السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القول الواضح المبين في المراد بظل الله الذي وعد به المؤمنين العاملين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد :
فقد حصل أخيراً اختلاف في حديث " سبعة يظلهم الله في ظله " وكثرت التساؤلات عن المراد منه فرأيت أن من واجبي أن أبين مراد رسول الله من هذا الحديث في ضوء النصوص النبوية والقواعد الشرعية المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أسأل الله أن ينفعني وينفع إخواني المسلمين بهذه الدراسة وأن يجعله في صحيفة حسناتي .
نص الحديث
عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي قال: (سبعة يظلهم اللَّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ بعبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في اللَّه اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال :إني أخاف اللَّه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر اللَّه خالياً ففاضت عيناه " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( )
هذا الحديث : صحيح اتفق الشيخان على تخريجه نسأل الله أن يجعلنا من أهله .
لكن ما المراد من قوله : " يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " .
والجواب : أن هذا الظل إنما هو ظل العرش وإضافته إلى الله إنما هو من باب إضافة المخلوق إلى خالقه إضافة تشريف مثل:
1- قول الله تعالى : **نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا **.
2- ومثل قوله تعالى : **وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ **.
3- ومثل قوله تعالى : **مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ**.
4- وقوله تعالى : **سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ**.
فإضافة هذه الناقة إلى الله إضافة تشريف, وإضافة البيت إلى الله -والمراد به الكعبة- إضافة تشريف, وكذلك إضافة الرسول إلى الله إضافة تشريف, وكل أولئك مخلوقون وإضافتهم إلى الله إضافة مخلوق إلى خالقه إضافة تشريف وإلا فالعالمون كلهم مخلوقون .
وهناك قواعد عظيمة يجب مراعاتها عند تفسير كلام الله وكلام رسوله .
منها قاعدة عظيمة يذكرها شيخ الإسلام في المضاف إلى الله ينبغي للباحث في قضايا التوحيد وما يتصل بها أن يراعيها ويجعلها نصب عينيه ومن لم يراعها وقع في الخطأ مهما بلغ من العلم والفضل . وسألخص كلامه بحسب ما يقتضيه المقام :
قال -رحمه الله- في مجموع الفتاوى (9/290-291) وهو يتحدث عن الروح في الإنسان وأنها تدبر الجسم وتخاطب وأن نسمة المؤمن طائر تعلق من ثمر الجنة ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش .
وأن الأرواح أسودة عن يمين آدم وعن يساره، وأنها تقبض وترسل، وأنها تعرج إلى السماء، وأنها تسمى روحاً وتسمى نفساً باعتبارين .
ثم قال : " ولهذا تسمى الريح روحاً وقال النبي " الريح من روح الله" ، أي: من الروح التي خلقها الله .
ثم ذكر القاعدة العظيمة فقال : " فإضافة الروح إلى الله إضافة ملك لا إضافة وصف إذ كل ما يضاف إلى الله إن كان عيناً قائمة بنفسها، فهو مِلك له وإن كان صفة قائمة بغيرها ليس لها محل تقوم به، فهو صفة لله .
فالأول : كقوله: **نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا**، وقوله: **فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا**، وهو جبريل، **فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً . قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً . قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً ** .
وقال : **وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا** .
وقال عن آدم: **فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ** .
قلت : يعني أن هذه الأمور المذكورة في هذه الآيات التي مثل بها هي أعيان قائمة بذاتها فإضافتها إلى الله إضافة ملك، أو قل إضافة تشريف وليست من باب إضافة الصفة إلى الموصوف تعالى الله عن ذلك .
ثم قال -رحمه الله- : " والثاني: كقولنا علم الله وكلام الله وقدرة الله وأمر الله " .
قلت : يعني أن هذه الصفات الجليلة صفات لله قائمة بذاته، فإضافتها إليه من إضافة الصفة إلى الموصوف .
ثم قال -رحمه الله - : " لكن قد يعبر بلفظ المصدر عن المفعول به، فيسمى المعلوم علماً والمقدور قدرة، والمأمور أمراً, والمخلوق بالكلمة كلمة، فيكون مخلوقاً كقوله: ** أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ **، وقوله : ** إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ **، وقوله: ** إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ... **, ومنه قوله في الحديث الصحيح للجنة: " أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي " كما قال للنار " أنت عذابي أعذب بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها " .
قلت : أي إن الإضافات في هذه الأمثلة من إضافة المخلوق إلى الخالق عز وجل كقوله: **أَتَى أَمْرُ اللّهِ**، أي مأموره، وقوله عن عيسى: إنه كلمته وكلمة منه أي أنه كان وخلق بالكلمة التي هي كلمة الله التي يخلق بها، قال تعالى: **إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ **، **ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ . فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ**. الآية .
وقوله للجنة: أنت رحمتي ، وللنار: أنت عذابي ، من إضافة المخلوق إلى الخالق .
وكل هذه الأشياء المذكورة أعيان قائمة بنفسها فإضافتها إلى الله من إضافة المخلوق إلى الخالق .
