيًا ومُتابعة له، وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُصلِّي بأصحابه إذ خلَع نعليه فوضَعهما على يَساره، فلما رأى ذلك القوم ألقَوا نِعالهم، فلما قضَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاته، قال: ((ما حملكم على إلقاء نِعالكم؟)) قالوا: رأيناك ألقيتَ نعلَيك فألقَينا نِعالنا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((إن جبريل - عليه السلام - أتاني فأخبرني أن فيها قذرًا))، أو قال: ((أذى)) وقال: ((إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظرْ فإن رأى في نعلَيه قذرًا أو أذًى فليَمسحه وليُصلِّ فيهما))[3].
3- الصحابة يزجرون أبناءهم:
هذا أثر فيه قوة في زجر الصحابة لمن لا يستجيب لقول الله ورسوله، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تَمنعوا إماء الله أن يُصلِّين في المسجد)) فقال ابنٌ له: "إنا لنَمنعهنَّ"، فغضب غضبًا شديدًا، وقال: "أُحدِّثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول: إنا لنَمنعهنَّ؟!"[4]؛ وهو غير قصَّة ولد ابن عمر في الصحيحَين.
4 - سرعة الاستجابة من الصحابة:
عن أبي مسعود البدري قال: "كنتُ أَضرِب غلامًا لي بالسوط، فسمعتُ صوتًا مِن خلفي: ((اعلم أبا مسعود))، فلم أفهم الصوت مِن الغضب، قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو يقول: ((اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود)) قال: فألقيتُ السَّوط من يدي، فقال: ((اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام))، قال: فقلت: لا أَضرِب مملوكًا بعده أبدًا؛ رواه مسلم.
5- الاستجابة في الحجاب:
هذه أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنهما-: يَصفْنَ حال نساء الصحابة -رضي الله عنهن- عند نزول آية الحجاب، انظر رَحِمك الله إلى المسارعة في طاعة الله ورسوله، فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: يَرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل، لما أنزَل الله -عز وجل-: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، شقَقْن أَكثَف مُروطِهنَّ فاختَمرنَ بها؛ رواه أبو داود وعلَّقه البُخاري، وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: لما نزلت: ﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب: 59] خرَج نساء الأنصار كأن على رؤوسهنَّ الغِربان مِن الأكسية؛ رواه أبو داود.
6- التزام قولِه وإن خاف عليه:
عن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- قال: كنتُ أمشي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في حرة المدينة فاستقبَلَنا أُحدٌ، فقال: ((يا أبا ذر)) فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((ما يَسرُّني أن عندي مثل أُحد ذهبًا تمضي علي ثالِثة وعندي منه دينار، إلا شيئًا أرصده لدَين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا، وهكذا، وهكذا)) عن يَمينه وعن شماله ومِن خلفه، ثم مشَى فقال: ((إن الأكثرين هم الأَقلُّون يوم القيامة، إلا مَن قال هكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومِن خلفه، وقليلٌ ما هم))، ثم قال: ((مكانك لا تَبرحْ حتى آتيك))، ثم انطلَق في سواد الليل حتى توارى فسمعتُ صوتًا قد ارتفَع فتخوَّفتُ أن يكون قد عرَضَ للنبي -صلى الله عليه وسلم- فأردتُ أن آتيه، فذكرتُ قوله لي: ((لا تبرَح حتى آتيك))؛ فلم أبرح حتى أتاني، فقلتُ: يا رسول الله، لقد سمعتُ صوتًا تخوَّفتُ فذكرتُ له، فقال: ((وهل سمعتَه؟))، قلت: نعم، قال: ((ذلك جبريل أتاني فقال: مَن مات مِن أمتك لا يُشرِك بالله شيئًا، دخل الجنة))، قلت: وإن زنى؟ وإن سرَق؟ قال: ((وإن زنى، وإن سرق))[5].
7- حبُّ شيء أحبَّه النبي -صلى الله عليه وسلم-:
عن أنس -رضي الله عنه- أن خياطًا دعا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لطعام صنَعه، قال أنس: "فذهبتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك الطعام، فقرَّب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبزًا ومرقًا فيه دُبَّاء وقديد، فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتتبَّع الدباء مِن حوالي القَصعة"، قال: "فلم أزل أُحبُّ الدُّبَّاء مِن يومئذ[6].
8- نالتها دعوة عظيمة لمَّا استجابت للرسول:
عن أبي بَرزة الأسلمي -رضي الله عنه- قال: كانت الأنصار إذا كان لأحدهم أَيِّم لم يُزوِّجها حتى يَعلم هل للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيها حاجة أم لا؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل من الأنصار: ((زوِّجني ابنتك))، فقال: نعم وكرامة يا رسول الله ونُعْم عيني، فقال: ((إني لست أريدها لنفسي))، قال: فلِمَن يا رسول الله؟ قال: ((لجُليبيب))، قال: يا رسول الله، أشاور أمَّها، فأتى أُمَّها فقال: رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب ابنتك، فقالت: نعم ونُعمة عيني، فقال: إنه ليس يَخطبها لنفسِه؛ إنما يَخطبها لجليبيب، فقالت: أجليبيب إِنِية؟ أجليبيب إِنِية؟ أجليبيب إِنِية؟ فقال لا لعَمر الله، لا تزوَّجُه، فلما أراد أن يقوم ليأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليُخبِره بما قالتْ أُمُّها، قالت الجارية: مَن خطَبني إليكم؟ فأخبرتْها أمُّها، فقالت: أَتردُّون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره؟! ادفعوني؛ فإنه لم يُضيِّعني، فانطلَق أبوها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فقال: شأنك بها، فزوَّجها جليبيبًا، قال: فخَرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة له، قال: فلمَّا أفاء الله عليه، قال لأصحابه: ((هل تفقدون أحدًا؟)) قالوا: لا، قال: ((لكني أَفقِد جليبيبًا))، قال: ((فاطلُبوه في القتلى))، فطلبوه فوجدوه إلى جنْب سَبعة قد قتَلهم ثم قتلوه، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقام عليه، فقال: ((قتل سبعةً وقتلوه؟ هذا مِني وأنا منه، هذا مني وأنا منه)) مرَّتين أو ثلاثًا، ثمَّ وضعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ساعِدَيه وحفر له، ما له سَرير إلا ساعِدَا رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- ثم وضعه في قبره، ودعا لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللهم صبَّ عليها الخير صبًّا، ولا تجعل عيشها كدًّا كدًّا))، فما كان في الأنصار أَيِّم أنفقَ منها[7].
9- الشجاعة في الاستجابة:
عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ سيفًا يوم أُحد فقال: ((مَن يأخذ مني هذا؟)) فبَسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا أنا، قال: ((فمَن يَأخُذه بحقِّه؟)) فأحجَم القوم، فقال سِماك بن خرَشة أبو دُجانة: "أنا آخُذه بحقِّه"، قال: فأخَذه ففلَق به هام المشركين[8].
10 - الاستجابة في الضيافة:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبعَث إلى نسائه، فقُلنَ: ما معَنا إلا الماء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن يضمُّ أو يُضيف هذا؟))، فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلَق به إلى امرأته فقال: أَكرِمي ضَيفَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالتْ: ما عِندنا إلا قوت صِبياني، فقال: هيِّئي طعامك، وأَصبِحي سِراجَك، ونوِّمي صِبيانَكِ إذا أَرادوا عشاءً، فهيَّأت طعامَها، وأصبَحتْ سِراجها، ونوَّمت صبيانها، ثم قامت كأنَّها تُصلِح سِراجها فأطفأته، فجعلا يُريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويَين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ضَحِكَ الله أو عَجب مِن فعالكما))، فأنزل الله -عز وجل-: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9][9].