وساءلت نفسي: إن كنا نحب أن يعود الناس إلى الله، فكيف يعودون ربما كانت دعوتنا لغيرنا سببا محركا لهذا، وإن لم تكن هي السبب المباشر، ربما كان ما يحدث للناس، وما يقابلهم من أحداث جسام في حياتهم تؤثر فيهم، وهذا ليس بالعدد القليل، فإن الله تعالى يفتح لعباده باب التوبة بينه وبينهم، والله تعالى لا يظلم أحدا، ولم يكتب أحدا من الأشقياء، وإنما الناس الذين يشقون أنفسهم، والله أعلم بحالهم، إن الله تعالى يبسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وما يصيب المسلم من أزمات في حياته، وما يبتلى به من مرض، لهو من رسائل الله لعباده، كي يعودوا إليه، وهذه رسالة لنا جميعا، خاطبنا الله تعالى بها "وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون"، فكلنا نحتاج إلى التوبة إلى الله تعالى، وأن نسلك طريقه، وأن نقف على عتباته، وسنظل نخطئ، وسيبقى الله تعالى غفورا رحيما، لمن تاب إليه.
وقد قرأت قصة أعجبتني، وجدت فيها الفطرة النقية للإنسان الذي يبتلى بمرض، فيعلم رسالة الله له، فتاب إليه، وربما في هذه القصة دعوة لنا جميعا، وأن نتذكر رسائل الله لنا، بالعودة إليه.
وإليك هذه القصة..
لا زلت أتذكر وأنا طفل صغير..
أنني دخلت المستشفى لمدة أسبوع من جراء برد أصابني وعند خروجي سمعت الطبيب يخبر والدي بأن صحتي الآن جيدة، ولكن قد يكون لهذا المرض تأثير في المستقبل.
مضت سنين طويلة..
أصبحت شابًّا ثم أبًا..
أحيانًا أشعر بالتعب والإرهاق من أقل مجهود أبذله..
ذهبت إلى المستشفى لإجراء فحوصات كاملة..
تبين أن لدي ضعفا في صمامات القلب..
وأحتاج إلى عملية في القلب
وأن هذا الضعف من جراء برد أصابني في فترات سابقة
أدى إلى روماتيزم في القلب.
حاولت أن أقنع الطبيب بعلاج أو راحة.. تغني عن العملية..
ولكن أخبرني.
إن حاجتك إلى العملية ستكون بعد عدة شهور..
وستتأكد من ذلك بنفسك..
وفعلاً بعد عدة شهور..
بدأ الضعف ينتابني والإرهاق يبدو علي..
وقررت الرضى بقضاء الله وقدره وأن أسلم أمري إلى الله..
بعد إجراء فحص شامل وما يتبعه من إجراءات..
ثم أخذت موعدا لكي أحضر للمستشفى للإقامة، وذلك قبل موعد إجراء العملية بيوم..
وكان ذلك..
بدأت زيارة الأقارب في اليوم الأول..
كنت مرتاح البال مطمئن الخاطر..
جلست مدة تزيد على ساعة مع الطبيب الجراح الذي سيقوم بإجراء العملية..
في الليلة التي سبقت موعد العملية..
نمت نومًا هادئًا
لم أفكر في شيء مطلقًا..
ومع أذان الفجر استيقظت..
سمعت الأذان..
وتردد صداه في داخلي..
هز كياني..
طرقني هاجس..
تغير هدوئي..
لا أعرف ماذا جرى لي.
العملية صعبة.
ربما أن هذا آخر أيامك في هذه الحياة.
ربما هذا آخر أذان تسمعه في حياتك..
وأخذت تتجاذبني الهواجس من كل جانب..
أين كنت فيما مضى..
سؤال جعل الدمع ينهمر من عيني..
مرت حياتي الماضية كحلم..
أين أنا عن الآخرة..
ها هو الموت قد اقترب.
وحين رفعت بصري
فإذا بالممرض يقف على رأسي..
ما بك؟
لم أجبه..
ليس لدي جواب..
لكنه لاحظ اضطرابي وقلقي.. وربما أنه يتوقع ذلك فقد كان يحمل بيده إبرة منومة.
سلمت يدي..
وأنا أعلم أنني سأسلم قلبي للجرَّاح..
وقبل ذلك كله..
سلمت أمري إلى الله..
سيفتح صدري..
وسيتوقف قلبي عن النبض طوال مدة العملية..
وعند الانتهاء من العملية.
سترسل شحنة كهربائية لتنشيط القلب وإعادته مرة أخرى للنبض..
وفي حالة عدم الاستجابة..
ستكرر الصدمة الكهربائية مرة ثانية..
بعدها سأحمل على الأعناق..
معرفتي بكل التفاصيل هي التي جعلتني أرى الحياة هينة ورخيصة..
كيف أنني فرطت في عمري..
غفوت بعد لحظات من أخذ الإبرة.
علمت فيما بعد..
أن الجراح عمل في قلبي لمدة ثماني ساعات متواصلة..
حمدت الله أن قلبي استجاب للصدمة الكهربائية الأولى..
بعد خروجي من المستشفى..
كل يوم آخر في مراجعة أيامي..
أتذكر تلك اللحظة التي انهمر الدمع فيها وأنا على سرير الموت..
كيف سأواجه الله..
وبماذا..
وكلما تذكرت تلك اللحظة.
ازددت طاعة وقربًا من الله.
وكلما جذبتني نفسي للتقصير والكسل..
تذكرت ذلك الموقف..
حمدت الله أنني عدت للحياة من جديد.. انتهت القصة..
وبعدها أخاطب نفسي التي بين جنبي، وأخاطب كل إخوتي أن يتقبلوا رسائل الله تعالى لهم، فالله تعالى ينادينا جميعا إلى العودة إليه سبحانه وتعالى، بأن نفعل ما افترض الله علينا، وأن نبتعد عما نهاه عنه، وأن نوثق علاقتنا به سبحانه، وأن نسعى لزيادة إيماننا.
كم من رسالة من إنسان له مكانة في قلوبنا نتلقاها، ونعتز بها، ونضعها موضع الاهتمام، فهل نتقبل رسالة رب العالمين لنا؟ وليجلس كل منا مع نفسه، كم من رسالة لله أهملها، وكم من رسالة لله أخذها مأخذ الجد، وانتفع بها
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ )..