(1/366)
وأرجوك أن تغفر لي وترحمني، اللهم إني أسألك بتوحيدك وإيماني بك.
وهكذا بأعمالك الصالحة الأخرى بأن تقول: اللهم إنني أسألك بحبي لك ولنبيك، اللهم إني أسألك بابتعادي عما حرمت علي، بعفتي عن الزنا، بأدائي الأمانة، ببري بوالدي.
فتسأل الله بأعمالك، كما جاء في قصة أهل الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة، وهم ثلاثة وسدت الباب عليهم ولم يستطيعوا دفعها، فقالوا فيما بينهم: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم، فألهمهم الله هذا الخير، فدعوا الله بصالح أعمالهم; فتوسل أحدهم بأنه بار بوالديه، وأنه كان لا يغبق قبلهما أهلا ولا مالا، عندما يأتي بالحليب في الليل، فانفرجت الصخرة شيئا لا يستطعيون الخروج معه.
ثم توسل الثاني بأنه كان يحب ابنة عمه حبا كثيرا، وأنها ألمت بها سنة، يعني حاجة، فجاءت تطلبه المساعدة، فأبى إلا أن تمكنه من نفسها، فمكنته من نفسها على مائة وعشرين دينارا من الذهب، فلما جلست بين رجليها قالت: يا عبد الله اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقام خائفا من الله، وترك الفاحشة، وترك لها الذهب خوفا من الله عز وجل، فقال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئا لكن لا يستطيعون الخروج.
ثم توسل الثالث بأدائه الأمانة، فكان عنده أجراء فأعطاهم حقوقهم إلا واحدا، بقي حقه عنده فنماه له وثمره له، حتى صار منه إبل وغنم
(1/367)
وبقر ورقيق. فلما جاء الرجل صاحب الأجر يطلب حقه ، قال له: كل هذا من حقك ، كل ما ترى من الإبل والغنم والبقر والرقيق كله من حقك ، فقال الرجل: اتق الله ولا تستهزئ بي ، قال: إني لا أستهزئ بك. إن هذا كله من مالك ثمرته لك ، فاستاقها كلها; استاق البقر والإبل والغنم والرقيق ، ثم قال الرجل: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة وخرجوا.
وهذا توسل بأعمالهم الطيبة الصالحة ، فهذه هي الوسائل الشرعية.
أما التوسل بجاه فلان ، وبحق فلان ، وبذات فلان ، فهذا بدعة ، ومن وسائل الشرك ، والواجب ترك ذلك ، هذا هو الصواب من قولي العلماء في ذلك. والله المستعان.
(1/368)
(23)
الولاء والبراء
حكم مصاحبة الكافر
س166: فضيلة الشيخ ، سائل يقول: يسكن معي شخص مسيحي ، وهو يقول لي: يا أخي ، ونحن إخوة ، ويأكل معنا ويشرب فهل يجوز هذا العمل أم لا ؟
الجواب: الكافر ليس أخا للمسلم ، والله يقول: ** إنما المؤمنون إخوة ** (1) [الحجرات: 10] ، ويقول صلى الله عليه وسلم : « المسلم أخو المسلم » (2) فليس الكافر -يهوديا أو نصرانيا أو وثنيا أو مجوسيا أو شيوعيا أو غيرهم- ليس أخا للمسلم ، ولا يجوز اتخاذه صاحبا وصديقا ، لكن إذا أكل معكم بعض الأحيان من غير أن تتخذوه صاحبا وصديقا ، وإنما يصادف أن يأكل معكم ، أو في وليمة عامة فلا بأس.
أما اتخاذه صاحبا وصديقا وجليسا وأكيلا فلا يجوز ; لأن الله قطع بيننا وبينهم المحبة والموالاة ، فقال الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: ** قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ** (3) [الممتحنة: 4] ، وقال سبحانه: ** لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ** (4) يعني يحبون ** ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ** (5) [المجادلة: 22] .
فالواجب على المسلم البراءة من أهل الشرك وبغضهم في الله ، ولكن لا يؤذيهم ولا يضرهم ولا يتعدى عليهم بغير حق ، لكن
__________
(1) سورة الحجرات الآية 10
(2) صحيح البخاري المظالم والغصب (2310),صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2580),سنن الترمذي الحدود (1426),سنن أبو داود الأدب (4893),مسند أحمد بن حنبل (2/68).
(3) سورة الممتحنة الآية 4
(4) سورة المجادلة الآية 22
(5) سورة المجادلة الآية 22
(1/370)
لا يتخذهم أصحابا ولا أخدانا ، ومتى صادف أن أكل معهم في وليمة عامة أو طعام عارض من غير صحبة ولا ولاية ولا مودة فلا بأس.
(1/371)
علاقة المسلم بغير المسلمين والمشاركة في حفلات توديعهم
س167: كيف يحدد المسلم علاقته بالآخرين من غير المسلمين من حيث المعاملة ، ومن حيث الاشتراك في حفلات التوديع لبعض الزملاء غير المسلمين ؟
الجواب: هذا أمر فيه تفصيل; فإن الكافر له حالات مع المسلم ، غير حالته مع الكفار ، وغير حالة المسلم مع إخوانه المسلمين ، والمقصود أن المسلم لا يبدأ الكافر بالسلام ، ولا مانع بل يجب أن يرد عليه إذا سلم ، يقول: وعليكم.