وذكر شيخ الإسلام هذه القاعدة العظيمة في موضع آخر(1) وجعل المضاف إلى الله في الكتاب والسنة ثلاثة أقسام ومثَّل لإضافة الصفة إلى الموصوف بقوله تعالى: **وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ** .
وقوله تعالى: **إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ **، وقوله " اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك " .
قال وفي الحديث الآخر " اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق " .
ومثَّل لإضافة المخلوقات إلى الخالق بقول الله تعالى: **نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا**، وقوله تعالى: **وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ**، وقوله:**رَّسُولُ اللَّهِ** [الفتح:29] و**عِبَادَ اللَّهِ** [الصافات:40]،وقوله: **ذُو الْعَرْشِ** [البروج:15]، وقوله:** وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ**.
ثم قال -رحمه الله - فهذا القسم لا خلاف بين المسلمين في أنه مخلوق .
كما أن القسم الأول لم يختلف فيه أهل السنة والجماعة في أنه قديم وغير مخلوق ".
وقد لخص هذه القاعدة الشيخ عبد الرحمن بن حسن -رحمه الله- في (فتح المجيد)(2) .
ثانياً – ومن القواعد التي يجب مراعاتها عند تفسير كلام الله وعند شرح كلام رسول الله : حمل المبهم على المبين والمطلق على المقيد .
فإذا لم يراع هذه القواعد وقع في الزلل وفي القول على الله بغير علم .
ومن القواعد التي يجب مراعاتها في باب التوحيد وإثبات صفات الله: أن يثبت لله ما أثبت لنفسه وما أثبته له رسوله من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل على أساس قوله تعالى: **لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ **، وقوله تعالى: **قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{1** اللَّهُ الصَّمَدُ{2** لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{3** وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{4** ، وقوله تعالى: **هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً**، أي: نظيراً وشبيهاً .
فإذا لم يراعِ العالم وطالب العلم هذه القواعد في أبواب تفسير كلام الله أو شرح وبيان حديث رسول الله وقع في الزلل والقول على الله بغير علم .
وسوف أسوق في هذا البحث بعض الأحاديث التي نصّ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على إكرام الله بعض عباده المؤمنين العاملين بأن يظلهم الله في ظل عرشه منها:
1- حديث أبي هريرة
قال الإمام الترمذي في الجامع (2/ 575) حديث 1306) :
حدثنا أبو كريب, قال :حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي, عن داود بن قيس, عن زيد بن أسلم, عن أبي صالح, عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : (من أنظر معسراً أو وضع له, أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه, يوم لا ظل إلا ظله).وفي الباب عن أبي اليسر, وأبي قتادة, وحذيفة, وابن مسعود وعبادة, وجابر .
حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه .
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/359) .
قال :حدثنا إسحاق بن سليمان حدثنا داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة وساق المتن مثله إلا أنه قال: (أظله الله في ظل عرشه يوم القيامة) .
وهو حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه, كما قال الإمام الترمذي .
2-3 حديث معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت
قال الإمام أحمد في المسند (5/236-237) :
حدثنا وكيع حدثنا جعفر بن برقان, عن حبيب بن أبي مرزوق ,عن عطاء بن أبي رباح , عن أبي مسلم الخولاني قال أتيت مسجد أهل دمشق فإذا حلقة فيها كهول من أصحاب النبي وإذا شاب فيهم أكحل العين براق الثنايا كلما اختلفوا في شي ردوه إلى الفتى فتى شاب .
قال: قلت: لجليس لي: من هذا ؟ قال: هذا معاذ بن جبل، قال: فجئت من العشي, فلم يحضروا, قال: فغدوت من الغد قال: فلم يجيئوا, فرحت فإذا أنا بالشاب يصلى إلى سارية فركعت ثم تحولت إليه, قال: فسلم فدنوت منه فقلت: إني لأحبك في الله قال: فمدني إليه, قال :كيف قلت؟ قلت: إني لأحبك في الله, قال: سمعت رسول الله يحكى عن ربه, يقول: (المتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله) .
قال : فخرجت حتى لقيت عبادة بن الصامت فذكرت له حديث معاذ بن جبل, فقال : سمعت رسول الله يحكي عن ربه عز وجل يقول : (حقت محبتي للمتحابين فيَّ وحقت محبتي للمتباذلين فيَّ, وحقت محبتي للمتزاوين فيَّ, والمتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله) .
إسناد حديث معاذ وعبادة بن الصامت رجاله رجال الصحيحين إلا جعفر بن برقان فإنه من رجال مسلم والأربعة , وثقه ابن معين وابن نمير إلا في حديث الزهري فإنه ضعيف فيه, وقال الإمام أحمد: لأبأس به في غير حديث الزهري, وقال : أبو حاتم محله الصدق يكتب حديث ، وقال الحافظ: صدوق يهم في حديث الزهري, ونقل فيه الذهبي توثيق ابن معين فقط.
وإلا حبيب بن أبي مرزوق فإنه" ثقة فاضل" من رجال الترمذي والنسائي وبقية رجاله رجال الصحيحين, فالحديث حسن لذاته يحتمل الصحة ويزداد قوة وصحة بحديث أبي هريرة السابق وبما يأتي بعده .
