قصة مؤثرة عن بر الوالدين
كم فرطت في هذه الفريضة فتيات هذا الزمان و صار العصيان للأب و هو يأمر بطاعة الله أو الأم و هي تنهى ابنتها عن معصية الله، هذه البنت التي غرّها شبابها و جمالها و أمها و أبوها يستغيثان الله و لكنها مصرة على المعصية و اتباع دروب الشر، و ربما رفعت صوتها على أمها و نفضت يديها و تأففت في وجه أمها، و الله يقول: (.....فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا.....) (الإسراء 23)، فنهى عن القول السيئ و عن الفعل السيئ، و أمر بالقول الحسن و الفعل الحسن، (.....وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ.....) (الإسراء 23-24).
عن الحسن بن علي قال: بينا أنا أطوف مع أبي حول البيت في ليلة ظلماء و قد رقدت العيون و هدأت الأصوات، إذ سمع أبي هاتفاً يهتف بصوت حزين شجي (يناجي الله عز و جل يدعو) و
هو يقول:
يا من يـجيـبُ دُعـا المُـضـطر في الظُلَمِ يا كاشف الضُرِّ و البَلوى مع السـقمِ
قـد نـام وفْـدُك حـول البـيـت و انـتبـهـوا و أنـت عـيـنـك يــا قــيــوم لـم تـنـمِ
هب لي بجودك فضل العفو عن جُرمـي يا من إليه أشار الـخـلق في الحـرمِ
إن كــان عــفــوك لا يـُـدركــه ذو سَـرَفٍ فـمـن يـجـود على العـاصيـن بالكرمِ
قال: فقال أبي: يا بني أما تسمع صوت النادب لذنبه المستقيل لربه؟ الحقه فلعل أن تأتيني به، فخرجت أسعى حول البيت أطلبه فلم أجده حتى انتهيت إلى المقام و إذا هو قائم يصلي، فقلت: أجب ابن عم رسول الله –صلى الله عليه و سلم- فأوجز في صلاته و اتبعني، فأتيت أبي فقلت: هذا الرجل يا أبت، فقال له أبي: ممن الرجل؟ قال: من العرب، قال: و ما أسمك؟ قال: مُنَازِل بن لاحق، قال: و ما شأنك و ما قصتك؟ قال: و ما قصة من أسلمته ذنوبه و أوبقته عيوبه فهو مرتطم في بحر الخطايا، فقال له أبي على ذلك فاشرح لي خبرك. قال: كنت شاباً على اللهو و الطرب لا أفيق عنه، و كان لي والد يعظني كثيراً و يقول: يا بني احذر هفوات الشباب و عثراته فإن لله سطوات و نقمات ما هي من الظالمين ببعيد، و كان إذا ألح علي بالموعظة ألححت عليه بالضرب، فلمّا كان يوم من الأيام ألح علي بالموعظة فأوجعته ضرباً، فحلف بالله مجتهداً ليأتيَّن بيت الله الحرام فيتعلَّق بأستار الكعبة و يدعو علي، فخرج (مسافراً) حتى انتهى إلى البيت فتعلَّق بأستار الكعبة و أنشأ يقول:
يا من إليه أتى الحُجاج قد قطعوا عَرْض المَهَامِه من قُرْبٍ و من بعدِ
إنـي أتـيـتـك يا من لا يـخيِّـب من يدعوه مـبـتهـلاً بالـواحـد الصـمـدِ
هذا مُـنـَازِل (اسم الولد)
هذا مُـنـَازِل لا يـرتد عن عَـقَـقِـي فـخـذ بحـقِّي يا رحمـن من ولدي
و شُلَّ مـنـه بـحـولٍ منك جـانـبـهُ يا من تـقدَس لم يُـولَـد و لم يَـلـدِ
قال: فوالله ما استتم كلامه حتى نزل بي ما ترى، ثم كشف عن شقه الأيمن فإذا هو يابس (صار الولد مشلولاً شلل نصفي)،
قال: فأُبْت و رجعت و لم أزل أترضَّاه و أخضع له و أسأله العفو عني إلى أن أجابني أن يدعو لي في المكان الذي دعا علي، قال: فحملته على ناقة عُشراء و خرجت أقفو أثره حتى إذا صرنا بوادي الأراك طار طائر من شجرة فنفرت الناقة (الناقة التي تحمل أباه) فرمت به بين أحجار فرضخت رأسه فمات (هذا في الطريق قبل أن يصل إلى البيت الحرام) فدفنته هناك و أقبلت آيساً و أعظم ما بي ما ألقاه من التعيير أني لا أعرف إلّا بالمأخوذ بعقوق والديه، فقال له أبي: أبشر فقد أتاك الغوث، فصلى ركعتين ثم أمره فكشف عن شِقِه بيده و دعا له مرات يرددهن فعاد صحيحاً كما كان، و قال له أبي: لولا أنه قد كان سَبِقْت إليك من أبيك في الدعاء لك بحيث دعا عليك لما دعوت لك. قال الحسن: و كان أبي يقول لنا: احذروا دعاء الوالدين فإن في دعائهما النماء و الإنجبار و الإستئصال و البوار