فصل : إثبات تنزيل القرآن من الله تعالى
ما هي علاقة هذا الفصل بالفصل السابق ؟
ج : أنه لما أورد المؤلف ـ رحمه الله ـ الآيات الدالة على إثبات الكلام لله تعالى وأن القرآن العظيم من كلامه سبحانه، شرع في سياق الآيات الدالة على أن القرآن منزل من عند الله .
س : قال تعالى ** وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ** ما معنى ** مبارك ** ؟ ولماذا أكد على صفة الإنزال ؟
المبارك : كثير البركة لما هو مشتمل عليه من المنافع الدينية والدنيوية ، وقد نص على صفة الإنزال ؛ لأن الكفار ينكرونها .
س : قال تعالى ** لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ** بيِّن المعنى الإجمالي للآية الكريمة ؟
ج : هذا إخبار عن عظمة القرآن وأنه حقيق بأن تخشع له القلوب ؛ فإنه لو أنزل على جبل مع كونه في غاية القسوة وشدة الصلابة لو فهم هذا القرآن لخشع وتصدع من خوف الله حذرًا من عقابه . فكيف يليق بكم أنها البشر أن لا تلين قلوبكم وتخشع . وقد فهمتم عن الله أمره وتدبرتم كتابه .
س : قال تعالى ** وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ **
وضح معنى تبديل آية مكان آية ؟ ووضح شبهة كفار قريش التي أشارت إليها الآية السابقة ؟
ج : معنى التبديل : رفع الشيء مع وضع غيره مكانه، وتبديل الآية : رفعها بأخرى غيرها وهو نسخها بآية سواها ، [وشبهتهم هي كما] قال تعالى ** وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ قَالُواْ ** أي : قال كفار قريش الجاهلون للحكمة في النسخ : ** إِنَّمَا أَنتَ ** أي : يا محمد ** مُفْتَرٍ ** أي : كاذب مختلق متقول على الله حيث تزعم أنه أمرك بشيء ثم تزعم أنه أمرك بخلافه .
س : بم ردَّ القرآن الكريم على هذه الشبهة ؟
ج : 1 - رد الله عليهم بما يفيد جهلهم فقال : ** بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ** شيئًا من العلم أصلاً ، أو لا يعلمون الحكمة في النسخ ؛ فإنه مبني على المصالح التي يعلمها الله سبحانه ، فقد يكون في شَرْعِ هذا الشيء مصلحةٌ مؤقتة بوقت ، ثم تكون المصلحة بعد ذلك الوقت في شرعِ غيرِه ، ولو انكشف الغطاء لهؤلاء الكفرة لعلموا أن ذلك وجه الصواب ومنهج العدل والرفق واللطف .
2 – ثم رد عليهم في زعمهم أن هذا التبديل من عند محمد ، فقال سبحانه : ** قُلْ نَزَّلَهُ ** أي : القرآن ** رُوحُ الْقُدُسِ ** أي : جبريل، والقدس : الطهر . والمعنى : نزله الروح المطهر، فهو من إضافة الموصوف إلى صفته ** مِن رَّبِّكَ ** أي : ابتداء تنزيله من عند الله سبحانه ** بِالْحَقِّ ** في محل نصب على الحال، أي : متصفًا بكونه حقًا .
3 – ثم [ بيَّن الحكمة من النسخ والتبديل فقال سبحانه ] ** لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ ** على الإيمان فيقولون : كل من الناسخ والمنسوخ من عند ربنا ؛ ولأنهم إذا عرفوا ما في النسخ من المصالح ثبتوا على الإيمان ** وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ** معطوفان على محل ليثبت . أي تثبيتًا لهم، وهداية وبشرى .
س : قال تعالى ** وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ** .
وضح الشبهة التي أشار إليها القرآن الكريم في هذه الآية أيضاً ؟
ج : أي : ولقد نعلم أن هؤلاء الكفار يقولون : إنما يعلم محمدًا القرآن بشر من بني آدم ! وهذا البشر الذي يعمله كان قد درس التوراة والإنجيل والكتب الأعجمية ؛ لأن محمدًا رجل أمي لا يمكن أن يأتي بما ذكر في القرآن من أخبار القرون الأولى .
س : بم ردَّ القرآن الكريم على هذه الشبهة ؟
رد عليهم بقوله : ** لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ ** أي : لسان الذي يميلون إليه ويزعمون أنه يعلمك يا محمد أعجمي، أي : غير عربي، فهو لا يتلكم العربية ** وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ** أي : وهذا القرآن ذو بلاغة عربية وبيان واضح، فكيف تزعمون أن بشرًا يعلم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من العجم، وقد عجزتم أنتم عن معارضته أو معارضة سورة أو سور منه وأنتم أهل اللسان العربي ورجال الفصاحة وقادة البلاغة ؟ !
س : ما الذي يستفاد من جميع ما سبق من الآيات في هذا الفصل ؟
ج : مما يستفاد من هذه الآيات الكريمة :
1 - إثبات أن القرآن منزل من عند الله تعالى، وأنه كلامه جل وعلا لا كلام غيره من الملائكة أو البشر .
2 - والرد على من زعم أنه كلام مخلوق .
3 - وفي الآيات أيضًا إثبات العلو لله سبحانه، لأن الإنزال لا يكون إلا من أعلى، والله أعلم .