أيها الـمريض الفاقد لنعمة الصحة!
ان مرضك لا يذهب بلذة النعمة الإلـهية في الصحة بل على العكس، انه يذيقك أيـّاها ويطيـّبها ويزيدها لذة، ذلك ان شيئاً ما اذا دام واستمر على حاله يفقد طعمه وتأثيره. حتى اتفق أهل الـحق على القول: ((انـما الاشياء تُعرف بأضدادها..)) فمثلاً: لولا الظلمة لـما عُرف النور ولظل دون لذة، ولولا البرودة لـما عُرفت الـحرارة ولبقيت دون استساغة، ولولا الـجوع لـما اعطى الاكل لذته وطعمه، ولولا حرارة الـمعدة لـما وَهَبنا احتساء الـماء ذوقاً، ولولا العلـّة لكانت العافية بلا ذوق،
ولولا الـمرض لباتت الصحة عديـمة اللذة.
ان الفاطر الـحكيم لـمـّا اراد اشعار الانسان واحساسه مـختلف احسانه واذاقته انواع نَعمه سوقاً منه الى الشكر الدائم، جهـّزه بأجهزة في غاية الكثرة لتُقبل على تذوق تلك اَلآلاف الـمؤلفة من انواع النعم الـمختلفة، لذا فلابد من انه سيُنزل الامراضَ والاسقام والعلل ايضاً مثلما يُلطف ويرزق بالصحة والعافية.
واسألك: ((لو لـم يكن هذا الـمرض الذي اصاب رأسك او يدك او معدتك.. هل كان يـمقدورك ان تتحسس اللذة الكامنة في الصحة التي كانت باسطة ظلالـها على رأسك او يدك او معدتك؟ وهل كنت تتمكن ان تتذوق وتشكر النعمة الإلـهية التي جسّدتها تلك النـعمة؟ بل كان الغالب عليك النسيان بدلاً من الشكر، او لكنت تصرف تلك الصحة بطغيان الغفلة الى سفاهة دون شعور!)).
أيهاالـمريض الذاكر لآخرته!
ان مرضك كمفعول الصابون، يطهـّر ادرانك، ويـمسح عنك ذنوبك، وينقيك من خطاياك. فقد ثبت أن الامراض كفـّارات للذنوب والـمعاصي،
واعلم اخي المريض...
ان الذي لا يعرف الله يـحمل فوق رأسه هموماً وبلايا بسعة الدنيا وما فيها، ولكن الذي عرف ربه تـمتلىء دنياه نوراً وسروراً معنوياً، وهو يشعر بذلك بـما لديه من قوة الإيـمان - كل حسب درجته - نعم ان ألـم الامراض الـمادية الـجزئية يذوب وينسحق تـحت وابل السرور الـمعنوي والشفاء القادمين من الإيـمان.
أيهاالـمريض القلق دون داع للقلق!
انت قلقٌ من وطأة الـمرض وشدته، فقلقك هذا يزيد ثقل الـمرض عليك. فاذا كنت تريد ان تـخفف الـمرض عنك، فاسع جاهداً للابتعاد عن القلق. .... تفكـّر في فوائد الـمرض، وفي ثوابه، وفي حثه الـخطى الى الشفاء. فاجتث جذور القلق من نفسك لتجتث الـمرض من جذوره.
نعم، ان القلق (او الوسوسة) يضاعف مرضك ويـجعله مرضين. ولكن بانقطاع القلق يزول تسعٌ من عشرة من مفعول ذلك الـمرض، وكما ان القلق يزيد الـمرض، كذلك يـجعل الـمريض كأنه يتهم الـحكمة الإلـهية وينتقد الرحـمة الإلـهية ويشكو من خالقه الرحيم،..... وكماان الشكر يزيد النعم..... فالشكوى كذلك تزيد الـمرض والـمصيبة.
هذا وان القلق في حد ذاته مرض، وعلاجه انـما هو في معرفة حكمة الـمرض. واذا ما عرفت حكمته وفائدته، فامسح قلقك بذلك الـمرهم وانـج بنفسك وقل بدلاً من ((واآسفاه)) ((الـحمد لله على كل حال)).
>أيهاالـمريض النافذ صبره!<
مع ان الـمرض يعطيك ألـماً حاضراً فهو يـمنحك في الوقت نفسه لذة معنوية مستدرة من زوال مرضك السابق، مع لذةٍ روحية نابعة من الثواب الـحاصل من جراء ذلك الـمرض.
فلا تبذّر يا اخي ما وهب لك الـحق سبحانه وتعالى من قوة الصبر يـميناً وشمالاً. بل احشدها جـميعاً مقابل الالـم الذي يعتريك في هذه الساعة وقل: ((ياصبور)) وتـحمل صابراً محتسباً!…
أيها الـمريض الـمحروم من العبادة واورادها بسبب الـمرض!
ويا ايها الآسف على ذلك الـحرمان! اعلم انه ثابت في الـحديث الشريف(1) ما معناه: ان الـمؤمن التقي يأتيه ثواب ما كان يؤديه من العبادة حتى في اثناء مرضه، فالـمرض لا يـمنع ثوابه. فان الـمريض الـمؤدي للفرائض - على قدر استطاعته - سينيب الـمرض عن سائر السنن ويـحل مـحلـّها اثناء شدة الـمرض إنابة خالصة، لـما يتجمل ذلك الـمريض بالصبر والتوكل والقيام بالفرائض، وكذا يشعر الـمرضُ الانسان بعجزه وضعفه، فيتضرع الـمريض بذلك العجز وذلك الضعف بالدعاء حالاً وقولاً.
وما اودع الله سبحانه وتعالى في الانسان عجزاً غير مـحدود وضعفاً غير متناه الا ليلتجىء دائماً الى الـحضرة الإلـهية بالدعاء سائلا راجياً، حيث ان الـحكمة من خلق الانسان والسبب الاساس لأهميته هو الدعاء الـخالص بـمضمون الآية الكريـمة:
((قُل مَا يَعبَؤا بِكُم رَبـّي لَولا دُعاؤكُم ))(الفرقان:77)
ولكون الـمرض سبباً للدعاء الـخالص، فلا تصح الشكوى منه، بل يـجب الشكر لله؛ اذ لا ينبغي ان تُجَفـّف ينابيع الدعاء التي فجـّرها الـمرض عند كسب العافية.
أيها الـمريض الـمتأوه بالانين
لاتتأوه ابداً ولا تئن ناظراً الى صورة الـمرض القبيحة الـمذمومة، بل انظر الى معناه وفـحواه وانبسط قائلاً: الـحمد لله.
فلو لـم يكن معنى الـمرض شيئاً جـميلاً لـما كان الـخالق الرحيم يبتلي احبّ احبائه من عباده بالامراض والاسقام،
فقد جاء في الـحديث الشريف: ((أشدّ الناس بلاءً الانبياء ، ثـم الامثل فالامثل)) او كما قال. ويقف في مقدمة الـمبتلين النبي الصابر ايوب عليه السلام، ثـم الانبياء الباقون عليهم السلام، ثـم الاولياء ثـم الصالـحون. وقد تلقوا جـميعاً تلك الامراض التي قاسوها عبادة خالصة وهدية رحـمانية، فأدوا الشكر من خلال الصبر، وكانوا يرونها نوعاً من العمليات الـجراحية تـمنح لـهم من لدن الرحـمن الرحيم.
فانت ايها الـمريض الـمتأوه الـمتألـم! إن كنت تروم الالتحاق بهذه القافلة النورانية، فأد الشكر في ثنايا الصبر، والاّ فان شكواك ستجعلهم يـحجمون عن ضمـّك الى قافلتهم، وستهوي بنفسك في هوة الغافلين! وستسلك درباً تـخيم عليه الظلمات.
أيها الـمريض التارك للشكر والـمستسلم للشكوى!
ان الشكوى تكون نابعة من وجود حق يعود اليك، وانت لـم يذهب حَقـّكَ سدىً حتى تشكو، بل عليك حقوقٌ كثيرة لـم تؤدّ بعدُ شكرها، انك لـم تؤدّ حق الله عليك، وفوق ذلك تقوم بالشكوى بالباطل وكأنك على حق، فليس لك ان تشكو ناظراً الى مَن هو اعلى منك مرتبة من الاصحاء، بل عليك النظر - من زاوية الصحة - الى اولئك العاجزين من الـمرضى الذين هم ادنى منك درجة.
فانت مكلف اذاً بالشكر الـجزيل. فاذا كانت يدُك مكسورةً فتأمل الايدي الـمبتورة ـ واذا كنت ذا عين واحدة فتأمل الفاقدين لكلتا العينين.. حتى تشكر الله سبحانه.
واعلم اخي المريض
ان الـمرض فيك انـما هو ضيف مُرسلٌ اليك ليؤدي وظائفه الكثيرة فهو يقوم بتصفية حياتك القيمة وتقويتها ويرتقي بها ويوجه سائر الاجهزة الانسانية الاخرى في جسدك الى معاونة ذلك العضو العليل ويبرز نقوش اسـماء الصانع الـحكيم، وسينتهي من وظيفته قريباً، ان شاء الله ويـمضي الى شأنه مـخاطباً العافية: تعالى الآن لتمكثي مكاني دائماً، وتراقبي اداء وظيفتك من جديد، فهذا مكانك تسلـّميه واسكنيه هنيئاً.
أيها الـمريض الباحث عن دوائه!
اعلم ان الـمرض قسمان: قسم حقيقي وقسم آخر وهمي.
اما القسم الـحقيقي: فقد جعل الشافي الـحكيم الـجليل جلّ وعلا لكل داءٍ دواءً، وخزَنَه في صيدليته الكبرى التي هي الكرة الارضية، فتلك الادوية تستدعي الادواء، وقد خلق سبحانه لكل داء دواء، فاستعمال العلاج وتناوله لغرض التداوي مشروع اصلاً. ولكن يـجب العلم بأن الشفاء وتأثير الدواء لا يكونان الا من الـحق تبارك وتعالى، فمثلما انه سبحانه يهب الدواء فهو ايضاً يهب الشفاء. وعلى الـمسلم الالتزام بارشاد الاطباء الـحاذقين الـمسلمين وتوصياتهم. وهذا الامتثال علاج مهم؛ لان اكثر الامراض تتولد من سوء الاستعمال، وعدم الـحمية، واهمال الارشاد، والاسراف، والذنوب، والذنوب، والسفاهة، وعدم الـحذر. فالطبيب الـمتدين لاشك انه ينصح ضمن الدائرة الـمشروعة ويقدم وصاياه، ويـحذر من سوء الاستعمال والاسراف ويبث في نفس الـمريض التسلية والامل، والـمريض بدوره اعتماداً على تلك الوصايا والسلوان يـخفّ مرضه ويغمره الفرح بدلاَ من الضيق والضجر.
اما القسم الوهمي من الـمرض: فان علاجه الـمؤثر الناجع هو: ((الاهمال)) اذ يكبر الوهم بالاهتمام وينتفش، وان لـم يُعبأ به يصغر وينزوي ويتلاشى. فكما اذا تعرض الانسان لوكر الزنابير فانها تتجمع وتهجم عليه، وان لـم يهتم تتفرق عنه وتتشتت.
فهذا الـمرض الوهمي كذلك اذا دام كثيراً فسينقلب الى مرض حقيقي، فالوهم عند مرهف الـحس، عصبي الـمزاج مرض وبيل جداً، حيث يستهوله ويـجعل له الـحبة قبة، فتنهار قواه الـمعنوية.
ايها الاخوان الـمرضى اذا كنتم تشعرون بـحاجة الى علاج قدسي نافع جداً، والى دواءٍ لكل داء يـحوي لذة حقيقية،
فـمدّوا ايـمانكم بالقوة واصقلوه، أي تناولوا بالتوبة والاستغفار والصلاة والعبادة العلاج القدسي الـمتمثل في الإيـمان.
نعم، ان الغافلين بسبب حبـّهم للدنيا والتعلق بها بشدة كأنهم قد اصبحوا يـملكون كياناً معنوياً عليلاً بـحجم الدنيا كلها، فيتقدم الإيـمان ويقدّم لـهذا الكيان العليل الـمكلوم بضربات الزوال والفراق، مرهم شفائه منقذاً إياه من تلك الـجروح والشروخ، أن الإيـمان يهب شفاءً حقيقياً....
نقلته بعد تمعني ،وإقتباس الفوائد، رجائا من الله أن ينفعني وينفع كل مريض!!