كتاب الرؤيا تفسير البغوي
( كتاب الرؤيا )
( باب تحقيق الرؤيا )
قال الله سبحانه وتعالى إخبارا عن إبراهيم [ e ] : ) إني
أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل
ما تؤمر ( [ الصافات : 102 ].
3272 - أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن
عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا أبو
اليمان ، أنا شعيب ، عن الزهري ، حدثني سعيد بن المسيب
أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول :
" لم يبق من النبوة إلا المبشرات " قالوا : وما المبشرات ؟
قال : " الرؤيا الصالحة ".
هذا حديث صحيح. وروي عن عبادة بن الصامت قال : سألت
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قوله سبحانه وتعالى : ( لهم البشرى في الحياة الدنيا (
(12/202)
صفحة رقم 203
[ يونس : 64 ] قال : " هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن ، أو ترى
له. ويروى مثله عن أبي الدرداء مرفوعا.
3273 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا أبو علي زاهر بن أحمد
السرخسي ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أخبرنا أبو
مصعب ، عن مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة
عن أنس بن مالك أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " الرؤيا
الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا
من النبوة ".
هذا حديث متفق على صحته أخرجه محمد عن عبد الله بن مسلمة ،
عن مالك ، وأخرجه مسلم عن عبيد الله بن معاذ ، عن أبيه ، عن شعبة ،
عن ثابت ، عن أنس.
قوله : " جزء من النبوة " أراد تحقيق أمر الرؤيا وتأكيده ، وإنما
كانت جزءا من النبوة في حق الأنبياء دون غيرهم. قال عبيد بن عمير :
رؤيا الأنبياء وحي ، وقرأ : ) إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر
ماذا ترى ، قال يا أبت افعل ما تؤمر ( [ الصافات : 102 ] وقيل : معناه
(12/203)
صفحة رقم 204
أنها جزء من أجزاء علم النبوة ، وعلم النبوة باق ، والنبوة غير باقية ،
أو أراد به أنه كالنبوة في الحكم بالصحة ، كما قال عليه الصلاة والسلام :
" الهدي الصالح ، والسمت الصالح ، والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين
جزءا من النبوة " أي : هذه الخصال في الحسن والاستحباب كجزء من
أجزاء فضائلهم ، فاقتدوا فيها بهم ، لا أنها حقيقة نبوة ، لأن النبوة لا تتجزأ
ولا نبوة بعد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهو معنى قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : " ذهبت النبوة ،
وبقيت المبشرات ، الرؤيا الصالحة يراها المسلم ، أو ترى له ".
وقال بعض أهل العلم في قوله : " جزء من ستة وأربعين " إن
مدة وحي الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من حين بدئ إلى أن فارق الدنيا ، كان ثلاثا
وعشرين سنة ، وكانت ستة أشهر منها في أول الأمر ، يوحى إليه في
النوم ، وهو نصف سنة ، فكانت مدة وحيه في النوم جزءا من ستة وأربعين
جزءا من جملة أيام الوحي.
( باب من رأى شيئا يكرهه
3274 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو
إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ،
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال : سمعت
(12/204)
صفحة رقم 205
أبا قتادة بن ربعي يقول : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
يقول : " الرؤيا من الله ، والحلم من الشيطان ، فإذا رأى
أحدكم الشيء يكرهه ، فلينفث عن يساره ثلاث مرات
إذا استيقظ ، وليتعوذ بالله من شرها ، فإنها لن تضره
إن شاء الله ".
قال أبو سلمة : إن كنت لأرى الرؤيا هي أثقل علي من
الجبل ، فلما سمعت هذا الحديث فما كنت أباليها.
هذا حديث متفق على صحته أخرجه محمد عن يحيى بن بكير ،
عن الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، وأخرجه
مسلم عن القعنبي ، عن سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد.
3275 - أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو محمد
عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي ، نا علي بن الجعد ، أنا شعبة
عن عبد ربه بن سعيد سمعت أبا سلمة قال : كنت
أرى الرؤيا تهمني حتى سمعت أبا قتادة يقول : كنت أرى
(12/205)
صفحة رقم 206
الرؤيا فتمرضني حتى سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : الرؤيا
الصالحة من الله ، فإذا رأى أحدكم ما يحب ، فلا يحدث به
إلا من يحب ، وإذا رأى ما يكره ، فلا يحدث به ، وليتفل
على يساره ، وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ومن
شر ما رأى ، فإنها لن تضره ".
هذا حديث متفق على صحته أخرجه محمد عن سعيد بن الربيع ،
وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن خلاد الباهلي ، عن محمد بن جعفر ،
كلاهما عن شعبة.
3276 - أخبرنا أبو عبد الله الخرقي ، أنا أبو الحسن الطيسفوني ،
أنا عبد الله بن عمر الجوهري ، نا أحمد بن علي الكشميهني ، نا علي بن حجر ،
نا إسماعيل بن جعفر ، نا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة
عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " رؤيا
الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة " وقال :
" الرؤيا الصالحة من الله ، والحلم من الشيطان ، فإذا حلم
أحدكم حلما يخافه ، فليبصق عن يساره ثلاث مرات ،
وليستعذ بالله من شره ، فإنه لا يضره ".
صحيح.
(12/206)
صفحة رقم 207
قوله : " الرؤيا الصالحة من الله " يريد : بشارة من الله ليحسن به
ظنه ، ويشكره عليها. وأراد بالحلم : الرؤيا الكاذبة ، يريها الشيطان
ليحزنه بسوء ظنه بربه ، ولذلك أمر بأن يبصق عن يساره ، ويتعوذ
بالله منه ، كأنه يقصد به طرده وإخزاءه.
قوله : " فإذا حلم أحدكم حلما " يقال : حلم ، يحلم ، حلما :
إذا رأى في منامه شيئا ، وحلم بضم اللام ، يحلم حلما : إذا توقر
فلم يخف بسماع ما يكره ، وحلم الأديم بكسر اللام ، يحلم : إذا
فسد قبل الدباغ.
3277 - أخبرنا ابن عبد القاهر ، أنا عبد الغافر بن محمد ، نا محمد بن
عيسى الجلودي ، نا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، نا مسلم بن الحجاج ،
نا قتيبة ، نا الليث ، عن أبي الزبير
عن جابر ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " إذا رأى أحدكم
الرؤيا يكرهها ، فليبصق عن يساره ثلاثا ، وليستعذ
بالله من الشيطان ثلاثا ، وليتحول عن جنبه الذي كان
عليه ".
هذا حديث صحيح.
وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري : أما بعد فإني آمركم بما
أمركم به القرآن ، وأنهاكم عما نهاكم عنه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وآمركم
(12/207)
صفحة رقم 208
باتباع الفقه والسنة ، والتفهم في العربية ، وإذا رأى أحدكم رؤيا
فقصها على أخيه ، فليقل : خيرا لنا ، وشرا لأعدائنا.
وروي عن إبراهيم أنه قال : إذا رأى الرجل رؤيا يكرهها ، فليقل :
أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسوله من شر رؤياي الليلة أن تضرني في
ديني ، أو دنياي يا رحمان.
قال ابن سيرين : اتق الله في اليقظة ، ولا تبال ما رأيت في النوم.
( باب أقسام الرؤيا
3278 - أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف بن عبد الله الجويني ،
أنا أبو محمد محمد بن علي بن شريك الشافعي ، أنا عبد الله بن محمد بن
مسلم أبو بكر الجوربذي ، نا يونس بن عبد الأعلى ، أنا ابن وهب ،
أخبرني جرير بن حازم ، عن أيوب السختياني ، وهشام بن حسان ، عن
محمد بن سيرين
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " إذا
كان آخر الزمان ، لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ، وأصدقهم
رؤيا أصدقهم حديثا ، والرؤيا ثلاثة : رؤيا بشرى من
الله عز وجل ، ورؤيا مما يحدث الإنسان نفسه ، ورؤيا
من تحزين الشيطان ، فإذا رأى أحدكم ما يكره ، فلا
يحدث به ، وليقم وليصل ، والقيد في المنام ثبات في
(12/208)
صفحة رقم 209
الدين ، والغل أكرهه ".
هذا حديث متفق على صحته أخرجاه من طرق عن ابن سيرين
ورواه قتادة أيضا ، وأدرج الكل في الحديث ، ورواه عوف عن ابن
سيرين ، وجعل قوله : " الرؤيا ثلاثة " من قول ابن سيرين إلى آخره ،
وأدرج عبد الوهاب الثقفي عن أيوب السختياني ، عن محمد بن سيرين الكل
في الحديث. قال : وأحب القيد ، وأكره الغل ، والقيد ثبات في
الدين ، فلا أدري هو في الحديث ، أم قاله ابن سيرين. وجعله معمر
عن أيوب من قول أبي هريرة.
3279 - أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو الحسين بن
بشران ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، نا أحمد بن منصور الرمادي ،
نا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين
عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " في آخر الزمان
لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم
حديثا ، والرؤيا ثلاثة : الرؤيا الحسنة بشرى من الله
(12/209)
صفحة رقم 210
عز وجل ، والرؤيا يحدث الرجل بها نفسه ، والرؤيا
تحزين من الشيطان ، فإذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها ،
فلا يحدث بها أحدا ، وليقم ، فليصل ".