وأخرج البغوي حديث " سبعة يظلهم الله في ظله "... الحديث, في شرح السنة (2/354-355) ثم قال : " قيل في قوله : يظلهم الله في ظله معناه إدخاله إياهم في رحمته ورعايته, وقيل : المراد منه ظل العرش" .
وروي عن شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة في هذا الحديث" سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله "وعلق عليه المحقق بقوله: أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (ص371) وفي سنده جعفر بن محمد بن الليث ضعفه الدار قطني وقال : كان يتهم في سماعه .
وقال البغوي : وروي عن سلمان أنه قال : " التاجر الصدوق مع السبعة في ظل عرش الله يعني مع هؤلاء السبعة التي جاءت في الحديث .
وقال البغوي: " وروى أيضاً عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة " .
وأورد البيهقي في الأسماء والصفات (ص371) حديث السبعة، قال: ومعناه عند أهل النظر إدخاله إياهم في رحمته ورعايته كما يقال : أسبل الأمير أو الوزير ظله على فلان بمعنى الرعاية، وقيل : المراد بالخبر ظل العرش " .
أقول : وتأويله بالرحمة والرعاية غلط وأهل النظر هنا - فيما يبدو - هم أهل الكلام الذين دأبهم التأويل .
والحق أن المراد به: ظل العرش، كما هو ثابت بالأحاديث الصحيحة .
ثم ساق البيهقي بإسناده رواية شعبة عن خبيب عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة ورواية ابن سيرين عن أبي هريرة بدون إسناد .
وأخرجه الخطيب في تاريخه (9/253-254) والبيهقي في الشعب.
من طريق عبد الله بن عامر الأسلمي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ " تحت عرشه " وعبد الله بن عامر ضعيف لكنه ليس بمتروك وحديثه حسن في المتابعات " قاله الحافظ في الفتح (2/147) .
ونقله عنه الألباني في الثمر المستطاب ( 2/631-632) .
وقال: يقويه الحديث الآخر المشار إليه حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن موقوف عليه، قال الحافظ : " لكن له حكم الرفع " وهذا القول للحافظ في الفتح (2/147).
- حديث معاذ من طريق أخرى
وقال الإمام أحمد في المسند (5/233) :
حدثنا روح ثنا الحجاج بن الأسود عن شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل أن رسول قال : ( المتحابون في الله في ظل العرش يوم القيامة ) .
حديث معاذ هذا فيه الحجاج بن أبي زياد الأسود, وثقه الإمام أحمد وقال: رجل صالح وقال أبو حاتم: صالح الحديث وفيه شهر بن حوشب, قال الحافظ ابن حجر: صدوق كثير الإرسال والأوهام, وضعفه شعبة ووثقه الإمام أحمد وابن معين, وقال أبو حاتم:" ليس بدون أبي الزبير 4" , وقرنه مسلم :راجع الكاشف (1/ 491 ) .
وروح بن عبادة ثقة فاضل روى له الجماعة .
وعلى كل حال فهو يتقوى بما قبله وبما بعده من الأحاديث الواردة في هذا البحث.
وأخرج حديث عبادة بن الصامت ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (5/328) وأبو يعلى الموصلي في مسنده وابن حبان كما في الإحسان (2/338) .
قال عبد الله بن أحمد: ثنا أبو أحمد مخلد بن الحسن أبو زميل إملاء من كتابه ثنا الحسن بن عمر بن يحيى الفزاري ويكنى أبا عبد الله ولقبه أبو المليح الرقى عن حبيب بن أبي مرزوق به .
وساقه أبو يعلى بهذا الإسناد ورواه ابن حبان من طريق أبي يعلى به .
الحسن بن عمر الفزاري أبو المليح الرقى، قال فيه الحافظ الذهبي :"وثقه ابن معين وأحمد " وقال فيه الحافظ ابن حجر : " ثقة / بخ دس .
ومخلد بن الحسن قال فيه الذهبي : " وثقه النسائي " وقال الحافظ ابن حجر : " لا بأس به" .
فهذا الإسناد صحيح يحتمل التحسين ويقويه ما قبله وما بعده .
4- حديث العرباض بن سارية
قال الإمام أحمد في مسنده (4/ 128): حدثنا هيثم بن خارجة قال حدثنا ابن عياش يعني إسماعيل , عن صفوان بن عمرو وعبد الرحمن بن ميسرة عن العرباض بن سارية قال : قال رسول الله : قال الله عز وجل : ( المتحابون بجلالي في ظل عرشي يوم لا ظل إلاً ظلي)، قال عبد الله: وأحسبنى قد سمعته منه .
حديث العرباض رضي الله عنه في إسناده إسماعيل بن عياش الحمصي, قال فيه الذهبي: عالم الشاميين, قال يزيد بن هارون: ما رأيت أحفظ منه, وقال دحيم :هو في الشاميين غاية وخلط في المدنيين, وقال البخاري: إذا حدث عن أهل حمص فصحيح وقال أبو حاتم لين، الكاشف (1/ 249) .
وقال الحافظ ابن حجر: صدوق في روايته عن أهل بلده, مخلط في غيرهم .
