بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين ، أما بعد:
لقد قامت المجالس منذ زمن على أساس أنها محطة لتبادل الآراء والتشاور ، والمزاح الخالي من المحرمات إلى جانب المساعدة ، والوقوف مع المحتاجين .
أما في وقتنا الحاضر فقد غدت المجالس ملاهي ومقاهي للكذب واللعن والنميمة والغيبة التي حرمها رب العالمين ، ولله در القائل :
ويحرم بهت واغتياب نميمة وافشاء سر ثم لعن مقــــــــيد
وفحش ومكر والبذاء خديعة وسخرية والهزؤ والكذب قيد
إلى جانب السهر المفرط ، وضياع الأوقات وفروض الصلاة ، وإيذاء الجيران .
ومن هذا المنطلق شرعت في جمع هذه الرسالة الصغيرة الموجزة واضعاً بها المجالس وآداب الجالسين بها على ضوء مبادئنا الإسلامية وأعرافنا الاجتماعية حتى تعود المجالس إلى دورها الأساسي الذي من أجله أقيمت .
تعريف المجالس
تأتي من كلمة جلس : يجلس جلوساً ، فهو جالس من قوم جلوس وجلاس .
الجلسة : الهيئة التي تجلس عليها وهي الحالة التي يكون عليها الجالس .
المجلس : بفتح اللم المصدر ، وهو موضع الجلوس .
قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم ) (المجادلة : 11)
قال القرطبي رحمه الله : تعني كل مجلس اجتمع المسلمون فيه للخير والأجر سواء كان مجلس حرب أو ذكر أو مجلس يوم الجمعة .
قال ابن الجوزي رحمه الله : لدى كل جالس مجلس .
إذا المجلس : هو المكان الذي يكون به اجتماع سواء كان هذا المجلس مجلس ذكر ، أو حرب ، أو مجلس جمعة إلى آخره .
أنواع المجالس
1- مجالس الذكر : وهي أعظم المجالس ، وأفضلها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) رواه مسلم .
ويقول صلى الله عليه وسلم : ( لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعلى من صلاة الغداة (الفجر) حتى تطله الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل ، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة) رواه أبوداود .
أحب الصالحين ولست منهم
لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي
ولو كنا سواء في البضاعة
2- المجالس العامة :
تختلف هذه المجالس حسب الغرض الذي من أجله أقيمت كمجلس القضاء ومجلس الشعب ، ومجالس القوم (الدواوين) وهي التي يحذر منها النبي صلى الله عليه وسلم لأن في هذا سد لباب الذريعة : ( ما اجتمع قوم ، فتفرقوا عن غير ذكر الله إلا كأنما تفرقوا عن غير ذكر الله إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار ، وكان ذلك المجلس عليهم حسرة ) رواه أحمد ، وفي زيادة (يوم القيامة ) رواه البخاري ومسلم .
ويقول صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والجلوس في الطرقات فقالوا يا رسول الله مالنا من مجالس بد ، فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه ، قالوا وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : غض البصر، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر) رواه أحمد . وفي رواية : ( فاهدوا السبيل (الضال) ... وأعينوا المظلوم) رواه البخاري .
3- مجالس السوء :
وهي المجالس التي أقيمت على الشر كشرب الخمر ، والاستهزاء بالدين ، يقول تعالى : ( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً (النساء : 140).
وقال ابن الجوزي رحمه الله : وقد نبهت الآية على التحذير من مجالسة العصاة.
قال إبراهيم النخعي رحمه الله : إن الرجل ليجلس في المجلس ، فيتكلم بالكلمة فيرضى الله بها فتصيبه الرحمة فتعم من حوله ، وإن الرجل ليجلس في المجلس فيتكلم بالكلمة فيسخط الله بها فيصيبه السخط فيعم من حوله .
قال صلى الله عليه وسلم : ( مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك ، وكير الحداد ، لا يعدمك من صاحب المسك إما أن تشتريه ، أو تجد ريحه ، وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك ، أو تجد منه ريحاً خبيثة ) رواه البخاري
قال الشاعر :
وأحذر مؤاخــــاة الدنيء لأنـــه يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
واختر صديقك أصطفيه تفاخرا إن القرين إلى المقارن ينســـــــب
صفة المجالس
تنقسم المجالس إلى قسمين :
أ) وهي التي تكون خارج المنزل كما ورد في الحديث : ( إياكم والجلوس في الطرقات) رواه البخاري ومسلم وهي التي حذر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه منها خشية أن يلحقهم من الإثم إذا لام يؤدوا حقوق الجلوس وغض البصر ، ورد السلام ، وكف الأذى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكما قال القائل :
جمعت آداب من أدب الجلوس على الطريق
من قول خير الخلق إنسانـــــــــــا
أفش السلام وأحسن في الكــــــــــــــــــــلام
وشمت عاطسا وسلاما رد إحسانا
في الحمل عاون ومظلوما أعن واغــــــــث
لهفانا اهد سبيلا واهد حيرانـــــــا
بالعرف مرو إنه عن منكر وكــــــــف أذى
وغض طرفا وأكثر ذكر مــــولانا
ب) وهي التي تكون داخل البيوت (الدواوين) وصفاتها ما يلي :
1- كبر المساحة : فعن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري قال أذن أبو سعيد رضي الله عنه بجنازة في قومه فكأنه تخلف حتى أخذ الناس مجالسهم ، ثم جاء فلما رآه القوم تشذبوا عنه وقام بعضهم ليجلس في مجلس فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( خير المجالس أوسعها ) ثم تنحى ، فجلس في مكان واسع رواه البخاري في الأدب المفرد ، وذلك لأنها أروح للجالس ، وأمكن في تصرفه في قيامه وقعوده .
