[ قصة بنات شعيب :
وقصة بنات شعيب في القرآن لم تترك عنصراً من عناصر احتياج المرأة إلا وجاءت به. مما يدل على أن القرآن لا يعرض القصص للتسلية وقتل الوقت ، بل لا لتقاط العبرة .
قضية الإسلام : أن الرجل مسئول عن بناته ، والرجل مسئول عن امرأته ، وعن أمه، فالإسلام إذا أخذناه كلاً ، فإننا لا نجد فجوة واحدة ، فإذا وجدت امرأة محتاجة، وليس لها من يقوم بها ، فقد ضرب الله لنا المثل في قصة موسى فقال : ( ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان . قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ) ، سورة القصص آية 23.
تذودان ماذا ؟ تذودان الماشية . ومعنى تذودان أي : تمنعان الماشية أن تذهب إلى عين الماء .
المرأتان تمنعان الماشية أن تذهب إلى عين الماء لترد ، فما الذي أخرجهما إلى مكان الماء إذن ؟ هذا شيء يلفت النظر بحق .
إذن فقول موسى عليه السلام : ( ما خطبكما ) سؤا ل طبيعى : رأى حالة متناقضة ، رأى امرأتين مع ماشيتهما نحو عين الماء ، ثم منعنا أن ترد الماء . وردت المرأتان : (لا نستقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ) .
( لا نسقي ) إذا كان هناك جمع وحكى عنه قول ، فهذا دليل على أن القضية مدروسة . هما قالتا . إن قالتا معاً فهذا دليل على أنها ليست قضية ارتجالية ، إنما هي قضية مدروسة ، فالجواب مدروس ، وإن قالت واحدة وسكتت الأخرى فهي موافقة سكوتية. والمعنى : قد استقر في ديننا وعرفنا أننا لا نسقى حتى يصدر الرعاء .
( حتى يصدر الرعاء ) . كان هناك رجال يسقون . فلو أن الضرورة كانت تبيح للمرأة أن تختلط بالرجل في العمل لكان لهما مبرر أن يختلطا بالرجال عند الماء .. فالمرأتان أخذتا الضرورة بقدرها ، بدون تزيد.
ليس معنى أن الضرورة أخرجتهما أن تختلطا بالرعاة ، فهن وإن كن خرجن ، فقد خرجن في إطار الحجاب أيضا :
إذا ً ( أبونا شيخ كبير ) حيثية الضرورة ، و( لا نستقى حتى يصدر الرعاء ) حثيثة الضرورة بقدرها بدون تزيد .
إذن فما هى مهمة المجتمع الإنساني أو الإيماني ؟
تظهر مهمة المجتمع الإيماني أو الإسلامي في قوله تعالى : ( فسقى لهما ). مهمة المجتمع : أنه إذا رأى امرأة أخرجتها الضرورة إلى مجال ، فعليه أن يؤدى لها العمل ، لتعود إلى مكانها الطبيعي . هذه مهمة الإيمان، وقد جاء بها الإ سلام إلينا من عهد موسى .
فالإسلام يعرض القضية لتستنبط منها الضرورة ، ومجالات الضرورة ، حتى لا نأخذ الضرورة بتزايداتها ، ونضيف إليها أشياء ليست من مجال الضرورة .
فالإسلام لم يقف جامدا عند وجود الضرورة التي تلجئ المرأة إلى الخروج لتعمل خارج بيتها ، وحدد الضرورة في هذه القصة في قوله تعالى : ( وأبونا شيخ كبير ) وهي قضية ناضجة في أذهان النساء في ذلك العصر ، وليست ارتجالية .
ثم تولى موسى إلى الظل ، فقال : ( ربى إني لما أنزلت إلى من خير فقير ) . وهذا يدل على حاجة موسى ، ولكنه قضى العمل حسبة لوجه الله ، لأنه رأى امرأتين خرجتا ، وهذا مناف للطبيعة .
وكون القرآن يعطينا الحكم منذ عهد موسى ، لأنه العالم بعلمه المحيط ، ويعلم أن أصحاب موسى هم الذين سيصنعون للمرأة حدود الانطلاق عندهم ، ليكون ذلك أسوة لحدود الانطلاق عند غيرهم . فجاء بها عن موسى ، لأننا حين نرى ما يفد إلينا من صناعات اليهود وادعائهم تجميد المرأة على نظام الإسلام، نقول لهم : نبيكم هو الذى سقى لهما ، ومعنى ( سقى لهما ) أن هذه كانت مهمته .
وبعد ذلك نلتفت إلتفاتة أخرى إلى أن المرأة من كرامتها أن تنهى هذه المهمة . لم يجعل الله انها القضية في القصة على يد رجل ، لا على يد موسى ، ولا على يد شعيب والد المرأتين . وإنما جاء بها عن طريق المرأتين . فكأن المرأة الكريمة على نفسها ، الحريصة على وضعها العرضي ، ووضعها الأدبي ، في أي مجتمع ، أن تحاول جاهدة أن تخرج من الضرورة حين تجد أول بصيص من الأمل يخرجها من الضرورة .
ونلحظ ذلك في القصة الموجودة في الآية ، في قول الحق سبحانه وتعالى : ( قالت إحداهما يا أبت استأجره ) ، سورة القصص آية 26.
لو أن المرأة حلا لها أن تخرج من مكانها الطبيعي إلى الخارج ، لما نهبت أباها إلى أن يستأجر الرجل ويحميها من الضرورة التى أخرجتها .
إذا ً فالمرأة الواعية هي التي تعشق التستر ، وتعشق الاحتجاب ، لأن ذلك هو كرامة المرأة . ولذلك نلاحظ شوقي رحمه الله حين جاءت قضية السفور ، على يد قاسم أمين ، وحمل لواءها ، وأراد أن يخرج المرأة إلى الشاب ، وقف شوقي وقال قصيدته المشهورة . والجهلاء الذين سمعوها ظنوها تأييدا للسفور ، وكانوا يستشهدون ببعض أبياتها .
صداح يا ملك الكمان ويا أمير البلبل.
هذه هى القصيدة ، فمن أراد أن يراجعها فليراجعها ، ليعلم أن كثيراً من الذين يسمون نفسهم أدباء يستشهدون بأبيات منها يظنون أنها تأييد لقضية السفور . فنقول لهم : أنتم لم تفهموا عن الرجل شيئاً ، لأن الرجل تكلم كلاما رمزياً وجعل المسألة كأنه يخاطب عصفوراً في قفص ، والقفص الذي كان يعنيه قفص الحجاب للمرأة . والعصفور هو المرأة . قال شوقي يخاطب هذا العصفور :
ياليت شــــعري يا أسيـر شج فؤادك أم خلى
وحـليف ســـــهـد أم تنـام اللـيل حتى ينجلي
حرصي عليك هوى ومـن يحرز ثمينا ينجلي
يا طير لــولا أن يقــــولوا جرت قلت تعقل
اسمــع فـــرب مفصــل لك لــم يفــــدك كمجمل
صبرا لــما تشقى به أو ما بدا لك فافعــــل
أنت ابن رأى لـلطبيعة فيـــــك لم يتحول
أبـــدا ولـــوع بالإســـار مــــــــــهدد بالمقتل
إن طرت عن كنفى وقعت على النسور الجهل
فهو يقول للعصفور : تعقل . ويحذره من مغادرة القفص خوفا من النسور الطائشة . فهو بهذا يؤيد الحجاب ولا يعارضه .
إذا ً فالمرأة حين قالت لأبيها : ( يا أبت استأجره ) لم تقل هذا إلا أنه يخرجها من الضرورة التي اضطرت إليها على مضض .
وانظروا إلى لباقة شعيب علية السلام ، كيف يستأجره وهو رجل ، يدخل البيت وفيه بنتان ؟ فلماذا لا يحل المسألة حلا إيمانيا ؟ قال له : ( إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشراً فمن عندك ) . سورة القصص آية 27.
هكذا أطلق الله القصة لا لقتل الوقت ولكن للعبرة . وأطلقها منذ زمن موسى عليه السلام ، لأن الله يعلم أن البلاء سيأتينا من أتباع موسى هم الذين يزنون لنا وللمرأة أن تخرج ، وذلك حتى لا نتهم شريعة موسى بذلك وليعلموا أن الحجاب قبل أن يكون في شريعتنا ، فهو في شريعة رسولهم الذي يؤمنون به وشرائع غيره من الرسل ، وبذلك تنتهي مسألة الضرورة عند المرأة . ]
المصدر :
شبهات وأباطيل لخصوم الإسلام والرد عليها
الشيخ الإمام داعية الإسلام محمد متولي الشعراوي
يرحمه الله .
ــــــــــــــــــــــ
والسلام عليكم ورحمة الله ويركاته