أقول : والذي يترجح لي ما قاله فيه يزيد بن هارون و دحيم والبخاري, لاسيما ودحيم من أهل بلده فهو أعرف به من أبي حاتم وروايته هنا عن الشاميين الحمصيين .
صفوان بن عمرو السكسكي أبو عمرو الحمصي ثقة, وعبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي مقبول من الرابعة, وفيه الهيثم بن خارجه الخراساني، قال فيه الذهبي: " الحافظ ببغداد وكان يسمي شعبة الصغير" . الكاشف (2/344)
وقال أبو حاتم: "صدوق" . الجرح والتعديل (9/ 86) .
وقال :الحافظ ابن حجر: "صدوق خ س ق ".
فالحديث صحيح يحتمل التحسين ويتقوى بما قبله وبما بعده .
وحسَّن الألباني إسناد حديث العرباض هذا في مختصر العلو (ص 106) ثم قال: أخرجه أحمد (4/128) وقال : قال المنذري في الترغيب (4/48): بإسناد جيد .
5- حديث أبي قتادة
قال الإمام أحمد في المسند (5/ 300 و 308 ) .
حدثنا يونس وعفان قالا ثنا حماد بن سلمة قال عفان في حديثه أنا أبو جعفر الخطمي عن محمد بن كعب القرظى ,عن أبي قتادة قال :سمعت رسول الله يقول : (من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة) .
ورواه الإمام أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي في سننه ( 2/ 176) من طريق عفان به .
حديث أبي قتادة في إسناده حماد بن سلمة الإمام قال فيه الحافظ ابن حجر ثقة عابد أثبت الناس في ثابت وتغير حفظه بأخرة خت م 4 .
وقال فيه الذهبي : قال ابن معين إذا رأيت من يقع فيه فاتهمه على الإسلام" ثم قال الذهبي (قلت هو ثقة صدوق يغلط وليس في قوة مالك ) .
أقول: وكون حماد بن سلمة تغير بأخرة فإن تغيره لا يضر بكثير من أحاديثه .
ومنها هذا الحديث فإنه من رواية عفان عنه ,قال عبد الله بن أحمد سمعت يحيى بن معين يقول : من أراد أن يكتب حديث حماد فعليه بعفان بن مسلم .وقال النسائي: ( أثبت أصحاب حماد بن سلمة ابن مهدي وابن المبارك و عبدالوهاب الثقفي ) . الكواكب النيرات (ص461 ) .
أبو جعفر الخطمي هو عمير بن يزيد الأنصاري نزيل البصرة قال الحافظ ابن حجر ( صدوق )4."
وقال الحافظ الذهبي: ( ثقة ) . الكاشف ( 2/98 ) .
وقال ابن أبي حاتم: عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: أبو جعفر الخطمي ثقة .
وفيه محمد بن كعب القرظى: " ثقة حجة " قاله الحافظ الذهبي في الكاشف ( 2/213) .
وقال الحافظ ابن حجر: " ثقة عالم " التقريب .
فهذا الحديث بهذا الإسناد صحيح يحتمل التحسين ويزداد قوة بما قبله .
وبالجملة فهذا الحديث صحيح في أقصى درجات الصحة حيث روي عن عدة من الصحابة وبعض طرقه صحيح لا غبار عليه وبعضها صحيح يحتمل التحسين وبمجموع طرقه يقرب من التواتر .
ورواه البغوى في شرح السنة (8/ 199) من طريق الدارمي به وقال هذا حديث حسن وصححه الألباني في الجامع الصغير ( 6452) .
6- حديث أبي اليسر
قال أبو بكر بن أبي شيبة ( 7/552 ) حديث (22484 ) : حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي قال : حدثني أبو اليسر قال : قال رسول الله : " من أنظر معسراً أو وضع له أظله الله في ظل عرشه " وهذا إسناد صحيح .
أبو بكر هو الإمام ورجال إسناده كلهم ثقات رجال الجماعة .
7- حديث سلمان رضي الله عنه :قال البيهقي -رحمه الله- بعد أن نقل قول من قال: إن المراد بالخبر ظل العرش وإنما الإضافة إلى الله بمعنى الملك .
قال: واحتج من قال ذلك بما أخبرنا أبو الحسن بن بشران أنا إسماعيل الصفار حدثنا أحمد بن منصور حدثنا عبدالرزاق أنا معمر عن قتادة قال: إن سلمان: قال: " التاجر الصدوق مع السبعة في ظل عرش الله تعالى يوم القيامة"، ثم ذكر السبعة في الخبر المرفوع " الأسماء والصفات ( ص 371 ) ، وحسن ابن حجر إسناده في الفتح ( 2/144).
والحاصل أن حديث سلمان يتقوى بما قبله من الأحاديث، وهي تزداد به قوة وصحة لاسيما وحديث سلمان في درجة الحسن كما قال الحافظ .
ولقد تمنيت ألا يذكر البيهقي والحافظ هذا التأويل لاسيما وقد دلت الأحاديث الصحيحة على مراد رسول الله من قوله" في ظله" حيث بينتْ هذه الأحاديث أن هذا الظل المبهم في حديث السبعة أنه ظل عرش الله ، وإن كان يظهر من كلامهما ترجيح ما دلت عليه هذه الأحاديث بل صرح الحافظ بترجيح ما دلت عليه هذه الروايات.
