بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين وأما بعد:-
إخواني في الله وتتمة للموضوع ((تعقيبا على بيان أن الرقية توقيفية ولا يجوز الإجتهاد فيها))
الموضوع
يخلط كثير من الناس أو بمعنى أصح يختلط عليه أمر الرقية الشرعية لكونها عبادة والأصل في العبادات التوقيف وهذا أمر صحيح وقد ذكرت أن المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر توقيفي
وبما أنها عبادة لماذا لم تكن كسائر العبادات توقيفية على المأثور فقط ولماذا الرقية بغير المأثور بشرط أن لا يخالف المأثور وعلى حسب شروط معينة عرفناها من الإجماع آنف الذكر جائزة
لابد أن نعرف أن الرقية الشرعية لها جانبين :-
1- عبادة سواءً نفعت أو ما نفعت -كما قال العلامة الألباني رحمه الله في بعض أقواله عن الرقية- وهي من جنس الدعاء
ولأن من الرقى ما هو سنة نبوية بقوله وبفعله وبإقراره صلى الله عليه وسلم
فإن الراقي في حالة اختياره المأثور ليس له خيار في تغيير شيء من الهيئة أو الصفة أو الوقت أو الزمان أو العدد ولا يجوز الزيادة ولا النقصان فيها ، لأنَّ «التَّخْيِيرَ فِي التَّعَبُّدَاتِ إِلْزَامٌ»
والمأثور له حكم الأولوية في التقديم على غير المأثور وأما غير المأثور
فقد جاءت السنة المطهرة بما لم يكن به شرك في قول النبي صلى الله عليه وسلم((اعرضوا علي رقاكم ،لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك)) والحديث أخرجه مسلم في «السلام» (2200) من حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه
وهنا بيان العلة قرينة صارفة لوجوب العرض على النبي صلى الله عليه وسلم
في قوله((لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك)) وكما هو واضح من الحديث أن العلة في الشرك وجاء التوجيه في قوله صلى الله عليه وسلم ((لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك))مطلقاً لا مقيد بلفظ ولا عدد فمتى ما كانت الرقية خالية من الحرام والشرك جازت
وهذا ما فهمه الصحابة ودل فعلهم على هذا الفهم لمباشرتهم الرقية بالفاتحة قبل العرض
وعلى هذا الفهم الإجماع آنف الذكر وتم شرح الشروط بالتفصيل أول البحث((تعقيبا على بيان الرقية توقيفية ولا يجوز الاجتهاد فيها)) مشاركة(1)
قال القرطبي -رحمه الله-: «فإنْ كان مأثورًا فيُستحبُّ»«فتح الباري» لابن حجر (10/ 197).
وقد رخَّص النبي صلى الله عليه وسلم في رقية بعض الأمراض والأعراض من غير تقييدٍٍ بالمأثور، على نحو ما ثبت من حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: «رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقْيَةِ مِنَ العَيْنِ وَالحُمَةِ وَالنَّمْلَةِ»(1)، وحديثِ عمرانَ بنِ حصينٍ رضي الله عنه مرفوعًا: «لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ»(2)
2- أن مع كونها عبادة لها جانب آخر وهو التداوي بهذه العبادة لذلك انفردت عن باقي العبادات التوقيفية إلا ما ورد من المأثور فهو توقيفي قطعي النفع لذلك كانت مع كونها عبادة طب وعلاج ومن هنا تندرج تحت:-
قول النبي صلى الله عليه وسلم((((تداووا ولا تتداوا بحرام)) وعن هذا الحديث قال الألباني رحمه الله حديث صحيح ، أنظر صحيح الجامع 1762 - السلسلة الصحيحة 1633 " ) ( فتح المجيد – ص 316))
والأصل في حكم التداوي أنه مشروع، لما ورد في شأنه في القرآن الكريم والسنة القولية والفعلية، ولما فيه من "حفظ النفس" الذي هو أحد المقاصد الكلية من التشريع
ومن منطلق هذا الدليل لا يجوز إدخال الحرام في العلاج بالرقية من بدعة أو كلام لم يرد فيه دليل على نفعه
فأما القرآن فورد الدليل على نفعه عموما وهو خاص بالقرآن لكونه من كلام الله
قال الله تعالى ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) الآية 11 الشورى
وأما ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من رقية ودعاء ثابت فَله ميزة ليس كما هو من غيره لأنه قطعي المنفعة لأن مصدره الوحي وإن لم ينتفع الشخص منه
فالمشكلة في الشخص وليست في ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأقول له كما في حديث العسل: «صَدَقَ اللهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ»2- متَّفقٌ عليه: أخرجه البخاري في «الطبِّ» باب الدواء بالعسل (5684)، ومسلم في «السلام»
وقد أفاد ابن القيِّم -رحمه الله- أنَّ الطِبَّ النبويَّ ليس كطبِّ الأطبَّاء، فإنَّ طبَّ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم متيقَّنٌ قطعيٌّ إلهيٌّ صادرٌ عن الوحي ومشكاة النبوَّة وكمال العقل، وطبُّ غيره أكثرُه حدْسٌ وظنونٌ وتجارب
(زاد المعاد لابن القيِّم) (3/ 74)
قلت/ولا مجال ولا مدخل هنا لمن أراد أن يثير شبهة أوأن يقدح زعما منه في النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لماذا لا نرقي بكلام النبي صلى الله عليه وسلم والأحاديث الأخرى التي ليست من الرقية حتى لا يكون هناك ثغرة لأعداء الدين والملة كما هو الحال مع كلام الله وهذا الكلام من نقص العقل فهذه الخصوصية هي لكلام الله عن من دونه وتم التفصيل في المشاركة (1)في موضوع ((تعقيبا على بيان الرقية)) حول قول الله تعالى (ليس كمثله شيء) وهكذا يتضح لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم خصه الله بالمأثور عن ما سواه من الخلق وأنها قطعية النفع قال تعالى((وما ينطق عن الهوى(3) إن هو إلا وحيٌ يوحى)) سورة النجم
وأما مادون كلام الله ، والأدعية النبوية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم
من الرقى والأدعية الخالية من الشرك والحرام فليست قطعية النفع ولا محرمة إذا كانت
منضبطة بالضوابط الشرعية
هذا والله أعلى وأعلم
وللموضوع بقية إن شاء الله
------------------------------
1-أخرجه مسلم في «السلام» (2196)، من حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه
2- أخرجه البخاري في «الطب» باب من اكتوى أو كوى غيره، وفضل من لم يكتو (5705) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، ومسلم في «الإيمان» (220) من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه.
هذا والله أعلى وأعلم
أخوكم في الله الروقي