2- موالاة الكافرين، وإعانتهم في حربهم ضد المسلمين. ودليل هذه الصفة قول الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ** [الحشر: 11] ؛ فهؤلاء المنافقون أطمعوا إخوانهم من أهل الكتاب في نصرتهم، وموالاتهم على المؤمنين، وأقسموا أنهم لن يطيعوا في عدم نصرتهم أحدا يعذلهم أو يخوفهم، وأنهم سينصرونهم ويعينوهم على المسلمين إن قاتلوهم1.
3- تبييت الشر للمسلمين، وتدبير المكائد لهم. ودليل هذه الصفة قول الله عز وجل: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا** [النساء: 108] ؛ فمخافة الخلق عند هؤلاء المنافقين أعظم من مخافة الله عز وجل، لذلك تجدهم يحرصون بالوسائل المباحة والمحرمة على تجنب الفضيحة عند الناس، وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم، ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم، خصوصا في حال تبييتهم ما لا يرضيه من القول2.
4- المسرة بانخفاض دين المسلمين، وكراهية انتصاره. ودليل هذه الصفة قول الله عز وجل: {لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورُ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ** [التوبة: 48] ؛ فقد طلب هؤلاء المنافقون الشر من البداية، واحتالوا في تشتيت أمر المسلمين وإبطال دينهم، حتى أظهر الله دينه، وأعز جنده، والمنافقون كارهون لذلك3. ومن الأدلة أيضا قوله سبحانه وتعالى: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ** [التوبة: 50] ؛ فقد أخبر سبحانه وتعالى أن المنافقين إن أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه نصر وغنيمة ساءهم ذلك، وإن أصابهم قتل وهزيمة، قالوا: عملنا بالحزم فلم نخرج معكم، ثم ينقلبون وهم فرحون بمصابكم وسلامتهم4.
__________
1 انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ عبد الرحمن بن سعدي 7/ 338.
2 انظر المرجع نفسه 2/ 154.
3 انظر زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 3/ 448.
4 انظر المصدر نفسه 3/ 450.
المبحث الثالث: النفاق الأصغر العملي
أولا: تعريف النفاق الأصغر:
هو ترك المحافظة على أمور الدين سرا، ومراعاتها علنا1.
ثانيا: حكم النفاق الأصغر:
النفاق الأصغر نفاق عملي؛ فصاحبه يدعي الإيمان بالله عز وجل، والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنه يعمل أعمالا عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من النفاق.
وصاحب هذا النوع لا يخرج عن ملة الإسلام في الدنيا، وهو في الآخرة مستحق للوعيد؛ لكنه لا يخلد في النار إن دخلها.
ثالثا: صفات المنافقين نفاقا أصغر:
ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة علامات ظاهرة، من اتصف بها فقد شابه المنافقين في أعمالهم؛ وإنما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر عنها كي نحذر من هذه الصفات الذميمة؛ لأنها من علامات النفاق، ويخشى أن يكون هذا النفاق العملي مؤديا إلى نفاق في الاعتقاد -والعياذ بالله تعالى2.
ومن هذه العلامات:
1- الكذب في الحديث. فيحدث الناس بحديث يصدونه فيه، وهو كاذب.
2- إخلاف الوعد. فيعد بوعد، ومن نيته أن لا يفي، أو يعد ثم يبدو له أن يخلفه من غير عذر في الخلف3.
3- خيانة الأمانة؛ فإذا ائتمن أمانة، لم يؤدها.
4- الغدر. فإذا عاهد غدر، ولم يف بعهده.
5- الفجور في الخصومة. فيخرج عن الحق عمدا، حتى يصير الحق باطلا والباطل حقا4.
__________
1 انظر مدخل لدراسة العقيدة الإسلامة لعثمان جمعة ضميرية ص348.
2 انظر شرح رياض الصالحين للصديقي 4/ 578.
3 انظر جامع العلوم والحكم لابن رجب 2/ 482.
4 انظر المصدر نفسه 2/ 486.
وهذه العلامات الخمس جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" 1، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان" 1.
تنبيه: النفاق الأصغر "العملي" مقدمة للنفاق الأكبر "الاعتقادي"؛ فمن اتصف بصفات النفاق العملي، فقد أشبه المنافقين "اعتقادا" في أعمالهم، ولكنه ليس على كفرهم أو اعتقادهم.