ويظهر والله أعلم أن بعض العلماء حينما يسوقون حديث السبعة لا يستحضرون هذه الأحاديث .
ويحتمل أنها لم تبغلهم ولولا ذلك لما لجأوا إلى التأويل المذكور .
أقوال العلماء في إثبات أن هذا الظل
إنما هو ظل العرش
1- الإمام ابن حبان :
ابن حبان يرى أن الظل الوارد في حديث السبعة إنما هو ظل العرش ، قال –رحمه الله تعالى كما في الإحسان (2/332) :
(ذكر الخصال التي يرتجى لمن فعلها أو أخذ بها أن يظله الله يوم القيامة في ظل عرشه) .
ثم ساق حديث ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ..) الحديث, من طريق حفص بن عاصم عن أبي سعيد أو عن أبي هريرة رضي الله عنهما مرفوعا .
فأنت ترى أنه أخذ هذه الترجمة التي فيها أن الظل إنما هو ظل العرش أخذها من هذا الحديث حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، وهذا أمر واضح .
2- الإمام محمد بن إسحاق ابن منده -رحمه الله-قال رحمه الله :
بيان آخر يدل على أن العرش(1) ظل يستظل فيه من يشاء الله من عباده
- أخبرنا علي بن الحسن بن علي ثنا إسحق بن الحسن بن ميمون ثنا شريح بن النعمان ثنا فليح بن سليمان عن عبد الله بن عبد الرحمن أبي طوالة عن سعيد ين يسار عن أبي هريرة قال : قال رسول : (إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي) .
انظر كتاب التوحيد لابن منده (3/190-191) .
وساق هذا الحديث بإسناد آخر عن أبي هريرة -رضي الله عنه - مرفوعاً ثم أورد حديث : (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) من ثلاث طرق وفي الطريق الأخيرة عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد .
وظاهر من ترجمة الإمام ابن منده لهذه الأحاديث أنه يعتقد أن الظل المذكور في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله أن المراد منه ظل العرش .
3- الإمام أبوجعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي رحمه الله
قال رحمه الله في شرح مشكل الآثار (15/73) بعد أن روى حديث أبي هريرة في السبعة الذين يظلهم الله في ظله من ثلاثة طرق في طريقين منها : (يظلهم بظله )، وفي الثالث : (يظلهم الله بظل عرشه) قال عقب ذلك :
(ثم نظرنا في الأصل المذكور في هذا الحديث مالمراد به ؟ فلم يكن في حديث مالك عن خبيب بن عبد الرحمن ما يدل على ذلك ما هو ؟ وهو قوله : (يظلهم الله في ظل عرشه) فأخبر بذلك أن الظل المراد في هذا الحديث هو ظل عرش الله عز وجل .
وقد روي في مثل هذا المعنى من الظل المذكور في كتاب الله عز وجل (وظل ممدود).
4-الإمام أبو عمر يوسف بن عبد البر -رحمه الله-قال في التمهيد شرح الموطأ ( 17/431 ) :
في شرح حديث أبي هريرة : عن رسول الله : " إن الله تبارك وتعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون لجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ".
قال:" قال أبو عمر فمن الحب في الله: حب أولياء الله, وهم الأتقياء العلماء الفضلاء ومن البغض في الله: بغض من حاد الله وجاهر بمعاصيه, أو ألحد في صفاته, وكفر به وكذب رسله, أو نحو هذا كله .
وأما قوله: "في ظل الله" فإنه أراد- والله أعلم – في ظل عرشه, وقد يكون الظل كناية عن الرحمة كما قال: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ وَفَوَاكِهَ ) يعني بذلك: ما هم فيه من الرحمة والنعيم , وقال: (أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا) .
والظاهر أن ابن عبد البر يرجح ما دل عليه الحديث .
5 – الذين أشار إليهم البيهقي بقوله: فيما سبق "وقيل المراد بالخبر ظل العرش" فإن هؤلاء الذين أشار إليهم وقد يكونون عدداً كثيراً من علماء أهل السنة وأئمتهم الموجودين قبل عصره.
6 - الإمام ابن القيم شمس الدين محمد بن أبي بكر رحمه الله- قال رحمه الله في طريق الهجرتين (ص/ 293) طـ - دار الوطن :
"لا ريب أن الحب والأنس المجرد عن التعظيم والإجلال يبسط النفس، ويحملها على بعض الدعاوى والرعونات والأماني الباطلة وإساءَة الأدب والجناية على حق المحبة.
فإذا قارن المحبة مهابة المحبوب وإجلاله وتعظيمه وشهود عز جلاله وعظيم سلطانه، انكسرت نفسه له وذلت لعظمته واستكانت لعزته وتصاغرت لجلاله وصفت من رعونات النفس وحماقاتها ودعاويها الباطلة وأمانيها الكاذبة، ولهذا في الحديث: (يقول الله عَزَّ وجَلَّ: أين المتحابون بجلالى؟ اليوم أُظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) ، فقال: (أين المتحابون بجلالي)، فهو حب بجلاله [سبحانه] وتعظيمه ومهابته ليس حباً لمجرد جماله، فإنه سبحانه الجليل الجميل.
