،،،،،،
بارك الله فيكم أخي الحبيب ( سعيد ) ، وغفر الله لنا ولك ، ومن هنا وإن كنت طال علم فلا بد أن تحاسب نفسك على كل ما تقول ، وأنظر - يا رعاكم الله - إلى قولكم آنفاً :
( ثم أن النبي عليه أفضل السلام لم يترك طائرا في السماء ولا حبة في الأرض ولا نملة في جحرها إلا وعلمنا ما ينفعنا فيها وأورد الأدلة النافعة في كل شيئ حتى آداب دخول الخلاء والخروج منه ، حتى الوضوء من أكل لحم الإبل ، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
كما أننا ألسنا نقول للمبتدع إن فعلت ما تظن أن فيه خير ولم يرد فيه نص فأنت تتهم الشريعة بالنقص وأنك أكمل منها؟؟ اذن فلنكن منصفين بارك الله لكم ولنكن قدوة صالحة ليكون في ذلك سدا للذرائع ودفعا للمفاسد )
قلت وبالله التوفيق :
أولاًُ : المشكلة بالنسبة لك هو التفريق بين الأسباب الحسية والأسباب الشرعية ، ولا بد أن تضبط هذه المسألة حتى تدخل في نقاش المسائل الأخرى 0
ثانياً : احترام وتوقير العلماء واجب شرعي وأمانة في الأعناق :
وهذا لا يعني عدم مخالفتهم في مسائل جانبوا فيها الصواب ، وأمثل لكم على مسألة طرحها العلامة الشيخ ( محمد بن صالح العثيمين ) - رحمه الله - حيث قال :
( إذا كان الأمر كما قلت في السؤال ، أن الرجل من أصحاب التقى والصلاح وليس متهما في دينه وأخلاقه وقال لا بد من كشف موضع الألم حتى أقرأ عليه مباشرة فلا بأس بالكشف ولكن لا بد أن يكون هناك محرم حاضر بحيث لا يخلو بها القارئ لأنه لا يجوز الخلوة إلا مع ذي محرم ) ( الفتاوى الذهبية - ص 96 ) 0
قلت : وهذا الكلام فيه نظر ، بسبب الاعتبارات التالية :
1)- لم يثبت عن رسول الله هذا الفعل أو كشفه لجسد أية امرأة أجنبية لا تحل له :
وهو الأسوة والمعلم والقائد والقدوة في السلوك والتصرف ، ومعروف بزهده وورعه وتقاه بل قد توعد وحذر مما هو أقل من ذلك كما ثبت من حديث علي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله :
( يا علي : لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية )
( صحيح الجامع 7953 )
وإن كان هذا في حق رسول الله وهو المعصوم ، وكذلك في حق صحابته – رضي الله عنهم – فيكون في حق الأمة آكد وأوجب حيث لا تؤمن الفتنة ، ومن أراد التوسع في هذا الموضوع لمعرفة جزئياته وتفصيلاته فليراجع النقطة الرابعة من هذا المبحث تحت عنوان " اتقاء فتنة النساء " 0
قال فضيلة الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - عندما سئل عن طريقة علاج النساء : ( لا يخلو بها ولا تكشف لـه شيئا من جسمها أو من زينتها ولا تذهب إليه وهي متزينة أو متعطرة ) ( السحر والشعوذة - ص 99 ) 0
2)- لا يمكن القياس في هذه المسألة على ما يقوم به الطبيب لاعتبارات كثيرة كنت قد ذكرتها آنفا 0
3)- ليست هناك أية مصلحة شرعية البتة من كشف موضع الألم مباشرة :
والاعتقاد السائد بل الأكيد أن فعل ذلك سوف يترتب عليه مفاسد شرعية عظيمة تتعلق بالرجل والمرأة على السواء ، وهذه المفاسد لا يعلم مداها وضررها إلا الله سبحانه تعالى 0
4)- قد يقصد المعالِج أحيانا الخير وعدم التعدي على حرمات الله ومحارمه ، وحالما ينقلب الأمر بسبب تحرك الغرائز والشهوات وتغذيتها من قبل الشيطان وأعوانه :
وإن أمن المعالِج على نفسه في هذه الحالة وهذا الأمر نادر الوقوع بسبب طبيعة وجبلة البشر وما فطروا عليه من غرائز وشهوات ، فإنه لا يأمن على الطرف الآخر وهي المرأة التي تعتبر من أشد وأعتى أسلحة الشيطان على الإطلاق ، ويستطيع أن ينفذ عن طريقهـا للمعالِج فيتمكن منه ويستحوذ عليه ، وهذا ما قررته السنة النبوية المطهرة فجعلت فتنة بني إسرائيل في النساء ، وجعلت المرأة من أشد الفتن على الإطلاق 0
5)- يعتبر نشر مثل تلك الفتاوى بين العامة والخاصة مسوغا لكثير من ذوي النفوس المريضة على انتهاك حرمات الله ومحارمه ، بطرق شتى ووسائل جمة 0