ولا مانع أن يسأله عن أولاده وعن حاله ، فلا بأس في ذلك ، ولا بأس أن يأكل معه إذا دعت الحاجة إلى ذلك ، ولا بأس أن يجيب دعوته كما أجاب النبي عليه الصلاة والسلام دعوة اليهود وأكل من طعامهم إذا رأى المصلحة الشرعية في ذلك.
(1/371)
الواجب على المسلم تجاه غير المسلم
س168: يسأل السائل فيقول: ما هو الواجب على المسلم تجاه غير المسلم سواء كان ذميا في بلاد المسلمين أو كان في بلاده والمسلم يسكن في بلاد ذلك الشخص غير المسلم.
والواجب الذي أريد توضيحه هو المعاملات بكل أنواعها ابتداء
(1/371)
من إلقاء السلام وانتهاء بالاحتفال مع غير المسلم في أعياده؟ وهل يجوز اتخاذه صديق عمل فقط ، أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب: إن واجب المسلم بالنسبة إلى غير المسلم أمور متعددة:
أولا: الدعوة إلى الله عز وجل أن يدعوه إلى الله ويبين له حقيقة الإسلام حيث أمكنه ذلك ، وحيث كانت لديه البصيرة؛ لأن هذا أعظم إحسان وأكبر إحسان يهديه إلى مواطنه وإلى من اجتمع به من اليهود أو النصارى أو غيرهم من المشركين ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « من دل على خير فله مثل أجر فاعله » (1) وقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر وأمره أن يدعو اليهود إلى الإسلام قال: « والله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم » (2) وقال صلى الله عليه وسلم:
« من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا » (3) .
فدعوته إلى الله وتبليغه الإسلام ونصيحته في ذلك ، هذا من أهم المهمات ومن أفضل القربات.
ثانيا: لا يظلمه ، لا في نفس ، ولا في مال ، ولا في عرض ، إذا كان ذميا أو مستأمنا أو معاهدا فإنه يؤدي إليه حقه ، فلا يظلمه في ماله لا بالسرقة ولا بالخيانة ولا بالغش ، ولا يظلمه في بدنه بالضرب ولا بالقتل ، لأن كونه معاهدا أو ذميا في البلد أو مستأمنا هذا كله يعصمه.
ثالثا: لا مانع من معاملته في البيع والشراء والتأجير ونحو ذلك ، فقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه اشترى من الكفار عباد الأوثان واشترى من اليهود وهذه معاملة وتوفي عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام لأهله عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) صحيح مسلم الإمارة (1893),سنن الترمذي العلم (2671),سنن أبو داود الأدب (5129),مسند أحمد بن حنبل (4/120).
(2) صحيح البخاري الجهاد والسير (2783),صحيح مسلم فضائل الصحابة (2406),سنن أبو داود العلم (3661),مسند أحمد بن حنبل (5/333).
(3) صحيح مسلم العلم (2674),سنن الترمذي العلم (2674),سنن أبو داود السنة (4609),مسند أحمد بن حنبل (2/397),سنن الدارمي المقدمة (513).
(1/372)
رابعا: في السلام لا يبدؤه بالسلام ، ولكن يرد ، لقوله صلى الله عليه وسلم: « لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام » (1) وقال صلى الله عليه وسلم: « إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم » (2) فالمسلم لا يبدأ الكافر ولكن متى بدأ فسلم عليك اليهودي أو النصراني أو غيرهما تقول: وعليكم ، كما قاله النبي عليه الصلاة والسلام.
هذا من الحقوق المتعلقة بين المسلم والكافر ، ومن ذلك أيضا حسن الجوار إذا كان جارا تحسن إليه ولا تؤذيه في جواره وتتصدق عليه إذا كان فقيرا ، وتهدي إليه ، وتنصح له فيما ينفعه لأن هذا مما يسبب رغبته في الإسلام ، ودخوله في الإسلام.
ولأن الجار له حق; قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه » (3) متفق على صحته ، وإذا كان الجار كافرا كان له حق الجوار ، وإذا كان قريبا وهو كافر صار له حقان: حق الجوار ، وحق القرابة.
ومن حق الجار أن يتصدق عليه إن كان فقيرا من غير الزكاة لقوله تعالى: ** لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ** (4) [الممتحنة: 8] ، وفي الحديث الصحيح « عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما أن أمها دخلت عليها وهي مشركة في الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة تريد المساعدة فاستأذنت أسماء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك هل تصلها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم صليها »
أما بالنسبة لاحتفالاتهم بأعيادهم فالمسلم لا يشاركهم في
__________
(1) صحيح مسلم السلام (2167),سنن الترمذي الاستئذان والآداب (2700).
(2) صحيح البخاري الاستئذان (5903),صحيح مسلم السلام (2163),سنن الترمذي تفسير القرآن (3301),سنن أبو داود الأدب (5207),سنن ابن ماجه الأدب (3697),مسند أحمد بن حنبل (3/218).
(3) صحيح البخاري الأدب (5669),صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2625),مسند أحمد بن حنبل (2/85).
(4) سورة الممتحنة الآية 8