كم اشكر الله انه حقق لي امنيتي بأن اكون أما.
ولا يمر يوم الا وسألت نفسي ان كنت حملت الامانة بصدق وتفان . وترتد الي الذكريات السعيدة والمؤلمة ويصيبني شيئ من الندم علي اخطاء ارتكبتها بغير علم . فالعالم يفترض ان الانثي تولد اما متأهبة للقيام بوظيفة الامومة متي توفرت الظروف. ولكن الحقيقة غير ذلك. فمصدر المعلومات المتوفر للام حديثة العهد بالامومة هو ما تتذكره عن امها وكيف تعاملت معها. والبقية تتعلمها الام وهي تمارس وظيفة الامومة مما يجعل الطفل الاول اشبه بحقل التجارب.
منذ عدة ايام قرأت بحثا استخلصت منه ما اعتبره اساسا لتربية الاطفال تربية توفر عليهم الكثير من الالم والقلق وانعدام الثقة. وما لفت انتباهي حين قرأت البحث هو انني تذكرت من المواقف التي عشت وانا طفلة ما يكفي لاقناعي بأن الباحث لم يأت بمعلوماته من فراغ.
قال في بحثه ان الشتم يؤذي مشاعر الطفل اكثر مما تدرك الام. اذا انسكب الحليب من الكوب علي مفرش الطاولة لا داع لأن تقولي لطفلك حاسب يا حمار. فالمفرش سوف يدخل الغسالة الكهربائية والطفل لم يتعمد ان يغضبك . الامر كله يدخل في نطاق الحوادث غير المتعمدة. وانت تعلمين انك يمكن ان تصفي طفلك بأنه حمار ولكنه لا يمكن ان يرد الشتيمة بمثلها. وهذا ينسحب ايضا علي اهانات اخري مثل يا كذاب او يا شقي ..الخ
اتذكر من طفولتي كيف كان اليأس يتملكني كلما قورنت بطفل او طفلة اخري. فقد كان ابن خالتي في نفس الصف الدراسي وكان ماهرا في الرياضيات والجبر والهندسة بينما كنت انا ضعيفة في تلك المواد وان كنت متفوقة في اللغات والرسم والموسيقي. ولكن المقارنة كانت تملؤني يأسا واعترف بأنني كنت اشعر بكراهية مستترة نحو ابن الخالة البرئ من كل ذنب. كل ما في الامر هو ان مواهبه الدراسية كانت تختلف عن مواهبي.
اتذكر ان ابنتي وهي في سنة التخرج من الجامعة خابرتني وسألتني سؤالا مباشرا: قالت ان لم انجح بمرتبة الشرف الاولي - وانا قادرة علي ذلك- هل تغضبي مني؟ فسألتها لماذا طرحت مثل هذا السؤال. فقالت انا قادرة علي تحقيق مرتبة الشرف ولكن ذلك سيكون علي حساب امور اخري لا اريد ان اتنازل عنها في الوقت الحالي مثل كذا وكذا وكذا.
اتذكر انني قلت لها تخرجي بنجاح وافعلي ما تشعرين بأنه يثريك ويشعرك بالاكتمال ولكن اجتازي امتحانك بنجاح .
استندت في اجابتي علي ذكري ما زلت احملها في اعماقي وهي انني تخرجت بمرتبة الشرف وجاء ترتيبي الثانية علي الصف. وكان تعليق امي هو انني لو كنت بذلت مجهودا اضافيا لكان ترتيبي الاولي. وكم آلمني هذا التعليق.
من ذكريات ابنتي التي تضحكنا حين نتسامر انني هددتها يوما بكسر الرأس كما تفعل الامهات: لو فعلت كذا او كذا سوف اكسر رأسك. واحيانا نقول سأذبحك . وبالطبع لا يمكن ان تكسر الام رأس الطفل الذي حملت وولدت او ان تذبحه ذبح الدجاجة . نتضاحك انا وابنتي لأنني قلت لها يوما سأكسر رأسك فاذا بها تفزع وترجوني الا افعل لأنني لو فعلت سوف يؤلمها رأسها وسوف تتلوث ملابسها بالدم وانني سأغضب من ذلك. في ذلك اليوم عاهدت نفسي الا اكرر مثل هذا الفعل الذي تسرب الي من وحي تهديد تلقيته من امي وانا طفلة.
احمد الله كثير لأن امي لم تدع علي ابدا بل كانت كثيرة الدعاء لي . وانا اذكرها بالدعاء في كل صلاة.
حين يدعو والد علي ولد لا يقدر هول الاثر الذي يتركه مثل هذا الفعل علي وجدان طفل او شاب او حتي رجل ودع الشباب. ليتنا نتذكر ان الكلمة الطيبة لها ضعف اثر التهديد والوعيد والدعاء علي مولود.
نحن لا نولد امهات ولكننا نتعلم . فلنطلب العلم ونستزيد لكي نخرج للعالم ابناء وبنات اسوياء.
فوزية سلامة