قال أبو هريرة : يعجبني القيد ، وأكره الغل ، القيد
ثبات في الدين ، قال : وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " رؤيا المؤمن
جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ".
هذا حديث متفق على صحته أخرجه مسلم عن محمد بن رافع ، عن
عبد الرزاق.
وروى أكثر الرواة : " إذا اقترب الزمان ، أو إذا تقارب الزمان
لم تكد رؤيا المؤمن تكذب " واختلفوا في معناه ، قيل : أراد به
قرب زمان الساعة ودنو وقتها ، كما صرح به في هذا الحديث ، ويقال
للشيء إذا ولى وأدبر : تقارب ، يقال : تقاربت إبل فلان : إذا قلت
وأدبرت ، ويقال للقصير : متقارب : وقيل : معنى اقتراب الزمان :
اعتداله حين يستوي الليل والنهار. والمعبرون يقولون : أصدق الرؤيا
في وقت الربيع ، أو الخريف عند خروج الثمار وعند إدراكها ، وهما
وقتان يتقارب فيهما الزمان ، ويعتدل الليل والنهار. قالوا : ورؤيا الليل
أقوى من رؤيا النهار ، وأصدق ساعات الرؤيا وقت السحر. روي عن
(12/210)
صفحة رقم 211
أبي الهيثم ، عن أبي سعيد يرفعه. قال : " أصدق الرؤيا بالأسحار ".
وقوله : " الرؤيا ثلاثة " فيه بيان أن ليس كل ما يراه الإنسان في
منامه يكون صحيحا ، ويجوز تعبيره ، إنما الصحيح منها ما كان من الله
عز وجل يأتيك به ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب ، وما سوى ذلك
أضغاث أحلام لا تأويل لها.
وهي على أنواع قد يكون من فعل الشيطان يلعب بالإنسان ، أو
يريه ما يحزنه ، وله مكايد يحزن بها بني آدم ، كما أخبر الله سبحانه وتعالى
عنه : ) إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ( [ المجادلة : 10 ]
ومن لعب الشيطان به الاحتلام الذي يوجب الغسل ، فلا يكون له تأويل ،
وقد يكون ذلك من حديث النفس ، كمن يكون في أمر ، أو حرفة
يرى نفسه في ذلك الأمر ، والعاشق يرى معشوقه ونحو ذلك ، وقد
يكون ذلك من مزاج الطبيعة ، كمن غلب عليه الدم يرى الفصد ،
والحجامة ، والرعاف ، والحمرة ، والرياحين ، والمزامير والنشاط ونحوها ،
ومن غلب عليه طبيعة الصفراء يرى النار ، والشمع ، والسراج ، والأشياء
(12/211)
صفحة رقم 212
الصفر ، والطيران في الهواء ونحوها ، ومن غلب عليه السوداء ، يرى
الظلمة والسواد ، والأشياء السود ، وصيد الوحوش ، والأهوال ،
والأموات ، والقبور ، والمواضع الخربة ، وكونه في مضيق لا منفذ له ،
أو تحت ثقل ونحو ذلك ، ومن غلب عليه البلغم ، يرى البياض ، والمياه ،
والأنداء ، والثلج ، والجمد ، والوحل ونحوها ، فلا تأويل لشيء منها.
3280 - أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو بكر أحمد بن
الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أخبرنا محمد بن حماد ،
نا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان
عن جابر قال : أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رجل وهو يخطب ،
فقال : يا رسول الله رأيت فيما يرى النائم البارحة كأن
عنقي ضربت ، فسقط رأسي ، فاتبعته ، فأخذته ، ثم
أعدته مكانه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " إذا لعب الشيطان
بأحدكم في منامه ، فلا يحدثن به الناس ".
هذا حديث صحيح. أخرجه مسلم عن أبي سعيد الأشج ، عن وكيع ،
عن الأعمش. قال الإمام : قوله : " إذا رأى أحدكم ما يكره ، فلا
يحدث به " وفي حديث أبي قتادة : " فإذا رأى أحدكم ما يحب ، فلا
يحدث به إلا من يحب " فيه إرشاد المستعبر لموضع رؤياه ، فإن رأى
ما يكره ، فلا يحدث به حتى لا يستقبله في تفسيرها ما يزداد به هما ، وإن
(12/212)
صفحة رقم 213
رأى ما يحبه ، فلا يحدث به إلا من يحبه ، لأنه لا يأمن ممن لا يحبه أن
يعبره حسدا على غير وجهه ، فيغمه ، أو يكيده بأمر كما أخبر الله سبحانه
وتعالى عن يعقوب عليه السلام حين قص عليه يوسف عليه السلام رؤياه :
) قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا ( [ يوسف : 5 ].
3281 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو محمد عبد
الرحمن بن أبي شريح ، أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي ، نا علي بن الجعد ، أنا شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، عن وكيع
ابن عدس
عن أبي رزين العقيلي قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) :
" الرؤيا جزء من أربعين ، أو ستة وأربعين جزءا من النبوة ،
وهو على رجل طائر ، فإذا حدث بها ، وقعت ، وأحسبه
قال : " لا يحدث إلا حبيبا ، أو لبيبا ".
هذا حديث حسن.
(12/213)
صفحة رقم 214
3282 - وأخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن علي الطوسي ، نا أبو
إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفراييني ، أنا محمد بن محمد بن ورموية ، نا أبو
زكريا يحيى بن محمد بن غالب ، نا يحيى بن يحيى ، أخبرنا هشيم ، عن
يعلى بن عطاء بهذا الإسناد ، وقال :
" الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر ، فإذا عبرت ، وقعت " قال :
وأحسبه قال : " ولا يقصها إلا على واد ، أو ذي رأي ، والرؤيا
جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ".
قال أبو إسحاق الزجاج في قوله : " لا يقصها إلا على واد ، أو
ذي رأي " الواد لا يحب أن يستقبلك في تفسيرها إلا بما تحب ، وإن
لم يكن عالما بالعبارة ، لم يعجل لك بما يغمك ، وأما ذو الرأي ، فمعناه
ذو العلم بعبارتها ، فهو يخبرك بحقيقة تفسيرها ، أو بأقرب ما يعلم منها ،
ولعله أن يكون في تفسيرها موعظة تردعك عن قبيح أنت عليه ، أو
يكون فيها بشرى ، فتشكر الله عليها.
قوله : " والقيد ثبات في الدين " وذلك لأن القيد يمنع صاحبه عن
النهوض والتقلب ، كذلك الورع يمنع صاحبه من النهوض والتقلب فيما
لا يوافق الدين ، وهذا إذا كان مقيدا في مسجد ، أو في سبيل من سبيل
(12/214)
صفحة رقم 215
الخير ، أو عمل من أعمال البر ، فإن رآه مسافر ، فهو إقامة عن السفر ،
وكذلك إذا رأى دابته مقيدة ، فإن رآه مريض ، أو محبوس ، طال
مرضه وحبسه ، أو مكروب طال كربه. وروى أيوب عن أبي قلابة مرسلا
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " إن الرؤيا تقع على ما عبر ، ومثل ذلك كمثل رجل
رفع رجله ، فهو ينتظر متى يضعها ، فإذا رأى أحدكم رؤيا ، فلا يحدث
بها إلا ناصحا ، أو عالما " وروي عن قتادة قال : جاء رجل إلى عمر بن
الخطاب ، فقال : إني رأيت كأني أعشبت ، ثم أجدبت ، ثم أعشبت ، ثم أجدبت
فقال له عمر : أنت رجل تؤمن ، ثم تكفر ، ثم تؤمن ، ثم تكفر ،
ثم تموت كافرا ، فقال الرجل : لم أر شيئا ، فقال عمر : قد قضي
لك ما قضي لصاحب يوسف.
والغل : كفر ، لقوله سبحانه وتعالى : ( غلت أيديهم ولعنوا
بما قالوا ( [ المائدة : 64 ] وقوله تعالى : ( إنا جعلنا في أعناقهم
أغلالا ( [ يس : 8 ] وقد يكون بخلا لقوله عز وجل : ) ولا تجعل
يدك مغلولة إلى عنقك ( [ الإسراء : 29 ] وقد يكون كفا عن المعاصي
إذا كان في الرؤيا ما يدل على الصلاح ، بأن يرى ذلك لرجل صالح ، روي
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) آخى بين سلمان ، وأبي بكر ، فرأى سلمان لأبي بكر
رؤيا ، فأعرض عنه ، فقال له أبو بكر : يا أخي مالك قد أعرضت عني ؟
فقال : إني رأيت يديك قد جمعتا إلى عنقك ، فقال : الله أكبر ، جمعت
يداي عن الشر إلى يوم القيامة.
