فضل الجمعة وآدابها
الإيمان
عبد العظيم بن بدوي الخلفي
الشين
مسجد النور
_________
ملخص الخطبة
_________
فضل الجمعة - حكم صلاة الجمعة وعلى من تجب - آداب يوم الجمعة - فضل الأذان.
_________
الخطبة الأولى
_________
عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله : ((إن الله تعالى يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها، ويبعث الجمعة زهراء منيرة، أهلها يحفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها، تضيء لهم، يمشون في ضوئها، ألوانهم كالثلج بياضا، وريحهم يسطع كالمسك، يخوضون في جبال الكافور، ينظر إليهم الثقلان ما يطرقون تعجبا، لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون)).
هذا حديث عظيم في فضل يوم الجمعة وفضل أهلها الذين يحافظون عليها ويتأدبون بآدابها.
ولقد جاء في فضل يوم الجمعة أحاديث كثيرة، منها: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفّرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)).
((خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)).
((إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، فيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفّى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئا إلا أعطاه، ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم الساعة. ما من ملك مقرّب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة)).
((إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه، وقال بيده يقللها)).
((ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر)).
ولقد أمر الله تعالى اليهود بتعظيم يوم الجمعة فضلوا عنه واختاروا السبت، فأمر الله به النصارى فضلوا عنه واختاروا الأحد، وذلك لما ادخره الله تعالى لنا من الفضل والهداية.
قال النبي : ((نحن الآخرون الأولون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع: اليهود غدا والنصارى بعد غد)).
فتعظيم يوم الجمعة وشهود صلاتها فرض عين على كل مسلم بالغ، عاقل، حر، ذكر، صحيح، مقيم.
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون [الجمعة:9].
وقال النبي : ((الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو صبي، أو امرأة، أو مريض)).
وقال : ((ليس على مسافر جمعة)). ومن شهدها من هؤلاء أجزأته.
ولقد كان النبي يحث على حضور الجمعة ويرغب فيه، فكان يقول: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)).
وكان يقول: ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مسّ الحصا فقد لغا)).
وكما حث على حضور الجمعة فقد حذّر من التخلف عنها لغير عذر، وبين أن التخلف عنها من غير عذر من موجبات الطبع على القلب.
قال : ((من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه)).
وعن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: سمعنا رسول الله يقول وهو على أعواد منبره: ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين)).
وقال : ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق إلى أقوام لا يشهدون الجمعة فأحرّق عليهم بيوتهم)).
فحافظوا - رحمكم الله - على صلاة الجمعة ولا تضيّعوها، واعلموا أن رسول الله قد أرشدنا إلى آداب ينبغي أن نأخذ أنفسنا بها يوم الجمعة، منها: الإكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة.
لقوله : ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي)). قالوا: يا رسول الله! وكيف تعرض صلاتنا عليك وقت أرمت - أي: بليت؟! - قال: ((إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)).
ومنها: قراءة سورة الكهف، لقوله : ((من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين)).
ومنها: الغسل، والتطيب، والتسوك، ولبس أحسن الثياب.
لقوله : ((من اغتسل يوم الجمعة واستنّ، ومّس من الطيب إن كان عنده، ولبس من أحسن ثيابه، ثم جاء المسجد، ولم يتخط رقاب الناس، ثم ركع ما شاء الله أن يركع، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي، كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي كانت قبلها)). قال أبو هريرة: وزيادة ثلاثة أيام، إن الله جعل الحسنة بعشر أمثالها.
ومنها: التبكير بالرواح إلى المسجد.
لقوله : ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرّب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)).
وقال : ((من غسل واغتسل، وغدا وابتكر، فدنا وأنصت ولم يلغ، كان له بكل خطوة كأجر سنة صيامها، وقيامها)).
وكما رغّب في التبكير فقد حذّر من التأخير.
فعن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله رأى في أصحابه تأخرا، فقال: ((تقدّموا فأتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، وما زال أقوام يتأخرون حتى يؤخرهم الله)).
