وقد أدى الأثر العظيم للقرآن الكريم إلى إسلام الجن وهم مكلفون وهم طوائف مختلفة وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك وهم يخبرون عن أنفسهم بقولهم ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً﴾[الجن: 11]
ويظهر تأثرهم بالقرآن الكريم ما ورد في السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم «لما انصرف من الطائف راجعاً إلى مكة حين يئس من خبر ثقيف، حتى إذا كان بنخلة، قام من جوف الليل يصلي، فمر به النفر من الجن الذين ذكرهم الله تعالى، وكانوا سبعة نفر من جن أهل نصيبين، فاستمعوا لتلاوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ من صلاته، ولَّوا إلى قومهم منذرين، قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا، فقص الله تعالى خبرهم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾[الأحقاف: 29،30]»([1])
يقول سيد قطب في تفسير هذه الآية: «ويرسم النص مشهد هذا النفر وهم ما بين ثلاثة وعشرة وهم يستمعون إلى هذا القرآن، ويصور لنا ما وقع في حسهم منه، من الروعة والتأثر والرهبة والخشوع. ﴿فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا﴾ . . وتلقي هذه الكلمة ظلال الموقف كله طوال مدة الاستماع ، ﴿فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنْذِرِينَ﴾
وهذه كتلك تصور الأثر الذي انطبع في قلوبهم من الإنصات للقرآن. فقد استمعوا صامتين منتبهين حتى النهاية، فلما انتهت التلاوة لم يلبثوا أن سارعوا إلى قومهم، وقد حملت نفوسهم ومشاعرهم منه ما لا تطيق السكوت عليه، أو التلكؤ في إبلاغه والإنذار به، وهي حالة من امتلأ حسه بشيء جديد، وحفلت مشاعره بمؤثر قاهر غلاب، يدفعه دفعاً إلى الحركة به والاحتفال بشأنه، وإبلاغه للآخرين في جد واهتمام»([2])
وتظهر الآية الكريمة شدة تأثر الجن بالقرآن قال تعالى: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾[الجن: 1-3]. فأصبح في عالم الجن دعاة يبلغون دعوة الله تعالى: ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾[الأحقاف: 31]. وهذا كله من تأثير القرآن الكريم.
وقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم داعي الجن لاستماع القرآن فجاء فيه "عن عامر قال سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة الجن؟ قال فقال علقمة أنا سألت ابن مسعود فقلت هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال لا ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب فقلنا أستطير أو اغتيل قال فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء قال فقلنا يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فقال: أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن قال فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً وكل بعرة علف لدوابكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم"([3]).
[1]- السيرة النبوية للصلابي،1/331.
[2]- ظلال القرآن، 1/428.
[3]- أخرجه مسلم، 1/332، برقم: 450.
العنوان الإعجاز التأثيري للقرآن الكريم
المؤلف عبد الكريم علي عبده الفهدي