بسم الله الرحمن الرحيم
من شبه المستعين بالجان : أنه مادام أنه لله وليا فإن الشياطين لن تقربه ولن تستطيع أن تلبس عليه في رقيته
فعلى لذلك سيكون بلا شك الجن الذين يستعين بهم جن مسلمون صالحون ! لأن الشياطين قد منعو من حضور رقيته !
وبذلك سيسقط السؤال الذي أزكمت منه أنف هذا المستعين : كيف تعرف أن الجن الذي تستعين به جن مسلم ؟
أقول :
ومع بعده عن مقامات الولاية إلا أن هذا الكلام ليس عاما وحجة في أمن مكر الشياطين وعدم اقترابهم من أجساد الصالحين .أو الجزم أن الذين معه جن مسلمون وصالحون !. كما مضى بيانه وتفنيد هذه الشبهة بما لا مزيد عليه من كلام شيخ الإسلام
والكاتب لا يظن أن حاله أفضل من حال آدم لما جاءه إبليس ووسوس إليه ؟
أوحاله أفضل من حال أيوب لما مسه الشيطان بنصب وعذاب ..
أو أن حاله أفضل من حال رسول الأمة صلوات الله وسلامه عليه وأصحابه مجتمعين لما ناموا عن صلاة الفجر وأخبر أن الشيطان قد بات في ذلك الموضع فهو لم يقترب فحسب بل بات فيه .....
ولما تحدرت عليه الشياطين من الأودية والشعاب وارادوا حرق وجهه الكريم فصرفهم الله بدعاء لقنه جبريل عليه السلام
أو أن رقيته أعظم مقاما من مقام وقوف النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي ربه وهو يصلي ومع هذا فقد اقتربت منه بعض الشياطين حتى خنقهم النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة ..
ولكن مع كل ما مضى من ضعف هذه الشبهة وهوانها إلا أن الشيطان كما أغوى بهذه الشبهة هذا المستعين بالجان ، قد اغوى بها أيضا بعض العباد والزهاد من قبله حتى أوقعهم في الكفر الصريح وادعاء النبوة وشبهته هي من جنس شبهة هذا المستعين من أن ما يأتيهم ليس بشيطان والشيطان لا يستطيع أن يأتي الأولياء .ولا يقترب من المتقين !
فهذه شبهة شيطانية قديمة يلقيها في أذن أوليائه
قال ابن كثير في حوادث تسع وسبعين :
وفيها قتل عبد الملك بن مروان الحارث بن سعيد المتنبئ الكذاب، ويقال له الحارث بن عبد الرحمن بن سعيد الدمشقي، مولى أبي الجلاس العبدري، ويقال مولى الحكم بن مروان، كان أصله من الجولة فنزل دمشق وتعبد بها وتنسك وتزهد ثم مكر به ورجع القهقرى على عقبيه، وانسلخ من آيات الله تعالى، وفارق حزب الله المفلحين، واتبع الشيطان فكان من الغاوين ولم يزل الشيطان يزج في قفاه حتى أخسره دينه ودنياه، وأخزاه وأشقاه.
فإنا لله وحسبنا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال أبو بكر بن ابي خيثمة: ثنا عبد الوهاب نجدة الجولي، حدثنا محمد بن مبارك، ثنا الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن حسان قال: كان الحارث الكذاب من أهل دمشق، وكان مولى لابي الجلاس، وكان له أب بالجولة، فعرض له إبليس، وكان رجلا متعبدا زاهدا لو لبس جبة من ذهب لرؤيت عليه الزهادة والعبادة، وكان إذا أخذ بالتحميد لم يسمع السامعون مثل تحميده ولا أحسن من كلامه،
فكتب إلى أبيه وكان بالجولة: يا أبتاه أعجل علي فإني قد رأيت أشياء أتخوف أن يكون الشيطان قد عرض لي، قال فزاده أبوه غيا على غيه، فكتب إليه أبوه: يا بني أقبل على ما أمرت به فإن الله تعالى يقول (هل أنبئكم على ما تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم) ولست بأفاك ولا أثيم، فامض لما أمرت به ...أهـ .