2- تجنب الظل والشمس : وهي المجالس التي تكون في الطرقات ، قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان أحدكم في الفيء فقلص عنه الظل ، وصار بعضه في الشمس ، وبعضه في الظل فليقم ) رواه أبوداود ، بل هي مجالس الشيطان ، فقد نهى صلى الله عليه وسلم أن يجلس بين الشمس والظل وقال : ( مجلس الشيطان ) رواه أحمد . وكان الإمام أحمد رحمه الله يكره أن يجلس الرجل بين الظل والشمس . ويكره بين الظل والشمس جلسة ونوم على وجه الفتى المتمدد
3- بعيدة عن إيذاء الجار : يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ) رواه البخاري . وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ) رواه مسلم . أي دواهية . وقال الشاعر :
وغض عن المكروه طرفك واجتنب *** أذى الجار واستمسك بحبل المحامد
4- البعد عن عوارات المسلمين : قد يتأذى بعض المسلمين من بعض المجالس التي يصل أذاها إليهم ، وقد تجلب اللعنة على صاحبها ! ! قال صلى الله عليه وسلم : ( من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم ) رواه الطبراني
فما أحد منا بمهد لجاره *** أذاه ولا مزر به وهو عائد
لأنا نرى حق الجوار أمانة *** ويحفظه منا الكريم المعاهد
5- تجنب تعليق الصور والحيوانات المحنطة : يقول صلى الله عليه وسلم : ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تماثيل أو صورة ) رواه أحمد والترمذي . فاحرص هداك الله من تعليق الصور والحيوانات المحنطة ، فقد اجابت اللجنة الدائمة للإفتاء فقالت : ( لايجوز تعليق التصاوير ، ولا الحيوانات المحنطة في المنازل ، ولا في المكاتب، ولا في المجالس لعموم الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم والدالة على تحريم تعليق الصور وإقامة التماثيل في البيوت ).
6- تعليق الآيات القرآنية : قال الشيخ محمد بن عثيمين حفظه الله عند ما سئل عن تعليق الآيات القرآنية : ( إن هذه الأمور المحدثة لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح ، ولو كان هذا من الأمور المحببة إلى الله لشرعها الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولو كان هذا خيراً لفعله السلف الصالح .
وإن قيل التعليق للتذكير والموعظة ، فنقول هل الذين يشاهدون الآيات المعلقة يتعظون بها؟ لكن هذا نادراً جداً أي يرفع الإنسان رأسه ليقرأها إنما ينظرون إلى حسن الخط وإن قالوا نتبرك بها فنقول ليس هذا طريق التبرك ، إنما القرآن الكريم مبارك في تلاوته ، وتفقه معانيه ، والعمل به لا بتعليقه على الجدران كالمتاحف ، ومع هذا فكثير من المجالس تعلق الآيات ، وهي مجالس لهو ، وأحياناً يتكلمون كلاماً محرماً ، أو يسمعون غناء .
الخلاصة : ( إن تعليق الآيات إلى الإثم أقرب منه إلى الأجر) – بتصرف-
7- ستر الجدران : يقوم البعض بستر الجدران بورق أو أقمشة وهذه الأمور التي ينبغي الابتعاد عنها ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان رسول الله غائبا في غزوة فلما تحينت قفوله (رجوعه) أخذت غطاء (ثوب) فسترته على الباب ، فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهية في وجهه ، ودخل البيت مسرعاً فأخذ النمط بيده فجذبه حتى هتكه ، أو قطعه ، وقال إن الله لم يأمرنا أن نكسوا الحجارة واللبن والطين ) رواه مسلم .
8- التنجيد بالحرير والديباج : قد نهى الله عز وجل عن التبذير والإسراف ، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على الحرير ، والديباج وقال حذيفة رضي الله عنه : ( نهانا صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب ، والفضة ، وأن نأكل فيها وعن لبس الحرير ، والديباج وأن نجلس عليه ) رواه البخاري . وهو الحرير الصرف أو الذي كان فيه الحرير أزيد من غيره .
قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : لأن أقعد على جمر الغضا أحب إلى من أن أقعد على مجلس من حرير .
آداب الداخل
1- الاستئذان : قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون – فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم ) (النور) ، قال القرطبي رحمه الله : مد الله تعالى التحريم في دخول بيت ليس هو بيتك إلى غاية الاستئناس ، وهو الاستئذان . وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من الركن الأيمن ، أو الأيسر ويقول : السلام عليكم ، السلام عليكم . رواه أحمد ، ويقول الاستئذان ثلاثة (أي ثلاث مرات) فإن أذن لك وإلا فارجع . رواه مسلم وذلك حتى لا تقع عينيك أو أذنيك على شيء من محارم المنزل ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما جعل الاستئذان من أجل البصر ) رواه البخاري ومسلم
2- السلام : إن أحظى الناس برحمة الله ، و غفرانه من بدأ بالسلام كما قال صلى الله عليه و سلم : ( إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام ) رواه أبوداود. و يقول صلى الله عليه و سلم : ( ما رأيت الذي هو أبخل منك إلا الذي يبخل بالسلام ) رواه أحمد. و يقول صلى الله عليه و سلم (( إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم فإن بدا له أن يجلس فليجلس ) رواه أحمد والترمذي .
وإفـشـاؤك الـتـسـلـيـم يـوجـب مـحـبـة *** مـن الـنـاس مـجـهـولا ومـعـروفـا اقـصـدي
3- المصافحة و النظر بالوجه : وهذه السنة منسية ، ويقول صلى الله عليه وسلم : ( إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه ، تتناثر خطاياهم كما تتناثر أوراق الشجر ) رواه الطبراني في الأوسط . وفي رواية : ( إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا ) رواه أحمد .
لذا كان صلى الله عليه وسلم إذا لقيه أحد من أصحابه ، فتناول يده ناوله إياه ، فلم ينزع يده منه حتى يكون الرجل الذي ينزع يده منها ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون هو الذي يصرف وجهه من وجهه ، ولم يرى مقدما ركبته بين يدي جليس له . رواه الترمذي ضعفه الألباني .
وصافح امن تلقاه من كل مسلم *** تناثر خطاياكم كما في المسند
لذا قال الصحابي البراء بن عازب رضي الله عنه : من تمام التحية أن تصافح أخاك . صحيح موقوف .
4- احذر قيام الجالسين لك : إياك و أن تحب أن يقوم الناس لك عند الدخول فإن معاوية خرج وعبد الله بن عامر ، وعبد الله بن الزبير قعود ، فقام ابن عامر ، وقعد ابن الزبير ، وكان أرزنهما قال معاوية : قال صلى الله عليه وسلم : ( من سره أن يتمثل له عباد الله قياماً فليتبوأ بيتا من النار ) رواه البخاري في الأدب المفرد. وفي رواية أخرى : ( من سره أن يقوم له بنو آدم وجبت له النار ) رواه المخلص في الفوائد . وعلى الجالسين أن لا يقوموا له ، ولو كان هذا الداخل لا يحب القيام ، لذا أنكر معاوية على عبد الله بن عامر لأن هذا الفعل يفعله الجبابرة . ومن هنا كان الصحابة لا يقومون لأفضل البشر ، كما ورد في الحديث : ( ما كان في الدنيا شخص أحب إليهم رؤيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما كانوا يعلمون من كراهيته لذلك ) رواه البخاري في الأدب المفرد.
* تنبيه :
(1) يجوز القيام تجلة وإكباراً لمن لا يريد ذلك ، ولا يشبه حالة الجبابرة وهذه صفة معدومة إلا في النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم .
(2) للقيام من سفر فرحا بقدومه ، أو لمصاب بمصيبة لتعزيته لا بأس بالقيام .
5- اجلس حيث تنتهي في أوسع مكان : فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : كنا إذا انتهينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي . رواه البخاري في الأدب المفرد ، قال الألباني حفظه الله : وفي الحديث تنبيه على آداب المجلس ، في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أن الرجل إذا دخل المجلس يجلس حيث ينتهي به المجلس ولو عند عتبت الباب ، وإذا وجد مثله فعليه أن يجلس فيه ، ولا يترقب أن يقوم له بعض أهل المجلس من مجلسه كما يفعل بعض المتكبرين من الرؤساء ، ولقد قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يقيم الرجل الرجل من مقعده ، ثم يجلس فيه ، ولكن تفسحوا ، وتوسعوا ) رواه مسلم .
6- لا تقيم الرجل فتجلس مكانه ، ولو قام هو : فقد ورد في الحديث : ( لا يقوم الرجل للرجل من مجلس ، ولكن افسحوا يفسح الله لكم ) رواه أحمد . قال الألباني حفظه الله : ليس من الآداب الإسلامية أن يقوم الرجل من مجلسه ليجلس فيه غيره ، يفعل ذلك احتراماً له ، بل عليه أن يفسح له في المجلس ، وأن يتزحزح له إذا كان الجلوس على الأرض ، والكراهة هي أقل ما يدل عليه الحديث . وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه . رواه البخاري في الأدب المفرد
7- لا تفرق بين اثنين إلا أن تستأذنهما : ( نهى صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل بين الرجلين إلا بإذنهما ) رواه البيهقي في السنن . وقال صلى الله عليه و سلم : ( لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما ) رواه أحمد . قال المناوي رحمه الله يكره الجلوس دون إذنهما تنزيهاً ، وتشتد الكراهية بين نحو والد وولد وأخ وأخيه وصديق وصديقه .
8- لا تجلس بين اثنين يتناجيان : فعن سعيد المقبري رحمه الله قال : جلست إلى ابن عمر رضي الله عنهما ومعه رجل يحدثه فدخلت معهما : فضرب بيده صدري ، وقال : أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كان اثنان يتناجيان فلا تدخل بينهما ) رواه أحمد . وفي رواية : ( إذا تناجى اثنان فلا تجلس حتى تستأذنهما ) رواه ابن العساكر .
9- لا تجلس مكان صاحب المنزل : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤم الرجل (يصبح إماما) في سلطانه ، ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه ) رواه الترمذي . قال العلماء : التكرمة ، الفراش ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويخصه به فإن أذن له جاز له الجلوس في مكان صاحب المجلس .
10- لا تجلس مكان غيرك : قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا قام الرجل من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به ) . وفي رواية : ( الرجل أحق بمجلسه فإذا خرج لحاجته ثم عاد فهو أحق بمجلسه ) رواه الترمذي . قال النووي رحمه الله : هذا فيمن جلس بمحل من نحو مسجد أو غيره لصلاة مثلا ثم فارقه ليعود كإرادة وضوء أو شغل يسير فلا يبطل اختصاصه به ، وله أن يقيم من قعد فيه وعلى القاعد أن يطيعه ، وعلى القاعد وجوب القيام .
