وفقك الله كنت أسمع دروس خاصة بعِلم الحديث ويقول الشيخ مصطلح ( العنعنة ) فما معناه ؟
وإذا تكرّمت واعذرني لو أثقلت عليك الله يرفع قَدرك ما الفرق بين قول الراوي عن فلان عن فلان ، وبين قوله حدّثني فلان وحدّثه فلان
وأسأل الله أن يرفَع قَدرك وأسأل الله أن يزيدك به قُـربةً إليه ويوسّع عليك عِلمًا ورِزقًا .
 الجواب :
 الجواب :
آمين ، وإياك
العنعنة ؛ المقصود بها أن الراوي يروي عن شيخه بلفظ ( عن ) وليس بالتحديث ،  مثل : حدّثني ، أخبرني ، سَمِعت .. ونحو ذلك .. مأخوذة مِن تكرار ( عن ) =  ( عنـ عنـ ـة ) !
والمدلِّس الْمُكْثِر مِن التدليس إذا رَوى بالعنعنة احْتَمَل الأمر أنه  سَمِعه ممن يُحدِّث عنه ، واحتُمِل أنه لم يسمعه منه ، بخلاف إذا صرّح  بالتحديث ( حدثني .. أخبرني .. سمعت .. ) فهذه تنفي التدليس ..
ومثله إذا روى ( بالأنأنة ) ! ، وهو قول الراوي ( أن ) فلانا قال كذا .. فهذا لا يحتمل التحديث  
مثاله : ابن إسحاق صاحب السيرة ، إذا قال ( عن ) في روايته عن شيوخه ، لم  يُحتَمَل ، وتُضعّف روايته إلاّ إذا وُجِد أنه صرّح بالتحديث في موضع آخر .  
الشيخ الألباني رحمه الله ضعّف حديث : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ  فَيُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا  أَوْجَبَ " ، (وفي لفظ: إلا غفر له). 
لأنه مِن رواية ابن إسحاق ، وابن إسحاق مُدلِّس .
ثم وقفت على طريق للحديث عند الروياني ، فيها تصريح ابن إسحاق ، ولو وَقَف عليها الشيخ الألباني رحمه الله لَحَسَّن الحديث .
وأما الثقة الذي لا يُعرَف بالتدليس فلا تؤثِّر العنعنة على روايته .
أمَّا قوله حدّثني فلان .. فهذه أقوى مِن حدّثنا ؛ لأن الأولى أنه سمعه منه  وَحده ، والثانية مع جماعة ، ويحتمل أنه في مجلس حديث كبير ، ويكون قد  سَمِعه من الْمُسْتَمْلِي ( المبلِّغ عن الشيخ ) 
وقوله أخبرني أقلّ درجة منها ، إلاّ أن بعض أهل العلم يجعلهما بِمَنْزِلة واحدة . 
قال الإمام البخاري في الصحيح : بَابُ قَوْلِ المُحَدِّثِ : حَدَّثَنَا ، وَأَخْبَرَنَا ، وَأَنْبَأَنَا
ثم قال : وَقَالَ لَنَا الحُمَيْدِيُّ :  كَانَ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ  حَدَّثَنَا، وَأَخْبَرَنَا، وَأَنْبَأَنَا، وَسَمِعْتُ وَاحِدًا . 
وقال النووي : ذهب جماعات إلى أنه يجوز أن تقول فيما قُرئ على الشيخ : "  حدثنا وأخبرنا " ، وهو مذهب الزهري ومالك وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد  القطان وآخرين مِن المتقدمين ، وهو مذهب البخاري وجماعة مِن الْمُحَدِّثين ،  وهو مذهب معظم الحجازيين والكوفيين ، وذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز إطلاق "  حدثنا ولا أخبرنا " في القراءة ، وهو مذهب بن المبارك ويحيى بن يحيى وأحمد  بن حنبل والمشهور عن النسائي . اهـ . 
وقول الراوي ( عن فلان ) أقلّ منهما ؛ لأنها تحتمل أن يكون سمعه منه وتحتمل  غير ذلك ، ولذلك إذا جاءت ( عن ) مِن مُدلِّس لا يُحتَمل تدليسه ، لا  تُقبل منه ، كما ذكرت سابقا .
والتدليس أنواع . 
وقد جعل الحافظ ابن حجر الْمُدَلِّسِين على خمس طبقات في كتاب : 
" تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس"
وبعض الْمُدَلِّسِين ( شديدي التدليس ) لا يُقبل منه إلاّ أن يُصرِّح في كل طبقة ممَن هو فوقه بالتحديث . 
مثل : بقية بن الوليد ، والوليد بن مسلم . 
لأنه يُمكن أن يُسقط ثِقة بين ضعيفين ، وهذا النوع يُسمى : تدليس التسوية . فلا يُمكن اكتشافه
وهذا قد يفعله بعضهم بِحسن نِـيَّة !
قَالَ الْعَلائِيُّ : وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا النَّوْعُ أَفْحَشُ أَنْوَاعِ التَّدْلِيسِ مُطْلَقًا وَشَرُّهَا .
وقَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَهُوَ قَادِحٌ فِيمَنْ تَعَمَّدَ فِعْلَهُ .
قَالَ صَالح جزرة سَمِعت الْهَيْثَم بن خَارجه يَقُول : قلت للوليد بن  مُسلم : قد أفسدت حَدِيث الأَوْزَاعِيّ . قَالَ : كَيفَ ؟ قلت : تروي عَن  الأَوْزَاعِيّ عَن نَافِع ، وَعَن الأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ ، وَعَن  الأَوْزَاعِيّ عَن يحيى بن سعيد ، وَغَيْرك يدْخل بَين الأَوْزَاعِيّ  وَبَين نَافِع عبد الله بن عَامر الأَسْلَمِيّ ، وَبَينه وَبَين  الزُّهْرِيّ إِبْرَاهِيم بن مرّة وقرة . قَالَ : أنبّل الأَوْزَاعِيّ أَن  يروي عَن مثل هَؤُلاءِ ! قلت : فَإِذا روى عَن هَؤُلاءِ وهم ضعفاء  أَحَادِيث كَثِيرَة مَنَاكِير فأسقطتهم وصَيَّرتها مِن رِوَايَة  الأَوْزَاعِيّ عَن الثِّقَات ضعف الأَوْزَاعِيّ . فَلم يلْتَفت إِلَى قولي !
فائدة :
قال النووي : جرت العادة بالاقتصار على الرمز في " حدثنا وأخبرنا " ،  واستمر الاصطلاح عليه مِن قديم الأعصار إلى زماننا ، واشتهر ذلك بحيث لا  يخفى فيكتبون مِن حدثنا (ثنا) وهى الثاء والنون والألف ، وربما حذفوا الثاء  ، ويكتبون مِن أخبرنا (أنا) ولا يحسن زيادة الباء قبل نا . اهـ . 
والله تعالى أعلم . 
المجيب الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد