الصدفة ، مفهوم اُبْتكر في اللغة ليعلّلَّ الإنسان بعضا من الامور الغائبة عنه والتي لا يفهمها ،
ونحن نفهمها ، على انها موعد غير محدد ، حدث غير معلن ولا ننتظره ، ويحدث لنا على غير سابق ترتيب ، وإذا لم يحدث ، لا نستطيع أن نعلم أنه لم يحدث ..
وقد جرت مصالحة ( الصدفة ) بهذا المفهوم ، مع الإسلام ، وأُلبس لبوسا دينيا ، وأُعتبر مرادفا للقسمة والنصيب ، فأصبح غير منكرا شرعا ، على اعتبار ان ليس المقصود به العشوائية ، لأنه ليس في منطق الإسلام شيء اسمه الصدفة او العشوائية او العبث في الخلق، بل كل شيء يجري وفق ميزان معلوم (والسماء رفعها ووضع الميزان) (الرحمن: 7)، وكل شيء قد وضع في مكانه المناسب (إنا كل شيء خلقناه بقدر) (القمر: 49)،
وقد يكون الهدف من بعض المسميات ، المساس بالمفاهيم الدينية الأصيلة
فقد تم توظيف نظرية الصدفة في الفلسفة الغربية ( المغرضة ) لتكون البديل عن تفسير خلق هذا الكون العظيم...
وكون هؤلاء الفلاسفة الغربيين ملحدين ... ومنكرين لوجود الخالق عز وجل في علاه ...
فإنهم يريدون توظيف مصطلح "الصدفة " فلسفيا ليبرهنوا إن الكون نشأ صدفة ..
وإنه تطور من حالة أولية تسودها الفوضى .. إلى حالة منظمة كما نراها اليوم ...
دون الحاجة إلى منظم لهذا التطور ومهيمن عليه ..
وقد ساهم مخيالنا الشعبي ، في ميراث الكثير من الإرتباك في استخدام هذا المفهوم ، وأعطاه قوة تأثيرية خاصة ، مع اقترانه بمفهوم الحظ ، ربما ليبرّر اخفاقاته المتوالية ....فأضحت الصدفة هي أم الاختراع .. ( نكاية ) بمقولة ( الحاجة أم الاختراع ) التي ( لا غبار عليها ! ) ، رغم أنني أتساءل عن صحة المقولة الأخيرة ... أمام احتياجاتنا العميقة المتعددة والتي تزداد يوما بعد يوم ولا نجد لها اختراعا !
وصدّقنا ( بما لا يقبل الشكّ ) ، أن ( الصدفة ) هي السبب في تفسير قانون الجاذبية الأرضية ..كان نيوتن جالسا تحت شجرة تفاح صدفة ، وتابع سقوط التفاحة ، فانطلق مهللا بقانون الجاذبية ....
وأرخميدس ، ربما كان ينظر الى حوضه الذي يهتم به كثيرا عندما شاهد قطعة خشب تطفو على سطح الماء ، فنطق لسانه بقانون الجسم الطافي والجسم المغمور..
لا يمكن حتى للعقل البشري العادي أن يصدّق بأن كل هذا يحدث ، دون ان يكون عقل كلّ من أرخميدس او نيوتن محتفظا بخلفية كبيرة ودراسة عميقة أتاحت له الفرصة لتفسير ما يُشاهد ، أي أن كليهما توفّرت لديه ( جاهزية العقل ) بناءا على دراستهما وجهدهما المكثفين ، ليتمكنا من الأخذ بأمور قد لا تثير انتباه غيرهما ،
وهذا يثبت أنّ هناك قوانين كونية وسنن الهية ، التي من وُفّق للأخذ بها فقد فاز وكان النجاح حليفه ولو كان كافرا ، ومن تخلف عنها فقد هوى وإن كان مؤمناً تقياً ،
كما يثبت ، أنّ أخذ مفهوم الصدف بهذا المعنى ومعان أخرى كثيرة ، ليس له أساس علمي ولا فلسفي ولا منطقي، كما ليس له أصلا أساس ديني .
يصادف يوم .... تاريخ الثورة العربية
يصادف يوم .... تاريخ سقوط بغداد
يصادف يوم ..... موعد اعلان نتائج مسابقة الشطرنج
يصادف يوم .... تاريخ مذبحة الأقصى
يصادف يوم.....موعد امتحانات الثانوية العامة
هذا ما تعجّ به الصحف والأنباء التلفزيونية ، في كل صغيرة وكبيرة من حياتنا ،
لقد أعلنا عن الموعد اذن .... ثم ربطنا هذا بالصدفة ، وناقضنا حتى مفهومنا البسيط المتواضع عن مفهوم الصدفة ، كبشر عاجزين عن العلم بالغيب ولا نستطيع تفسير الظواهر التي تحدث بغير فهم منا.
إذن يوم ..... لا يصادف تاريخ مولدي...
بل ( من المحتم ) أنني وُلدت بهذا التاريخ !!!!