11- كراهة التخطي فوق رقاب الناس : عن الشعبي رحمه الله قال : جاء رجل إلى عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وعنده القوم جلوس يتخطى إليه ، فمنعوه فقال : اتركوا الرجل ، فجاء حتى جلس إليه ، فقال : أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ، ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ) رواه البخاري في الأدب المفرد .
تجنب الأحاديث الضعيفة :
1- الجالس وسط الحلقة ملعون- ضعيف المنذري رحمه الله .
2- أكرم المجالس ما استقبل به القبله – ضعيف المنذري رحمه الله .
3- إن لكل شيء سيدا وإن سيد المجالس قباله القبلة .
كيفية الجلوس
1- الجلوس على الأرض : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس على الأرض ويأكل على الأرض ، تواضعاً منه صلى الله عليه وسلم .
2- الجلوس محتبيا أو متربعاً : لست هناك جلسة مخصصة للمجلس إلا أنه يفضل الجلوس كما كان يجلس الني صلى الله عليه وسلم فقد كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم القرفصاء . رواه الطبراني ، كما قال ابن عمر رضي الله عنهما : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة محتبيا بيديه هكذا . رواه البخاري ، أي يجمع رجليه مع ظهره مشبكاً بيديه بشرط ألا تظهر عورتك . ( وكان إذا صلى الفجر تبع في مجلسه حتى تطله الشمس حسناء ) رواه أبوداود .
3- لا تجلس جلسة المغضوب عليهم : قد مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل جالس هكذا وقد وضع يده اليسرى خلف ظهره واتكأ على إليه يديه ( اللحم الذي في أصل الإبهام ) ، فقال : ( أتقعد قعدة المغضوب عليهم؟ ) رواه أبوداود . وهي جلسة المتكبرين والمتجبرين .
4- الاستلقاء على الظهر ووضع الرجل على الأخرى : ( لقد نهى صلى الله عليه وسلم أن يستلقي الرجل ويثني إحدى رجليه على الأخرى ) رواه الطحاوي وابن حبان . وفي رواية على ظهره وهو أن ينصب ساق أحد الرجلين ويضع الأمرى على الركبة المنصوبة لأنها قد تؤدي إلى انكشاف العورة , أما إذا كان عليه سراويل جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( غط فخذك فإن فخذ الرجل من عورته ) رواه أحمد .
5- الاتكاء : عن جابر بن سمره رضي الله عنه قال : ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على وسادة على يساره ) رواه الترمذي .
وقال الخطابي رحمه الله الاتكاء : كل معتمد على شيء متمكن منه فهو متكئ .
6- جلسة المتكبرين : إياك وجلسة المتكبرين ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من تعظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان ) رواه أحمد .
تواضع تكن كالنجم لائحا لناظر على صفحات الماء وهو رفيع
ولاتك كالدخان يعلو بنفســـــــه إلى طبقات الجو وهو وضيع
آداب الجالسين
1- أدم ذكر الله وأقلل من الكلام : ( كان صلى الله عليه وسلم طويل الصمت قليل الضحك ) رواه أحمد . يكثر الذكر ، وقل اللغو ويطيل الصلاة ، حتى أن ابن عمر رضي الله عنهما يقول : كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مئة مرة يقول : ( رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التـواب الغفور ) رواه أحمد . ويقول صلى الله عليه وسلم : ( اطعموا الطعام وأطيبوا الكلام ) رواه الطبراني .
قال المناوي رحمه الله تكلم بطيب الكلام يعني قل : لا إله إلا الله وحافظ على قول الباقيات الصالحات ، وخاطب الناس بالملاطفة ...
وجدت سكوتي متجرا فلزمتــــــــه إذ لم أجد ربحا فلست بخاسر
وما الصمت إلا في الرجال متاجرا وتاجره يعلو على كل تاجر
2- لا تتكبر في الكلام ولا تكن ثرثاراً : قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها ) رواه أحمد . أي يظهر الكلام تفصحا، وكبرا وفخرا على الناس .
ويقول صلى الله عليه وسلم : ( شرار أمتي الثرثارون المتشدقون والمتفيقهون وخيار أمتي أحاسنهم أخلاقا ) رواه البخاري في الأدب المفرد . وهم المكثرون للكلام لغير حاجة الذي يلوي أحدهم جانب فمه عند الكلام ...
وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن ثرثارة في كل ناد تخطب
واحفظ لسانك وأحترز من لفظه فالمرء يسلم باللسان ويعطب
3- كن مرحاً ولا تكثر الضحك : فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مرحاً متبسماً ، قال جرير رضي الله عنه : ( ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت إلا تبسم في وجهي ) رواه البخاري في الأدب المفرد ( وكان لا يضحك إلا تبسماً ) رواه أحمد والترمذي ، إلا أنه كان ينهى عن كثرة الضحك ويقول : ( فإن كثرة الضحك تميت القلب ) رواه ابن ماجه .
4- ابتعد عن النكت الكاذبة : يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ، ويل له ، ويـل له ) رواه أحمد . ويقول صلى الله عليه وسلم : ( إن العبد ليقول الكلمة لا يقوله إلا ليضحك بها الناس يهوي بها أبعد ما بين السماء والأرض وأنه ليزل عن لسانه أشد مما يزل عن قدمه ) رواه البيهقي في شعب الإيمان … كن مازحاً حقاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم يداعب أصحابه فيسألونه إنك تداعبنا فيقول صلى الله عليه وسلم : ( إني لا أقول إلا حقا ) رواه أحمد والترمذي .
