فوائد من شرح البلاغة للشيخ ابن عثيمين رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه فوائد من شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله لكتاب (قواعد اللغة العربية في النحو والصرف والبلاغة) قسم البلاغة منه.
(1) في تعليقه على البيت التالي:
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر = = = وحسن فعل كما يُجزى سنمار
قال الشيخ:
(كما يجزى سنمار) سنمار هذا رجل بنى قصراً عظيماً جداً جداً لأحد الملوك لا يماثله قصر فلما انتهى من القصر ومن صنعه ولم يبقى إلا أن يسكنه الملك صعد بالباني ثم رمى به من فوق على الأرض خوفاً من أن يبني مثله لأحد غيره فكان مضرب المثل: سنمار بعد أن أحسن بناء هذا القصر جزاؤه أن يرمى به من فوق.
وعند العوام مثل يقارب لهذا يقول: رجل حج على بعير من بلده حتى رجع إليه على هذا البعير فلما وصل إلى البلد ذبحه وجعله وليمة لقدومه من السفر فيقول العوام: (جزاء ناقة الحج ذبحها).
هذا كلام العوام وإلا هو من حيث الشرع لا بأس به رجل ركب البعير وحج عليه ورجع وهو في غنىً عنه فذبحه.
(2) (وذكاء المخاطب) لما وصل قارئ المتن إلى هذه الكلمة سأل الشيخَ:
(هل هي (المخاطَب) بفتح الطاء أم (المخاطِب) بكسرها).
فقال الشيخ:
لا يقال (المخاطِب) بارك الله فيك ما يمكن قل لي: لِمَ؟ لأنه يقال: (المتكلم)، (المتكلم والمخاطَب).
(3) عند قول المؤلف:
فوجب على طالب البلاغة معرفة اللغة والصرف والنحو والمعاني والبيان مع كونه سليم الذوق كثير الإطلاع على كلام العرب.
قال الشيخ رحمه الله:
نحن لو أردنا أن نأخذ بكلام المؤلف هذا كان من الآن هَوَّنَّا [أي تراجعنا]، إذا كان علم البلاغة يتضمن كل هذا اللغة والصرف والنحو والمعاني والبيان وكون الإنسان مِنَّا سليم الذوق كثير الإطلاع على كلام العرب معناه أن نقول من الآن رجعنا ولا داعي للبلاغة لكن أقول لكم هذا غير صحيح أبداً وستعلمون ذلك إن شاء الله من دراسة هذا الفن، هذا الفن الإنسان بذوقه يشتاق إليه وتجده نشيطاً دائماً في قراءته وسيتبين إن شاء الله.
(4) سأل أحد الطلبة:
قد يكون في كلام النبي صلى الله عليه وسلم بعض الألفاظ الغريبة حتى ألف العلماء كتب غريب الحديث ألا يكون هذا خلاف الفصاحة؟.
فقال له الشيخ: (أحسنت). ثم قال: (لا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أتى بهذه الكلمة الغريبة إلا في محلها).
(5) سأل سائل:
الدعاء هل يقتضي الإطناب أو المساواة؟
قال الشيخ:
لا، يقتضي الإطناب، الغالب في الدعاء الإطناب وقد يكون إيجازاً مثل: (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً)(البقرة:201) هذا إيجاز يعني يشمل ما لا يحصى، لكن (اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي)، (اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أعلنت وما أسررت) هذه كلها إطناب).
ثم سأل سائل: هل نقول: (اللهم اغفر لي ولأبي وعمي وخالي)؟.
الشيخ: لا، هذا إطناب غير محمود نقول: (اللهم اغفر لي ولأبي وأمي وخالي وعمي وجدي وجاري وصديقي)، إطناب فيما يتعلق بنفس الإنسان. اهـ.
[أي المحمود ما يتعلق بنفس الإنسان].
ثم سأل سائل: (الله سبحانه وتعالى يسمع من العبد كلامه ويعرف ما يقصد ويفهم ما يريد) ...
هنا اعترض الشيخ قائلاً: (يعلم أحسن من يفهم الله ما يُوصَف بالفهم).
السائل: (لكن النبي والسلف الصالح دعوا الله عز وجل بتطويل فهل في هذا فائدة؟).
الشيخ: الفائدة هو إظهار الفقر إلى الله عز وجل كلما كثر الدعاء فهذا يكثر إظهار الحاجة والفقر إلى الله عز وجل.
ثانياً: جرت العادة أن الحبيب مع حبيبه يحب التبسط معه والزيادة في المناجاة.
