كان الناس أمة واحدة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
:حال الناس قبل الإسلام
اعلم أن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الخلق على فترة من الرسل، وقد مقت أهل الأرض: عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب ماتوا - أو أكثرهم - قبيل مبعثه. والناس إذ ذاك أحد رجلين: إما كتابي معتصم بكتاب، إما مبدل، وإما مبدل منسوخ، ودين دارس، بعضه مجهول، وبعضه متروك، وإما أمي من عربي وعجمي، مقبل على عبادة ما استحسنه، وظن أنه ينفعه: من نجم أو وثن، أو قبر، أو تمثال، أو غير ذلك. والناس في جاهلية جهلاء، من مقالات يظنونها علماً وهي جهل، وأعمال يحسبونها صلاحاً وهي فساد، وغاية البارع منهم علماً وعملاً أن يحصل قليلاً من العلم الموروث عن الأنبياء المتقدمين، قد اشتبه عليهم حقه بباطله. أو يشتغل بعمل القليل منه مشروع، وأكثره مبتدع لا يكاد يؤثر في صلاحه إلا قليلاً، أو أن يكدح بنظره كدح المتفلسفة، فتذوب مهجته في الأمور الطبيعية والرياضية، وإصلاح الأخلاق، حتى يصل - إن وصل - بعد الجهد الذي لا يوصف، إلى نزر قليل مضطرب، لا يروي ولا يشفي من العلم الإلهي، باطله أضعاف حقه - إن حصل - وأنى له ذلك مع كثرة الاختلاف بين أهله، والاضطراب وتعذر الأدلة عليه، والأسباب.
:أثر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الهدى
فهدى الله الناس ببركة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من البينات والهدى، هداية جلت عن وصف الواصفين، وفاقت معرفة العارفين، حتى حصل لأمته المؤمنين عموماً، ولأولي العلم منهم خصوصاً، من العلم النافع، والعمل الصالح، والأخلاق العظيمة، والسنن المستقيمة، ما لو جمعت حكمة سائر الأمم، علماً وعملاً، الخالصة من كل شوب، إلى الحكمة التي بعث بها، لتفاوتا تفاوتا يمنع معرفة قدر النسبة بينهما، فلله الحمد كما يحب ربنا ويرضى.
2- ثم إنه سبحانه بعثه بدين الإسلام، الذي هو الصراط المستقيم، وفرض على الخلق أن يسألوه هدايته كل يوم في صلاتهم، ووصفه بأنه صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
" قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد، فقال القوم: هذا عدي بن حاتم،وجئت بغير أمان ولا كتاب، فلما دفعت إليه أخذ بيدي، وقد كان قال قبل ذلك: أني لأرجو أن يجعل الله يده بيدي، قال: فلقيته امرأة وصبي معها فقالا: إن لنا إليك حاجة، فقام معهما حتى قضى حاجتهما، ثم أخذ بيدي، حتى أتى بي داره، فألقت له الوليدة وسادة، فجلس عليها، وجلست بين يديه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما يفرك؟ أيفرك أن تقول: لا إله إلا الله؟
فهل تعلم من إله سوى الله؟
قال:قلت: لا، ثم تكلم ساعة ثم قال:
إنما يفرك أن تقول: الله أكبر، وتعلم شيئاً أكبر من الله؟،
قال قلت: لا، فإني حنيف مسلم، قال فرأيت وجهه ينبسط فرحاً "
الاسلام ينبذ العنف والارهاب
إن هذه الحقوق هي التي تمنح الانسان الانطلاق إلى الافاق الواسعة ليبلغ كماله ، ويحصل على ارتقائه المقدر له ، سواء أكان ماديا أم أدبيا . ومن ثم ، فإن أي تفويت أو تنقيص لحق من حقوق الانسان يعتبر جريمة من الجرائم ، وهذا نفسه هو السبب الحقيقي في منع الاسلام للحرب أيا كان نوعها ، لأن الحرب بجانب كونها اعتداء على الحياة - وهي حق مقدس - فهي تدمير لما تصلح به الحياة . وقد منع حرب التوسع ، وبسط النفوذ ، وسيادة القوي ،
فقال :
" تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا ، والعاقبة للمتقين " .
ومنع حرب الانتقام والعدوان ،
فقال :
" ولا يجرمنّكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب " ومنع حرب التخريب والتدمير فقال
: " ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها
-وإذا كانت القاعدة هي السلام ، والحرب هي الاستثناء فلا مسوغ لهذه الحرب - في نظر الاسلام - مهما كانت الظروف ، إلا في إحدى حالتين
حالة الدفاع عن النفس ، والعرض ، والمال ، والوطن عند الاعتداء .
يقول الله تعالى :
" وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم . ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " .
وعن سعد بن زيد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :
" من قتل دون ماله ، فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه ، فهو شهيد ، ومن قتل دون دينه ، فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله ، فهو شهيد "
وحالة الدفاع عن الدعوة إلى الله إذا وقف أحد في سبيلها .
بتعذيب من آمن بها ، أو بصد من أراد الدخول فيها ، أو بمنع الداعي من تبليغها ،
ودليل ذلك :
أن الله سبحانه يقول :
" وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين
فهو جل وعلا أمر بقتال الذين يبدأون بالعدوان ومقاتلة المعتدين ، لكف عدوانهم . والمقاتلة دفاعا عن النفس أمر مشروع في كل الشرائع ، وفي جميع المذاهب ، وهذا واضح من قوله تعالى :
" وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم "
- أما الذين لا يبدأون بعدوان ، فإنه لا يجوز قتالهم ابتداء ، لأن الله نهى عن الاعتداء ، وحرم البغي والظلم في قوله :
" ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " .
قال تعالى
: " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم - وإن يريدوا أن يخدعوكم فإن حسبك الله " .
ففي هذه الآية الامر بالجنوح إلى السلم إذا جنح العدو إليها ، حتى ولو كان جنوحه خداعا ومكرا .
وكانت حروب الرسول صلى الله عليه وسلم كانت كلها دفاعا ، ليس فيها شئ من العدوان .
وقتال المشركين من العرب ،
ونبذ عهودهم بعد فتح مكة كان جاريا على هذه القاعدة .
أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على امرأة مقتولة ، فقال :
" ما كانت هذه لتقاتل " .
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل الرهبان والصبيان ، لنفس السبب الذي نهى من أجله عن قتل المرأة .
أن الاسلام لم يجعل الاكراه وسيلة من وسائل الدخول في الدين ، بل جعل وسيلة ذلك استعمال العقل وإعمال الفكر ، والنظر في ملكوت السموات والارض . يقول الله سبحانه
: " ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ،
- قل انظروا ماذا في السموات والارض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون " .
وقال :
" لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " .
-وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأسر الاسرى ، ولم يعرف أنه أكره أحدا منهم على الاسلام . وكذلك كان أصحابه يفعلون .
أن الاسلام لم يأذن بالحرب إلا دفعا للعدوان ، وحماية للدعوة ، ومنعا للاضطهاد
، وكفاية لحرية التدين ،
- فكان توجيه الله له أن يلقى هذه المناوأة بالصبر ، والعفو ، والصفح الجميل .
" واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا "
. " فاصفح عنهم ، وقل سلام ، فسوف يعلمون "
" فاصفح الصفح الجميل " .
" قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " .
ولم يأذن الله بأن يقابل السيئة بالسيئة ، أو يواجه الاذى بالاذى ، أو يحارب الذين حاربوا الدعوة ،
أن يقاتل الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات
. " ادفع بالتي هي أحسن السيئة ، نحن أعلم بما يصفون " .
(وكل ما أمر به جهادا في هذه الفترة أن يجاهد بالقرآن ، والحجة ، والبرهان .
" وجاهدهم به جهادا كبيرا " .
- ان غاية النصر ، والتمكين في الارض ، والحكم :
إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .
ومن هنا تأتي أهمية العناية بمفهوم الاسلام الحق ، وتربية الناشئة عليه ، وتصحيح مسيرة الصحوة إليه ؛ حتى لا تتشعب بها السبل ، فتضل في متاهات الأهواء والفتن .
** وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ **
. والنبي- صلى الله عليه وسلم- يقول :
« ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر ؛ إلا أدخله الله هذا الدين ، بعز عزيز أو بذل ذليل ، عزا يعز الله به الإسلام وأهله ، وذلا يذل به الكفر وأهله »
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين