هل يجوز للمرأة المنتقبة أن تكون معلمة وداعية في قناة فضائية ؟
السؤال :
ما حكم ظهور المرأة على القنوات الفضائية لإعطاء الدروس ، كما يحدث الآن في إحدى القنوات الفضائية الإسلامية ، علماً بأنها تكون بكامل حجابها – أي : منقبة - ؟ .
القنوات الفضائية الإسلامية الجادة لا شك أنها وسيلة نافعة من وسائل الدعوة إلى الله تعالى , وليست كل قناة تدعي أنها إسلامية فهي كذلك ؛ لأن منها ما تجاوز الحد في كثرة المخالفات الشرعية ، كظهور النساء في برامج مع الرجال ، والصدح بالمعازف ، وبعضها أدخل التمثيليات والمسلسلات العربية ، وغير ذلك من المنكرات .
لا بأس أن تقوم المرأة بالدعوة إلى الله تعالى ، والتعليم ، وتدريس القرآن ، لكن على أن يتم ذلك في بنات جنسها ، وهناك ضوابط ينبغي توفرها ، فلينظر – للوقوف عليها - جواب السؤال رقم : ( 117074 ) . الأصل في التصدي لتعليم أحكام الشرع أن يكون الرجل هو المعلِّم ، لما جعل الله تعالى له من القيام بمنصب إمامة الناس ، والقضاء ، وغير ذلك ، ولهذا لم يرسل الله تعالى رسولاً إلا رجلاً ، قال الله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) يوسف/109 ، لأن الرجل أقدر على القيام بالدعوة إلى الله وتحمل المشاق في سبيل ذلك .
وخروج المرأة على القنوات الفضائية لدعوة عموم الناس : مخالف للأدلة الشرعية ، ومخالف لهدي أمهات المؤمنين وهن خير نساء الأمة ، رضي الله عنهن .
أما مخالفة ذلك للأدلة الشرعية ؛ فقد أمر الله تعالى النساء بالبقاء في البيوت ، فقال تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) الأحزاب/33، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المرأة في بيتها خيراً لها من صلاتها في مسجد الكعبة ، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبروزها للدعوة ليراها الملايين مخالف لذلك .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ) رواه أبو داود (567) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
قال شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله :
(وبيوتهن خير لهن) : أي : صلاتهن في بيوتهن خير لهن من صلاتهن في المساجد لو علمن ذلك , لكنهن لم يعلمن ، فيسألن الخروج إلى المساجد ، ويعتقدن أن أجرهن في المساجد أكثر ، ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل : الأمن من الفتنة , ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج ، والزينة .
ولتطبق المرأة ذلك على تعليمها للنساء ، فيكون ذلك في بيتها ، فإن لم يمكن : ففي بيت غيرها من النساء ، ولا يكون ذلك في المسجد ، لأنه مكان تجمع الرجال في الغالب، فمن باب أولى وأحرى ألا يكون ذلك على قناة فضائية يراها الرجال كما تراها النساء .
ولهذا لما طلبت النساء من النبي صلى الله عليه وسلم يوماً يعلمهن فيه ، فواعدهن في بيتٍ يأتيهن فيه ، ولم يواعدهن في المسجد ! ولهذا أنكر الشيخ الألباني رحمه الله ما تفعله بعض الداعيات من تجميع النساء في المساجد ، فكيف يكون الأمر لو كان خروج تلك الداعية في "مقر فضائية" يعج بالرجال ؟!
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه جَاءَ نِسْوَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْنَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا نَقْدِرُ عَلَيْكَ فِي مَجْلِسِكَ مِنْ الرِّجَالِ ، فَوَاعِدْنَا مِنْكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ . قَالَ : مَوْعِدُكُنَّ بَيْتُ فُلَانٍ ، وَأَتَاهُنَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلِذَلِكَ الْمَوْعِدِ . رواه أحمد (12/ 313) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2680) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
"وأمَّا ما شاع هنا في دمشق في الآونة الأخيرة من ارتياد النساء للمساجد في أوقات معينة ليسمَعْن درساً من إحداهن ، ممن يتسمَّون بـ " الداعيات " زعمن ! : فذلك من الأمور المحدثة ، التي لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا في عهد السلف الصالح ، وإنما المعهود أن يتولى تعليمهن العلماء الصالحون ، في مكان خاص ، كما في هذا الحديث ، أو في درس الرجال حجزة عنهم في المسجد إذا أمكن ، وإلا غلبهن الرجال ، ولم يتمكنَّ من العلم ، والسؤال عنه ، فإن وجد في النساء اليوم من أوتيت شيئاً من العلم ، والفقه السليم المستقى من الكتاب والسنَّة : فلا بأس من أن تعقد لهن مجلساً خاصّاً ، في بيتها ، أو بيت إحداهن ، ذلك خير لهن ، كيف لا ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في صلاة الجماعة في المسجد : (وبيوتهن خير لهن) ؟! ، فإذا كان الأمر هكذا في الصلاة التي تضطر المرأة المسلمة أن تلتزم فيها من الأدب والحشمة ما لا تكثر منه خارجها ، فكيف لا يكون العلم في البيوت أولى لهن ؟! لا سيما وبعضهن ترفع صوتها ، وقد يشترك معها غيرها ، فيكون لهن دوي في المسجد قبيح ذميم ، وهذا مما سمعناه ، وشاهدناه ، مع الأسف .
ثم رأيت هذه المحدَثة قد تعدت إلى بعض البلاد الأخرى ، كعمَّان ، مثلا ، نسأل الله السلامة من كل بدعة محدثة" انتهى .
"السلسلة الصحيحة" (6/179) .
ويمكننا هنا أن نذكر بعض المحاذير والمخالفات الشرعية التي تؤدي إليها خروج المرأة في الفضائيات ولو كانت ترتدي النقاب :
1. أنه يلزم من ظهورها في الفضائيات : خروجها من بيتها ، وتعرضها للاختلاط مع الرجال , من مصور ، ومخرج للبرنامج ، وغيرهم , ممن لهم دور في إخراج حلقات برنامجها , وهذا بحد ذاته اختلاط قبيح ؛ إذ فيه محادثة ، واقتراب أجساد ، وهو مناف للأصل الشرعي وهو قرار المرأة في بيتها ، وبعدها عن أماكن وجود الرجال .
2. أن في خروجها في الفضائيات أو أجهزة الإعلام سماع مئات الآلاف أو الملايين من الرجال صوتها من غير حاجة ، وهذا لا يمكن أن يقول بجوازه عالم ، فإن العلماء اختلفوا في صوت المرأة هل هو عورة أم لا؟ ولكنهم لا يختلفون أنها لا ترفع صوتها حتى يسمعها الرجال الأجانب عنها بلا حاجة ، وقد منعها الرسول صلى الله عليه وسلم من تنبيه الإمام في الصلاة إذا أخطأ بالقول ، وإنما تصفق ، فقال صلى الله عليه وسلم : (التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) رواه البخاري (1204) ومسلم (421) .
وقد منع العلماء المرأة أن ترفع صوتها بالتلبية في الحج أو العمرة ، حتى لا يسمعها الرجال الأجانب عنها .
قال ابن عقيل رحمه الله : يكره سماع صوتها بلا حاجة .
وقال ابن الجوزي رحمه الله : سماع صوت المرأة مكروه .
وقال الإمام أحمد رحمه الله : ينبغي للمرأة أن تخفض صوتها إذا كانت في قراءتها إذا قرأت بالليل .
انظر : "الإنصاف" (8/31) .
3. في ظهورها على الفضائيات : تعريضها للسخرية ، والاستهزاء بها خاصة ، وبعموم المنتقبات عامة ، وسيكون برنامجها وقتاً للتسلية للمستهزئين بالشرع .
4. عدم تناسب بعض البرامج مع النقاب ، كمن تدرس التجويد وهي بنقابها ، وهي محتاجة في تدريسها لإظهار الشفتين ، واللسان ، حتى يتعلم النساء طريقة النطق الصحيحة ، فصار تدريسها لذلك العلم غير مؤدٍ لمقصوده .
5. هناك ضعف واضح في أولئك النسوة في التعليم ، كما هو مشاهَد ، والرجال بلا شك أقدر على القيام بالتعليم منهن .
6. يُخشى أن يكون هذا مقدمةً للتنازل عن النقاب ، والمسلم مأمور بالابتعاد عن مواطن الفتنة . 7. الزعم بأن المرأة أعلم بمشكلاتها ، وأقدر على طرح قضاياها : غير صحيح ، فقد ثبت أن الرجل هو الأقدر على ذلك ، والأعلم ؛ لمخالطته لصنوف من الناس ، ووقوفه على ما لم تقف عليه المرأة ، ثم لو فرض أنها الأعلم بمشكلاتها ، والأقدر على طرح قضاياها : فليست هي الأقدر على حلها ، وهذا مشاهد ، ومعلوم .
8. ليس هناك داعٍ لتقديم رسالة للغرب أن المرأة عندنا لها مكانتها ، وأنها تشارك الرجال في أعمالهم ، فالغرب لن يرضى بمتحجبة ، فضلاً عن منتقبة ، وإنما نقدم رسالة الإسلام للغرب بما عليه المسلمات من العفاف ، والحشمة .
فلما سبق : نرى عدم جواز خروج المرأة في قناة فضائية ، ولو كانت بحجابها الكامل ، ولو لم يكن في عملهن إلا الاختلاط بالرجال لكان كافياً في منعه ، فكيف وقد انضاف إلى ذلك أشياء أُخَر ؟! .