ثالثاً: استحضار معنى كل واحد يعني مثلاً: (اغفر لي ذنبي كله دقه وجله) تستحضر جميع أنواع الذنوب الدقيق والجليل والذي أسررته والذي أعلنته.
(6) عند التعليق على هذا البيت:
فإن تفق الأنام وأنت منهم = = = فإن المسك بعض دم الغزال
قال الشيخ:
يقال أن هناك غزلان معينة تسمى غزال المسك يمرنونها على رياضات معينة ثم ينفتح في بطنها سرة ويحكمون عزل هذه السرة عن بقية البدن بخيط يربطونها جيداً حتى لا يصل إليها الدم وبعد مدة تنفصل تيبس تنفصل هذا الدم الذي فيها هو المسك وهو من أطيب أنواع الطيب أصل هذا المسك ماهو؟ ما أصله؟ الدم ومع ذلك صار طيباً لا نظير له، أنت أيضاً يقول أنت أيها المخاطَب أنت من الأنام من تراب ثم من نطفة ولكنك تفوقهم كما يفوق المسك دم الغزال.
(7) وعلى هذا البيت:
إن القلوب إذا تنافر ودها = = = مثل الزجاجة كسرها لا يُجْبَر
قال الشيخ:
هذا البيت ليس بصحيح لأن القلوب قد يتنافر ودها ثم ترجع، يرجع الود، وهذا كثيراً ودليله قوله تبارك وتعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)(فصلت:34).
وقال الشاعر:
أحبب حبيبك هوناً ما = = = فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما
وأبغض بغيضك هوناً ما = = = فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما
وهذا يروى حديثاً ولكنه ضعيف.
( قال الشيخ في باب المجاز العقلي:
هناك أفعال تبنى للمجهول أو إن شئت قل لما لم يسم فاعله دائماً مثل: (نُتِجَت البهيمة) بمعنى أَنْتَجَت، ولا يجوز أن تقول: (أَنْتَجَت) ولا تقل: (نَتَجَت).
وقد أُلِّف في ذلك رسالة صغيرة عليها شرح وأمثلة يحسن أن توزع عليكم لكن لعل الله أن يدلنا عليها (إتحاف الفاضل بالفعل المبني لغير الفاعل).
في اللغة العربية ألفاظ لا يمكن أن تبنى إلا للمفعول ما تبنى للفاعل.
(9) قال الشيخ في باب الكناية:
قال بعض البلاغيين في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم رضي الله عنه حين أراد أن يصوم عدي وقرأ قول الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)(البقرة:187) جعل عقالين والعقال هو الحبل الذي تشد به يد الناقة جعل عقالين واحد أسود وواحد أبيض وجعل يأكل حتى بان الخيط الأبيض من الخيط الأسود وهذا لا يكون إلا بعد ارتفاع النهار يعني بعد إقبال الإسفار ثم أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له: (إن وسادك لعريض).
عرض الوسادة يدل على طول الرقبة قالوا: فالرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يبين له أنه بليد لأنه إذا طالت الرقبة بَعُد الرأس عن القلب فتطول المسافة فيكون بليداً.
لكن هذا أجزم جزماً أن الرسول لم يرده ولهذا قال: (إن وسادك لعريض أن وسع الخيط الأبيض والأسود) عرض الأفق إذا كان هذا الذي فهمه أمَّا أن الرسول عليه الصلاة والسلام يريد أن يُعَرِّض ببلادة الرجل فهذا مستحيل لكن هكذا البلاغيون كل واحد يُؤَوِّل النصوص لما يريد.
ولا يخافن أحد منكم إن كان طويل الرقبة إن شاء الله تعالى كلٌّ على ذكاء وفطنة.
(10) وقال الشيخ عند الكلام على التعريض:
واختلف العلماء في مسألة وهي هل يحد الإنسان حد القذف إذا عرَّض بأن تخاصم مع شخص وقال: (الحمد لله أنا لست أتتبع البغايا) يقول عن نفسه يقول لخصمه: (الحمد لله أنا لا أتتبع البغايا) فهل يحد هذا القائل حد القذف لأن قوله هذا يعرض بأن صاحبه يتتبع البغايا؟ اختلفوا فيها هل يحد أو لا؟ فمن العلماء من قال: (لا يحد لأنه لم يصرح) ومنهم من قال: (بل يحد لأن التعريض أحياناً يكون أشد من التصريح).
