لا أدري كم كانت الساعة ، عندما خرجت من بيتها ، لتبحث عن قوتها
ولكن ما أستطيع تحديده بدقه ..أنني لمحتها في رحلة الذهاب منذ الساعة الرابعة عصرا
وها هي محملة كما كل يوم ... ولكنها لا زالت تسعى بحملها الثقيل في نفس المنطقة ...
الساعة الآن الثانية عشر ليلا ، ،،،
نظرت اليها بشك وريبة .... هل تستكشف المنطقة ؟
ربما تعد العدّة لاستجلاب جيشها لهجوم كامل بهدف الاحتلال ؟ حسنا ،
لماذا يفترض بي أن أحسن الظن فيمن لا أعرفه ؟
قد كانت عابرة سبيل ... وكل احتمال ممكن ....
ربما كنت طيبة جدا معها ولم أشأ أن أفسد يومها ، وتركتها تنقل ما تنقل ،
ولكن كان كل هذا بشرط ان تغيب عني بعد ان تجمع قوتها ، أما أن أراها في هذه الساعة ،
فلا يمكن ان أسمح أن يستغلني أحد.
ولكن ...
تبدو متعبة .. تدور حول نفسها بحملها الثقيل ...
أتراها تاهت بين الطرق المتشعبة ......؟
كنت في الصف الأول الأساسي عندما ادّعيت القدرة على العودة من مدرستي الى البيت لوحدي ، ورفضت أن أبقى أسيرة لسلطة أختي التي تكبرني بعامين ... حملت حقيبتي ، والجميع يسألني لماذا لا تنتظرين انتهاء دوام شقيقتك ؟ فقلت لهم بإصرار ... أنا أعرف الطريق .. وما هي الاّ دقائق قليلة من المشي ، حتى شعرت أنني أسير في كوكب آخر وشوارع مختلفة تماما ، ومعالم بنايات لم أرها في حياتي ... شعرت بالخوف الشديد ، وتخيلت ماردا بعين واحدة سيأتي ويلقيني في مستنقع مياه آسنة .. تفحصت سطح الأرض حيث أسير بخطوات متعثرة ، فلم أجد مستنقعات مياه آسنة .. إذن المارد لن يجد بحيرة يلقيني فيها ... ( ارتحت لهذا الخلاص الفريد ) ....
وفي غمرة ذهولي وخيالاتي ، أحسست بيد قوية تشدني ، التفتّ برعب وكان وجه شقيقتي ينطق فزعا ...
يا مجنونة ... لقد سقط قلبي من الخوف .. لماذا لم تنتظريني ....؟
صافحت وجهها بألفة ، وكأنني عدت فجأة الى كوكب الأرض من رحلتي العجيبة ....
تلك النملة مثلي تماما .. تتنقل بين رفوف المطبخ بينما تعتقد انها سارت طويلا
لم تترك حملها ..كما صممت على ألا أترك حقيبتي في غمرة ضياعي .. وأركض باحثة عن معالم الطريق ....لقد كانت حروف اسمي في لافتة فوق كل كتاب ، فكيف لا أعتز به ؟
كم نحن جاهلتان ...
ما فائدة اللافتات إن كنا لا نعرف الطريق ؟
إن كنا في كوكب آخر ، لا يعرفنا فيه أحد .. ولا يحفل فيه بنا أحد .
كانت تثير ضحكي النعوات التي تُنشر بحماس وتهليل وزغاريد ، على الأسوار وفي كل مكان حيث يشير الطريق ، لتنعى موت شخص أو آخر ... في الأراضي المحتلة ...
ما أهمية أن يموت فرد هنا أو هناك ..... بينما كرامة الوطن تخرّ صريعة تحت النعال ؟
تابعت النملة المسكينة سعيها الحثيث ... لو كنت فقط أعرف أين بيتها ؟؟؟ لساعدتها فورا واختصرت عليها الطريق ....
ولكن .. كيف ستخبرني ؟
كيف ستعلم كم هي تافهة أزمتها وصغيرة ..... !
سافرت الى بلد غريب أجهل لغته لأني لا اريد الكلام .. ولا اريد أن افهم شيئا
كنت أنشد الهدوء والاستقرار.....كانت أول صدمة لي ، أنني لا أعرف كيف يمكن أن أطلب ماءا
تصوّرت أنني أموت عطشا ... بينما لن يعرف أحد أن هناك شوكة في حلقي تخنقني ....كلمة ماء.
إحدى العاملات نظرت إلي وفهمت ..... وأحضرت لي كوب الماء
فرحت وقتها باكتشافي النادر ... اللغة ليست حروفا
لغة العالم لغة موحّدة ...إذن نستطيع العيش معا دون كلام .....
ولكن هل سينجح ابتكاري هذا ، مع النملة ؟
لا يمكن أن أنفذه الآن لأني لن أعرف أين مكان إقامتها مهما نظرت اليها !
صحيح..
لماذا خرجت النملة وحيدة ، أكيد أن هناك خلاف مع شركائها ، ومن الممكن أنه تم طردها من مملكة النمل ....
لربما الآن تبحث عن مقر جديد للإقامة ، ولا يساعدها في ذلك رفوفي المصقولة ..الغبية ...
أين تظن نفسها تسير ....
حملتها ووضعتها على الأرض ....
كان هذا أبلغ ما يمكن أن أفعله لأرضي تأنيب الضمير والمسؤولية المفاجئة اللذين شعرت بهما فجأة ....
على أي حال .. كان لا بد أن أفعل شيئا ما ، لأنهي سيل الأفكار الذي تدفق فجأة وحرمني النوم .....