(12/215)
صفحة رقم 216
( باب أقسام تأويل الرؤيا
3283 - حدثنا أبو المظفر محمد بن أحمد التميمي ، أنا أبو محمد
عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم المعروف بابن أبي نصر ، أنا أبو الحسن
خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي ، نا إسحاق بن إبراهيم بن عباد ،
عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله
عن أبي هريرة أن رجلا أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ح ) وأخبرنا أحمد بن
عبد الله الصالحي ، أنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ، أنا
إسماعيل بن محمد الصفار ، نا أحمد بن منصور الرمادي ، نا عبد الرزاق
عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله
عن ابن عباس قال : كان أبو هريرة يحدث أن رجلا
أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : إني رأيت الليلة ظلة ينطف منها
السمن والعسل ، وأرى سببا واصلا من السماء إلى الأرض ،
فأراك يا رسول الله أخذت به ، فعلوت ، ثم أخذ به رجل
آخر ، فعلا ، ثم أخذ به رجل آخر ، فعلا ، ثم أخذ به
رجل آخر ، فانقطع به ، ثم وصل له ، فعلا ، فقال أبو بكر :
أي رسول الله بأبي أنت ، والله لتدعني فلأعبرها ، فقال :
" اعبرها " فقال : أما الظلة ، فظلة الإسلام ، وأما
ما ينطف من السمن والعسل ، فهو القرآن لينه وحلاوته ،
(12/216)
صفحة رقم 217
وأما المستكثر والمستقل ، فهو المستكثر من القرآن والمستقل
منه ، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض ، فهو الحق
الذي أنت عليه تأخذ به ، فيعليك الله ، ثم يأخذ به بعدك
رجل آخر ، فيعلو به ، ثم يأخذ به آخر بعده ، فيعلو
به ، ثم يأخذ به رجل آخر بعده ، فيقطع به ، ثم يوصل
له ، فيعلو. أي رسول الله لتحدثني أصبت أم أخطأت ؟
قال : " أصبت بعضا وأخطأت بعضا " قال : أقسمت بأبي
أنت يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت ، فقال النبي
[ ] : " لا تقسم ".
هذا حديث متفق على صحته أخرجه محمد عن يحيى بن بكير ،
عن الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله ، عن ابن
عباس أن رجلا أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : إني رأيت الليلة في المنام
ظلة تنطف السمن والعسل ، وكذلك أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر ، عن سفيان
عن الزهري ، وأخرجه مسلم عن محمد بن نافع ، عن عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس ، أو أبي هريرة ،
وقال : قال عبد الرزاق ، وكان معمر يقول أحيانا : عن ابن عباس ،
(12/217)
صفحة رقم 218
وأحيانا : عن أبي هريرة ، ورواه أبو داود عن محمد بن يحيى بن فارس ،
عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله
عن ابن عباس قال : قال أبو هريرة : إن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال :
إني أرى الليلة.
قوله : إني رأيت الليلة. يقال ما بين الصبح إلى الظهر : رأيت
الليلة ، وبعد الظهر إلى الليل : رأيت البارحة. والظلة : كل ما
أظلك من فوقك ، وأراد بالظلة هاهنا والله أعلم : سحابة ينطف منها ،
أي : يقطر منها السمن والعسل ، والنطف : القطر ، ويقال للماء
الكثير : نطفة ، وللقليل : نطفة. وقوله : يتكففون ، أي :
يتلقونه بأكفهم ويأخذونه ، يقال : تكفف الرجل الشيء ، واستكفه :
إذا مد كفه فتناول بها ، والسبب : الحبل ، والواصل بمعنى الوصول ،
سمي الحبل سببا ، لأنه يوصله إلى الماء. وقوله سبحانه وتعالى : ( وآتيناه
من كل شيء سببا ( [ الكهف : 84 ] أي : علما يوصله إلى حيث
يريد. وقوله : " تقطعت بهم الأسباب " أي : الوصلات والمودات ،
ومنه الحديث : " كل سبب ينقطع إلا سببي ".
وفي قوله لأبي بكر : " لا تقسم " ولم يخبره عن مسألته ، دليل
على أن قول القائل : " أقسمت " لا يكون يمينا حتى يقول : أقسمت بالله ،
وهو قول مالك والشافعي ، لأنه بمجرده لو كان يمينا ، لأشبه أن يبره
(12/218)
صفحة رقم 219
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالإخبار عن مسألته ، لأنه عليه السلام أمر بإبرار المقسم.
وذهب قوم إلى أن مجرد قوله : " أقسمت " يمين وإن لم يصله باسم الله
عز وجل ، وإليه ذهب أصحاب الرأي ، لأنه لو لم يكن يمينا ، لكان
لا يقول له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : لا تقسم ، والأمر بإبرار المقسم خاص فيما
يجوز ويتيسر.
واختلف الناس في معنى قوله : " أصبت بعضا ، وأخطأت بعضا "
فقال بعضهم : أراد به الإصابة في عبارة بعض الرؤيا ، والخطأ في
بعضها ، وقال آخرون : أراد بالإصابة : ما تأوله في عبارة الرؤيا ، فقد
خرج الأمر على وفاق قوله ، وأراد بالخطأ : مسألته الإذن له في تعبير
الرؤيا ، ومبادرته إلى الجواب بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ولم يتركه
إليه عليه السلام حتى يكون هو الذي يعبرها. والله أعلم.
قال الإمام : تأويل جملة هذه الرؤيا على ما عبره أبو بكر الصديق
رضي الله عنه ، وهذه الرؤيا تشتمل على أشياء ، إذا انفرد كل واحد منها
عن صاحبه ، انصرف تأويله إلى وجه آخر ، فإن تعبير الرؤيا يتغير
بالزيادة والنقصان.
(12/219)
صفحة رقم 220
فالسحاب في التأويل حكمة ، فمن ركب السحاب ولم يهله ، علا
في الحكمة ، فإن أصاب منها شيئا ، أصاب حكمة ، وإن خالط ولم
يصب شيئا ، خالط الحكماء ، فإن كان في السحاب سواد ، أو ظلمة ،
أو رياح ، أو شيء من هيئة العذاب ، فهو حينئذ عذاب ، وإن كان
فيه غيث ، فهو رحمة.
والسمن والعسل قد يكون مالا في التأويل ، وروي أن رجلا
سأل ابن سيرين ، فقال : رأيت كأني ألعق عسلا من جام من جوهر ،
فقال : اتق الله ، وعاود القرآن ، فإنك رجل قرأت القرآن ، ثم
نسيته.
والعلو إلى السماء رفعة ، لقوله سبحانه وتعالى : ( ورفعناه مكانا
عليا ( [ مريم : 57 ] ومن رأى أنه قد صعد السماء فدخلها ، نال
شرفا وذكرا ، ونال الشهادة. والطيران في الهواء عرضا سفر ونيل
شرف ، فإن طار مصعدا ، أصابه ضر عاجل ، فإن بلغ السماء كذلك
يبلغ غاية الضر ، فإن تغيب في السماء ولم يرجع ، مات ، فإن رجع
نجا بعد ما أشرف على الموت ، والحبل : العهد والأمان ، لقوله سبحانه
وتعالى : ( واعتصموا بحبل الله ( [ آل عمران : 103 ] وقال :
) إلا بحبل من الله وحبل من الناس ( [ آل عمران : 112 ] أي : أمان.
واعلم أن تأويل الرؤيا ينقسم أقساما ، فقد يكون بدلالة من
جهة الكتاب ، أو من جهة السنة ، أو من الأمثال السائرة بين الناس ،
وقد يقع التأويل على الأسماء والمعاني ، وقد يقع على الضد والقلب.
فالتأويل بدلالة القرآن ، كالحبل يعبر بالعهد ، لقوله سبحانه وتعالى :
) واعتصموا بحبل الله ( والسفينة تعبر بالنجاة ، لقوله سبحانه وتعالى :
) فأنجيناه وأصحاب السفينة ( [ العنكبوت : 15 ] والخشب يعبر
(12/220)
صفحة رقم 221
بالنفاق لقوله عز وجل : ) كأنهم خشب مسندة ( [ المنافقون : 4 ]
والحجارة تعبر بالقسوة لقوله جل ذكره : ) فهي كالحجارة أو أشد قسوة (
[ البقرة : 34 ] والمريض بالنفاق ، لقوله تبارك وتعالى : ( في قلوبهم مرض (
[ البقرة : 10 ] والبيض يعبر بالنساء ، لقوله سبحانه وتعالى : ( كأنهن
بيض مكنون ( [ الصافات : 49 ] وكذلك اللباس ، لقوله سبحانه
وتعالى : ( هن لباس لكم ( [ البقرة : 187 ] واستفتاح الباب
يعبر بالدعاء ، لقوله سبحانه وتعالى : ( إن تستفتحوا ( [ الأنفال : 19 ]
أي : تدعوا. والماء يعبر بالفتنة في بعض الأحوال لقوله عز وجل :
) لأسقيناهم ماء غدقا ، لنفتنهم فيه ( [ الجن : 16 ، 17 ] وأكل اللحم
النيء يعبر بالغيبة ، لقوله سبحانه وتعالى : ( أيحب أحدكم أن يأكل
لحم أخيه ميتا ( [ الحجرات : 12 ] ودخول الملك محلة ، أو بلدة ،
أو دارا تصغر عن قدره ، وينكر دخول مثله مثلها ، يعبر بالمصيبة
والذل ينال أهلها ، لقوله تبارك وتعالى : ( إن الملوك إذا دخلوا قرية
أفسدوها ( [ النمل : 34 ].
وأما التأويل بدلالة الحديث كالغراب ، يعبر بالرجل الفاسق ، لأن
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سماه فاسقا ، والفأرة يعبر بالمرأة الفاسقة ، لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
سماها فويسقة. والضلع يعبر بالمرأة ، لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : " إن المرأة خلقت
من ضلع أعوج ". والقوارير تعبر بالنساء ، لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : " يا انجشه
(12/221)
صفحة رقم 222
رويدك سوقا بالقوارير ".