أفد طبعك المكدود بالجد راحة بجد وعلله بشيء من المزح
ولكن إذا أعطيته المزح فليكن على قدر ما يعطي الطعام من الملح
5- رد السلام ، وغض البصر ، وهداية الضال : فقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على الصحابة وهم جلوس في الطرقات فقال : ( إياكم والجلوس في الطرقات ) فقالوا : مجالسنا نتذاكر ، ونتحدث بها. قال صلى الله عليه وسلم: ( فإن أبيتم فاعطوا الطريق حقه . ثم قال : حق الطريق : غض البصر ، ورد السلام ، وحسن الكلام ) وفي رواية ( كف الأذى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي رواية فاهدوا السبيل (أي الضال) وأعينوا المظلوم ) رواه أحمد .
6- شمت العاطس الذي يحمد الله : عن أنس رضي الله عنه قال : عطس رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما وترك الآخر فقيل يا رسول الله عطس عندك رجلان فشمت أحدهما وتركت الآخر؟ فقال : ( هذا حمد الله عز وجل وهذا لم يحمد الله عز وجل ) رواه البخاري . ويقول : ( إذا عطس أحدكم فليضع كفيه على وجهه وليخفض صوته ) رواه الحاكم ، ويقول : ( فإن زاد على ثلاث (أي العاطس) فهو مزكوم ولا يشمت بعد ثلاث ) رواه أبوداود .
7- أترك الكلام للكبار وذوي الهيئات : فقد ورد في الحديث أن عبد الرحمن ابن سهل ، وحويصه ، ومحيصه أبناء مسعود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكلموا في أمر ، فبدأ عبد الرحمن وكان أصغر القوم . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( كبر الكبر في السن ) رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية ( ليبدأ الأكبر فتكلم ) رواه النسائي . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( البركة مع أكابركم ) رواه ابن حبان . أي المجربين للأمور ، المحافظين على تكثير الأجور ، فجالسوهم لتقتدوا برأيهم وتهتدوا بهديهم والمرء من له منصب العلم .
واعرف حقوق ذوي الهيئات إذ وردوا وللصعاليك فاحذر حالة الضجر
8- لا تنصت الناس لحديثك : ( فعن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قلت للناس أنصتوا ، وهم يتكلمون فقد ألغيت على نفسك ) رواه أحمد . أي قلت اللغو ومالا يحسن من الكلام . قال الألباني رحمه الله : فيه تحذير من إلا خلال بأدب رفيع ، وهو ألا يقطع على الناس كلامهم بل ينصت هو حتى ينتهي كلامهم وإن كان ، كبير القوم ثم يتكلم بدوره .
9- لا تجالس من يكره مجالستك : يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ومن استمع إلى حديث قوم يفرون منه صب في أذنيه الآنك يوم القيامة ) . وفي رواية : ( من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك ) رواه أحمد وأبوداود والطبراني . أي يهربون منه كارهون لسماعه حديثهم صب في أذنيه الرصاص الأسود المذاب يوم القيامة .
10- المناجاة : أحذر المناجاة إذا كنتم ثلاثة فإنه يحزن الثالث بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ينتجى اثنان دون الثالث فإن ذلك يحزنه ) رواه أبوداود . فإذا أردت أن تناجي فلا تتناجا حتى تكونوا أكثر من ثلاثة , فعن عبد الله بن دينار : قال : كنت أنا وابن عمر رضي الله عنهما عند دار خالد ابن عقبة التي بالسوق ، فجاء رجل يريد أن يناجيه وليس مع ابن عمر رجل غيره، فدعى ابن عمر رجلا آخر حتى كنا أربعة ، فقال لي وللرجل الثلث الذي دعاه : استأخر شيئا ، فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يتناجى اثنان دون واحد ) رواه مالك .
واحرص على حفظ القلوب من الأذى فرجوعها بعد التنافر يصعب
إن القلــــــوب إذا تنافـــــــــــــر ودها شبه لزجاج كسرها لا يعب
11- عدم الجلوس إلى الليل المتأخر : عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( ما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل العشاء ، ولا سمر بعدها ) رواه ابن ماجة . ويقول صلى الله عليه وسلم : ( لا سمر إلا الثلاثة : مصل أو مسافرا أو عروس ) رواه الضياء المقدسي في المختاره . حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( زجرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمر بعد العـشاء ) رواه ابن ماجة . وقال ابن حجر رحمه الله : لأن السمر يؤدى إلى النوم عن صلاة السبح أو عن وقتها المختار أو عن قيام الليل ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب الناس على ذلك ويقول : أسمرا أول الليل ونوما آخره .
وحافظ على فعل الفروض لوقتها وخذ بنصيب في الدجى من تهجد
الأمور المنهي عنها في المجالس
1- الغيبة : وهي ذكر أخاك الغائب بما يكره وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم فقال : ( أتدرون ما الغيبة؟ ذكرك أخاك بما يكره . فإن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه فقد بهته (أي كذبت عليه ) رواه مسلم . ولما عرج به صلى الله عليه وسلم قال : ( مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم ، وصدورهم ، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ فقال هؤلاء الذي يأكلون لحوم الناس ، ويقعون في أعراضهم ) رواه أحمد . هذا في القبر ، أما في الدنيا فيقول صلى الله عليه وسلم : ( لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته ) رواه أحمد وابوداود .
فإن عبت قوما بالذي فيك مثله فكيف يعيب الناس من هو أعور
وإن عبت قوما بالذي ليس فيهم فذلك عند الله والناس أكبر
والمستمع للغيبة شريك فيها إلا أن ينكر بلسانه أو قلبه ، وإلا قطع الكلام ، وإن منع المغتاب ، و دافع عن الغئب كان حقا على الله أن يعتقه من النار : ففي الحديث : ( من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار ) رواه أحمد .