(11) عند قول الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدة = = = مفسدة للمرء أي مفسدة
قال الشيخ رحمه الله:
(إن الشباب والفراغ والجدة) ثلاثة أشياء كلها داء إلا إذا وُفِّق الإنسان واستعملها في النافع، الفراغ يعني عدم العمل، وتعرفون الإنسان إذا لم يكن له عمل ذهب ذهنه كل مذهب وصار يخبط خبط عشواء، الجدة يعني الغنى لأن الفقر يُلْجِئ الإنسان إلى العمل لكنه إذا كان غنياً وكان شاباً وكان فارغاً ما في شغل، هذا الفساد، ولهذا نجد أن أكثر المكذبين للرسل هم الأغنياء والكبراء، والغرض من هذا البيت تحذير الشاب الذي أغناه الله عز وجل وأفرغه عما يلهيه أن يُضِيعَ هذه الصفات الثلاث في غير فائدة.
(12) عند قول الشاعر:
ما نوار الغرام وقت ربيع = = = كنوار الأمير يوم سخاء
فنوار الأمير بدرة عيـن = = = ونوار الغرام قطرة ماء
قال الشيخ رحمه الله:
هذه من المبالغات الكاذبة أليس كذلك؟ يعني عطاء الأمير عنده أفضل من المطر النازل من السماء الذي سماه الله (رزقاً) ينتفع به الآدمي والبهائم والأرض لكن تعلمون أنه يقال: (أعذب الشعر أكذبه).
(13) قال المؤلف عند الكلام على (أسلوب الحكيم):
والثاني يكون بتنزيل السؤال منزلة سؤال آخر مناسب لحالة المسألة كما في قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)(البقرة:189) سأل بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يتزايد حتى يصير بدراً ثم يتناقص حتى يعود كما بدا) فجاء الجواب عن الحكمة المترتبة على ذلك لأنها أهم للسائل فنُزِّل سؤالهم عن سبب الاختلاف منزلة السؤال عن حكمته.
قال الشيخ:
معناه أن يصرف السائل عن ما سأل ويجاب بغير ما سأل تنبيهاً له على أنه ينبغي أن يسأل عن هذا.
القصة التي ذكرها المؤلف غير صحيحة الصحابة سألوا الرسول عن الأهلة عن الحكمة فيها ما يسألون عن مسألة فلكية فقال لهم الله عز وجل: (هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ).
لكن فيه آية أخرى يمثل بها وهي قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ)(البقرة:215) ولم يقل أنفقوا كذا أو كذا أو كذا بيَّن وجه ما يُنْفَق عليه إشارة إلا أن الأهم محل الإنفاق لا قدر الإنفاق وأن يكون في هؤلاء (مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)(البقرة:215) إلى آخره.
(14) قال المؤلف:
الاقتباس هو أن يضمن الكلام شيئاً من القرآن أو الحديث لا على أنه منه.
قال الشيخ:
ولكن هل هذا محمود أو لا؟ هذا اشتهر بين الأدباء في القرون الوسطى لكنه فيما أرى مذموم خصوصاً إذا جاء في الشعر وهو من القرآن لأن هذا يوحي بأن القرآن نوع من الشعر فلذلك ينبغي أن يقال إن الاقتباس من القرآن إذا كان في النظم فهو مذموم لأنه يجب إبعاد القرآن عن الشعر قال الله تعالى: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ . لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ)(يس:69-70).
ثم قال:
لكن إذا غُيِّر فقد يُمْنَع أن يكون اقتباساً لأنه إذا تغير ما صار بلفظ القرآن ولا بلفظ الحديث.
الاقتباس أيضاً من المحسنات اللفظية لكن لا ينبغي أن يكون من القرآن إذا كان ذلك في الشعر.
ثم سأل سائل:
ما هو الدليل على عدم جواز الاقتباس بشيء من القرآن أو الحديث مع أن الصحابة يقتبسون بشيء من القرآن وها هو طلحة لما وصله الخبر أن قتلة عثمان نادمون على ما فعلوا قال: تباً لهم (فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ)(يس:50)؟
فقال الشيخ: هذا ليس من الاقتباس هذا من الاستشهاد، وأولاً لا بد أن يثبت هذا عن طلحة، ثَبِّتْهُ أولاً ثم انظر هل يدخل في هذا أو لا؟، لأن هذا واضح أنه قرآن مستقل لكن استشهد به على نظيره، مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام مع الحسن والحسين: صدق الله: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ)(التغابن:15).
(15) قال الشيخ أثناء مناقشة الأسئلة في آخر الكتاب:
كلمة (التوكيد) أحسن من (التأكيد) قال تعالى: (وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا)(النحل:91).