والتأويل بالأمثال ، كالصائغ يعبر بالكذاب ، لقولهم : أكذب
الناس الصواغون. وحفر الحفرة يعبر بالمكر ، لقولهم : من حفر
حفرة وقع فيها. قال الله تعالى : ( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله (
[ فاطر : 43 ] والحاطب يعبر بالنمام ، لقولهم لمن وشى : إنه
يحطب عليه ، وفسروا قوله سبحانه وتعالى : ( حمالة الحطب (
[ اللهب : 4 ] بالنميمة ، ويعبر طول اليد بصنائع المعروف ، لقولهم :
فلان أطول يدا من فلان. ويعبر الرمي بالحجارة وبالسهم بالقذف ،
لقولهم : رمى فلانا بفاحشة ، قال الله عز وجل : ) والذين يرمون
المحصنات ( [ النور : 4 ] ويعبر غسل اليد باليأس عما يأمل ،
ولهم : غسلت يدي عنك.
والتأويل بالأسامي ، كمن رأى رجلا يسمى راشدا يعبر بالرشد ،
وإن كان يسمى سالما يعبر بالسلامة.
3284 - أخبرنا ابن عبد القاهر ، أنا عبد الغافر بن محمد ، أنا محمد بن
عيسى ، نا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، نا مسلم بن الحجاج ، حدثنا عبد
الله بن مسلمة بن قعنب ، نا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني
عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " رأيت
ذات ليلة فيما يرى النائم كأنا في دار عقبة بن رافع ،
فأتينا برطب من رطب ابن طاب ، فأولت الرفعة لنا في
الدنيا ، والعاقبة في الآخرة ، وأن ديننا قد طاب.
(12/222)
صفحة رقم 223
هذا حديث صحيح.
قال ابن سيرين : نوى التمر : نية السفر ، وقد يعبر السفرجل
بالسفر إذا لم يكن في الرؤيا ما يدل على المرض ، لأن أوله سفر ،
والسوسن بالسوء ، لأن أوله سوء ، إذا عدل به عما ينسب إليه في التأويل.
والتأويل بالمعنى كالأترج يعبر بالنفاق ، لمخالفة باطنه ظاهره
إن لم يكن في الرؤيا ما يدل على المال ، وكالورد والنرجس يعبر بقلة
البقاء إن عدل به عما ينسب إليه لسرعة ذهابه ، ويعبر الآس بالبقاء ،
لأنه يدوم. حكي أن امرأة سألت معبرا بالأهواز : إني رأيت في المنام
كأن زوجي ناولني نرجسا ، وناول ضرة لي آسا ، فقال : يطلقك
ويتمسك بضرتك ، أما سمعت قول الشاعر :
ليس للنرجس عهد
إنما العهد لآس
وأما التأويل بالضد والقلب ، فكما أن الخوف في النوم يعبر
بالأمن ، لقوله سبحانه وتعالى : ( وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا (
[ النور : 55 ] والأمن فيه يعبر بالخوف ، ويعبر البكاء بالفرح
إذا لم يكن معه رنة ، ويعبر الضحك بالحزن ، إلا أن يكون
تبسما ، ويعبر الطاعون بالحرب ، والحرب بالطاعون ، ويعبر العجلة
في الأمر بالندم ، والندم بالعجلة ، ويعبر العشق بالجنون ، والجنون
بالعشق ، والنكاح بالتجارة ، والتجارة بالنكاح ، ويعبر الحجامة بكتبة
الصك ، وكتبة الصك بالحجامة ، ويعبر التحول عن المنزل بالسفر ،
والسفر بالتحول عن المنزل.
(12/223)
صفحة رقم 224
ومن هذا القبيل أن العطش في النوم خير من الري ، والفقر خير
من الغنى ، والمضروب ، والمجروح ، والمقذوف أحسن حالا من الضارب
والجارح ، والقاذف ، وقد يتغير حكم التأويل بالزيادة والنقصان ، كقولهم
في البكاء : إنه فرح ، فإن كان معه صوت ورنة ، فهو مصيبة ، وفي
الضحك : إنه حزن ، فإن كان تبسما ، فصالح ، وكقولهم في الجوز :
إنه مال مكنوز ، فإن سمعت له قعقعة ، فهو خصومة ، والدهن في
الرأس زينة ، فإن سال على الوجه ، فهو غم ، والزعفران ثناء حسن
فإن ظهر له لون ، أو جسد ، فهو مرض ، أو هم ، والمريض يخرج
من منزله ولا يتكلم ، فهو موته ، وإن تكلم برأ ، والفأر نساء ، ما لم
يختلف ألوانها ، فإن اختلف ألوانها إلى بيض وسود ، فهي الإيام والليالي ،
والسمك نساء إذا عرف عددها ، فإن كثر ، فغنيمة.
وقد يتغير التأويل عن أصله باختلاف حال الرأي كالغل في النوم
مكروه ، وهو في حق الرجل الصالح قبض اليد عن الشر ، وكان ابن
سيرين يقول في الرجل يخطب على المنبر يصيب سلطانا ، فإن لم يكن من
أهله يصلب ، وسأل رجل ابن سيرين قال : رأيت في المنام كأني
أؤذن ، قال : تحج ، وسأله آخر ، فأول بقطع يده في السرقة ، فقيل له
في التأويلين ، فقال : رأيت الأول على سماء حسنة ، فأولت قوله سبحانه
وتعالى ( وأذن في الناس بالحج ( [ الحج : 27 ] ولم أرض هيئة الثاني ، فأولت
قوله عز وجل ) ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون ( [ يوسف : 70 ]
وقد يرى الرجل في منامه فيصيبه عين ما رأى حقيقة من ولاية أو حج أو قدوم
غائب أو خير أو نكبة ، فقد رأى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الفتح ، فكان كذلك ، قال
الله سبحانه وتعالى ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ( [ الفتح : 27 ]
(12/224)
صفحة رقم 225
3285 - أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو بكر أحمد بن
الحسن الحيري ، أنا محمد بن أحمد بن محمد بن معقل الميداني ، نا محمد بن
يحيى ، نا عثمان بن عمر ، أنا يونس ، عن الزهري ، عن ابن خزيمة بن ثابت
عن عمه أن خزيمة رأى فيما يرى النائم ، أنه سجد على
جبهة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأخبره ، فاضطجع له ، وقال : " صدق
رؤياك " فسجد على جبهته.
وقد يرى الشيء في المنام للرجل ، ويكون التأويل لولده أو
قريبه أو سميه ، فقد رأى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في النوم مبايعة أبي جهل معه ،
فكان ذلك لابنه عكرمة ، فلما أسلم ، قال عليه السلام : " هو هذا ".
ورأى لأسيد بن العاص ولاية مكة ، فكان لابنه عتاب بن أسيد
ولاه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مكة.
( باب تأويل رؤية النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في المنام
3286 - أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو عمر بكر بن محمد
(12/225)
صفحة رقم 226
المزني ، نا أبو بكر محمد بن عبد الله حفيد العباس بن حمزة ، نا أبو علي
الحسين بن الفضل البجلي ، نا عفان ، نا عبد العزيز بن المختار ، نا ثابت
أنا أنس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " من رآني في المنام
فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل بي ".
وقال : " إن رؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءا
من النبوة ".
هذا حديث صحيح أخرجه محمد عن المعلى بن أسد ، عن عبد العزيز
ابن المختار.
3287 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أنا أبو
القاسم علي ابن أحمد الخزاعي ، أنا الهيثم بن كليب الشاشي ، نا أبو عيسى
الترمذي ، نا عبد الله بن أبي زياد ، نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ،
نا ابن أخي ابن شهاب الزهري ، عن عمه ، قال : قال أبو سلمة
قال أبو قتادة : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " من رآني في
النوم ، فقد رأى الحق ".
هذا حديث متفق على صحته أخرجه محمد عن خالد بن خلي ، عن
محمد بن حرب ، عن الزبيدي ، عن الزهري ، وقال : تابعه يونس بن
أخي الزهري ، وأخرجه مسلم عن زهير بن حرب ، عن يعقوب بن إبراهيم.
(12/226)
صفحة رقم 227
3288 - أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أنا أبو محمد
محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي ، أنا عبد الله بن محمد بن مسلم
أبو بكر الجوربذي ، نا يونس بن عبد الأعلى ، أنا ابن وهب ، أخبرني
يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن
أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول :
" من رآني في المنام ، فسيراني في اليقظة ، أو لكأنما رآني
في اليقظة ، ولا يتمثل الشيطان بي ، وقال أبو سلمة : قال
أبو قتادة : من رآني ، فقد رأى الحق ".
هذا حديث متفق على صحته أخرجه محمد عن عبدان ، عن عبد الله ،
عن يونس وقال : " من رآني في المنام ، فسيراني في اليقظة " وأخرجه
مسلم عن حرملة ، عن ابن وهب ، عن يونس على الشك.
قال الإمام : رؤية الله في المنام جائزة ، قال معاذ عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
" إني نعست فرأيت ربي " وتكون رؤيته جلت قدرته ظهور
العدل ، والفرج والخصب والخير لأهل ذلك الموضع ، فإن رآه فوعد
له جنة أو مغفرة ، أو نجاة من النار ، فقوله حق ووعده صدق ،
وإن رآه ينظر إليه ، فهو رحمته ، وإن رآه معرضا عنه ، فهو تحذير
من الذنوب ، لقوله سبحانه وتعالى ( أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا
يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ( [ آل عمران : 77 ] وإن أعطاه شيئا من
متاع الدنيا فأخذه ، فهو بلاء ومحن وأسقام تصيب بدنه ، يعظم بها أجره
(12/227)
صفحة رقم 228
لا يزال يضطرب فيها حتى يؤديه إلى الرحمة ، وحسن العاقبة.
ورؤية النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في المنام حق ولا يتمثل الشيطان به ، وكذلك
جميع الأنبياء والملائكة عليهم السلام ، وكذلك الشمس والقمر والنجوم
المضيئة والسحاب الذي فيه الغيث لا يتمثل الشيطان بشيء منها.
ومن رأى نزول الملائكة بمكان ، فهو نصرة لأهل ذلك المكان ،
وفرج إن كانوا في كرب ، وخصب إن كانوا في ضيق وقحط ،
وكذلك رؤية الأنبياء صلوات الله عليهم. ومن رأى ملكا يكلمه
ببر أو بعظة أو بصلة ، أو يبشره ، فهو شرف في الدنيا ، وشهادة في
العاقبة.
ورؤية الأنبياء مثل رؤية الملائكة إلا في الشهادة ، لأن الأنبياء
كانوا يخالطون الناس ، والملائكة عند الله سبحانه وتعالى لا يراهم الناس ،
كما قال الله عز وجل ) إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته (
[ الأعراف : 206 ] وقال الله سبحانه وتعالى في الشهداء : ) والشهداء عند ربهم
لهم أجرهم ونورهم ( [ الحديد : 19 ]. ورؤية النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في مكان سعة
لأهل ذلك المكان إن كانوا في ضيق ، وفرج إن كانوا في كرب ، ونصرة
إن كانوا في ظلم ، وكذلك رؤية الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، ورؤية
أهل الدين بركة وخير على قدر منازلهم في الدين ، ومن رأى النبي ( صلى الله عليه وسلم )
كثيرا في المنام ، لم يزل خفيف الحال ، مقلا في دنياه من غير حاجة قادحة ،
ولا خذلان من الله عز وجل ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) " إن الفقر أسرع إلى
من يحبني من السيل إلى منتهاه ". ورؤية الإمام إصابة خير وشرف.
(12/228)
صفحة رقم 229
( باب تأويل رؤية السماء وما فيها
قال الله سبحانه وتعالى إخبارا عن يوسف : ) إني رأيت
أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين (
[ يوسف : 4 ] وقال ) ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا
وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل ( [ يوسف : 100 ].
3289 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله
النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا عبد الله بن محمد ،
نا أزهر السمان ، عن ابن عون ، عن محمد هو ابن سيرين
عن قيس بن عباد قال : كنت جالسا في مسجد
(12/229)
صفحة رقم 230
المدينة ، فدخل رجل على وجهه أثر خشوع ، فقالوا : هذا
رجل من أهل الجنة ، فصلى ركعتين تجوز فيهما ، ثم
خرج ، وتبعته ، فقلت : إنك حين دخلت المسجد ، قالوا :
هذا رجل من أهل الجنة ، قال : والله ما ينبغي لأحد أن
يقول ما لا يعلم ، وسأحدثك لم ذاك ؟ رأيت رؤيا على
عهد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقصصتها عليه ، ورأيت كأني في روضة ،
ذكر من سعتها وخضرتها ، وسطها عمود من حديد ،
أسفله في الأرض ، وأعلاه في السماء ، في أعلاه عروة ، فقيل
لي : ارقه ، قلت : لا أستطيع ، فأتاني منصف ، فرفع
ثيابي من خلفي ، فرقيت حتى كنت في أعلاها ، فأخذت
بالعروة ، فقيل لي : استمسك ، فاستيقظت ، وإنها لفي
يدي ، فقصصتها على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : " تلك الروضة
الإسلام ، وذلك العمود عمود الإسلام ، وتلك العروة
الوثقى ، فأنت على الإسلام حتى تموت ، وقال : الرجل
عبد الله بن سلام.
(12/230)
هذا حديث متفق على صحته أخرجه مسلم عن محمد بن مثنى ، عن
معاذ بن معاذ ، عن عبد الله بن عون.
والمنصف : الخادم ، والجمع المناصف ، يقال نصفت الرجل فأنا أنصفه
نصافة : إذا خدمته.
قال الإمام : من رأى في النوم أنه قد صعد السماء فدخلها ، نال شرفا
وذكرا ، ونال الشهادة ، فإن رأى نفسه فيها ، لم يدر متى صعد إليها ،
فهو شرف معجل ، وشهادة مؤجلة.
والشمس ملك عظيم ، وما رأى فيها من تغير أو كسوف ، فهو
حدث بالملك من هم أو مرض ، أو نحو ذلك.
والقمر وزير الملك في التأويل ، والزهرة امرأته ، وعطارد كاتبه ،
والمريخ صاحب حربه ، وزحل صاحب عذابه ، والمشتري صاحب ماله ، وسائر
النجوم العظام أشراف الناس ، وإنما يكون القمر وزيرا ما رئي في السماء ،
فإن رآه عنده أو في حجره ، أو في بيته تزوج زوجا بقدر ضوئه ونوره
رجلا كان أو امرأة. رأت عائشة ثلاثة أقمار سقطت في حجرتها ، فقصت
الرؤيا على أبي بكر ، فلما توفي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ودفن في بيتها ، قال لها
أبو بكر : هذا أحد أقمارك وهو خيرها.
(12/231)
صفحة رقم 232
وكانت الشمس في تأويل رؤيا يوسف ( صلى الله عليه وسلم ) أباه ، والقمر خالته ،
والكواكب الأحد عشر إخوته كما قال الله سبحانه وتعالى ( ورفع
أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي
من قبل ( [ يوسف : 100 ] وكانت رؤياه في حال صباه ، وظهر تأويلها
بعد أربعين سنة. وروي أن ابن سيرين رأى في المنام كأن الجوزاء
تقدمت الثريا ، فأخذ في الوصية ، وقال : يموت الحسن وأموت بعده هو
أشرف مني. وسأل رجل ابن سيرين ، فقال : رأيت كأني أطير بين السماء
والأرض ، قال : أنت رجل كثير المني.
( باب تأويل رؤية القيامة والجنة والنار
3290 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو منصور محمد
ابن محمد بن سمعان ، نا أبو جعفر محمد أحمد بن عبد الجبار الرياني ،
نا حميد بن زنجوية ، نا سليمان بن حرب ، نا حماد بن زيد ، عن أيوب ،
عن نافع
(12/232)
صفحة رقم 233
أن ابن عمر رأى في المنام كأن في يده قطعة إستبرق
لا يريد من الجنة موضعا إلا طارت به إليه ، ورأى كأنه
ذهب به إلى النار ، فلقيه رجل ، فقال : دعه ، فإنه
نعم الرجل لو كان يصلي من الليل ، قال : فقصت حفصة
إحدى الرؤيايين على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال لها : إن أخاك
رجل صالح ، قال : فكان ابن عمر بعد يطيل الصلاة من
الليل.
هذا حديث متفق على صحته أخرجه محمد عن أبي النعمان ، عن
حماد بن زيد ، وأخرج مسلم حديث الإستبرق عن أبي كامل الجحدري
عن حماد ، وحديث النار من طريق سالم عن ابن عمر.
قال الإمام : من رأى القيامة قد قامت في موضع ، فإن العدل
يبسط في ذلك المكان ، فإن كانوا مظلومين نصروا ، وإن كانوا ظالمين
انتقم منهم ، لأنه العدل ، ويوم القيامة يوم الفصل والعدل ، قال الله سبحانه
وتعالى ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا (
(12/233)
صفحة رقم 234
[ الأنبياء : 47 ] ومن رأى أنه دخل الجنة ، فهو بشرى من الله عز وجل
بالجنة ، فإن أكل شيئا من ثمارها أو أصابها ، فهو خير يناله في دينه
ودنياه ، وعلم ينتفع به ، فإن أعطاها غيره ، ينتفع بعلمه غيره.
ودخول جهنم إنذار العاصي ليتوب ، فإن رأى أنه تناول شيئا من
طعامها أو شرابها ، فهو خلاف أعمال البر منه ، أو علم يصير عليه وبالا.
( باب تأويل الوضوء والعبادات في النوم
3291 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله
النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا يحيى بن بكير ،
حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، أخبرني سعيد بن المسيب
أن أبا هريرة قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله
[ ] قال : بينا أنا نائم رأيتني في الجنة ، فإذا امرأة
تتوضأ إلى جانب قصر ، فقلت : لمن هذا القصر ؟
قال : " لعمر " فذكرت غيرته ، فوليت مدبرا ، فبكى
عمر ، وقال : عليك - بأبي وأمي يا رسول الله - أغار.
هذا حديث متفق على صحته أخرجه مسلم عن حرملة بن يحيى ،
(12/234)
صفحة رقم 235
عن ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب.
الغسل والوضوء بالماء البارد توبة وشفاء من المرض ، وخروج من
الحبس ، وقضاء للدين ، وأمن من الخوف غير أن الغسل أقوى من
الوضوء ، قال الله سبحانه لأيوب [ e ] ) هذا مغتسل بارد وشراب (
[ ص : 42 ] فلما اغتسل ، خرج من المكاره. والغسل والوضوء
بالماء المسخن هم أو مرض. والأذان حج ، لقوله سبحانه وتعالى ( وأذن
في الناس بالحج ( [ الحج : 27 ] وربما كان سلطانا في الدين وقوة ،
والصلاة في النوم استقامة الرأي في الدين والسنة إذا كانت إلى الكعبة.
