الوسوسة .. أسبابها .. وعلاجها ..
تأليف أبي عبد الرحمن حسن بن محمد اليوسف
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين .
أمَّا بعــدُ : فإنَّ العداوة بين الشيطان والإنسان قديمة .. وكان بدء ذلك يوم شَكَّل الله تعالى آدم قبل أن ينفخ فيه الروح ، فكان الشيطان يطيف به ويقول : لئن سُلِّطتَ عليَّ لأعصينك ، ولئن سُلِّطتُ عليك لأهلكنك (1).
فلمَّا نفخ الله تعالى في آدم عليه السلام الروح ، وأمر ملائكته بالسجود لأبينا آدم عليه السلام:أبى العدو الأول إبليس لعنه الله تعالى السجود - عناداً واستكباراً - وأعلن الحرب على آدم عليه السلام وذريته إلى يوم الدين ..وقد أخبرنا الله سبحانه في كتابه الكريم عن قصة الصراع الدائمة بين آدم وذريته والشيطان ؛ فقال سبحانه حاكياً لنا ما طلبه الشيطان ويتمنى حصوله :
( قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ *قَالَ إِنَّكَ مِـنَ الْمُنْظَرِينَ*قَالَ فَبِمَا أَغْـوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [سورة الأعراف،الآية:14-17] .
وحذَّرنا الله سبحانه من الشيطان في مواطن كثيرة من كتابه الكريم ؛ لعظيم فتنة ذللك العدو وكيده ومهارته في أساليب الغواية لبني الإنسان ، فقال تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ .. ) [سورة الأعراف، الآية:27 ].
وقال عزَّ وجلَّ : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [سورة فاطر، الآية:6 ].
وقال سبحانه : (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً ) [سورة النساء،الآية 119].
وعداوة الشيطان لا تحول ولا تزول ؛ لأنه يرى أنَّ طرده ولعنه كان بسبب أبينا آدم عليه السلام ، فلابدَّ أن ينتقم من آدم وذريته من بعده : ( قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً ) [سورة الإسراء، الآية:62 ].
وفي المسند وسنن النسائي بسندٍ حَسَنٍ عن سبرة بن أبي فاكه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه ، فقعد له بطريق الإسلام ، فقال لـه : أتسلم وتذر دينك ودين
آبائك وآباء أبيك،قال:فعصاه فأسلم ، ثم قعد له بطريق الهجرة ، فقال:
أتهاجر وتذر أرضك وسماءك ، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطَّول ، قال : فعصاه فهاجر ، قال: ثم قعد له بطريق الجهاد ،و هو جهاد النفس والمال، فقال :تقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال، قال : فعصاه فجاهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمن فعل ذلك منهم فمات كان حقاً على الله أن يدخله الجنة ، أو قتل كان حقاً على الله عزَّ وجلَّ أن يدخله الجنة ،وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة ، أو وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة ) .
وكان من كيد الشيطان وأساليب الغواية عنده : تَسلُّطه على قلوب عباد الله تعالى بالوسـوسة في زعزعة عقائدها وتوحيدها لربها عزَّ وجلَّ ،وكذلك وسوسته في أمور العبادة : من طهارة وصلاة وغير ذلك ..
ووساوس عدو الله تعالى لبني آدم كثيرة جداً ، والمرقوم في هذه الأوراق بعض من أنـواع الوسوسة الإبليسية وكيفية الوقاية منها ، فأقول مستعيناً بالله تعالى الموفق لكلِّ خير :
يتبع إن شاء الله تعالى ..
__________
1-انظر: تفسير الطبري(1/238وما بعدها) وصحيح مسلم (رقم2611) .