وإن كان يخشى عليه من النفاق الاعتقادي؛ فالواجب على المؤمن أن يتجنب هذه الصفات؛ لأن الإيمان ينهى عنها. وعلينا أن نعلم أن هذه الصفات إذى اجتمعت في شخص، وغلبت على أعماله، ولم يكن له ما ينهاه عن شيء منها، فهو المنافق الخالص2 -والعياذ بالله-.
نسأل الله أن يجنب المسلمين هذا الداء العضال، إنه جواد كريم.
__________
1 صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق. وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق.
2 انظر شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 47.
الباب الثالث: عقيدة الولاء والبراء
الفصل الأول: نصوص الولاء والبراء في القرآن والسنة
أولا: من نصوص الولاء والبراء في القرآن الكريم
...
الباب الثالث: عقيدة الولاء والبراء
الفصل الأول: نصوص الولاء والبراء في القرآن والسنة
القرآن الكريم والسنة النبوية مليئان بالأدلة التي تأمر بموالاة المؤمنين، وتنهى عن موالاة الكفار، وتحض على البراءة منهم. ونظرا لكثرة هذه النصوص، سأقتصر على ذكر بعضها:
أولا: من نصوص الولاء والبراء في القرآن الكريم
1- قول الله عز وجل: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ** [البقرة: 120] ؛ فهذه فيها "النهي العظيم عن اتباع أهواء اليهود والنصارى والتشبه بهم فيما يختص به دينهم"1.
2- قول الله سبحانه وتعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ** [آل عمران: 28] ؛ فنهى سبحانه وتعالى المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء وأصدقاء وأصحابا من دون المؤمنين، يعينونهم على المؤمنين، ويدلونهم على عوراتهم، وأخبر عز وجل أن من فعل ذلك فقد برئ من الله، وبرئ الله منه بارتداده عن دينه، ودخوله في الكفر2.
3- قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ** [المائدة: 51] ؛ فأخبر عز وجل أن من يعاضد اليهود والنصارى ويناصرهم على المسلمين، فحكمه كحكمهم في الكفر والجزاء3.
__________
1 تيسير الكريم الرحمن للشيخ ابن سعدي 1/ 133.
2 انظر جامع البيان جرير الطبري 3/ 227.
3 انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 6/ 141.
4- قول الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ** [الأنفال: 73] ؛ فقطع الله الولاية بين الكفار والمؤمنين؛ فجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض، والكفار بعضهم أولياء بعض، يتناصرون بدينهم، ويتعاملون باعتقادهم1.
5- قول الله عز وجل: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ** [المجادلة: 22] ؛ فأخبر سبحانه وتعالى أنك لا تجد من يؤمن بالله واليوم الآخر إيمانا حقيقيا ثم تصدر منه موادة لمن حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب2.
6- قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ** [الممتحنة: 1] ؛ فنهى سبحانه عن موالاة الكفار، أو إلقاء المودة إليهم، وأخبر ان ذلك مناف للإيمان، ومخالف لملة إبراهيم الخليل عليه السلام، ومناقض للعقل الذي يوجب الحذر كل الحذر من العدو3.
7- قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ** [الممتحنة: 13] ؛ فنهى سبحانه وتعالى عن موالاة وموادة ومناصرة الكفار، وأخبر سبحانه وتعالى أن هؤلاء الكفار قد حرموا من خير الآخرة؛ فليس لهم منها نصيب، ثم حذر عبادة المؤمنين أن يتولوهم، فيوافقوهم على شرهم وشركهم، فيحرموا خير الآخرة كما حرموا4.
__________
1 انظر المرجع نفسه 8/ 37-38.
2 انظر كتاب الإيمان: أركانه، حقيقته، نواقضه للدكتور محمد نعيم ياسين ص186.
3 انظر تيسير الكريم الرحمن لابن سعدي 7/ 348-349.
4 انظر المرجع نفسه 7/ 348-349.
ثانيا: من نصوص الولاء والبراء في السنة النبوية
1- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام؛ فإذا لقيتم أدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه" 1.
2- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة: "أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين" 2.
3- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسلم على مسلم محرم، أخوان نصيران، لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعد ما أسلم عملا، أو يفارق المشركين إلى المسلمي ن " 3.
4- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" 4.
5- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي" 5.
6- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأس المنافقين عبد الله بن أبي: "قد كنت أنهاك عن حب يهود" 6.
7- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب" 7.
__________
1 صحيح مسلم، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام، وكيف يرد عليهم.