والإمامة رياسة وولاية إن استقامت قبلته ، وتمت صلاته ، والركوع
توبة ، لقوله عز وجل ) وخر راكعا وأناب (. [ ص : 24 ] والسجود
قربة ، لقوله سبحانه وتعالى ( واسجد واقترب ( [ العلق : 19 ] فإن صلى
منحرفا عن سمت القبلة شرقا أو غربا ، فإنه انحراف عن السنة ، فإن
جعلها وراء ظهره ، فهو نبذه الإسلام ، لقول الله سبحانه وتعالى
) فنبذوه وراء ظهورهم ( [ آل عمران : 187 ] فإن رأى أنه لا يعرف القبلة
فهو حيرة منه في الدين. ومن رأى نفسه يصلي فوق الكعبة ، فلا
دين له والعياذ بالله عز وجل ، والكعبة : الإمام العادل ، فمن أم الكعبة
فقد أم الإمام. والمسجد الجامع : هو السلطان ، ومن رأى نفسه يطوف
بالكعبة ، أو يأتي بشيء من المناسك ، فهو صلاح في دينه بقدر عمله.
ودخول الحرم أمن ، لقوله سبحانه وتعالى ( ومن دخله كان آمنا (.
[ آل عمران : 97 ].
(12/235)
صفحة رقم 236
والأضحية فك رقبة ، فمن ضحى بأضحية وكان عبدا ، عتق ، وإن
كان أسيرا ، نجا ، أو خائفا ، أمن ، أو مديونا ، قضي دينه ، أو مريضا
شفاه الله أو صرورة حج.
( باب تأويل النكاح في النوم
3292 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله
النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا عبيد بن إسماعيل ،
نا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه
عن عائشة قالت : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " أريتك في
المنام مرتين ، إذا رجل يحملك في سرقة حرير ،
فيقول : " هذه امرأتك " فأكشفها ، فإذا هي أنت ،
فأقول : " إن يكن هذا من عند الله يمضه ".
هذا حديث متفق على صحته أخرجه مسلم عن أبي كريب
عن أبي أسامة.
(12/236)
صفحة رقم 237
قال الإمام : من رأى في النوم أنه تزوج امرأة عاينها ، أو عرفها أو
نسبت له ، أصاب سلطانا بقدر جمالها ، فإن لم يكن ، يعاينها ولم يعرفها
ولم تنسب له إلا أنه سمى عروسا ، فهو موته ، أو يقتل إنسانا ، ومن
طلق امرأته ، عزل عن سلطانه. ومن تزوج امرأة ميتة ، ظفر بأمر
ميت ، ومن رأى أنه ينكح امرأة من محارمه ، فإنه يصل رحمها ،
ومن أصاب امرأة زانية ، أصاب دنيا حراما ، فإن رآه رجل من الصالحين
أصاب علما. وإن رأت امرأة أنها تزوجت ، أصابت خيرا ، فإن رأت
ميتا نكحها ، فهو نقصان مالها ، أو تشتت أمرها.
( باب تأويل رؤية الإنسان المجهول والمعلوم وأعضاء الإنسان
3293 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله
النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا محمد بن أبي بكر
المقدمي ، نا فضيل بن سليمان ، نا موسى ، حدثني سالم بن عبد الله
عن عبد الله بن عمر في رؤيا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في المدينة ،
رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس ، خرجت من المدينة
حتى نزلت مهيعة ، فتأولتها أن وباء المدينة نقل إلى مهيعة ،
وهي الجحفة.
(12/237)
صفحة رقم 238
هذا حديث صحيح. قال الإمام : الرجل المعروف في النوم هو ذلك
الرجل بعينه أو سميه أو نظيره ، والرجل المجهول إن كان شابا ، فهو
عدو ، وإن كان شيخا ، فهو جده ، والمرأة العجوزة المجهولة هي الدنيا ،
فإن كانت ذات هيئة وسمت حسن ، كانت حلالا ، وإن كانت ذات هيئة
على غير سمت الإسلام ، كانت دنيا حراما ، وإن كانت شعثة قبيحة ،
فلا دين ولا دنيا. وقد فسر الحديث المرأة السوداء الثائرة رأسها بالوباء.
والمرأة سنة ، والجارية خير ، والصبي هم ، والمرأة الزانية هي الدنيا
لطالب الدنيا ، وعلم لأهل الصلاح والعلم ، والخصيان هم الملائكة إذا
رآهم في سمت حسن ، وروي أن رجلا سأل ابن سيرين ، فقال : رأيت
في المنام صبيا في حجري يصيح ، فقال له : اتق الله ، ولا تضرب بالعود.
وأما أعضاء الإنسان ، فرأس الرجل في التأويل رياسته ، والوجه
جاهه ، والشيب وقار ، وطول شعر الإنسان هم ، إلا أن يكون ممن
يلبس السلاح ، فهو له زينة. وحلق الرأس كفارة الذنوب إن كان في
حرم أو حج ، أو أيام موسم ، وإن كان مديونا أو في كرب ، ففرج ،
وإن لم يكن شيء من ذلك ، فهو هتك ستره ، أو عزل رئيسه ،
وطول اللحية فوق القدر دين أو هم ، وخضاب الرأس واللحية
تغطية أمر.
وشعر الشارب والإبط زيادته مكروهة ، ونقصانه محمود ، والأذن
امرأة الرجل ، أو ابنته ، والسمع والبصر دينه ، والصوت صيته في
(12/238)
صفحة رقم 239
الناس ، وما حدث في شيء منه كان ذلك فيما ينسب إليه ، والعين دين
الرجل ، فإن رأى أنه أعمى ، ضل عن الإسلام ، وإن رأى أنه أعور
ذهب نصف دينه ، أو أصاب إثما عظيما. والرمد حدث في الدين ،
والاكتحال صلاح يتعهد به دينه ، وأشفار العين وقاية الدين ، والجبهة
والأنف من الجاه ، والفم مفتاح أمره وخاتمته.
والقلب القائم بأمره ومدبره ، واللسان : ترجمانه ، والمبلغ عنه ،
وقد يكون اللسان حجته ، وقطعه : انقطاع حجته في المنازعة ، وقد
يكون اللسان ذكره ، قال الله سبحانه وتعالى إخبارا عن إبراهيم [ e ]
) واجعل لي لسان صدق ( [ الشعراء : 84 ]. وقطع اللسان للنساء
محمود يدل على الستر والحياء.
والأسنان أهل البيت والقرابات لتقاربها وتلاصقها ، فالثنايا أقربهم ،
والأبعد منها أبعدهم ، والأسنان العليا رجال القرابة ، والسفلى نساؤها ،
وما حدث في الأسنان من حسن أو فساد أو كلال ، ففي القرابة ،
فإن رأى أن أسنانه سقطت ، فصارت في يده يكثر نساء أهل بيته ،
فإن سقطت وذهبت ، فهو موتهم قبله.
والعنق موضع الأمانة والدين ، وضعفه عجزه عن احتمال الأمانة
والدين ، والعضد أخ أو ولد قد أدرك ، واليد أخ وقطعها موت
أخيه ، وقد يعبر طول اليد بصنائع المعروف ، وإذا نسبت اليد إلى
الأخ كانت الأصابع أولاد الأخ ، وإذا انفردت الأصابع عن ذكر
اليد ، فهي الصلوات الخمس ، ونقصانها حدث في الصلوات ، فالابهام منها
صلاة الصبح ، والسبابة هي الظهر ، والوسطى : هي العصر ، والبنصر
المغرب ، والخنصر العشاء ، والصدر حلم الرجل واحتماله ، والثدي
(12/239)
صفحة رقم 240
البنت ، والبطن : مال وولد وكذلك الأمعاء ، فإن رأى ظهور شيء
من أمعائه من جوفه ، فهو ظهور ماله ، والكبد كنز ، وفي الحديث
" تخرج الأرض أفلاذ كبدها " أي كنوزها وكذلك الدماغ والمخ.
والأضلاع : النساء ، لأن المرأة خلقت من الضلع ، والظفر سند
الرجل وقوته ، ومن المملوك سيده ، والصلب هو القوة ، وقد يكون
الولد ، لأن الولد يخرج منه ، والذكر ذكره ، وقد يكون ولده ،
والخصيتان : مجرى الأعداء التي بها يصلون إليه ، فإن رأى قطعها ،
ظفر به أعداؤه ، وإن عظمتا ، كان منيعا لم يصل إليه أعداؤه ، وقد
يكون انقطاع الخصيتين انقطاع إناث الولد. والفخذ عشيرة الرجل
وقومه ، والركبة : موضع كده ونصبه في معيشته ، والساق : عمره ،
وربما كان الساق والقدم ماله ومعيشته. والقروح والبثر والجراح والورم
في البدن والجنون والجذام كلها مال ، والبرص مال وكسوة.
( باب تأويل الثياب والفرش
3294 - أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، وأبو حامد
أحمد بن عبد الله الصالحي ، قالا : أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ،
أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن معقل الميداني ، نا محمد بن يحيى ، نا يعقوب
(12/240)
صفحة رقم 241
ابن إبراهيم بن سعد ، نا أبي ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، أخبرني أبو
أمامة بن سهل بن حنيف
أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) :
" بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي ، وعليهم قمص
منها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما يبلغ دون ذلك ، ومر علي
عمر بن الخطاب ، وعليه قميص يجره ، قالوا : ماذا أولت
ذلك يا رسول الله ؟ قال : " الدين ".
