التوراة والإنجيل والقرآن ينفون أن يكون للسحر والحسد تأثير
دكتور/ نادى فرج درويش العطار
مدير مركز ابن العطار للتراث
من المتفق عليه بين جميع العلماء أن القرآن الكريم هو المصدر الأول فى الأحكام الشرعية ودليل ذلك قول الله تعالى وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً [الإسراء 12]وقوله تعالى وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ [الأنعام 119] وقوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة 3] فإذا كان الله تعالى فصّل الدين وبين الحرام وأكمل الدين فلا يجوز لعالم مهما كان قدره أن يتحول عن القرآن بروايات الله أعلم بها وحتى يكون الكلام مختصراً ومفيداً أقول:
إن أحكام السحر والحسد من أمور العقيدة التى يجب على العلماء بيانها حتى يكون الناس على بينة من أمرهم.
التوراة تنفى تأثير السحر والحسد:
" «مَتَى دَخَلتَ الأَرْضَ التِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ لا تَتَعَلمْ أَنْ تَفْعَل مِثْل رِجْسِ أُولئِكَ الأُمَمِ. 10لا يُوجَدْ فِيكَ مَنْ يُجِيزُ ابْنَهُ أَوِ ابْنَتَهُ فِي النَّارِ وَلا مَنْ يَعْرُفُ عِرَافَةً وَلا عَائِفٌ وَلا مُتَفَائِلٌ وَلا سَاحِرٌ 11وَلا مَنْ يَرْقِي رُقْيَةً وَلا مَنْ يَسْأَلُ جَانّاً أَوْ تَابِعَةً وَلا مَنْ يَسْتَشِيرُ المَوْتَى. 12لأَنَّ كُل مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الرَّبِّ. وَبِسَبَبِ هَذِهِ الأَرْجَاسِ الرَّبُّ إِلهُكَ طَارِدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ. " [تثنية 18: 9-13]
من هذا النص يتضح أن من يفعل " هَذِهِ الأَرْجَاسِ " والرجس هو النجاسة – أى من يفعل فعل هذه يكون نجسا. والله تعالى يريد للأمة الإسلامية أن يذهب الرجس عنها والمسلمون الذين يستعملون السحر والحسد لا يريدون أن يذهب الله عنهم الرجس ويطهرهم تطهيراً. وحتى يكون الكلام واضحا لا بد من تعريف للحسد .
الحسد: هو تمنى زوال نعمة الغير والعمل على إزالة تلك النعمة بالمكائد. ويظهر ذلك فى التوراة فى مواضع كثيرة منها على سبيل المثال: قصة أستير وهى مذكورة فى الكتاب المقدس فى العهد القديم فى سفر أستير. وفى التوراة أيضا: النهى عن الحسد، وهو تمنى زوال نعمة الغير والعمل على إزالة النعمة بالمكائد المادية " 1لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ 2فَإِنَّهُمْ مِثْلَ الْحَشِيشِ سَرِيعاً يُقْطَعُونَ وَمِثْلَ الْعُشْبِ الأَخْضَرِ يَذْبُلُونَ. 3اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ وَافْعَلِ الْخَيْرَ. اسْكُنِ الأَرْضَ وَارْعَ الأَمَانَةَ. 4وَتَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ. 5سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِي 6وَيُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ وَحَقَّكَ مِثْلَ الظَّهِيرَةِ. 7انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ وَلاَ تَغَرْ مِنَ الَّذِي يَنْجَحُ فِي طَرِيقِهِ مِنَ الرَّجُلِ الْمُجْرِي مَكَايِدَ. " [مزمور 37: 1-8]
ومن خلال هذه النصوص: يتضح أن التوراة تنهى اليهود عن السحر والحسد، وكما قلت: أن السحر والحسد ليسا لهما أى تأثير. ولذلك نرى اليهود خرجوا من فلسطين فى زمن عمر بن الخطاب بسبب انشغالهم بالسحر، دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الأحقاف 17] وبيان ذلك فى سفر النبى دانيال أن محمد صلى الله عليه وسلم الملقب بـ "ابن الإنسان " يزيل مملكة الروم من فلسطين ويؤسس مملكة تسمى بملكوت السموات أو ملكوت الله. والكلام عن الحسد فى التوراة كثير.
نهى المسيح عيسى عليه السلام عن الحسد وعن السحر:
يقول المسيح عيسى عليه السلام فى إنجيل الديداكى:
1- لا تقتل. لا تزنى. لا تقتل الصبيان. لا تبغ. لا تمارس السحر. لا تسمم أحدا. لا تقتل جنيناً فى البطن. ولاتقتل طفلا مولودا. لا تشته ما للقريب.