2 أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/ 365. والنسائي في السنن، كتاب البيعة، باب البيعة على فراق المشرك. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 636، وفي صحيح سنن النسائي 3/ 875.
3 أخرجه النسائي في السنن، والحاكم في المستدرك 4/ 600، وصححه، ووافقه الذهبي. وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 369.
4 أخرجه أبو داود في السنن، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس. والترمذي في الجامع الصحيح، أبواب الزهد، باب رقم 32، وقال: حديث حسن. وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/ 917، وفي صحيح سنن الترمذي 2/ 280، وفي السلسلة الصحيحة رقم 927.
5 أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح، أبواب الزهد، باب ما جاء في صحبة المؤمن. وأبو داود في السنن، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس. وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 285.
وصحيح سنن أبي داود 3/ 917. وصحيح الجامع رقم 7341.
6 أخرجه أبو داود في السنن، كتاب الجنائز، باب في العيادة. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 598: ضعيف الإسناد، لكن قصة القميص صحيحة.
7 صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب علامة الحب في الله. وصحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب المرء مع من أحب.
الفصل الثاني: مفهوم الولاء والبراء، ومنزلته في الدين
المبحث الأول: معنى الولاء والبراء في اللغة والشرع
...
الفصل الثاني: مفهوم الولاء والبراء، ومنزلته في الدين
بعدما أوردنا في الفصل السابق عددا من النصوص الشرعية التي تحث على موالاة المؤمنين، والبراءة من المشركين والكافرين، وتنهى عن موالاة المشركين والكافرين ومحبتهم، أو البراءة من المؤمنين ومعاداتهم، لزم أن نتعرف على معنى الولاء والبراء، كي يكون السلم على بينة من أمره، ومعرفة واضحة لما طلب منه فعله، أو تركه.
وهذا يستدعي أن نتعرف على معنى الولاء والبراء في اللغة، وفي الشرع.
المبحث الأول: معنى الولاء والبراء في اللغة والشرع
أولا: معنى الولاء لغة
الولاء مصدر من والى يوالي ولاء وموالاة، بمعنى: أحب، وقرب، وأدنى، وحابى. والمولى: الحليف، وهو من انضم إليك فعز بعزك، وامتنع بمنعتك.
وتولاك الله: أي نصرك. والولي ضد العدو، وهو: المحب، والصديق، والنصير، والتابع1. فالولاء على هذا يعني في اللغة: الحب، والدنو، والقرب، والنصرة.
ثانيا: معنى البراء لغة
البراء مصدر من برئ يبرأ براء وبراءة بمعنى: أبغض، وتباعد، وتخلص.
يقال: بارأت الرجل، إذا فارقته، وبارأت المرأة، إذا صالحتها على الفراق. وبرئت من كذا، إذا تخلصت منه، وتنزهت، وتباعدت عنه، وبرئ المريض برءا وبرءا، إذا شفي وتخلص مما به. وبرئ فلان من فلان، إذا تباعد وتخلى عنه2؛ فالبراء لغة يأتي بمعنى التخلص، والتنزه، والتباعد، والتباغض، والتجافي، والمفارقة.
__________
1 انظر: أساس البلاغة للزمخشري ص689. والقاموس المحيط للفيروزآبادي ص1732. ولسان العرب لابن منظور 15/ 406-414. والمعجم الوسيط لجماعة من المؤلفين ص1057.
2 انظر: أساس البلاغة للزمخشري ص34. والقاموس المحيط للفيروزآبادي ص42. ولسان العرب لابن منظور 1/ 31-34. والمعجم الوسيط لجماعة من المؤلفين ص46.
ثالثا: معنى الولاء شرعا
الولاء في الشرع: هو النصرة، والمحبة، والإكرام، والاحترام، والكون مع المحبوبين ظاهرا وباطنا1؛ فهو يعني التقرب وإظهار الود بالأقوال والأفعال والنوايا لمن يتخذه الإنسان وليا. فإن كان هذا التقرب وإظهار الود بالأقوال والأفعال والنوايا مقصودا به الله ورسوله والمؤمنين؛ فهي الموالاة الشرعية الواجبة على كل مسلم.
وإن كان المقصود بالتقرب وإظهار الود بالأقوال والأفعال والنوايا هم الكفار على اختلاف أجناسهم؛ فهي موالاة كفر وردة عن الإسلام إذا صدرت ممن يدعي الإسلام.
أما الكفار ومن في حكمهم من المرتدين والمنافقين، فبعضهم أولياء بعض، فلا يستغرب منهم ذلك2.
رابعا: معنى البراء شرعا
البراء في الشرع: هو البعد، والخلاص، والعداوة بعد الأعذار والإنذار3؛ فهو يعني بغض أعداء الله تعالى، ومعاداتهم، ومجافاتهم، والتبري منهم4، والتخلص من قبائحهم وباطلهم، والتنحي عن التشبه بهم5.
__________
1 انظر الولاء والبراء في الإسلام لمحمد بن سعيد بن سالم القحطاني ص92.
2 كتاب الإيمان: أركانه، حقيقته، نواقضه للدكتور محمد نعيم ياسين ص188.
3 انظر الولاء والبراء في الإسلام لمحمد بن سعيد بن سالم القحطاني ص92.
4 انظر حقيقة الولاء والبراء في معتقد أهل السنة والجماعة لسيد سعيد عبد الغني ص33.
5 انظر مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية لعثمان جمعة ضميرية ص367.
المبحث الثاني: منزلة الولاء والبراء في الدين الإسلامي
لعقيدة الولاء والبراء منزلة عظيمة في الشرع، تتلخص فيما يأتي1:
1- إن عقيدة الولاء والبراء يرددها المسلم يوميا مرات كثيرة، كلما ردد كلمة الإخلاص:
"لا إله إلا الله"؛ لأنها تعني البراء من كل ما يعبد من دون الله. وهذه الكلمة مزقت كل رابطة، وأهدرت كل وشيجة، إلا وشيجة العقيدة.
__________
1 انظر: الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية لمحماس بن عبد الله الجلعود ص187-330. والمدخل لدراسة العقيدة الإسلامية للدكتور إبراهيم البريكان ص225-227.
2- إن الحب في الله والبغض في الله شرط من شروط صحة "لا إله إلا الله"؛ لأن من شروطها:
حبها، وحب ما دلت عليه، وحب من نطق بها، ودعا إليها، وبغض ما يضادها1.
3- إن عقيدة الولاء والبراء هي أوثق عرى الإيمان. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله" 2.
4- إن تحقيق عقيدة الولاء والبراء من مكملات الإيمان. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان" 3.
5- إن تحقيق عقيدة الولاء والبراء تحقيقا تاما سبب لنيل ولاية الله عز وجل. يقول حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما: "من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك"4.
6- إنها سبب لذوق القلب حلاوة الإيمان. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" 5.
7- إن الاتصاف بصفة الحب في الله، سبب لنيل الأجر العظيم؛ فالمتحابون في الله يظلهم الله في ظله. يقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي" 6. والتحاب في الله سبب لنيل محبة الله عز وجل.
__________
1 انظر ما تقدم في هذا الكتاب ص74-75.
2 أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس. وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/ 497، رقم 2539، وفي السلسلة الصحيحة رقم 1728.
3 أخرجه أبو داود في السنن، كتاب السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه. وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/ 886، وصحيح الجامع الصغير 2/ 1042، رقم 5965، وفي السلسلة الصحيحة رقم 380.
4 أخرجه الأصبهاني في حلية الأولياء 1/ 312.
5 تقدم تخريجه ص75 من هذا الكتاب.
6 صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب في فضل الحب في الله.
الفصل الثالث: لمن يكون الولاء؟
إن المسلم وهو ينشد مرضاة الله عز وجل، يجب عليه معرفة من الذين يجب عليه ولاؤهم وموالاتهم، ومن هم الذين يجب أن يصرف لهم الحب، ويتوجه إليهم بالمحبة، حتى ينال رضى الله تعالى1.
ولقد بين الله عز وجل لنا في كتابه لمن يصرف الولاء؛ فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ** [المائدة: 55-56] ؛ فمن تولى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، كان تمام ذلك تولي من تولاه، "وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم، وهم خاضعون لله ذليلون. ومن حقق هذه الولاية فإنه من الحزب المضافين إل الله إضافة عبودية وولاية، وحزبه الغالبون الذين لهم العاقبة في الدنيا والآخرة"2.
فعلم من هاتين الآيتين أن التوجه بالولاء يكون: لله -لدينه عز وجل، ولكتابه-، ولرسوله- لسنته، ولهديه وطريقته صلى الله عليه وسلم-، ولعامة المؤمنين.
1- أما موالاة الله عز وجل، فهذه يطلب فيها أشدها وأكملها، كما قال عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ** [البقرة: 165] .
2- أما موالاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه يطلب فيها تقديم محبته صلى الله عليه وسلم على كل غال وثمين؛ من ولد، ووالد، وأهل، وعشيرة، وأموال، وغير ذلك، يقول الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ
__________
1 انظر حقيقة الولاء والبراء في معتقد أهل السنة والجماعة لسيد سعيد عبد الغني ص645.
2 تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المناس للشيخ ابن سعدي 2/ 310-311.
تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ** [التوبة: 24] ؛ فهذه الآية فيها وجوب محبته صلى الله عليه وسلم، وأن محبة الله ورسوله مقدمة على كل محبوب1.
ومحبته صلى الله عليه وسلم سبب لتكميل الإيمان الواجب، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" 2. وسبب لوجود حلاوة الإيمان في القلب، كما في الحديث: "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما"3.
3- وأما عامة المؤمنين، فليست موالاتهم بدرجة واحدة، بل هي على درجات.
فالمؤمنون الخلص من الأنبياء، والصديقين، والشهداء والصالحين، تجب محبتهم، وفي مقدمتهم سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم؛ فإنه تجب محبته محبة أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين، ثم زوجاته أمهات المؤمنين، وأهل بيته الطيبين، وصحابته الكرام، خصوصا الخلفاء الراشدين، وبقية العشرة، والمهاجرين، والأنصار، وأهل بدر، وأهل بيعة الرضوان، ثم بقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ثم التابعون، والقرون المفضلة، وسلف هذه الأمة، وأئمتها؛ كالأئمة الأربعة"4.
أما المؤمنون الذين خلطوا عملا صالحا، وآخر سيئا، فهؤلاء يحبون من وجه، وييبغضون من وجه، فيجتمع فيهم المحبة والعداوة، وهم عصارة المؤمنين: يحبون لما فيهم من الإيمان، ويبغضون لما فيهم من المعصية التي هي دون الكفر والشرك. ومحبتهم تقتضي مناصحتهم والإنكار عليهم؛ فلا يجوز السكوت على معاصيهم، بل ينكر عليهم، ويؤمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وتقام عليهم الحدود والتعزيرات؛ حتى يكفوا عن معاصيهم، ويتوبوا من سيئاتهم؛ لكن لا يبغضون بغضا خالصا ويتبرأ منهم، كما تقوله الخوارج في مرتكب الكبيرة التي هي دون الشرك، ولا يبون ويوالون حبا وموالاة خالصين كما تقوله المرجئة، بل يعتدل في شأنهم على ما ذكرنا، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة5.
__________
1 انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/ 95.
2 صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس.
3 تقدم تخريجه في ص75.
4 الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للدكتور صالح الفوزان ص317.
5 المرجع نفسه ص318-319.
الفصل الرابع: ممن يكون البراء؟
لا بد أن يعرف كل مسلم من هم الذين يجب البراء منهم؛ فيصرف إليهم معاني البراء التي سبق ذكرها، وذلك حتى يحقق الولاء تحقيقا تاما؛ إذ لا ولاء إلا ببراء.
ومن قرأ نصوص الولاء والبراء في الكتاب والسنة، والتي سبق ذكر بعضها في الفصل الأول1، واطلع على تفاسيرها تبين له أن الذين يجب البراءة منهم هم: كل من كفر بالله سبحانه وتعالى، وبدينه، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، أو بأحدهم، أو حارب كتاب الله عز وجل، وشرعه الحنيف، أو بيت لدين الله الشر، وأضمر للمسلمين العداوة؛ من الكافرين، والمشركين، والمنافقين، والملحدين، وأشباههم ممن يحادون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ** [المجادلة: 22] . فدلت الآية الكريمة على عدم محبة ومودة كل من حاد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل وأوجبت بغض هؤلاء، وإظهار العداوة والبغض لهم، موالاة لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وبراءة من الكافرين، ومن كفرهم2.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معلقا على هذه الآية: فأخبر عز وجل أنك لا تجد مؤمنا يواد المحادين لله ورسوله، فإن نفسه الإيمان ينافي موادته، كما ينفي أحد الضدين الآخر. فإذا وجد الإيمان انتفى ضده؛ وهو موالاة أعداء الله؛ فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه، كان ذلك دليلا على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب3.
فهؤلاء الكفار، والمشركون، والمنافقون والمرتدون، والملحدون على اختلاف أجنائهم ممن يبغض، ويعادي، بغضا ومعاداة خالصين، لا محبة ولا موالاة معهما4.
__________
1 تقدم ذكرها في 199-201 من هذا الكتاب.
2 انظر حقيقة الولاء والبراء في معتقد أهل السنة والجماعة لسيد سعيد عبد الغني ص649.
3 كتاب الإيمان لابن تيمية ص17.
4 الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للدكتور الفوزان ص318.
الفصل الخامس: حكم الولاء والبراء
قد أخبرنا مولانا سبحانه أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ** [التوبة: 71] ، وأخبرنا جل جلاله أن الكافرين بعضهم أولياء بعض، فقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ** [الأنفال: 73] ، فقطع سبحانه وتعالى بذلك الموالاة بين المؤمنين والكافرين، وبين أن الكفار بعضهم أولياء بعض، كما أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض.
وموالاة المؤمنين تستلزم معاداة الكافرين. ومعاداتهم واجبة، كما أن موالاة المؤمنين واجبة؛ فمن قال أحب المؤممنين، لكني لا أعادي الكافرين، أو أعاديهم ولا أكفرهم، فلم يوال المسلمين حقا؛ لأن من شرط موالاة الله ورسوله والمؤمنين بغض أعدائهم، ومحبة أوليائهم.
فمعاداة الكفار -إذا- واجبة على كل مسلم، وموالتهم محرمة على المسلمين:
يقول الشيخ حمد بن علي بن محمد بن عتيق رحمه الله: فأما معاداة الكفار والمشركين، فاعلم أن الله سبحانه وتعالى أوجب ذلك، وأكد إيجابه، وحرم موالاتهم، وشدد فيها، حتى إنه ليس في كتاب الله حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم، بعد وجوب التوحيد، وتحريم ضده1. ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله: يجب أن تعلم: أن الله افترض على المؤمنين عداوة الكفار والمنافقين، وقطع الموالاة بين المؤمنين وبينهم، وأخبر أن من تولاهم فهو منهم2. ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله3:
أتحب أعداء الحبيب وتدعي ... حبا له ما ذاك في الإمكان
وكذا تعادي جاهدا أحبابه ... أين المحبة يا أخا الشيطان
شرط المحبة أن توافق من تحـ ... ـب على محبته بلا نقصان
فإذا ادعيت له المحبة مع خلافـ ... ـك ما يحب فأنت ذو بهتان
لو كان حبهم لأجل الله ما ... عادوا أحبته على الإيمان
__________
1 سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك للشيخ حمد بن عتيق ص31.
2 أوثق عرى الإيمان للشيخ سليمان بن عبد الله ص26-27.
3 انظر النونية لابن القيم /بشرح الهراس- 2/ 125.
والمؤمن له أعداء يبغضهم في الله، وأولياء يحبهم في الله؛ لأن الأرض لا تخلو من أعداء الله وأعداء الإسلام والمسلمين؛ فما خلت منهم زمن الرسل والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فكيف بأوقات الفتنة في آخر الزمان. يقول عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ** [الأنعام: 112] ، ويقول سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا** [الفرقان: 31] .
تنبيه: لا تعني البراءة من الكفار والمشركين أن نسيء إلى أهل الملة الذين يعيشون في كنف الدولة الإسلامية، وتحت حمايتها؛ بل لهم من المسلمين حسن المعاملة، والتسامح معهم، وعدم إكراههم على الدخول في دين الإسلام، ووصلهم بقسط من المال على وجه البر والصلة، كما قال مولانا عز وجل: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ** [الممتحنة: 8] ؛ فهذا إحسان وبر ظاهري يندب إليه، شريطة أن لا يصل إلى المودة الباطنية التي نهينا عنها؛ من محبتهم، ونصرتهم، وإعانتهم على المسلمين. والمسلم المؤمن بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، يستطيع أن يجمع بين ما أمر به، وما نهي عنه؛ فإن برهم والإحسان إليهم مأمور به. وودهم وتوليهم منهي عنه؛ فهما قاعدتان: إحداهما محرمة، والأخرى مأموره بها1. يقول الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله: إن الله لا ينهى المؤمنين عن بر من لم يقاتلهم وأما موالاتهم ومحبتهم وإكرامهم، فلم يرخص الله تعالى في ذلك2.
نسأل الله أن يعصمنا بالتقوى، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه قريب مجيب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أفضل صلاة وأتم تسليم، والحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله
__________