وكذلك كان خلفاؤه من بعده ينكرون على المتأخرين: عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن عمر بن الخطاب بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب النبي فناداه عمر: أية ساعة هذه؟! قال: إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد أن توضأت.
فقال: والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله كان يأمر بالغسل!).
وقول عمر: (أية ساعة هذه؟) وفي رواية: فعرّض عنه عمر فقال: (ما بال رجال يتأخرون بعد النداء!).
وفي قطع عمر الخطبة وإنكاره على المتأخر دليل على أهمية التبكير بالرواح إلى الجمعة، فعليكم إخوة الإسلام بالتبكير، وإياكم والتأخير.
فإذا بكر المسلم بالرواح إلى المسجد فعليه إذا دخل المسجد أن يقدم رجله اليمنى ثم يقول: ((أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم، بسم الله، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك)).
ثم يتقدم إلى الصفوف الأولى فيتمها، فعن جابر بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله فرآنا حلقا فقال: ((ما لي أراكم عزين؟)) ثم خرج بعد ذلك فقال: ((ألا تصفّون كما تصف الملائكة عند ربها؟)) قالوا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ فقال: ((يتمّون الصف الأول فالأول، ويتراصون في الصف)).
فإذا قام في الصف صلى ركعتين قبل أن يجلس، لقوله : ((إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس)).
فإذا صلى ركعتين فإن شاء زاد عليهما ما شاء الله، وإن شاء اقتصر عليهما وجلس يذكر الله حتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام أقبل عليه واستمع له وأنصت، وليحذر كل الحذر من الكلام أثناء الخطبة، فقد قال النبي : ((إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغوت)).
وقول القائل لصاحبه: ((أنصت)) من الأمر بالمعروف وهو واجب، ومع ذلك فقد سماه النبي لغوا، وذلك من باب ترجيح الأهم وهو الإنصات لموعظة الخطيب على المهم وهو الأمر بالمعروف أثناء الخطبة.
ومعنى ذلك أن تشميت العاطس، ورد السلام، ومتابعة الخطيب على ذكر الله والصلاة على رسول الله ، ونحو ذلك، كله غير جائز أثناء الخطبة. أي أنه: لا كلام من حين يقول الإمام: إن الحمد لله، إلى أن يقول: وأقم الصلاة.
فإذا انصرف الإمام من الصلاة استحب لكل مصلّ أن يأتي بالأذكار المشروعة عقب الصلاة.
ومنها: استغفر الله، استغفر الله. اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. رب قني عذابك يوم تبعث عبادك. اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ.
ثم يقرأ آية الكرسي، والإخلاص والمعوذتين، ثم يقول: سبحان الله ثلاثا وثلاثين، والحمد لله ثلاثا وثلاثين، والله أكبر ثلاثا وثلاثين، ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
ثم يقوم فيصلي سنة الجمعة، وهي أربع، لقوله : ((إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا)).
ويستحب أن يغيّر المكان الذي صلى فيه الفريضة لقوله : ((أيعجز أحدكم إذا صلى أن يتقدّم أو يتأخر، أو عن يمينه أو عن شماله)) يعني السبحة.
فإذا خرج من المسجد قدّم رجله اليسرى وقال: ((بسم الله، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك)).
وكان بعض الصالحين يقول: اللهم إني قد أجبت دعوتك، وأدّيت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك فأنت خير الرازقين.
وقوله : ((لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون)) فيه بيان فضيلة المؤذن المحتسب، وقد قال : ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)).
وبين ما في النداء (الأذان) من الأجر في أحاديث كثيرة، منها: قوله : ((المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة)).
وقوله : ((المؤذن يغفر له مدى صوته، ويستغفر له كل رطب ويابس)).
وقوله : ((من أذّن ثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة، وكتب له بتأذينه في كل يوم ستون حسنة، ولكل إقامة ثلاثون حسنة)).
وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أن أبا سعيد الخدري قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذّنت للصلاة فارفع صوتك بالأذان، فإنه لا يسمع صوت المؤذّن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة، سمعته من رسول الله.