كفارتها ما قاله مجاهد رحمه الله إذا أكلت لحم أخيك فعليك أن تثني عليه وتدعوا له بالخير ، وإن كان قد مات .
2- لا تكن نماما : قال صلى الله عليه وسلم : ( أتدرون ما العضة ؟ (الكذب والبهتان) نقل الحديث من بعض الناس إلى البعض ليفسدوا بينهما ) رواه البخاري في الأدب المفرد . وهو الذي يفسد في ساعة مالا يفسده الساحر في شهر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة نمام ) رواه مسلم .
إن اللسان صغير جرمه وله جرم عظيم كما قد قيل في المثل
فلا تصدق نماماً وتظن بمن نُم به وانهى النمام وابغضه إن لم ينزجر .
3- إياك والسب واللعن : يقول صلى الله عليه وسلم : ( المستبان شيطانان يتهاتران (يتقابحان) ويتكاذبان ) رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد . ( ليس المؤمن بالطعان ولااللعان ، ولا الفاحش البذيء ) رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد ، فاحفظ لسانك من السب وإن سبك رجل بما يعلم منك فلا تسبه بما تعلم منه فيكون أجر ذلك لك و وباله عليه .
أحب مكارم الأخلاق جهدي وأكره أن أعيب وأن أعابا
وأصفح عن سباب الناس حلما وشر الناس من يهوى السباب
ا
وقال الشافعي رحمه الله :
إذا سبني نذل تزايدات رفعة وما العيب إلا أن أكون مساببه
ولو لم تكن نفسي علي عزيزة لمكنتها من كل نذل تحاربه
وإذا جلست مجلس كثر فيه السب فخير لك أن تقوم ، فقد جاء رجل فسب أبا بكر رضي الله عنه فسكت ثم سبه ، فرد عليه أبو بكر رضي الله عنه فقال صلى الله عليه وسلم : ( نزل ملك من السماء فكذبه بما قال لك ، فلما انتصرت وقع الشيطان ، فلم أكن أجلس إذا وقع الشيطان ) رواه أبوداود .
4- حذاري من القذف : قال تعالى : ( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لُعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذابٌ عظيمٌ ) (النور : 23) .
فكم سمعنا من يذكر عرض فلان وفلانة وهما بريئان ، وهذا داء خطير قال صلى الله عليه وسلم : ( إن من أربا الربا الاستطالة (الوقوع) في عرض المسلم بغير حق ) رواه أحمد وأبوداود . وكثيراً ما نسمع من يقول لصاحبه ، يا ابن الزانية ، حتى وصل به الأمر أن يقع في عرض ابن عمه وأخيه ولله در القائل :
لا تكلمن عرض ابن عمك ظالماً فإذا فعلت فعرضك مكلوم
وحريمه أيضاً حريمك فأحمه كيلا يباع لديك منه حريم
5- اللمز والهمز والتنابز : قال تعالى : ( ويل لكل همزة لمزة ) فإياك أخي أن تلمز أخاك باللسان أو أن تهمزه بالعين ، والشدق واليدين ، فلا يحق لمؤمن أن يسخر من أخيه المؤمن ، وقد دلت الآيات على حرمة السخرية ، ثم اللمز ، ثم التنابز ، قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) الحجرات 11 ، قال أبو جبيرة ابن الضحاك : فينا نزلت في بني سلمة : ( ولا تنابزوا بالألقاب ) . قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وليس فينا رجل إلا وله أسمان ، أو ثلاثة ، فكان إذا دعي أحد منهم بأسم من تلك الأسماء ، قالوا : يا رسول الله إنه يغضب من هذا ، فنزلت : ( ولا تنابزوا بالألقاب ) .
6- إياك والطعن بالأنساب ، والفخر بالأحساب : ابتعد عن التفاخر بالحسب ، وإياك والطعن في النسب فهذه عادة جاهلية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة من الجاهلية : الفخر بالأحساب ، والطعن بالأنساب ، والنياحة ) رواه الطبراني . وقال صلى الله عليه وسلم : ( كلكم بنوا آدم ، وآدم خلق من تراب ، لينتهين قوم يفتخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان ) . ( الحشرة التي تدفع البراز) .
الناس من جهة التمثال أكفاء أبوهم آدم والأم حواء
فإن يكن لهم في أصلهم شرف يفاخرون به فالطين والماء
ما الفخر إلا لأهل العلم أنهم على الهدى لمن استهدى ادلاء
7- إياك والجدال والمراء : وهو الطعن في كلام الغير لاظهار خلل فيه بغرض التحقير ، والعلو وافحام الغير بتعجيزه ، قال صلى الله عليه وسلم : ( أنا زعيم بيت في ربض الجنة (جوانبها وأطرافها) لمن ترك المراء وإن كان محقاً ) رواه أبوداود .
قال بلال ابن سعد : إذا رأيت الرجل لجوجاً ممارياً معجباً برأيه فقد تمت خسارته.
واحذر مجادلة الرجال فإنها تدعوا إلى الشحناء والشنان
وإذا اضطررت إلى الجدال ولم تجد لك مهرباً , وتلاقت الصفان
فاجعل كتاب الله درعاً سابقاً والشرع سيفك وابدأ في الميدان
والسنة البيضاء دونك جنة واركب جواد العزم في الجولان
8- إياك والكذب والإشاعة : قال صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) رواه أحمد ومسلم .