والحب الناشئ عن شهود هذين الوصفين هو الحب النافع الموجب لكونهم في ظل عرشه يوم القيامة. فشهود الجلال وحده يوجب خوفاً وخشية وانكساراً، وشهود الجمال وحده يوجب حباً بانبساط وإدلال ورعونة. وشهود الوصفين معاً يوجب حباً مقروناً بتعظيم وإجلال ومهابة. وهذا هو غاية كمال العبد. والله أعلم .1هـ.
فأنت ترى أن هذا الإمام قد فسر الظل هنا بظل العرش الذي يستظل به المتحابون.
وقال -رحمه الله- في الكتاب نفسه (ص354) :
"الطبقة الخامسة: أئمة العدل وولاته الذين تؤمَّن بهم السبل ، ويستقيم بهم العالم ويستنصر بهم الضعيف ، ويذل بهم الظالم ويأْمن بهم الخائف ، وتقام بهم الحدود ويدفع بهم الفساد ويأْمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقام بهم حكم الكتاب والسنة وتطفأُ بهم نيران البدع والضلالة .
وهؤلاء الذين تنصب لهم المنابر من النور عن يمين الرحمن عز وجل يوم القيامة فيكونون عليها .
والولاة الظلمة قد صهرهم حر الشمس وقد بلغ منهم العرق مبلغه وهم يحملون أثقال مظالمهم العظيمة على ظهورهم الضعيفة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يُرى سبيل أحدهم إما إلى الجنة وإما إلى النار.
قال النبي : ((المقسطون على منابر من نور يوم القيامة عن يمين الرحمن تبارك وتعالى وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا))، وعنه : ((إن أحب الخلق إلى الله وأقربهم منه منـزلة يوم القيامة إمام عادل، وإن أبغض الخلق إلى الله وأبعدهم منه منـزلة يوم القيامة إمام جائر)) أو كما قال. وهم أحد السبعة الأصناف الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وكما كان الناس في ظل عدلهم في الدنيا كانوا في ظل عرش الرحمن يوم القيامة ظلاً بظل جزاءً وفاقاً". 1هـ.ّ
وهنا ذكر حديث السبعة الذي قال فيه النبي : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " ومع ذلك حمل هذا الظل على ظل العرش.
وقال -رحمه الله- في الوابل الصيب (ص/54-55 . ط:دار الكتاب العربي)
جاء في الحديث "من ستر مسلما ستره الله تعالى في الدنيا والآخرة ، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله تعالى عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله تعالى حسابه ، ومن أقال نادما أقال الله تعالى عثرته ، ومن أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله تعالى في ظل عرشه " .
لأنه لما جعله في ظل الإنظار والصبر ونجاه من حر المطالبة وحرارة تكلف الأداء مع عسرته وعجزه نجّاه الله تعالى من حر الشمس يوم القيامة إلى ظل العرش " اهـ.
وهنا ذكر حديث: ( من أنظر معسرا أظله الله في ظل عرشه ) الذي رواه أبو هريرة وأبو قتادة وأقر ما دل عليه بل احتج به .
- وقال رحمه الله في الكتاب نفسه (ص65):
التاسعة والعشرون : أنه مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله تعالى العبد يوم الحر الأكبر في ظل عرشه والناس في حر الشمس قد صهرتهم في الموقف وهذا الذاكر مستظل بظل عرش الرحمن عز وجل. اهـ
والإمام هنا يتكلم عن واحد من السبعة الذين يظلهم الله في ظله ومع ذلك ينص على أن الله يظله في ظل عرشه.
- وقال رحمه الله في روضة المحبين (ص/379-380ط:دار الحديث- القاهرة) :
التاسع والأربعون: أن مخالفة الهوى توجب شرف الدنيا وشرف الآخرة ، وعز الظاهر وعز الباطن ، ومتابعته تضع العبد في الدنيا والآخرة وتذله في الظاهر وفي الباطن ، وإذا جمع الله الناس في صعيد واحد نادى مناد ليعلمن أهل الجمع من أهل الكرم اليوم ألا ليقم المتقون فيقومون إلى محل الكرامة .
وأتباع الهوى ناكسو رؤوسهم في الموقف في حر الهوى وعرقه وألمه وأولئك في ظل العرش اهـ
وهنا ذكر –رحمه الله- أن من مخالفة الهوى توجب شرف الدنيا والآخرة ومن ذلك إظلالهم في ظل العرش جعلنا الله منهم وجنبنا الهوى وكل أسباب الردى.
- ثم قال الإمام ابن القيم –رحمه الله- :
الخمسون: أنك إذا تأملت السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وجدتهم إنما نالوا ذلك الظل بمخالفة الهوى فإن الإمام المسلط القادر لا يتمكن من العدل إلا بمخالفة هواه والشاب المؤثر لعبادة الله على داعي شبابه لولا مخالفة هواه لم يقدر على ذلك ، والرجل الذي قلبه معلق بالمساجد إنما حمله على ذلك مخالفة الهوى الداعي له إلى أماكن اللذات ، والمتصدق المخفي لصدقته عن شماله لولا قهره لهواه لم يقدر على ذلك والذي دعته المرأة الجميلة الشريفة فخاف الله عز وجل وخالف هواه والذي ذكر الله عز وجل خاليا ففاضت عيناه من خشيته إنما أوصله إلى ذلك مخالفة هواه .