فهذا قد مكر به لما أمن مكر الشيطان وأن الشيطان لن يستطيع أن يقربه ، وشبهته أنه ليس بأفاك ولا أثيم ، وهو ما كان كذلك بل كان من العباد الزهاد
فكيف بمن كان أفاكا وكذابا على دين الله وعلى الصحابة وعلى إخوانه
وأثيما فاجرا في الخصومة وفي التعامل مع بعض مخالفيه ! ولسانه يقطر سبا وشتما لهم
فبأي وجه يأمن مكر الشيطان و يضمن أن لا يقربه ولا يجلس في مجلسه.
ونظرة سريعة في كتابات المستعين بالجان الذي تم الرد عليه هنا :
يجد أنه ينجر من بدعة إلى بدعة وضلالة إلى أخرى ..
فليت الأمر وقف عند مسألة الاستعانة ولربما قلنا أخذ بفتوى عالم وقلده فيه ..
ولكنه لم يكتف بهذا حتى زعم كذبا وبهتانا أن الاستعانة بالجن يقوي الايمان ويضعف القرين كما سبق بيانه في الإبانة..
وكأنه لم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين ، وما من خير إلا ودل الأمة عليه !
فكيف لو كان الأمر متعلقا بأعظم مقاصد الدين وهو زيادة الإيمان ، ومتعلقا أيضا بإضعاف عدو مترصد صباح مساء وهو القرين ؟
ثم يجهله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وفي المقابل يعلمه هذا المفتري ومن على شاكلته ؟
ثم تجرأ جرأة عظيمة أخرى وافترى فرية أكبر من أختها على خير القرون وخير الامة ، فالبدع تجر بعضها بعضا والكذبة تسحب معها الكذبة ، فقال أن الصحابة كانوا يجالسون الجن ويسألون الجن !
وهذا عين البهت وغاية الضلال ويدلك على أن الكاتب قد بلغ مبلغا عظيما في اختراع الكذب ولو كان على خير الناس ! فما دونهم من باب أولى فهو لا يرعى في مسلم إلا ولا ذمة حينما يتخذك خصما له .
والعجيب أنه أخذ يستدل بما جرى لبعض الصحابة من حوادث مع الشياطين كقصة أبي هريرة مع الشيطان وقصة مصارعة عمر للشيطان ثم يسمي هذا مجالسة الصحابة للجن وسؤالهم للجن .
وسقوط هذه الحجة يغني عن إسقاطها !
وسلاما على العقول لما أن تفكر وتستدل بمثل هذه الطريقة
و هل هذا استدلال بسؤال ومجالسة الجن الصالحين ! أم هو استدلال بسؤال الشياطين ومجالسة الشياطين إن صحت تسميتها مجالسة ؟!
ستعرف الجواب لما أن تعلم أن هذا المستعين قد انجر أيضا لبدعة كبرى وهو قوله : أنه لا يهمه الشخوص في الجن ، فالشخصية غير مهمة في الاستعانة بالجن بل عليه بظاهر ما يأتيهم من كلامهم وأخبارهم وهو يستطيع معرفة الصدق من الكذب . ..
وهذا مفهومه ولازمه جواز الاستعانة بالشياطين مادام شخصية الجن لا تهمك لا سيما وأنه قد قال هذا القول في معرض رده علي حينما بينت له عدم إمكانية معرفة ديانة وعدالة من تستعين بهم ..ش
وقد كنت أقول : أنه لا يمكن أن يقول بجواز الاستعانة بالشياطين ! ولكن الذي يظهر أنه متناقض ومتخبط و قد فتن فتنة عظيمة وهو في حقيقة أمره أنه ينطوي على هذا المذهب المزري وإن كان يظهر أحيانا خلاف ذلك
قال تعالى : ** هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ . تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ** والأفاك : هو الكذاب ، والأثيم : هو الفاجر
وقال تعالى :
{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ**
فالله هنا أمرنا بالاستعاذة من همزاتهم ومن حضورهم عندنا بأي وجه كان ، ومن استعان بهم لابد أن يسمع لوساوسهم وأن يطلب حضورهم بجواره أو يقر وجودهم عنده ، بل ويتخذهم قرناء وأصحاب له
قال تعالى : (وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً) فكل من استعان بهؤلاء الشياطين صباح مساء قد اتخذهم أصحابا وخلانا له بل ومكنهم من الاطلاع على عوراته وأسراره .
وهكذا من استعان بالجن وإن زعم أنهم صالحون كان له نصيب من هذه الآية ، فما يدريه أن الذين معه ليسوا بشياطين .
ثم إن هذه الكاتب بعد أن فضح نفسه وكشف للناس سوأته جاء و صرح بأن وسيلة الاتصال بينه وبين الجن هو عن طريق الإيحاء الذي يوحونه إليه ..
أقول : وهو صادق فيما قال
قال شيخ الإسلام في معرض رده على بعض المتصوفة :
وَأَمَّا مَا وَرَدَ عَلَيْك فَمِنْ أَيْنَ لَك أَنَّهُ وَحْيٌ مِنْ اللَّهِ ؟ وَمِنْ أَيْنَ لَك أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطَانِ ؟
و " الْوَحْيُ " وَحْيَانِ : وَحْيٌ مِنْ الرَّحْمَنِ وَوَحْيٌ مِنْ الشَّيْطَانِ قَالَ تَعَالَى : ** وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ** وَقَالَ تَعَالَى : ** وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ** وَقَالَ تَعَالَى : ** هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ** وَقَدْ كَانَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبَى عُبَيْدٍ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ حَتَّى قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ قِيلَ لِأَحَدِهِمَا إنَّهُ يَقُولُ إنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ فَقَالَ : ** وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ** وَقِيلَ لِلْآخَرِ : إنَّهُ يَقُولُ إنَّهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فَقَالَ ** هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ **. أهــ .
و كما قلت : البدع تجر بعضها بعضا وخلانه من الشياطين لم يتركوه أيضا حتى جروه أيضا لبدعة القول : بجواز إهداء الجن الذين يخدمونه الهدايا !كبعض أنواع البخور وما يهوونه مقابل خدمتهم له
وشبهته في ذلك أن لا فرق بين إهداء الانس وإهداء الجن ولا فرق بين الاستعانة بالجن والاستعانة بالانس !
أقول : قال الله : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ )
قال شيخ الاسلام ـ عليه رحمة الله ـ عند هذه الآية ـ :
قد استمتع بعضهم ببعض فاستخدم هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء في أمور كثيرة كل منهم فعل للآخر ما هو غرضه ليعينه على غرضه .أهــ
وقال شيخ الإسلام أيضا :
ومن الناس من يتقرب إلى الجن بالعدس فيطبخون عدسا ويضعونه فى المراحيض أو يرسلونه ويطلبون من الشياطين بعض ما يطلب منهم كما يفعلون مثل ذلك فى الحمام وغير ذلك وهذا من الإيمان بالجبت والطاغوت أهــ .
والكاتب كانت بدايته بدعة الاستعانة بالجن الصالح على حد زعمه ثم انجر إلى كثير من البدع والطامات نتيجة هذه البدعة ، وقد كان هذا الكاتب يجيز السؤال عن ا سم الأم وهو الآن يزعم أنه تراجع عن ذلك والله أعلم بالحقيقة ..ولكن هذه من ثمار الاستعانة ...
وهذا حال الكثير من المستعينين بالجن أنهم ينتهون إلى أبواب ممارسة السحر والشعوذة والكفر بالله فلذلك وجدتَ أن بعض ما لبسه الشيطان على هذا الكاتب هو نفس الشبهة التي لبسها على بعض الدجالين من مدعي النبوة في بداية طريقهم مع الشيطان .
والله المستعان .