عود لسانك قول الصدق تحظ به إن اللسان لما عودته معتاداً
إياك ومجالسة الكذاب :
واختر صديقك الصطفيه تفاخرا إن القرين إلى المقارن ينسب
ودع الكذوب ولا يكن لك صاحبا إن الكذوب لبئس خلاً يصحب
احذر كلمة : ( يقولون ) ، فإنها قد تجرك إلى الإثم ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( بئس مطية الرجل زعموا ) رواه البخاري في الأدب المفرد . فلا تنقل الكلام بل استوثق منه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع ) رواه أبوداود .
الصمت زين والسكوت سلامة فإذا نطقت فلا تكن مكثارا
ما إن ندمت على سكوتي مرة ولقد ندمت على الكلام مرارا
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إن الشيطان ليتمثل بصورة الرجل ، فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث ، فيتفرقون فيقول الرجل منهم سمعت رجل أعرف وجهه ، ولا أدري ما أسمه يحدث . رواه مسلم
9- لا تجالس الخمارة : لا شك أن الخمر من الأشياء المحرمة بل هي أم الخبائث وأكبر الكبائر ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس في مجلس به خمر . قال صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر ) رواه الترمذي . قال المناوي رحمه الله : (لأنه يشاركهم في المعصية ) ، لذا على صاحب الديوانية أن يطرد كل من يشرب الخمر داخل الديوانية أو خارجها ثم يأتي إليها وعلى الجالسين ألا يجالسوه وإلا خرجوا من الديوانية .
والمرء يخبث بالأشرار يألفهم ولو غدا حسن الأخلاق والسير
10- الدخان ، والشيشة ، النار جيلة ، المعسل ، الجراك : قبل الحديث أسوق لك ما قيل عنهم لدى الأطباء وفيما يلحقهم من ضرر :
1- ضيق التنفس . 2- ضعف حاسة الشم والذوق .
3- زيادة نبضات القلب . 4- سرطان الرئة .
5- يفتر الأعصاب . 6- المزاج العصبي .
7- قرحة المعدة وتصلب الشرايين .
8- ضعف القدرة الجنسية . 9- الصداع والدوران .
وعلى ضوء ذلك أفتى العلماء أمثال الشيخ بن باز وبن عثيمين حفظهم الله على حرمة هذه الأشياء للدلالة التالية :
قال تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) . ( ولا تقتلوا أنفسكم ) . وقال أيضاً واصف النبي صلى الله عليه وسلم : ( يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) . ويقول صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) رواه أحمد وابن ماجه . وصرف المال على غير فائدة ، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن أضاعة المال .
وكم في الدخان معايب ومكاره دلت نتائجها على الإنكـــــــــــار
عمت بليته البرية كــــــــلهـــا حتى غدا الجمهور تحت حصاره
وعيوبه بين الأنام كثــــــــيرة معلومة لكباره وصغــــــــــــــاره
فإن انتهيت وما أظنك تنتهي ورغبت عنه نجوت من أضراره
كم من نقود يا فتى وملابس أتلفتها بشرائه وشـــــــــــــــراره
وعلى صاحب الديوانية والحاضرين أن ينهو من يدخنون داخل الديوانية وينصحوهم .
كصاحب الكير إن يسلم مجالسه من نتنه لم يوق الحرق الشرر
اللهو المنهي عنه
1- الغناء : قال صلى الله عليه وسلم : ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر (الفرج) والحرير والخمر والمعازف ) رواه البخاري معلقا وأبوداود . ولقد اتفقت المذاهب الأربعة على تحريمه وتحريم آلات الطرب كلها ما عدا الدف في العرس ، قال الإمام مالك رحمه الله عن من يغني قال : إنما يفعله عندنا الفساق . وقال الشيخ بن باز حفظه الله تعالى : الاستماع إلى الأغاني حرام ومنكر .
ويحرم المزمار وشبابة وما يضاهيهما من آلة اللهو والردي
ولو لم يقارنها غناء جميعها فمنها ذوو الأوتار دون تقيد
2- لعب الطاولة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من لعب النرد فقد عصا الله ورسوله ) رواه أبودود . وفي رواية : ( من لعب النردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه ) رواه مسلم . والنرد هو ما يسمى اليوم (الزهرة) وذهب الجمهور أن اللعب بالنرد حرام سواء اقترن بقمار أو لم يقترن .
وقد حرم النرد لأن التعويل منه على ما يخرج الكعباب (الزهر) فهو كالأزلام ، وقال بن عمر رضي الله عنهما : النرد من الميسر . رواه البخاري في الأدب المفرد ، وعن الربيع بن خيثم قال : لأن أقلب بيدي شحوم الخنزير أحب إلي من أقلب بكفي النردشير . رواه أحمد في كتاب الزهد
3- الشطرنج : قال ابن تيمية رحمه الله : أجمع العلماء على أن اللعب بالنرد ، والشطرنج حرام عند الأئمة الأربعة ثم قال إن النرد ، والشطرنج إذا لعب بهما بعوض فالشطرنج شر هما واستدل الجمهور بقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) ، قال القرطبي رحمه الله : فكل لهو دعا قليله إلى كثيره وأوقع العداوة ، والبغضاء بين العاكفين عليه ، وصد عن ذكر الله ، وعن الصلاة فهو كشرب الخمر ، وأوجب أن يكون حراما وقد مر علي بن أبي طالب رضي الله عنه على قم يلعبون الشطرنج ، فقال : ( ما هذه التماثيل التي أنتم عاكفون عليها ) رواه ابن أبي سيبة
4- الكتشينة : (الورق) الدامة ، الدومنة ، البليارد : لا شك أن هذه الألعاب من الألعاب المحدثة التي لم تكن معروفة لدى المسلمين ، وبالتالي فإن حكمها يدخل من باب المصالح ، والمفاسد الموجودة بها والنفع والضرر الذي تتركه . وعلى هذا نقول : إن كل لعبه من هذه اللعب إن أفضت إلى المفاسد الآتية أصبحت في حكم المحرمات وإن لم تفض إلى هذه المفاسد فستكون في حكم المكروه ، والمفاسد هي :
1- أن لا تصد عن ذكر الله وعن الصلاة المفروضة .
2- أن لا تسبب العداوة والبغضاء والسخرية ، واللمز ، والهمز .
3- أن لا تضيع الوقت . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزول قدما بن آدم حتى يسأل عن أربعة : ... عن عمره فيما أفناه ) رواه الترمذي .
4- أن لا تعتمد على الحظوظ وإغماض الفكر والعقل ، كالزهرة .
5- أن لا تكون طريقاً للميسر ، أو القمار ( تقول للقائل تراهن أو عليك العشاء ، وما شابه ذلك ) .
6- أن لا يكون بها لغوا قال تعالى : ( والذين هم عن اللغو معرضون ) قال الزجاج رحمه الله : كل لعب لغو
7- أن لا تشغل عن المهمات من الشؤون والجد في الأمور .
لهذا أجابة اللجنة الدائمة للإفتاء بأن اللعب بالورق لا يجوز ولو كان بدون عوض لأنه يشغل عن ذكر الله ، وعن الصلاة ، ويفضي إلى الشحناء ، والعداوة ، ثم هو ذريعة للميسر المحرم بنص القرآن : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) .
وأوراق ألعاب بها ضاع عمرهم وكوراتهم مزق هديت وقدّد
كذلك دخان وشيشة شربه وآلة تطفاة لهو اكسر وبدد
ولا يشك إنسان عاقل في أن هذه الألعاب قد أهلت المسلمين وصدتهم عن ذكر الله . وعن الصلاة خاصة عند ما يسهرون الليل المتأخر وتفوتهم صلاة الفجر!!
وكم من مجلس خرج اللاعبون منه وبعضهم يسخر من بعض بل أحيانا تؤدي إلى العداوة وضياع الوقت ، قال تعالى : ( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) .
تزود من التقى فإنك لا تدري إذا جن الليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من سليم مات من غير علة وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
وكم من فتى يمسي ويصبح أمنا وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
آداب الخارج من المجلس
1- استئذان : قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما جعل الاستئذان من أجل البصر ) رواه البخاري ومسلم .
وهذا يشمل الداخل والخارج وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا زار أحدكم أخاه ، فجلس عنده ، فلا يقومن حتى يستأذنه ) رواه أبو الشيخ في تاريخ أصفهان .
2- ذكر الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : قال صلى الله عليه وسلم : ( أيما قوم جلسوا فأطالوا الجلوس ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله عزوجل ويصلوا على نبيهم كانت عليهم تره (حسرة) يوم القيامة ، إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ) رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة .
3- الدعاء للجالسين : عن نافع رحمه الله قال : كان ابن عمر رضي الله عنهما : إذا جلس مجلساً لم يقم جتى يدعو لجلسائه بهذه الكلمات ، وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهن لجلسائه : ( اللهم أقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما يهون علينا مصيبات الدنيا ، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا والجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا ) رواه الترمذي والحاكم .
4- الدعاء قبل القيام : لقد كان لا يقوم صلى الله عليه وسلم من مجلس إلا قال : ( سبحانك اللهم ربي وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ) وقال : ( لا يقولهن أحد حيث يقوم من مجلسه إلا غفر له ما كان منه في ذلك المجلس ) رواه الحاكم .
5- السلام والمصافحة : قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم ، فإذا أراد أن يقوم فليسلم ، فليست الأولى بأحق من الآخرة ) رواه البخاري في الأدب المفرد .
وسلم إذا ما قمت عن حضرة امرء وسلم إذا ما جئت بيتك تهتدي
قال البراء بن عازب رضي الله عنه : من تمام التحية أن تصافح أخاك . صحيح موقوف
6- ستر المجالس : قال صلى الله عليه وسلم : ( المجالس بالأمانة ) رواه الخطيب . قال المناوي رحمه الله : لا يشيع حديث جليسه إلا فيما يحرم ستره من الأضرار بالمسلمين ، وفيه ندب إلى ترك إعادة ما يجري في المجلس من قول أو فعل ، ويزداد التحريم إذا التفت المحدث ، قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا حدث الرجل يحديث ثم التفت فهي أمانة ) رواه أحمد .
قال المناوي رحمه الله : أي التفت يميناً أو شمالا فتظهر منه أنه قصد ألا يطلع أحد على حديثه فتصبح أمانة .
وإذا إئتمنت على السرائر فأخفها واستر عيوب أخيك حين تطلع
ولها سرائر في الضمير طويتها نسي الضمير بأنها في طيه
وأخيراً أقول ما قاله الشاعر
بالله يا ناظرا فيه ومنتفعا من سل الله توفيقا لجامعه
قل أنله إله العرش مغفرة واقبل دعاه وجنب عن موانعه
وخص نفسك من خير دعوة به ومن يقوم بما يكفي بطابعه
والمسلمون جميعاً ما بدى قمر أو كوكب مستنير من مطالعه
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..
طالب علم
منقول