بارك الله فيكم أخي الحبيب ( بهاء الدين ) ، ومن باب الأمانة العلمية فأحب أن أضيف الآتي :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،
اعلم - رعاك الله - أن العبادات المالية يصل ثوابها إلى الميت باتفاق الأئمة الأربعة على ذلك 0
يقول صاحب " الروض المربع " : ( من أهدى عملاً لحي أو ميت وصله ) 0
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ( وقد تنازع العلماء فيمن أهدى للميت عبادة بدنية ، كالصلاة والصيام ، والقراءة ، فمذهب أحمد وأبي حنيفة وغيرهما : وصول ذلك 0
والمشهور من مذهب مالك والشافعي : أن ذلك لا يصل 0 واتفقوا على وصول العبادات المالية ، كالعتق والوقف على من يتعلم القرآن ويعلمه ، أو الحديث أو العلم ، أو نحوه من الأعمال المأمور بها في الشريعة ، فهذا أفضل من الوقف على من يقرأ ويهدي ثوابه لأيّ من كان من نبي أو غيره ) ( مختصر فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية - ص 191 ) 0
يعقب فضيلة الشيخ عبدالمجيد صالح مفتي الديار المصرية سابقاً ورئيس لجنة الفتوى بالأزهر على قول " والمشهور من مذهب مالك والشافعي : أن ذلك لا يصل " حيث يقول : ( وهذا هو الذي نطقت به النصوص من الكتاب والسنة 0 لأن العبادة إنما هي اتصال روح المؤمن وقلبه بربه 0 تزكو بها النفس ، وتزداد إيماناً وهدى 0 والمؤمن يرجو ثوابها ، لا يقطع به حتى يكون قد ملكه فيهديه لغيره 0 والمؤمن يعلم أحوال الآخرة وشديد حسابها ، فلا يستغني عن شيء من ثواب عمله فيهديه 0 ولكنه يدعو للميت من المؤمنين بالمغفرة والرحمة ، كما علمنا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بقوله وفعله ) ( المصدر السابق - ص 191 ) 0
سئل العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن حكم التصدق من المال بالنية للأم ، وهل يصل ثواب هذا التصديق لها ؟؟؟
فأجاب – رحمه الله - : ( نعم يجوز أن يتصدق الإنسان عن أمه أو عن أبيه الميت ، ويصل الثواب لمن تصدق عنه 0 دليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ تَصَدَّقْ عَنْهَا ) ( متفق عليه ) 0
وكذلك إذن النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن عبادة أن يجعل مخرافه في المدينة أي نخله صدقة لأمه بعد وفاتها ( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه – كتاب الوصايا ) 0
ولكن ينبغي أن يعلم أن الأفضل للإنسان أن يدعو لأبيه وأمه ، وأن يجعل ثواب الأعمال الصالحة لنفسه ؛ لأن هذا هو المعروف عن السلف ، بل هذا هو الذي دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ : إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ) 0 لكن لا حرج أن يفعل الإنسان شيئاً من الأعمال الصالحة بنية أنه لأبيه وأمه بعد موتهما ) ( كتاب الدعوة – لإبن عثيمين – 2 / 151 ) 0
والشاهد من قول العلامة محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله : ( لكن لا حرج أن يفعل الإنسان شيئاً من الأعمال الصالحة بنية أنه لأبيه وأمه بعد موتهما ) 0
وقد سئل - رحمه الله - عن حكم إهداء ثواب الطواف للميت ؟؟؟
فأجاب : ( نعم يجوز لكِ أن تطوفي سبعاً تجعلين ثوابه لمن شئت من المسلمين ، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد – رحمه الله - : أي أن قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها لمسلم ميت أو حي فإن ذلك ينفعه سواء كانت القربة عملاً بدنياً محضاً كالصلاة والطواف ، أم مالياً محضاً كالصدقة ، أم جامعاً بينهما كالأضحية ، ولكن ينبغي أن يعلم أن الأفضل للإنسان أن يجعل الأعمال الصالحة لنفسه ، وأن يخص من شاء من المسلمين بالدعاء له ، لأن هذا هو ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " " حديث صحيح - أخرجه الترمذي في سننه – كتاب الأحكام ، وقال : " حديث حسن صحيح " ، والنسائي في سننه – كتاب الوصايا ، وصححه الألباني " ) ( كتاب الدعوة – 2 / 27 ) 0
وقد تناقشت مع فضيلة الشيخ إبراهيم بن محمد البريكان - حفظه الله - بخصوص هذه المسألة فبين أن المسألة فيها خلاف ، ولا يرى بأس بمثل ذلك الفعل 0
فالمسألة خلافية بين أهل العلم ، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كما ورد من خلال كلامه السابق : ( فهذا أفضل من الوقف على من يقرأ ويهدي ثوابه لأيّ من كان من نبي أو غيره ) ، ) وبذلك يعتبر قراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت عمل مفضول ، والعمل الفاضل بالنسبة له - رحمه الله - هو وقف العبادات المالية وجعل ثوابها للميت ، وبالتالي لم ينكر الأمر من أساسه 0
ومما لا شك فيه أن قراءة القرآن من الأعمال الصالحة ، ولكن الأولى في حق الميت ثلاثة أمور : أن يترك صدقة جارية له بعد موته ، أو أن يشتغل في علم له ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ، لما ثبت من حديث أَبو هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ : إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ) ( حديث صحيح - أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب الوصية ، والترمذي في سننه – كتاب الأحكام ، والنسائي في سننه – كتاب الوصايا ، وأبو داود في سننه – كتاب الوصايا ، والإمام أحمد في مسنده – برقم 2494 ) 0
والخير كل الخير في اتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فمن أراد السنة فليتحر للميت إحدى الأمور الثلاثة :
أولاً : الصدقة الجارية التي يتركها الميت بعد موته 0
ثانياً : العلم الذي يتركه الميت والاشتغال به وإظهاره للناس كي يستفاد منه ويكتب أجره للميت 0
ثالثاً : دعاء الأولاد لميتهم ففيه خير عظيم بإذن الله تعالى 0
فالالتزام بما ورد في نص الحديث أنفع للميت في قبره ، والله تعالى أعلم 0
هذا ما تيسر لي أخي الحبيب ( بهاء الدين ) ، زادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0