سعد بن أبي وقاص (1) (55 هـ)
سعد بن مالك بن أُهَيْب ويقال وُهَيْب بن عبد مناف بن زُهْرَة بن كِلاَب القرشي الزهري أبو إسحاق بن أبي وقاص، أحد السابقين الأولين وأحد العشرة وآخرهم موتا. قال سعيد بن المسيب: سمعت سعدا يقول: مكثت سبع ليال، وإني لثلث الإسلام. روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرا، روى عنه بنوه: إبراهيم وعامر ومصعب، ومن الصحابة: عائشة وابن عباس وابن عمر وآخرون. كان أحد الفرسان ومقدم الجيوش في فتح العراق، وأول من رمى بسهم في سبيل الله، وأحد الستة أهل الشورى، وكان مجاب الدعوة مشهورا بذلك، ولما قتل عثمان اعتزل الفتنة ولزم بيته. توفي رحمه الله ورضي عنه سنة خمس وخمسين على الأصح.
موقفه من المبتدعة:
جاء في تلبيس إبليس: عن عبدالله بن أبي سلمة، أن سعد بن مالك سمع رجلا يقول: لبيك ذا المعارج فقال: ما كنا نقول هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . (2)
__________
موقفه من المشركين:
- قال ابن كثير: قال ابن إسحاق: ثم أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بعد ثلاث سنين من البعثة بأن يصدع بما أمر، وأن يصبر على أذى المشركين. قال: وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلوا ذهبوا في الشعاب واستخفوا بصلاتهم من قومهم فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر يصلون بشعاب مكة إذ ظهر عليهم بعض المشركين فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون، حتى قاتلوهم، فضرب سعد رجلا من المشركين بلحى جمل فشجه، فكان أول دم أهريق في الإسلام.
وروى الأموي في مغازيه من طريق الوقاصي عن الزهري عن عامر ابن سعد عن أبيه فذكر القصة بطولها وفيه أن المشجوج هو عبدالله بن خطل لعنه الله. (1)
- وعن سعد قال: نزلت هذه الآية فيَّ: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا (2) . قال كنت برا بأمي فلما أسلمت قالت: يا سعد ما هذا الدين الذي قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا أَو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعيربي فيقال: يا قاتل أمه، قلت: لا تفعلي يا أمه، إني لا أدع ديني هذا لشيء. فمكثت يوما لا تأكل ولا تشرب وليلة وأصبحت وقد جهدت. فلما رأيت ذلك قلت: يا أمه تعلمين والله لو كان لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني، إن
__________
شئت فكلي أو لا تأكلي. فلما رأت ذلك أكلت. (1)
- وعن عامر بن سعد، عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع له أبويه يوم أحد. قال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ارم، فداك أبي وأمي قال: فنزعت له بسهم ليس فيه نصل. فأصبت جنبه فسقط. فانكشفت عورته. فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . حتى نظرت إلى نواجذه. (2)
موقفه من الرافضة:
- جاء في سير أعلام النبلاء: عن مصعب بن سعد أن رجلا نال من علي فنهاه سعد، فلم ينته، فدعا عليه. فما برح حتى جاء بعير ناد فخبطه حتى مات. (3)
- وعن عامر بن سعد قال: أقبل سعد من أرض له فإذا الناس عكوف على رجل فاطلع فإذا هو يسب طلحة والزبير وعليا، فنهاه فكأنما زاده إغراء، فقال: ويلك ما تريد إلى أن تسب أقواما هم خير منك لتنتهين أو لأدعون عليك. فقال: هيه فكأنما تخوفني نبيا من الأنبياء، فانطلق فدخل دارا فتوضأ ودخل المسجد ثم قال: اللهم إن كان هذا قد سب أقواما قد سبق لهم منك خير أسخطك سبه إياهم فأرني اليوم به آية تكون آية للمؤمنين. قال: وتخرج بختية من دار بني فلان نادة لا يردها شيء حتى تنتهي إليه ويتفرق الناس عنه
__________
فتجعله بين قوائمها فتطؤه حتى طفئ قال: فأنا رأيته يتبعه الناس ويقولون: استجاب الله لك أبا إسحاق استجاب الله لك أبا إسحاق. (1)
- عن جابر بن سمرة قال شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر رضي الله عنه، فعزله، واستعمل عليهم عمارا، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي. فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي. قال أبو إسحاق: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخف في الأخريين. قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق. فأرسل معه رجلا -أو رجالا- إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجدا إلا سأل عنه، ويثنون عليه معروفا، حتى دخل مسجدا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له أسامة ابن قتادة يكنى أبا سعدة قال: أما إذ نشدتنا فإن سعدا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية. قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا قام رياء وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن قال: وكان بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. قال عبدالملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطريق يغمزهن. (2)
موقفه من الصوفية:
__________
قال سعد بن أبي وقاص وغيره من السلف في قوله تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) (1) نزلت في أصحاب الصوامع والديارات. (2)
موقفه من الخوارج:
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وممن فسق من السلف الخوارج ونحوهم سعد بن أبي وقاص فاعتبرهم داخلين تحت قوله تعالى: وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27) (3) .اهـ (4)
- عن مصعب قال: سألت أبي قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا هم الحرورية؟ قال: لا، هم اليهود والنصارى، أما اليهود فكذبوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، وأما النصارى كفروا بالجنة وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب، والحرورية الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ البقرة27
__________
- عن مصعب بن سعد عن سعد في قوله يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) (1) قال قلت له أهم الخوارج؟ قال: لا ولكنهم أصحاب الصوامع والخوارج الذين زاغوا فأزاغ الله قلوبهم. (2)
موقفه من القدرية:
جاء في الإبانة: عن كثير بن مرة عن ابن الديلمي يعني عبدالله الديلمي أنه لقي سعد بن أبي وقاص فقال له: إني شككت في بعض أمر القدر؛ فحدثني لعل الله يجعل لي عندك فرجا؟ قال: نعم يا ابن أخي، إن الله عز وجل لو عذب أهل السماوات وأهل الأرض؛ عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم، كانت رحمته إياهم خيرا لهم من أعمالهم، ولو أن لامرئ مثل أحد ذهبا ينفقه في سبيل الله حتى ينفذه ولم يؤمن بالقدر خيره وشره، ما تقبل منه؛ ولا عليك أن تأتي عبدالله بن مسعود. فذهب ابن الديلمي إلى عبدالله ابن مسعود، فقال له مثل مقالته لسعد، فقال له مثل ما قال له سعد، وقال ابن مسعود: ولا عليك أن تلقى أبي بن كعب. فذهب ابن الديلمي إلى أبي ابن كعب، فقال له مثل مقالته لابن مسعود، فقال له أبي مثل مقالة صاحبيه، فقال له أبي: ولا عليك أن تلقى زيد بن ثابت. فذهب ابن الديلمي إلى زيد ابن ثابت فقال له: إني شككت في بعض القدر؛ فحدث لعل الله أن يجعل لي
__________
عندك فرجا، قال زيد: نعم يا ابن أخي، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله عز وجل لو عذب أهل السماء وأهل الأرض عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم، كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم، ولو أن لامرئ مثل أحد ذهبا ينفقه في سبيل الله حتى ينفذه ولا يؤمن بالقدر خيره وشره؛ دخل النار". (1)