فلم يكن لحر الموقف وعرقه وشدته سبيل عليهم يوم القيامة .
وأصحاب الهوى قد بلغ منهم الحر والعرق كل مبلغ وهم ينتظرون بعد هذا دخول سجن الهوى فالله سبحانه وتعالى المسؤول أن يعيذنا من أهواء نفوسنا الأمارة بالسوء وأن يجعل هوانا تبعا لما يحبه ويرضاه إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. اهـ
وهنا يتحدث عن السبعة المشهورين والمشهور حديثهم ويصرح بأن الله يظلهم في ظل عرشه.
7- ابن قتيبة رحمه الله
قال ابن قتيبة رحمه الله:
" والظل هنا ظل من دخان نار جهنم سطع ثم افترق ثلاث فرق وكذلك شأن الدخان العظيم إذا ارتفع أن يتشعب فيقال : لهم كونوا فيه إلى أن يفرغ من الحساب كما يكون أولياء الله في ظل عرشه أو حيث شاء من الظل ثم يؤمر بكل فريق إلى مستقره من الجنة والنار " ( ) .
8- الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير رحمه الله
قال رحمه الله في تفسيره (14/47) في تفسير قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) : يقول تعالى مخبرا عمن يخاف مقام ربه فيما بينه وبينه إذا كان غائبا عن الناس فينكف عن المعاصي ويقوم بالطاعات حيث لا يراه أحد إلا الله : بأنه له مغفرة وأجر كبير أي : يكفر عنه ذنوبه ويُجازى بالثواب الجزيل كما ثبت في الصحيحين( ) : (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ) فذكر منهم رجلا دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ,ورجلا تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه .
9- قال أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (ص 264) .
" وروى الأئمة عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله :الإمام العادل ,وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق بالمساجد ,ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ,ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ,ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " .
فأنت تراه قد حمل معنى في ظله في حديث السبعة على معنى الأحاديث المصرحة بأن هذا الظل إنما هو ظل عرش الرحمن .
10- الإمام ابن رجب -رحمه الله- وقال الإمام ابن رجب -رحمه الله- في نهاية شرحه لحديث: ( سبعة يظلهم الله في ظله ... ) في شرحه لصحيح البخاري :
" وهذا الحديث يدل على أن هؤلاء السبعة يظلهم الله في ظله, ولا يدل على الحصر ولا على أن غيرهم لا يحصل له ذلك ؛فإنه صح عن النبي : (من أنظر معسراً أو وضع عنه , أظله الله في ظله ,يوم لا ظل إلا ظله) . خرجه مسلم من حديث أبي اليسر الأنصاري عن النبي .
وخرّج الإمام أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي هريرة عن النبي قال : " من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة(1) " وهذا يدل على أن المراد بظل الله : ظل عرشه . انظر فتح الباري لابن رجب (6/51) .
11- الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني –رحمه الله- :قال رحمه الله- في الفتح ( 2/144) في شرح حديث السبعة : قوله : " في ظله " قال عياض : إضافة الظل إلى الله إضافة مِلك وكل ظل فهو ملكه " كذا قال : وكان حقه أن يقول إضافة تشريف ليحصل امتياز هذا على غيره كما قيل : الكعبة بيت الله مع أن المساجد كلها ملكه .
وقيل المراد بظله: كرامته وحمايته كما يقال فلان في ظل الملك ، وهو قول عيسى بن دينار وقواه عياض .
وقيل المراد: ظل عرشه، ويدل عليه حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن سبعة يظلهم الله في ظل عرشه فذكر الحديث ، وإذا كان المراد ظل العرش استلزم ما ذكر من كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس فهو أرجح ، وبه جزم القرطبي(1)، ويؤيده أيضاً تقييد ذلك بيوم القيامة كما صرح به ابن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر وهو عند المصنف في كتاب الحدود ، وبهذا يندفع قول من قال : المراد ظل طوبى أو ظل الجنة لأن ظلهما إنما يحصل لهم بعد الاستقرار في الجنة ، ثم إن ذلك مشترك لجميع من يدخلهما والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة ، فيرجح أن المراد ظل العرش)ا.هـ
فأنت ترى أن الحافظ يرجح في هذا السياق مرتين أن المراد بالظل في الأحاديث المضافة إلى العرش والتي لم يضف فيها الظل إلى العرش .