ومن أجل ذلك كله ، ونظرا لفتاوى كثير من أهل العلم المشهود لهم بالخير والصلاح والاستقامة كما مر معنا آنفا ، يؤخذ بعدم جواز كشف مناطق من جسد المرأة كالرأس واليد والصدر والقدم سواء كان ذلك مباشرة أو بحائل خفيف كالملابس ونحوه ، والله أعلم 0
قلت : وهذا الكلام لا يعني مطلقا التقليل من مكانة فضيلة الشيخ محمد ابن صالح العثيمين العلمية والعملية ، فهو يعتبر مرجعا علميا ومعينا غدقا وبحرا في العلوم الشرعيـة ، فأين الثرى من الثريا ، وأين الماء الأجاج من الماء العذب الفرات ، ولكن قول المعصوم مقدم على من سواه ، وقد علّمنا فضيلة الشيخ أن نوافق ما وافق الكتـاب والسنة ، وأن نترك ما سوى ذلك ، سائلا المولى عز وجل أن يحفظـه ويمد في عمره وينفعنا بعلمه إنه سميع مجيب الدعاء 0
وتمعن في كلامي الأخير فهذا هو الواجب الذي يحتمه علي الدين والشرع في التعامل مع العلماء الأجلاء الذين وهبو حياتهم وجل أوقاتهم لهذا الدين وتلك العقيدة 0
ثالثاً : الأمر بالنسبة لي يرتقي حتى يصبح سبباً شرعياً في العلاج والاستشفاء ، ودليل ذلك :
قال اللالكائي : ( حدثنا محمد بن عثمان قال : حدثنا سعيد بن محمد الحناط قال : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال : سمعت سفيان يذكر عن سليمان بن أمية - شيخ من ثقيف من ولد عروة بن مسعود - دخل على عائشة سمع أمه وجدته :
سمع امرأة تسأل عائشة هل علي جناح أن أزم جملي ؟ قالت : لا 0 قالت : يا أم المؤمنين إنها تعني زوجها قالت : ردوها علي فقالت : ملحة ملحة في النار اغسلوا على أثرها بالماء والسدر )
( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة – 7 / 1288 – والأثر برقم ( 2278 ) ، وورد نحو ذلك الأثر عن الإمام البغوي في " شرح السنة " دون الاشارة الى " اغسلوا على أثرها بالماء والسدر – 12 / 189 – 190 )
ليس ذلك فحسب انما نقل الأمر - أعني استخدام السدر - عن علماء وطلبة علم ثقات قديماً وحديثاً مثل : ابن كثير وابن حجر والعلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز ، وسليم الهلالي 0
رابعاً : كيف نقول ونتحدث عن فضل العلماء ثم نعقب بالتالي :
( وكوني لا أنتمي لفئة العلماءوأرجو أن أحذو حذوهم ، فإن لي تعقيب على ما ورد وهو أني أوافق الشيخ الفقي في وجهة نظره وهي صائبة على الأغلب فكيف ننهى عن فعل ونأتي بمثله ؟؟!!، كيف نقول لأهل البدع أن رسولنا الأكرم( تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ، لايزيغ عنها إلا هالك )ثم نأتي نحن ونقوم بأعمال ما وردت عنه صلى الله عليه وسلم )
دقق في هذا الكلام جيداً حتى تقف على الزلة الخطيرة التي أوقعت نفسك فيها 0
خامساً : كون أن يأتي متداخل فيقول :
( الغريب في الامر انه في بعض الاحيان عند التازم اتجه الى السدر وأقطع الاوراق وأجعلها في جيبي بنية أن استعملها بعد الرجوع الى المنزل فأتفاجا بأن العارض زال واحيانا من مجرد الاتجاه او التفكير في السدر يزيل العارض 0
ولكن أحتار دائما هل انفذ نيتي بالاستحمام بالسدر مع ان العارض زال ليكون عقابا له ولا يرجع لما فعل.
أم أترك الامر - ما دام انها جت من عنده - )
ففهم العامة لا يقاس عليه في مسائل الدين انما فهم الشريعة ، واعلم - يا رعاكم الله - بأن المسلم لو اعتقد بأن الشفاء بالرقية الشرعية أو العسل ونحوه دون الاعتقاد بأنها أسباب شرعية فقط للعلاج والاستشفاء لوقع في خلل عقدي ، وهنا نقول :
( الجهل في العلم لا يلغي العلم نفسه )
فتأمل 0
سادساً : كون أن ترى برأي عالم معتبر فلا اشكال في ذلك مطلقاً ، أما الانكار على الغير من العلماء العاملين العابدين بأسلوب يوحي إلى مسألة البدعة ونحوه دون الدليل التقلي الصريح الصحيح فهنا الاشكالية 0
هذا ما تيسر لي أخي الحبيب ( سعيد ) وليتسع صدرك للنقاش العلمي الذي يهدف للوصول إلى الحق المنشود وهذا مطلب الجميع 0
زادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0