2- " لا تكن غضوبا فالغضب يقود إلى القتل، ولا تكن حسودا، ولا مخاصما، ولا شرسا، لأن من كل هذه يتولد القتل "
3- " يا بنى لا تشتهى لأن الشهوة تقود إلى الزنا، ولا تكن قبيح الكلام ولا متعال العين لأنه من كل هذا تتولد أنواع الزنا .
4- " يا بنى لا تكن متفائلا بالطير. لأن ذلك يقود إلى عبادة الأوثان. ولا تكن راقيا ولا منجماً ولا تمارس عادات التطهر الوثنية ولا ترغب أن تنظرها أو تسمعها، لأن من هذه كلها تتولد عبادة الأوثان "
والمسيح فى هذا الكلام ينصح أتباعه بألا يشتغلوا بأمور لا تنفع ولكنها تضر وتؤدى إلى ترك عبادة الله الواحد.
وكانت الأمم الوثنية تعمل أصناماً شبه إنسان أو حيوان، ويضعون كل صنم فى بيت كبير. وكان الشيطان يكلم الناس من داخل الصنم.
ثم ربت الملوك لكل بيت من بيوت الأصنام رجالا لتنظيم الزيارة والتبرك. وهؤلاء الرجال كانوا يوهمون الناس بأنهم يقدرون على نفعهم إذا قرأوا كلمات، وكانت الشياطين تدخل فى أجساد الآدميين وتتكلم وتقول: لا نخرج إلا إذا طلب منا هؤلاء الرجال بأن نخرج. فإذا جاء رجل وطلب منهم الخروج: فإنهم يخرجون وكل ذلك من حيل الشياطين. لصرف بنى آدم عن الله عز وجل.
وقد استغلّ علماء اليهود فعل الشياطين بالناس، وأوهموهم بأنهم يقدرون بتلاوة أدعية وعزائم على تسخير الشياطين فيما يريدون. وابتدعوا قصة خرافية وأذاعوها فى الناس؛ ليصدقوهم. وهى قصة نزول ملكين فى بابل لتعليم السحر. ولكن الله تعالى كذب هذه القصة وبين أن الشياطين لهم تأثير فى أجساد الناس، والسحر ليس له تأثير. ولقب علماء اليهود بلقب الشياطين لشبههم بهم فى الإضلال.
يقول الله تعالى: وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ 99 أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ 100 وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ 101 وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ 102 وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [البقرة 99-103]
وبيان كذب هذه القصة:
1- أنهم زعموا: أن سليمان عليه السلام كان يستخدم السحر فى الضرر. فلذلك كان كافراً، ولو كان قد استعمله فى النفع مثلنا؛ ما عُدّ كافرا. وقد رد الله على زعمهم هذا بقوله: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ وهم علماء اليهود كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ أى اليهود السِّحْرَ
2- زعموا: أن الله أنزل ملكين من السماء هما هاروت وماروت على اليهود فى بابل. وقد رد الله على زعمهم هذا بقوله: وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ
3- وزعموا: أن الملك منهما كان يقول لمريد التعلم: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فنفى أنهما علّما، ونفى أنهما قالا. بقوله: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ وإذْ هم لم يعلما، ولم يقولا؛ فإن اليهود لم يتعلموا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ
4- ثم قال: وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لأنهم يضرون به بواسطة الإيهام والخداع.
وأما عن الحسد فى قوله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ 1 مِن شَرِّ مَا خَلَقَ 2 وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ 3 وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ 4 وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق] وكذلك قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ 1 مَلِكِ النَّاسِ 2 إِلَهِ النَّاسِ 3 مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ 4 الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ 5 مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ [الناس]
تفسير وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق 4]
كان علماء اليهود يعلمون اليهود السحر ويخدعونهم ويوهمونهم بأن له تأثيرا فى حياة الناس وقد انتقل ذلك عنهم إلى أمم وشعوب. فلما طال بالناس الزمان؛ اعتقدوا أن المرأة التى تأتى بخيط وتعقد فيه عقدا وتتفل فى العقد. تصيب فى سحرها. وعلى هذا الاعتقاد؛ عبر الناس عن الشيء المستحسن الذى لا يعرفون سببا لقبحه بأنه سحر. يعرفون سببا لحسنه، وعبروا عن الشيء القبيح: أى أتى بقوة غيبية. وذلك بناء على ما وقر فى أذهانهم وهو أن للسحر تأثير فى دنيا الناس.
ولما وقر فى أذهانهم عنه. شبهوا حيل المرأة التى تحتال بها على رجل ليزنى بها؛ بالسحر. أى أن كلامها وخداعها وحيلها. كل ذلك يؤثر كتأثير السحر. وهذا هو معنى وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ شبه المحتالة بالساحرة بجامع الإيقاع فى الشر فى كل.
تفسير وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق 5]
إذا رأى إنسان نعمة على إنسان يعرفه، وتمنى زوالها؛ فإنه يوقعه فى مشاكل ويزين له الشر، ويدله على مشروعات هو يعلم أنها غير مفيدة لينفق فيها أمواله. ويظل وراءه بالمشورات حتى يخسر أمواله، ويفتقر.
وفى القرآن هذا المعنى. فإن أهل الكتاب لما حسد كثيرون منهم العرب وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة 109]
وفى تفسير الطبرى عن قوله: وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ [القلم 51] ما نصه: "يقول جل ثناؤه: وإن يكاد الذين كفروا يا محمد ينفذونك بأبصارهم من شدة عداوتهم لك ويزيلونك فيرموا بك عند نظرهم إليك غيظا عليك وقد قيل: إنه عني بذلك: وإن يكاد الذين كفروا مما عانوك بأبصارهم ليرمون بك يا محمد ويصرعونك كما تقول العرب: كاد فلان يصرعني بشدة نظره إليّ قالوا: وإنما كانت قريش عانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوه بالعين فنظروا إليه ليعينوه وقالوا : ما رأينا رجلا مثله أو إنه لمجنون فقال الله لنبيه عند ذلك: وإن يكاد الذين كفروا ليرمونك بأبصارهم لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ "
وأخيرا أقول: إن الله لم يجعل للسحر ولا للحسد تأثيراً، ولم يُنزل به من عنده هاروت وماروت. وقد حدث فى الدنيا مرة واحدة؛ معجزة لموسى عليه السلام فى مقابل ما فعل السحرة الذى كان صنعةً. تعلموها تخييلاً وتمويهاً. وفى كتاب التوراة: أن الله يعصم محمداً من اليهود. فلا يقدرون أن يقتلوه " وكل من لا يسمع كلامى الذى يتكلم به باسمى؛ فإنى أحاسبه عليه. وأى نبى تكلم باسمى كلاما زائدا لم آمره به، أو تكلم باسم آلهة أخرى؛ فجزاؤه القتل " ترجمة أخرى: " فيموت ذلك النبى "
وقد نهى الله بنى إسرائيل عن السماع من السحرة والعرافين، وعن التفاؤل، وعن الرقى.
وقد أدخل الرواة فى الكتب الإسلامية أن الرقية جائزة، وأن النبى نفسه كان يرقى ويسترقى. وأدخلوا فى الكتب أن النبى نفسه قد سحره اليهود. مع أن اليهود مأمورون فى التوراة بأنه لا يكون فيهم عائف ولا ساحر ولا من يرقى رقية، ولا من يستشير الموتى. وأدخلوا فى الكتب: أن استشارة الموتى جائزة بزعم أنهم أحياء فى القبور، ويقدرون على نفع أو ضر. لذلك تجد فى ديار الإسلام مساجد كثيرة فيها أضرحة مشيدة للموتى، وتجد الجاهلين من المسلمين يطوفون حولها فى خشوع وهم يستغيثون بهم فى دفع الضر عنهم. وقد كان هذا من فعل الأمم الوثنية قبل نزول التوراة. وأمر الله بنى إسرائيل بمحوه من الوجوه بالقوة، ومن بعد ما محوه؛ فعلوه. ونسبوه إلى النبى والنبى مما نسبوه إليه برئ براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
ورُواة الأحاديث قد أدخلوا فى الكتب الإسلامية من التوراة والأناجيل أشياء كثيرة، مما يدل على أنه قد كان منهم يهود علماء، ونصارى علماء.
فلينتبه المسلمون إلى ذلك، وليمحوا من الكتب الإسلامية كل ما يخالف القرآن فى المعانى، وكل ما يطعن فى أخلاق النبى، وأصحابه الكرام. أيصح أن يكون فى المسلمين إلى اليوم من يبخِّر ويرقى رقية ويتفل فى الماء؟ أليس هذا من فعل الأمم الوثنية واليهود من بعدهم؟ أيصح أن يكون فى المسلمين إلى اليوم من يحضر إلى موالد الموتى لطلب البركة منهم، ولوضع النذور فى أضرحتهم وللطواف حولها وللذكر عندها.
وصدق الله العظيم حيث يقول: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء [البينة 5] وقوله تعالى: وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ [الأنعام 17] وقوله تعالى: فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف 64] وقوله تعالى: إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ [الزمر 38] وقوله تعالى: وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس 107]
عند هذا الحد نتوقف. والله من وراء القصد.