ومجموعها بلغ درجة التواتر والحافظ من أكثر العلماء اطلاعاً على هذه الأحاديث فقد ألف في ذلك رسالة سماها "معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال" وأورد جملة منها في كتابه الأمالي وقد نقل بيتين في ذلك عن أبي شامة وهما:
وقال النبي المصطفى أن سبعة يظلهم الله الكريم بظلـه
محب عفيف ناشيء متصدق وباك مصل والإمام بعدله
....ثم تتبعت بعد ذلك الأحاديث الواردة في مثل ذلك فزادت على عشر خصال وقد انتقيت منها سبعة وردت بأسانيد جياد ونظمتها في بيتين تذييلاً على بيتي أبي شامة وهما : وزد سبعة : إظلال غاز وعونه وإنظار ذي عسر وتخفيف حمله
وإرفاد ذي غرم وعون مكاتب وتاجر صدق في المقال وفعله
فأما إظلال الغازي فرواه ابن حبان وغيره من حديث عمر , وأما عون المجاهد فرواه أحمد والحاكم من حديث سهل ابن حنيف , وأما إنظار المعسر والوضيعة عنه ففي صحيح مسلم كما ذكرنا , وأما إرفاد الغارم وعون المكاتب فرواهما أحمد والحاكم من حديث سهل بن حنيف المذكور , وأما التاجر الصدوق فرواه البغوي في شرح السنة من حديث سلمان وأبو القاسم التيمي من حديث أنس , والله أعلم , ونظمته مرة أخرى فقلت في السبعة الثانية :
وتحسين خلق مع إعانة غارم خفيف يد حتى مكاتب أهله
وحديث تحسين الخلق أخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف , ثم تتبعت ذلك فجمعت سبعة أخرى ونظمتها في بيتين آخرين وهما
وزد سبعة : حزن ومشي لمسجد وكره وضوء ثم مطعم فضله
وآخذ حق باذل ثم كافل وتاجر صدق في المقال وفعله
ثم تتبعت ذلك فجمعت سبعة أخرى ولكن أحاديثها ضعيفة وقلت في آخر البيت : " تربع به السبعات من فيض فضله " وقد أوردت الجميع في الأمالي , وقد أفردته في جزء سميته معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال " فتح الباري (2/143-144) .
12- الحافظ جلال الدين عبدالرحمن السيوطي
وقد صرح –رحمه الله – في كتابه تمهيد الفرش في الخصال الموجبة لظل العرش (ص/132) وعنوان كتابه يفيد هذا .
13- العلامة محمد عبد الرحمن المباركفوري
قال – رحمه الله - في تحفة الأحوذي (4/534) في شرح حديث أبي هريرة عند الترمذي: (من أنظر معسرا أو وضع له ,أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه ,يوم لا ظل إلا ظله) : (أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه) : أي أوقفه الله تحت ظل عرشه " .
14- العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله
قال - رحمه الله - في تفسيره ( ص 409 ) عند ذكر العبر والفوائد الجليلة التي اشتملت عليها قصة يوسف عليه السلام .
" ومنها: أن الهمَّ الذي همَّ به يوسف بالمرأة ثم تركه لله، مما يقربه إلى الله زلفى ؛ لأن الهمّ داع من دواعي النفس الأمارة بالسوء، وهو طبيعة لأغلب الخلق، فلما قابل بينه وبين محبة الله وخشيته، غلبت محبة الله وخشيته داعي النفس والهوى . فكان ممن ( خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ) ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، أحدهم: "رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله" وإنما الهم الذي يلام عليه العبد، الهم الذي يساكنه، ويصير عزماً، ربما اقترن به الفعل " .
15 - العلامة محمد ناصر الدين الألباني- رحمه الله تعالى- :أورد – رحمه الله - في مختصر العلو (ص 105) حديث أبي هريرة - رضي الله عنه "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل"، قال وساق الحديث - يعني الذهبي -وأخرجه البخاري ، ثم ساق حديث أبي هريرة : (إن الله تعالى يقول أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي ) ، ثم قال الألباني : وقد ورد في ظل العرش أحاديث تبلغ التواتر .
وأورد الألباني في الإرواء (3/395) حديث أبي هريرة - رضي الله عنه – مرفوعاً "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .." الحديث ، خرجه من صحيح البخاري ومسلم وسنن النسائي وموطأ مالك ، ثم قال: وللحديث شاهد من حديث سلمان بلفظ سبعة يظلهم الله في ظل عرشه فذكر الحديث رواه سعيد بن منصور بإسناد حسن كما في الفتح (2/ 121) .
فقول الألباني –رحمه الله- :
(وقد ورد في ظل العرش أحاديث تبلغ التواتر ).
وقوله: ( وللحديث شاهد من حديث سلمان (يعني حديث السبعة) يفيد أن الألباني يرى أن الظل إنما هو ظل العرش ، ويرى أن معنى الأحاديث كلها معنىً واحد .
وما أعتقد أن أحداً من علماء السنة السابقين يخالف هؤلا العلماء .
وأخيراً:
فإن المتأمل المنصف في النصوص النبوية والقواعد الشرعية لا يخالجه شك في أن المراد من الظل الوارد في النصوص النبوية – التي مر ذكرها في هذا البحث- إنما هو ظل عرش الله عز وجل.
هذا ما يسره الله لي ووفقني له من هذا البحث الذي أرجو الله الرؤوف الرحيم أن ينفعني به وأن يجعلني ممن يظلهم بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله **يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ **.
وصلى الله على نبينا محمد وإخوانه من النبيين والمرسلين وآله وصحابته أجمعين.
كتبه:
رَبِيع بن هَادي بن عُمَيْر الْمَدْخلِي
25/7/1427هـ
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته