بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم , و الصلاة و السلام على النبي الهادي أما بعد :
السلام على من اتبع الهدى , قال الإمام العلامة الفقيه المحدث / عبدالعزيز ابن باز رحمه الله : قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله))، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله))أي: حتى يخصوا لله بالعبادة دون كل ما سواه، وكان المشركون يخافون من الجن ويعوذون بهم فأنزل الله في ذلك قوله: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا[13]، قال أهل التفسير في الآية الكريمة.
معنى قوله: فَزَادُوهُمْ رَهَقًا أي ذعرا وخوفا؛ لأن الجن تتعاظم في نفسها وتتكبر إذا رأت الإنس يستعيذون بها، وعند ذلك يزدادون لهم إخافة وإذعارا حتى يكثروا من عبادتهم واللجوء إليهم، وقد عوض الله المسلمين عن ذلك: الاستعاذة به سبحانه وبكلماته التامة، وأنزل في ذلك قوله عز وجل: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[14]، وقوله جل وعلا: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ[15]، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ[16]، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك))، ومما تقدم من الآيات والأحاديث يعلم طالب النجاة والراغب في الحفاظ على دينه والسلامة من الشرك دقيقه وجليله: أن التعلق بالأموات والملائكة والجن وغيرهم من المخلوقات، ودعاءهم والاستعاذة بهم ونحو ذلك من عمل أهل الجاهلية المشركين، ومن أقبح الشرك بالله سبحانه، فالواجب تركه والحذر من ذلك والتواصي بتركه والإنكار على من فعله، ومن عرف من الناس بهذه الأعمال الشركية لم تجز مناكحته ولا أكل ذبيحته ولا الصلاة عليه ولا الصلاة خلفه حتى يعلن التوبة إلى الله سبحانه من ذلك، ويخلص الدعاء والعبادة لله وحده.
و قال رحمه الله : (
لا ينبغي للمريض استخدام الجن في العلاج ولا يسألهم ، بل يسأل الأطباء المعروفين ، وأما اللجوء إلى الجن فلا 00 لأنه وسيلة إلى عبادتهم وتصديقهم ، لأن في الجن من هو كافر ومن هو مسلم ومن هو مبتدع ، ولا تعرف أحوالهم فلا ينبغي الاعتماد عليهم ولا يسألون ، ولو تمثلوا لك ، بل عليك أن تسأل أهل العلم والطب من الإنس وقد ذم الله المشركين بقوله تعالى : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) ( سورة الجن – الآية 6 ) ، ولأنه وسيلة للاعتقاد فيهم والشرك ، وهو وسيلة لطلب النفع منهم والاستعانة بهم ، وذلك كله من الشرك )
و سئل رحمه الله :
هل صحيح أن بعض الناس يجتمعون مع الجن، ويتكلمون معهم، وهل للجن تأثير على المؤمن؟
قد يجتمع بعض الناس مع الجن، قد يكون له اختلاط بهم، وخدمة لهم في عبادتهم من دون الله، أو الذبح لهم، أو النذر لهم فيخدمونه، فالمقصود أنه قد يجتمع بالجن، والجن ثقل عظيم خلقهم الله للعبادة قال تعالى: (مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (56) سورة الذاريات . فهم مأمورون بعبادة الله وطاعته كما أن الإنسان مأمور بذلك، وبعض الناس قد يخدمهم ويعبدهم من دون الله؛ ليقضون له بعض الحوائج، فيكون قد أشرك بالله وعبد معه سواه سبحانه وتعالى، قد يتراءون لبعض الناس في بيته، أو في السفر، أو في أي مكان، يبرزون للناس ولكن في الغالب أنهم يروننا ولا نراهم، كما قال -جل وعلا-: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ) (27) سورة الأعراف. وطاعتهم في المعاصي مثل طاعة الإنس محرمة لا تجوز طاعتهم في المعاصي، وعبادتهم شرك بالله -عز وجل-، فإذا طلبوا من الإنسي أن يظلم أحد، أو أن يأخذ مال أحد، يعطيهم مال أحد هذا من الظلم، وإذا تقرب إليهم بذلك بالمال، أو بالذبح، أو بالدعاء صار شركاً أكبر نسأل الله العافية. وكان أهل الجاهلية يستعينون بالجن إذا نزلوا الأودية خافوا منهم قالوا نعوذ بـعزيز هذا الوادي من سفهاء قومه فأنكر الله عليهم ذلك في قوله سبحانه: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) (6) سورة الجن، في سورة: قل أوحي. يقول سبحانه: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا)، فلا يجوز الاستعاذة بالجن، ولا دعاؤهم، ولا الاستغاثة بهم، ولا الذبح لهم، ولا النذر لهم، كل هذا من الشرك بالله، أما كونهم قد يسمعوا أصواتهم، أو قد يجمعوا بهم، أو قد يخدمهم هذا يقع لبعض الناس، قد يقع لعباد القبور، عباد الشياطين، قد يجتمعون بهم ويخدمونهم، كل طائفة تخدم الأخرى. نسأل الله السلامة. إذاً لهم تأثير على المؤمن كما يسأل أخونا؟ نعم، قد يلتحق الجني بالإنسي يصرعه، يدخل فيه يجتمع عليه، يكون مجنوناً بسبب ذلك، ويؤذيه بذلك ويكون ظالماً له، وهذا موجود كثيراً مثل ما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)، فقد يكون يدخل فيه يلتبس به حتى يتكلم على لسانه، قد يكون رجل، قد يكون امرأة قد يكون مسلم قد يكون كافر، فالمسلم يكون ظالماً متعدياً، والكافر معروف ظلمه وشره، وينبغي علاجه وتذكيره بالله وتحذيره من الظلم، فالمسلم قد يخرج بسهولة يخاف الله إذا ذكر، ويخرج وبعض المسلمين من الجن قد يكون فيه ظلم، وشر كثير لا يخرج إلا بتعب، والكافر كذلك قد لا يخرج؛ لظلمه وكفره، ولكن مع القراءة قراءة القرآن، والتعوذات الشرعية يخرج بإذن الله في الغالب.
و سئل رحمه الله :
هل يمكن للبشر أن يصادق الجني الصالح؟ وهل يمكن مشاهدة هؤلاء الجن؟
ليس للمسلم أن يصادق الجن؛ لأنه لا يأمنهم ولا يعرف أحوالهم وليس له أن يصادقهم ولكن من عرف منهم بالخير، وأرشده إلى الخير يدعو له بالتوفيق والسداد والهداية، والحمد لله، أما أنه يصادقهم، فلا يصادقهم؛ لأنه لا يعرفهم كما ينبغي، وقد يكون منافقاً لا يعرف حاله يتظاهر بالإسلام، ولكن من أظهر له الإسلام دعا له بالخير، ومن ادعى له بأنه مسلم دعا له بالتوفيق والثبات على الحق، وينصحه، ويأمره بالمعروف، وينهاه عن المنكر، والحمد لله، ولا يصادقه بأن يتخذه صديقاً، ويأمنه في كل شيء، لا، إنما يدعو له بالتوفيق، يدعو له بالهداية، ويشكره إذا أحسن إليه، إذا أرشده إلى الخير، أو دله على خير، أو أمره بمعروف، أو نهاه عن منكر يقول له: جزاك الله خير، وما أشبه ذلك، أمره بالصلاة، أيقظه للصلاة، قال: جزاك الله خير، جعله يجتهد في قراءة القرآن يقال له: جزاك الله خير، أمره بمعروف ونهاه عن منكر، يقول: جزاك الله خير، وأما كونه يراهم فالغالب أنه لا يراهم مثل ما قال الله جل وعلا: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ (27) سورة الأعراف. فالغالب أننا لا نراهم وقد يتشكلون ويراهم الإنسان في أشكال حيات، أو كلاب، أو سنور، أو حية، أو ما أشبه ذلك قد يراهم في أشياء كما وقع قديماً وحديثا، وأما أنه يراه على صورته التي خلق عليها، فقد لا يجزم بذلك وقد لا يعرف ذلك؛ لأنهم أشكال لا نعرفها، أشكالها وألوانهم كثيرة لكن قد يتصورون في صورٍ معروفة من الحيات، والكلاب، أو السنور، أو غير ذلك كما هو واقع، عرفه الناس، ونقله الناس.
الخلاصة:
كما قال رحمه الله : والاستغاثة بالجن ودعاء الجن من الشرك بالله جل وعلا، قال تعالى:
وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا[1].
كان كثير من العرب في جاهليتها تعبد الجن، وتستعيذ بهم وتخافهم، فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك .
و قال : ليس للمسلم أن يصادق الجن؛ لأنه لا يأمنهم ولا يعرف أحوالهم .
و قال : لا يصادقهم؛ لأنه لا يعرفهم كما ينبغي، وقد يكون منافقاً لا يعرف حاله يتظاهر بالإسلام، ولكن من أظهر له الإسلام دعا له بالخير....قال: ( دعا له بالخير و لم يقل يستعين به )
فنحن ندعو لمن أظهر لنا إسلامه و نسأل الله له الثبات و الجنة
و لو اجتهد في إصلاح الجن و دعوتهم و جهادهم لكان خيرا له
و كذلك الإنس يجتهدوا في اصلاح الناس و دعوتهم و جهادهم
و من تعدى من الجن على الإنس القران كفيل به
و الله حسبنا و هو نعم الوكيل
أسأل الله أن يغفر لنا و لكم
وفق الله الجميع للعلم النافع و العمل الصالح