هذا حديث متفق على صحته أخرجه محمد عن علي بن عبد الله ،
وأخرجه مسلم عن زهير بن حرب وغيره ، كل عن يعقوب بن إبراهيم.
وروي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عن ورقة ، فقالت خديجة ، إنه
كان قد صدقك ولكن مات قبل أن تظهر ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) :
" أريته في المنام وعليه ثياب بياض ، ولو كان من أهل النار ، لكان عليه
لباس غير ذلك ".
(12/241)
صفحة رقم 242
قال الإمام : القميص على الرجل دينه على لسان صاحب الشرع
صلوات الله عليه وسلامه ، وقد يعبر القميص على الرجل بشأنه في
مكسبه ومعيشته ، وما رأى في قميصه من صفاقة أو خرق أو وسخ ،
فهو صلاح معيشته أو فساده ، والسراويل جارية أعجمية ، والإزار :
امرأة : وأفضل الثياب ما كان جديدا صفيقا واسعا ، والبياض في الثياب
جمال في الدين والدنيا.
والحمرة في الثياب صالحة للنساء ، وتكره للرجال ، إلا أن تكون
في ملحفة أو إزار أو فراش ، فهو حينئذ سرور وفرح. والصفرة في
الثياب مرض ، والخضرة حياة في الدين ، لأنها لباس أهل الجنة.
والسواد سؤدد وسلطان لمن يلبس السواد في اليقظة ، أو ينسب
إلى من يلبسها ولغيره مكروه ، وثياب الصوف مال كثير.
والبرد من القطن يجمع خير الدين والدنيا ، وأجود البرود
الحبرة ، فإن كان البرد من إبريسم ، فهو مال حرام ، وفساد في الدين ،
والقطن والكتان والشعر والوبر كلها مال ، والعمامة ولاية ، والفراش
امرأة حرة أو أمة ، والوسائد والمرافق والمقارم والمناديل خدم ،
والسرير سلطان ، والمنبر سلطان إذا كان ممن يصلح لذلك ، وإلا فهو
شهرة ، وهو للمرأة فضيحة ، والستور على الأبواب هم وحزن ،
والكرسي امرأة ، والنعل امرأة ، وخمار المرأة زوجها ، فإن لم يكن
لها زوج فوليها.
(12/242)
صفحة رقم 243
( باب رؤية العيون والمياه
3295 - أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو الحسين علي بن
محمد بن عبد الله بن بشران ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، نا أحمد بن
منصور الرمادي ، نا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن الزهري
عن خارجة بن زيد قال : كانت أم العلاء الأنصارية
تقول : لما قدم المهاجرون المدينة ، اقترعت الأنصار على
سكناهم ، قالت : فطار لنا عثمان بن مظعون في السكنى ،
فمرض ، فمرضناه ، ثم توفي ، فجاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فدخل
فقلت : رحمة الله عليك أبا السائب ، فشهادتي أن قد
أكرمك الله ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : " وما يدريك أن الله قد
أكرمه ؟ " قلت : لا والله لا أدري ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
" أما هو ، فقد آتاه الله اليقين من ربه ، وإني لأرجو له
الخير ، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به ، ولا
بكم " قالت : فوالله لا أزكي بعده أحدا أبدا ، قالت :
(12/243)
صفحة رقم 244
ثم رأيت لعثمان بعد في النوم عينا تجري ، فقصصتها على
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : " ذاك عمله ".
هذا حديث صحيح أخرجه محمد عن عبدان ، عن عبد الله بن المبارك
عن معمر ، وقال معمر : فسمعت غير الزهري يقول : كره المسلمون
ما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لعثمان حتى توفيت ابنة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : الحقي
بفرطنا عثمان بن مظعون ".
قال الإمام : العين الجارية عبرها صاحب الشرع صلوات الله وسلامه
عليه بالعمل الجاري ، والساقية الصغيرة التي لا يغرق في مثلها حياة طيبة ،
والبحر : هو الملك الأعظم ، فإن استقى منه ماء ، أصاب من الملك مالا
والنهر رجل بقدر عظمه ، والماء الصافي إذا شرب فهو خير وحياة
طيبة ، فإن كان كدرا ، أصابه مرض ، وشرب الماء المسخن ، ودخول
الحمام هم ومرض ، والماء الراكد أضعف في التأويل من الجاري
والمطر غياث ورحمة إن كان عاما ، فإن كان خاصا في موضع ، فهو أوجاع
تكون في ذلك الموضع ، والطين والوحل والماء الكدر هم وحزن ، والسيل
(12/244)
صفحة رقم 245
عدو يتسلط ، والثلج والبرد والجليد : هم وعذاب إلا أن يكون الثلج قليلا في
موضعه وحينه فحينئذ يكون خصبا لأهل ذلك الموضع ، والسباحة في الماء : احتباس
أمر ، والمشي على الماء قوة يقين ، ومن غمره الماء ، أصابه هم غالب ، والغرق
فيه إذا لم يمت غرق في أمر الدنيا ، وانفجار العيون من الدار والحائط
وحيث ينكر انفجارها هم وحزن ومصيبة وبكاء بقدر قوة العين.
والخمر : مال حرام ، فإن سكر منها ، أصاب معه سلطانا ، والسكر
من غير الشراب خوف ، والنبيذ الذي يحل شربه : مال حلال وفيه نصب
لما ناله من النار ، ومن اعتصر خمرا ، خدم السلطان وأخصب ، وجرت على
يده أمور عظام ، قال الله سبحانه وتعالى إخبارا عن رؤيا صاحب السجن ) قال
أحدهما إني أراني أعصر خمرا ( [ يوسف : 36 ] فأوله يوسف عليه السلام :
) أما أحدكما فيسقي ربه خمرا (. وشرب اللبن فطرة ، وقد يكون مالا
حلالا ، وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : " بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت ،
ثم أعطيت فضلي عمر قالوا : فما أولت يا رسول الله ، قال : العلم "
وروي أن امرأة رأت في المنام أنها تحلب حية ، فسألت ابن سيرين ،
فقال : هذه امرأة يدخل عليها أهل الأهواء ، اللبن فطرة ، والحية عدو
ليست من الفطرة في شيء.
والأشجار كلها رجال أحوالهم كأحوال الشجر في الطبع والنفع ، فمن
رأى شجرا ، وأصاب شيئا من ثمره ، أصاب مالا من رجل في مثل حال
ذلك الشجر ، فالنخلة رجل شريف ، والتمر مال ، وشجر الجوز رجل
أعجمي شحيح ، والجوز نفسه مال مكنوز.
(12/245)
صفحة رقم 246
وشجرة السدر رجل شريف ، وشجرة الزيتون رجل مبارك نفاع ،
وثمر الزيتون هم وحزن ، والزيت خير وبركة ، وشجر الرمان رجل
على قدرها ، والرمان مال مجموع إذا كان حلوا ، والحامض هم وحزن ،
والكرم والبستان امرأة ، والعنب الأبيض في وقته غضارة الدنيا وخيرها ،
وفي غير وقته مال يناله قبل الوقت الذي يرجوه ، والأشجار العظام التي
لا ثمر لها كالدلب والصنوبر إن رأى شيئا منها ، فهو رجل ضخم بعيد
الصوت ، قليل الخير والمال ، والشجر ذات الشوك رجل صعب المرام.
والصفر من الثمار مثل المشمش والكمثرى والزعرور الأصفر ونحوها
أمراض ، والحامض منها هم وحزن ، والحبوب كلها مال ، والحشيش والكلأ مال
والزرع عمله في دينه أو دنياه ، والثوم والبصل والجزر والشلجم هم وحزن
والرياحين كلها بكاء وحزن إلا ما يرى منها نابتا في موضعه من غير أن
يمسه وهو يجد ريحه فيكون ولدا.
( باب تأويل رؤية البقر وسائر الحيوان
قال الله سبحانه وتعالى في قصة يوسف : ) وقال الملك إني
أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف ( [ يوسف : 43 ].
3296 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله
النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا محمد بن العلاء ، نا
(12/246)
صفحة رقم 247
حماد بن أسامة ، عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة ، عن جده أبي بردة
عن أبي موسى أراه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : رأيت في
المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل ، فذهب وهلي
إلى أنها اليمامة ، أو هجر ، فإذا هي المدينة يثرب ،
ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا ، فانقطع صدره ،
فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ، ثم هززته أخرى
فعاد أحسن ما كان ، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح ،
واجتماع المؤمنين ، ورأيت فيها بقرا ، والله خير ، فإذا
هم المؤمنون يوم أحد ، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير ،
وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر.
هذا حديث متفق على صحته أخرجه مسلم أيضا عن أبي كريب
محمد بن العلاء ، عن أبي أسامة حماد بن أسامة.
قوله : فذهب وهلي أي وهمي ، يقال وهل الرجل يهل : إذا وهم
(12/247)
صفحة رقم 248
الشيء وفيه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سمى المدينة يثرب ، وقد نهى عنه بعده
وسماها طابة ، لأنه كان يغير الاسم القبيح إلى الحسن على التبرك والتفاؤل.
