شرح حديث ( لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم)
عون المعبود على شرح سنن أبي داود: أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي
( حَدَّثَنِي رَجُل مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) : قَالَ السُّيُوطِيُّ : وَأَخْرَجَ اِبْن جَرِير الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره مِنْ طَرِيق عَبْد الْمَلِك بْن مَيْسَرَة الزَّرَّاد عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا هَلَكَ قَوْم حَتَّى يَعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسهمْ قِيلَ لِعَبْدِ اللَّه كَيْف ذَلِكَ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : ** فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ** اِنْتَهَى ( لَنْ يَهْلِك النَّاس حَتَّى يَعْذِرُوا ) : بِفَتْحِ التَّحْتِيَّة وَكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة ( أَوْ يُعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسهمْ ) : بِضَمِّ التَّحْتِيَّة مِنْ بَاب الْإفْعَال وَأَوْ لِلشَّكِّ , أَيْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حَتَّى يَعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسهمْ أَوْ قَالَ حَتَّى يُعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسهمْ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْد فِي كِتَابه وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة أَنَّهُ قَالَ مَعْنَى يَعْذِرُوا أَيْ تَكْثُر ذُنُوبهمْ وَعُيُوبهمْ.
قَالَ وَفِيهِ لُغَتَانِ يُقَال أَعْذَرَ الرَّجُل إِعْذَارًا إذَا صَارَ ذَا عَيْب وَفَسَاد.
قَالَ وَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول عَذَرَ يَعْذِر بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يَعْرِفهُ الْأَصْمَعِيّ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : وَقَدْ يَكُون يَعْذِر بِفَتْحِ الْيَاء بِمَعْنَى يَكُون لِمَنْ يَعْذِرهُمْ الْعُذْر فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ فِي النِّهَايَة : يُقَال أَعْذَرَ فُلَان مِنْ نَفْسه إِذَا أَمْكَنَ مِنْهَا يَعْنِي أَنَّهُمْ لَا يَهْلِكُونَ حَتَّى تَكْثُر ذُنُوبهمْ وَعُيُوبهمْ فَيَسْتَوْجِبُونَ الْعُقُوبَة , وَيَكُون لِمَنْ يُعَذِّبهُمْ عُذْر كَأَنَّهُمْ قَامُوا بِعُذْرِهِمْ فِي ذَلِكَ , وَيُرْوَى بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ عَذَرْته وَهُوَ بِمَعْنَاهُ , وَحَقِيقَة عَذَرْت مَحَوْت الْإِسَاءَة وَطَمَسْتهَا اِنْتَهَى.
وَقَالَ فِي فَتْح الْوَدُود الْمَشْهُور أَنَّهُ بِضَمِّ الْيَاء مِنْ أَعْذَرَ فَقِيلَ مَعْنَاهُ حَتَّى تَكْثُر ذُنُوبهمْ مِنْ أَعْذَرَ إِذَا صَارَ ذَا عَيْب وَقِيلَ مَعْنَاهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُمْ عُذْر بِإِظْهَارِ الْحَقّ لَهُمْ وَتَرْكهمْ الْعَمَل بِهِ بِلَا عُذْر وَمَانِع مِنْ أَعْذَرَ إِذَا زَالَ عُذْره , فَكَأَنَّهُمْ أَزَالُوا عُذْرهمْ وَأَقَامُوا الْحُجَّة لِمَنْ يَعْذِرهُمْ حَيْثُ تَرَكُوا الْعَمَل بِالْحَقِّ بَعْد ظُهُوره , وَقِيلَ عَذَرَهُ إِذَا جَعَلَهُ مَعْذُورًا فِي الْعِقَاب , وَإِلَيْهِ يُشِير تَفْسِير الصَّحَابِيّ فَإِنَّهُ جَاءَ هَذَا الْحَدِيث عَنْ اِبْن مَسْعُود فَقِيلَ لَهُ كَيْفَ يَكُون ذَلِكَ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : ** فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ** اِنْتَهَى.
وَالْحَدِيث سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيّ.