ذكرنا أهداف الشيطان ومراداته وسنشرع الآن بحول الله في بيان بعض الوسائل والأسلحة التي يتحصن بها المسلم من الشيطان الرجيم، فنقول وبالله التوفيق وعليه الاعتماد:
1- الإخلاص لله تعالى
فقد قال الله جل شأنه في القرآن الكريم حاكياً أن الشيطان - لعنه الله- توعد أن يضل ويفتن بني آدم إلا من كان منهم من المخلصين: )قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْم ِالدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّك َمِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ( [الحجر: 34-40] .
قال القرطبي: أي الذين استخلصتهم وأخلصتهم، أو الذين أخلصوا لك العبادة من فساد أو رياء.
حكى أبو ثمامة أن الحواريين سألوا عيسى عليه السلام عن المخلصين لله فقال: [الذي يعمل ولا يحب أن يحمده الناس].
2- تحقيق العبودية لله والتوكل عليه تبارك تعالى
لقوله تعالى: )إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ( [الحجر: 42] والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.
و كما قال جل شأنه في سورة النحل: )إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ( [النحل: 99]
قال ابن القيم في مدارج السالكين: قيل في معنى التوكل ودرجاته: التوكل عمل القلب وهو علم القلب بكفاية الرب للعبد وهو قول الإمام أحمد، ومنهم من يقول التوكل هو انطراح القلب بين يدي الرب كانطراح الميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء وهو ترك الاختيار والاسترسال مع مجاري الأقدار وقال سهل: التوكل الاسترسال مع الله مع ما يريد . أ.هـ كلام ابن القيم في المدارج، فتحقيق العبادة والتوكل على الله يمنعان سيطرة الشيطان على المسلم.
3- المحافظة على صلاة الجماعة(بالنسبة للرجال)
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا وقد استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» رواه أبو داود بإسناد حسن وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم:427.
ومن أهم ما ينبغي المحافظة عليه هوالقيام لصلاة الفجر لما رواه أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَعْقِدُ الشَّيْطانُ على قافِيةِ رأسِ أحَدِكُم إذا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ على كُلّ عُقْدَةٍ مَكانَها: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَويلٌ فارْقُدْ، فإنِ اسْتَيْقَظَ وَذَكَرَ اللّه تعالى انْحَلَّت عُقْدَةٌ، فإن تَوْضأ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّها فأصْبَحَ نَشِيطاً طيب النَّفْسِ، وإلاَّ أَصْبحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ» متفق عليه.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل لم يقم حتى أصبح فوصفه بأن الشيطان قد بال في أذنه؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح قال: «ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه أو قال أذنه» مُتَّفَقٌ عَلَيه، وفي رواية: "ما قام إلى الصلاة " قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: قوله: (ما قام إلى الصلاة) المراد الجنس، ويحتمل العهد، ويراد به صلاة الليل أو المكتوبة.. والذي يؤيد أنها المكتوبة أخرجه ابن حبان في صحيحه من رواية سفيان " نام عن الفريضة واختلف في بول الشيطان، فقيل: هو على حقيقته..
قال القرطبي [ والكلام لا يزال للحافظ ] وغيره: لا مانع من ذلك إذ لا إحالة فيه لأنه ثبت أن الشيطان يأكل ويشرب وينكح فلا مانع من أن يبول..
وقيل: هو كناية عن سد الشيطان أذن الذي ينام عن الصلاة حتى لا يسمع الذكر..
وقيل: معناه أن الشيطان ملأ سمعه بالأباطيل فحجب سمعه عن الذكر..
وقيل: هو كناية عن ازدراء الشيطان به..
وقيل: معناه أن الشيطان استولى عليه واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول، إذ من عادة المستخف بالشيء أن يبول عليه.
وقيل: هو مثل مضروب للغافل عن القيام بثقل النوم كمن وقع البول في أذنه فثقل أذنه وأفسد حسه.
ووقع في رواية الحسن، عن أبي هريرة، في هذا الحديث عند أحمد، " قال الحسن: إن بوله والله لثقيل".
وقال الطيبي: خص الأذن بالذكر وإن كانت العين أنسب بالنوم إشارة إلى ثقل النوم، فإن المسامع هي موارد الانتباه، وخص البول لأنه أسهل مدخلا في التجاويف وأسرع نفوذا في العروق فيورث الكسل في جميع الأعضاء. .أ.هـ كلام الحافظ ابن حجر العسقلاني .
وإلى الأسلحة التالية في الحلقات القادمة أستودعكم الله