حال الجريض دون القريض:
كان للمنذر ملك الحيرة في كلّ عام يوم يسمى يوم البؤس، يركب فيه فلا يلقاه أحد إلا قتله.
و حدث أن ركب الملك في ذلك اليوم فطلع عليه عبيد بن الأبرص الشاعر، فلمّا رآه عبيد و عرف أنه في ذلك اليوم أيقن بالهلاك، إذ كان على يقين أنّ المنذر لن يدعه كما لم يدع أحدا كان يلقاه في ذلك اليوم و لو كان أعزّ عزيز عليه.
و بينما عبيد في خوفه و اضطرابه من أن يقطع السيف رقبته، غصّ بريقه، و إذا بالمنذر يطلب منه أن ينشده شيئا من شعره، و لكنّ عبيدا كان في تلك الحالة العصيبة فقال: " حال الجريض دون القريض "، أي أنّ ريقي الجافّ الذي أغصّ به في همّ و حزن يمنعني أن أقول شيئا من الشعر.
حديث خرافة:
عاش في بني عذرة من القبائل العربية رجل اسمه خرافة. و ذات يوم استهوته جنية فسار معها و انقطعت أخباره عن قومه، و مكث مدة لا يعرفون له مكانا.
و بعد فترة عاد إليهم خرافة ليخبرهم أنّ الجنية أخذته إلى بلادها و أرته عجائبها و غرائبها.
و أخذ الرجل يقصّ ما رأى من صور الجنّ، و حركاتهم، و مآكلهم و مشاربهم، و مساكنهم، و طرق حكمهم، و أعمالهم، بينما قومه يسمعون و يدهشون لتلك القصص العجيبة التي لا يصدّقها العقل.
و أصبحوا كلما سمعوا من أحد حديثا لا يعقل قالوا: " حديث خرافة " تكذيبا له، و استبعادا لحدوث ما يرويه.
الحديث ذو شجون:
كان لضبة - و هو من أولاد مضر - ابنان، الأول اسمه سعد و الثاني اسمه سعيد، و ذات يوم نفرت إبل ضبة، فأرسل ولديه في طلبها، فأخذا يبحثان عنها، و انطلق كلّ منهما في طريق، فوجدها سعد فأعادها، و استمر سعيد في بحثه.
و بينما سعيد يجدّ في طلب الإبل قابله الحارث بن كعب، و كان سعيد يرتدي ثوبين، فطلبهما الحارث فرفض، فقتله و أخذ ثوبيه.
و لمّا طالت غيبة سعيد، قلق أبوه و أخذ يبحث عنه فلم يعثر له على أثر. و ظلّ يبحث عنه حتى حجّ ذات عام، فلمّا كان بسوق عكاظ، لقي الحارث بن كعب، فرأى عليه ثوبي ابنه فعرفهما، فقال له: " هل أنت مخبري ما هذان الثوبان اللذان عليك؟ " فقال: " لقيت غلاما و هما عليه فطلبتهما منه فرفض، فقتلته و أخذتهما."
و عرف ضبة أنّ الحارث هو قاتل ابنه فضبط نفسه، ثمّ نظر إلى الحارث فرأى معه سيفه، فقال له: " سيفك هذا؟ " قال: " نعم " قال: " فأعطنيه، أنظر إليه فإنني أظنه صارما ". فأعطاه الحارث السيف.
أمسك ضبة بالسيف، و تأكّد أنّه جرّد الحارث من دفاعه، فهزّ السيف في يده و هو يقول: " الحديث ذو شجون " أي أنّ حديثه مع الحارث قد تفرّق بهما و جرّ بعضه بعضا، فذكر له حادثة قتل ابنه سعيد دون أن يعرف أنّه ابنه. ثمّ ضرب ضبة الحارث فقتله.
الحرب خدعة:
يحكى أنّ الرسول صلى الله عليه و سلم لمّا خرج في غزوة بدر، بادر المشركين إلى الماء فنزل أدنى ماء من بدر، فقال له الحباب بن المنذر: " يا رسول الله... أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدّمه أو نتأخر عنه، أم هو الرأي و الحرب و المكيدة؟ " قال: " بل هو الرأي و الحرب و المكيدة " قال: " يا رسول الله فإنّ هذا ليس لك بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء سواه من القوم فننزله، ثمّ نغور ما وراءه من القلب، ثمّ نبني عليه حوضا و نملأه ماءً، فنشرب و لا يشربوا، ثمّ نقاتلهم ".
ففعل الرسول صلى الله عليه و سلم ما أشار به الحباب.
الحرب سجال:
قال أبو سفيان يوم أحد بعدما وقعت الهزيمة على المسلمين: " اعلُ هبل....اعلُ هبل " فقال عمر: " يا رسول الله ألا أجيبه؟ " قال: " بلى يا عمر ". قال عمر: " الله أعلى و أجلّ " فقال أبو سفيان: " يا ابن الخطاب، إنّه يوم الصمت، يوما بيوم بدر، و إنّ الأيام دول، و إنّ الحرب سجال "، فقال عمر: " و لا سواء، قتلانا في الجنة و قتلاكم في النار " فقال أبو سفيان: " إنّكم لتزعمون ذلك، لقد خبنا إذن و خسرنا ".
حسبك من شرّ سماعه:
أخذ الربيع بن زياد العبسيّ من قيس بن زهير بن جذيمة درعا، و لمّا طلبه قيس منه أبى الربيع أن يردّه له. و ذات يوم فاجأ قيس أمّ الربيع و هي على راحلتها في مسير لها، فأراد أن يذهب بها رهينة حتى يستردّ درعه، فقالت أمّ الربيع: " أين غاب عنك عقلك يا قيس؟ " أترى بني زياد سيصالحونك و يردون عليك درعك، و قد ذهبت بأمهم يمينا و شمالا، و قال الناس ما قالوا و شاؤوا؟ إنّ حسبك من شرّ سماعه."
أي اكتف من الشرّ بسماعه و لا تعاينه، و يجوز أن تريد: يكفيك سماع الشرّ، و إن لم تقدم عليه، و تنسب إليه.
حسبك من غنىً شبع و ريّ:
ثار امرؤ القيس - الشاعر الجاهلي - لمقتل أبيه حجر، و عزم على الثأر له، لكنّه لم يستطع تحقيق ما يريد، و تقبلت به الظروف، و تفرّق عنه أصحابه، و أصبح سيء الحال، و أخذ يقنع نفسه بالواقع و التسليم بما آل إليه الحال. و ممّا قال يذكر معزىً كانت له:
إذا ما لم تكن إبل فمعزىً
كأنّ قرون جلّنها العصي
فتملأ بيتنا أقطا و سمنا
و حسبك من غنىً شبعٌ و ريٌّ
[معجم الأمثال العربية لمحمود إسماعيل صيني ص: 154-157 ]