قال الإمام : هذا الحديث يشتمل على أنواع من الرؤيا منها السيف ،
والسيف : السلطان ، فإن رآه قد رفعه فوق رأسه ، نال سلطانا مشهورا ،
فإن لم يكن ممن ينبغي له ، فهو ولد ، وكذلك كل من أعطي سكينا ، أو
رمحا ، أو قوسا ليس معه سلاح ، فهو ولد ، فإن كان معه سلاح ، فهو
سلطان ، وما حدث في السيف من انكسار أو ثلمة أو كدورة ، فهو
حدث فيما ينسب السيف إليه في التأويل ، فإن رأى أنه سل سيف من
غمد ، ولدت امرأته غلاما ، فإن انكسر السيف في الغمد ، مات الولد ،
وإن انكسر الغمد دون السيف ماتت الأم ، وسلم الولد ، والرمي عن
القوس نفوذ كتبه في سلطانه بالأمر والنهي ، وانكسار القوس مصيبة.
والبقر سنون ، فإن كانت سمانا ، كانت مخاصيب ، وإن كانت عجافا
كانت مجاديب ، قال الله سبحانه وتعالى في قصة يوسف ) ثم يأتي من
بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن ( [ يوسف : 48 ]
فأول يوسف عليه السلام أكل البقرات العجاف البقرات السمان
بالسنين المجاديب تأكل ما جمع لها في السنين المخاصيب. ومن ركب
ثورا ، أصاب مالا من عمل السلطان ، واستمكن من عامل ، وإن رأى
ثورا من العوامل ذبح وقيم لحمه ، فهو موت عامل وقسمة تركته ،
فإن كانت من غير العوامل ، كان رجلا ضخما. والبعير رجل ضخم ،
والناقة امرأة. ومن رأى أنه راكب بعير مجهول ، سافر ، وإن نزل عنه ،
(12/248)
صفحة رقم 249
مرض ، وإن دخل جماعة من الإبل أرضا ، دخلها عدو ، وربما كان سيلا ،
وربما كان أوجاعا. ومن رأى أنه يرعى غنما سودا ، فهم أناس من
العرب ، فإن كانت بيضا ، فمن العجم ، روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
قال : " أريت غنما كثيرة سودا دخلت فيها غنم كثيرة بيض ، قالوا :
فما أولته يا رسول الله ، قال : " العجم يشركونكم في دينكم
وأنسابكم ، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجل من
العجم وأسعدهم به فارس ".
والكبش : رجل ضخم : والنعجة : امرأة شريفة ، والعنز يجري
مجرى النعجة إذا كان في الرؤيا ما يدل على المرأة إلا أن العنز دون
النعجة في الشرف والحسب ، وقد يجري العنز مجرى البقرة في كونها سنة
مخصبة إن كانت سمينة ، أو مجدبة إن كانت عجفاء. والفرس عز
(12/249)
صفحة رقم 250
وسلطان ، والأنثى امرأة شريفة ، والبغل سفر ، والحمار جد الرجل
يسعى به ، فمن رأى أنه ذبح حماره ليأكل من لحمه ، أصاب مالا
بجده. والفيل سلطان أعجمي ، فإن ركبه في أرض حرب ، كانت
الدبرة على أصحاب الفيل. قال الله سبحانه وتعالى ( ألم تر كيف فعل
ربك بأصحاب الفيل ( ومن أصاب حمار وحش أو وعلا وضميره
أنه يريد أكله يصيب غنيمة ، ومن رأى أنه راكب حمار وحش يصرفه
كيف يشاء ، فهو راكب معصية ، أو يفارق رأي جماعة المسلمين.
والأسد : عدو قاهر ، والخنزير : رجل دني شديد الشوكة ، والضبع
امرأة سوء قبيحة ، والدب : عدو دنيء أحمق ، والذئب : سلطان غشوم ،
أو لص ضعيف كذاب.
والثعلب : كثير الاختلاف في التأويل ، فمن رأى أنه ينازعه
خاصم ذا قرابة ، وإن طلب ثعلبا ، أصابه وجع ، وإن طلبه ثعلب
أصابه فزع ، ومن رأى ثعلبا يهرب منه ، فهو غريم يراوغه ، ومن
أصاب ثعلبا ، أصاب امرأة يحبها حبا ضعيفا ، وابن آوى يجري مجرى
الثعلب إلا أنه أضعف ، والكلب : عدو دنيء غير مبالغ في عداوته ،
والقرد : عدو ملعون ، والحية : عدو مكاتم العداوة ، والعقرب :
عدو ضعيف لا تجاوز عداوته لسانه ، وكذلك سائر الهوام أعداء على
منازلهم ، وذو السم منها أبلغ في العداوة. والنسر ، والعقاب :
سلطان قوي ، والحدأة : ملك خامل الذكر ، شديد الشوكة ، والبازي :
سلطان ظالم ، والصقر : قريب منه ، والغراب : إنسان فاسق كذوب ،
والعقعق : إنسان لا عهد له ، ولا حفاظ ولا دين.
(12/250)
صفحة رقم 251
والطاووس الذكر : ملك أعجمي ، والأنثى : امرأة حسناء أعجمية ،
والحمامة : امرأة أو خادمة ، والفاختة : امرأة غير ألفة ، والدجاج :
خدم ، والديك : رجل أعجمي من نسل الملوك ، قال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه : رأيت فيما يرى النائم أن ديكا نقرني نقرة أو نقرتين ،
فأولت أن رجلا من العجم سيقتلني ، فقتله أبو لؤلؤة غلام المغيرة.
والعصفور : رجل ضخم عظيم القدر ، والبلبل : غلام صغير ، والببغاء :
ولد يناغي ، والطاووس : أنيس من وحشة ، والخفاش : عابد مجتهد ،
والزرزور : صاحب أسفار ، والهدهد : كاتب يتعاطى دقيق العلم ،
ولا دين له ، والثناء عليه قبيح لنتن ريحه ، والزنابير والذباب : سفلة
الناس وغوغاؤهم ، والنحلة : إنسان كسوب عظيم الخطر والبركة ، وطير
الماء أفضل الطير في التأويل ، لأنها أكثرها ريشا ، وأقلها غائلة ، وله
سلطانان : سلطان في البر ، وسلطان في الماء ، والسمك الطري الكبار منه
إذا كثر عددها مال وغنيمة ، وصغارها هموم كالصبيان ، ومن أصاب
سمكة طرية أو سمكتين ، أصاب امرأة أو امرأتين ، فإن أصاب في بطنها
لؤلؤة ، أصاب منها غلاما ، والضفدع : إنسان عابد مجتهد ، فإن كثرت
الضفادع ، فعذاب ، والجراد : جند ، والجنود إذا دخلت موضعا
فهي جراد.
(12/251)
صفحة رقم 252
( باب السوار والحلي
3297 - أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي ، أنا أبو طاهر
محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ،
نا أبو الحسن أحمد بن يوسف السلمي ، نا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن
همام بن منبه قال :
هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) :
" بينما أنا نائم ، إذ أوتيت من خزائن الأرض ، فوضع
في يدي سواران من ذهب ، فكبرا علي ، وأهماني ، فأوحي
إلى أن انفخهما ، فنفختهما ، فذهبا ، فأولتهما الكذابين
اللذين أنا بينهما : صاحب صنعاء ، وصاحب اليمامة ".
هذا حديث متفق على صحته أخرجه محمد عن إسحاق بن نصر ،
(12/252)
صفحة رقم 253
وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع ، كلاهما عن عبد الرزاق.
قال الإمام : من رأى عليه سوارين من ذهب ، أصابه ضيق في ذات
يده ، وإن كان من فضة ، فهو خير من الذهب ، ومن رأى عليه
خلخالا من ذهب ، أو فضة ، أصابه خوف ، أو حبس ، أو قيد ، وليس
يصلح للرجال في المنام من الحلي شيء إلا القلادة والتاج والعقد ، والقرط
والخاتم ، فأما النساء ، فالحلي كله زينة لهن ، فالقلادة ولاية ، أو تقلد
أمانة ، واللؤلؤ المنظوم كلام الله سبحانه وتعالى ، أو من كلام البر ،
فإن كان اللؤلؤ غير منظوم ، فإنه ولد أو غلمان ، وربما كان اللؤلؤ
جارية أو امرأة ، والقرط زينة وجمال ، والخاتم إذا كان معروف
الصناعة والنقش سلطان صاحبه ، فإن أعطي خاتما ، فتختم به ، ملك شيئا
لم يملكه ، وربما كان الخاتم امرأة ، أو مالا ، أو ولدا ، وفص الخاتم وجه
ما يعبر الخاتم به ، وإن كان الخاتم من ذهب ، كان ما نسب إليه
حراما ، وإن رأى أن حلقة خاتمه انكسرت وسقطت ، وبقي الفص
ذهب سلطانه وبقي الذكر والجمال.
ومن رأى أنه أصاب ذهبا ، يصيبه غرم ، أو يذهب ماله ، فإن كان
الذهب معمولا من إناء أو نحوه ، كان أضعف في التأويل. والدراهم
مختلفة التأويل على اختلاف الطباع ، فمنهم من يراها في المنام ، فيصيبها في
اليقظة ، ومنهم من يعبرها بالكلام ، فإن كانت بيضاء ، فهي كلام حسن ،
وإن كانت رديئة ، فكلام سوء ، ومنهم من لا يوافقه شيء منها ،
والدراهم في الجملة خير من الدنانير ، وقد يكون الدينار الواحد والدرهم
الواحد ولدا صغيرا.
(12/253)