سلام .
هذه مجموعة قصص في صفة عجائب البلدان و غرائب البنيان ..
أتمنى أن تعجبكم ..
القصة الأولى : مدينة إرم ذات العماد
بسم الله الرحمن الرحيم .
* قال الله تعالى في القرآن المبين : "ألم تر كيف فعل ربك بعاد(6) إرم ذات العماد(7) التي لم يخلق مثلها في البلاد(8)"سورة الفجر .
ذُكِر أن الملك شداد ابن إرم بن عاد ، ملك جميع الدنيا ، و كان قومه قوم عاد الأولى ، زادهم الله بسطة في الأجسام و قوة حتى قالوا :"من أشد منا قوة؟"، قال الله تعالى "أولم يروا أن الله الذي خلقهم ، هو أشد منهم قوة"(فصلت من الآية 15) ، و أن الله بعث إليهم هودا النبي عليه السلام ، فدعاهم إلى عبادة الله و طاعته ، فقال شداد :"فإن آمنتُ بالهلاك ماذا لي عنده؟" فقال هود عليه السلام :"يعطيك في الآخرة جنة مبنية من ذهب فيها قصور من ذهب و يواقيت و لؤلؤ و أنواع الجواهير" قال شداد :"فأنا أبني في الدنيا مثل هذه الجنة و لا أحتاج إلى ما تعدني بعد الموت" .
أمر شداد ألف أمير من جبابرة قوم عاد أن يخرجوا و يطلبوا أرضا واسعة كثيرة المياه ، طيبة الهواء بعيدة من الجبال ليبني فيها مدينة من ذهب ، فخرج أولئك الأمراء و مع كل أمير ألف رجل من جنده و حشمه فطلبوا في الأرض حتى وصلوا إلى جبل عدن ، فرأوا هناك أرضا واسعة كثيرة العيون طيبة الهواء فأعجبتهم فأمروا المهندسين و البنائين فخطوا مدينة مربعة الجوانب ، دورها أربعون فرسخا فحفروا الأساس إلى الماء و بنوه بحجارة الجزع اليماني ، ثم بنوا فوقه بلبنات الذهب الأحمر سورا علوه خمسمائة ذراع في عرض عشرين ذراعا .
و كان شداد قد بعث إلى جميع معادن الدنيا فاستخرج منها الذهب و لم يترك في يد أحد من الناس شيئا من الذهب إلا غصبه . و استخرج الكنوز المدفونة ثم بنى في داخل المدينة ثلاثمائة ألف قصر ، على كل ألف قصر ألف عمود من أنواع الزبرجد و الياقوت معقودة بالذهب ، طول كل عمود مائة ذراع و مد على الأعمدة ألواح الذهب ، و بنى على الألواح قصور الذهب من فوقها غرف من ذهب ، و من فوق الغرف غرفٌ و الكل مزين بأنواع اليواقيت و الجواهر ، و جعل في طرق المدينة أنهارا من الذهب ، و جعل حصباءها اليواقيت و الجواهر و جعل على شطوط تلك الأنهار أنواع النخيل و الأشجار جذوعها من الذهب و أوراقها و ثمرها من أنواع الزبرجد و الياقوت و اللآلي ، و جعل للمدينة أربعة أبواب ، كل باب علوه مائة ذراع في عرض عشرين ذراعا ، كل ذلك بالذهب ، ثم بنى حول المدينة مائة ألف منارة كل منارة طولها خمسمائة ذراع من ذهب مزينة بأنواع الياقوت و الجواهر ، في كل وجه من وجوه المدينة خمس و عشرون ألف منارة من ذهب برسم الحراس الذين يحرسون المدينة فتم بنيانها في خمسمائة عام .
فلما فرغوا أمروا في مشارق الأرض و مغاربها أن يتخذوا في البلاد ، بسطا و ستورا و فراشا من أنواع الحرير لتلك القصور و الغرف التي في إرم ذات العماد و اتخذوا أنواع الأواني و الأطباق و القصاع و الموائد و المنائر و السرج و القدور و الهواوين و الحباب و الكيوان ، و جميع ما يحتاج إليه في هذه الدنيا من أنواع الذهب ، ففرغ في ذلك في عشرين سنة فزينت المدينة ، و اتخذ فيها أنواع الأطعمة و الأشربة و الأنقال و الحلاوات و الطيب و الشموع و البخور بأنواع العود و العنبر و الكافور .
فلما فرغوا من ذلك كله خرج الملك شداد ، في ألف جارية حسناء عليهن من أنواع الحلي و الحلل ، سوى الخدم و الحشم ، و خلف على مملكته مرشدا بن شداد ، و كان أكبر أولاده و أعقلهم و أحسنهم سياسة و أحبهم إلى الرعية .
فلما أشرف شداد بن عاد على مدينة إرم ذات العماد و رآها ، أعجبه ما رأى من حسنها و جمالها ، فقال :"قد وصلتُ إلى ما كان هود يعدني بعد الموت و قد حصلت عليه في الدنيا .
فلما أراد دخول المدينة أمر الله تعالى ملكا من الملائكة فصاح بهم صيحة الغضب ، فقبض ملك الموت أرواحهم في طرفة عين ، فخروا على وجوههم صرعى .
قال الله تعالى :"و أنه أهلك عادا الأولى" النجم(50).
و أخفى الله المدينة عن أعين الناس فيرون بالليل في تلك المدينة ، التي بنيت فيها إرم ، لمعان الذهب و اليواقيت التي بالمدينة ، تضيء كالمصابيح ، فإذا وصلوا إليها لم يجدوا هناك شيئا ، و رأوا ذلك الضوء في مكان آخر .
و قد دخلها رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ، يقال له عبد الله بن قلابة الأنصاري ، خرج في طلب إبل له ظلت فما زال يقتص آثارها حتى وصل إلى جبل عدن فظهر له سور إرم ذات العماد ، فلما نظر إليه يلمع ذهبا أحمر ، و رأى ما رأى ، عظمت المدينة في عينه ، فدهش و بهت . لم يجد فيها أحدا ، و قال في نفسه متعجبا هذه تشبه الجنة التي وعد الله بها عباده المتقين . و قال أرجعُ إلى معاوية و أعلمه بهذه المدينة ليأتي إليها و يسكنها ، و أخذ معه جواهر و يواقيت و زبرجدا ، و علم على المدينة علامة ، ثم انصرف حتى بلغ دمشق ، فدخل على معاوية و قال له : "جئتك من مدينة من ذهب لا يدري أولها و لا آخرها لعظمها ، فيها قصور من ذهب عليها غرف من ذهب على غرف أيضا من ذهب مزينة بأنواع اللآلي تشبه الجنة التي وعدها الله تعالى عباده في القرآن " .
فقال معاوية : "أرأيت هذه المدينة في النوم؟" قال : "بل رأيتها في اليقظة ، و قد أخذت من حصبائها " ، فأخرج إليه أنواعا من الجواهر و اليواقيت ما لم يشاهد مثله ، و وجد بين تلك الجواهر مثل بعر الإبل من العنبر معجونا بالمسك و الكافور و الزعفران ، قد قلت رائحته من القدم ، فجعل منها على النار فسطعت له رائحة كل هذا ، فتعجب معاوية و قال : "لقد رأيت عجبا" . ثم أرسل إلى كعب الأحبار فلما وصل قال له معاوية : "يا أبا إسحاق ، هل بلغك أن في الدنيا مدينة من ذهب؟" فقال كعب : "نعم يا أمير المؤمنين ، و لقد ذكرها الله عز وجل لنبيه موسى بن عمران و من بناها " . و قص عليه خبرها و كيف هلل بانيها و قومه و قال : "قد ذكرها الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم مختصرة ، و قد أخفاها عن أعين الناس و سيدخلها من هذه الأمة رجل يقال له عبد الله بن قلابة الأنصاري " . و جعل يصفه ثم نظر إليه جالسا عند معاوية فقال : "هذا هو ذلك القاعد فتسلهُ عما قلت ، فإن صفته و اسمه في التوراة و لا يدخلها أحد بعده إلى يوم القيامة" .
فتعجب معاوية من ذلك و أمر لهما بخلع و مال و صرفهما ، و الله أعلم بكل شيء و هو على كل شيء قدير .
مقتبس من كتاب تحفة الألباب و نخبة الإعجاب