هل يتأذى الولي ببكاء الطائفين عليه ؟
صحيح البخاري ت - ( / 0)
1286 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ تُوُفِّيَتْ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَكَّةَ وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا أَوْ قَالَ جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَلَا تَنْهَى عَنْ الْبُكَاءِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ .وأخرجه أيضا مسلم
فهل يتأذى الولي ببكاء الطائفين عليه والذين يبنون الأضرحة عليه قياسا على بكاء الأهل ؟
""""""""""ــ***ــ ـ*ـ ــ***ــ """""""""""
أرأيت لو أن أحدهم بكى على الرسول عليه الصلاة والسلام أو على الحسين-رضي الله عنه- وشق جيبه كما يفعل -بني رويفض- أيلحقهم الإثم ؟
إذا صح ذلك فسيلحق الإثم سيدنا الحسين -عليه السلام- وكل الصالحين فما ذنبهم وما ذنب الأولياء ؟
وقد قال تعالى "ولا تزر وازرة وزر أخرى" ومعلوم أن الشذوذ في المتن أن يخالف الثقة من هو اوثق منه فكيف
بالقرآن الكريم ؟
إذاً هل نحكم بضعف الحديث كما فعل بعض المتكلمين أو المدعوين مفكرين ؟!
أو كما قالت أمنا عائشة-رضي الله عنها- حين لم يصلها وتتأكد من صحة الحديث ورد الصحابة عليها !
الحديث يحتاج للتأويل فلو كل حديث أو حتى آيه ظاهرها التعارض لرددنا الكثير من الآيات والأحاديث !!
إذاً لا بد أن للحديثِ المذكور تأويلاً ..
وأنقل لك هذا البحث الرائع لأحد الأعضاء
أَوَّلهَا : طَرِيقَة الْبُخَارِيّ
أنه يعذب بذلك إذا كان من سنته وطريقته وقد أقرّ عليه أهله في حياته فيعذب لذلك ، وإن لم يكن من طريقته فإنه لا يعذب . فإنه قال :
" بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ (أي من طريقته وعادته) "
قال الحافظ :
" فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّ الَّذِي يُعَذَّب بِبَعْضِ بُكَاء أَهْله مَنْ كَانَ رَاضِيًا بِذَلِكَ بِأَنْ تَكُون تِلْكَ طَرِيقَته إِلَخْ , وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّف ( فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّته ) أَيْ كَمَنْ كَانَ لا شُعُور عِنْده بِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , أَوْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِأَنْ نَهَاهُمْ فَهَذَا لا مُؤَاخَذَة عَلَيْهِ بِفِعْلِ غَيْره , وَمِنْ ثَمَّ قَالَ اِبْن الْمُبَارَك : إِذَا كَانَ يَنْهَاهُمْ فِي حَيَاته فَفَعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَعْد وَفَاته لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْء " انتهى .
ثَانِيهَا :
وقد نسبه النووي إلى الْجُمْهُور وصححه ، حملوا الحديث عَلَى مَنْ وَصَّى بِأَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ وَيُنَاح بَعْد مَوْته فَنُفِّذَتْ وَصِيَّته , فَهَذَا يُعَذَّب بِبُكَاءِ أَهْله عَلَيْهِ وَنَوْحهمْ ; لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ وَمَنْسُوب إِلَيْهِ , فَأَمَّا مَنْ بَكَى عَلَيْهِ أَهْله وَنَاحُوا مِنْ غَيْر وَصِيَّة مِنْهُ فَلَا يُعَذَّب لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) .
قَالُوا : وَكَانَ مِنْ عَادَة الْعَرَب الْوَصِيَّة بِذَلِكَ ، وَمِنْهُ قَوْل طَرَفَةَ بْن الْعَبْد :
إِذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْله وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْب يَا اِبْنَة مَعْبَدِ
قَالُوا : فَخَرَجَ الْحَدِيث مُطْلَقًا حَمْلا عَلَى مَا كَانَ مُعْتَادًا لَهُمْ .
ثَالِثهَا :
هُوَ مَحْمُول عَلَى مَنْ أَوْصَى بِالْبُكَاءِ وَالنَّوْح ، أَوْ لَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِمَا .
فَأَمَّا مَنْ وَصَّى بِتَرْكِهِمَا فَلَا يُعَذَّب بِهِمَا إِذْ لا صُنْع لَهُ فِيهِمَا وَلَا تَفْرِيط مِنْهُ . وَحَاصِل هَذَا الْقَوْل إِيجَاب الْوَصِيَّة بِتَرْكِهِمَا , وَمَنْ أَهْمَلَهُمَا عُذِّبَ بِهِمَا . وَهُوَ قَوْل دَاوُد وَطَائِفَة .
رَابِعهَا :
وَقَالَتْ طَائِفَة : مَعْنَى الأَحَادِيث أَنَّهُمْ كَانُوا يَنُوحُونَ عَلَى الْمَيِّت وَيَنْدُبُونَهُ بِتَعْدِيدِ شَمَائِله وَمَحَاسِنه فِي زَعْمهمْ , وَتِلْكَ الشَّمَائِل قَبَائِح فِي الشَّرْع يُعَذَّب بِهَا .
فمَعْنَى قَوْله " يُعَذَّب بِبُكَاءِ أَهْله " أَيْ بِنَظِيرِ مَا يَبْكِيه أَهْله بِهِ . وَهَذَا اِخْتِيَار اِبْن حَزْم وَطَائِفَة ,
فكانوا يَنْدُبُونَ الميت بِرِيَاسَتِهِ الَّتِي ظلم فِيهَا , وَشَجَاعَته الَّتِي صَرَفَهَا فِي غَيْر طَاعَة اللَّه , وَجُوده الَّذِي لَمْ يَضَعهُ فِي الْحَقّ , فَأَهْله يَبْكُونَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْمَفَاخِر وَهُوَ يُعَذَّب بِذَلِكَ .
خَامِسهَا :
مَعْنَى التَّعْذِيب تَوْبِيخ الْمَلائِكَة لَهُ بِمَا يَنْدُبهُ أَهْله بِهِ كَمَا رَوَى ابن ماجه (1594) عن أَسِيدُ بْنُ أَبِي أَسِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ ، إِذَا قَالُوا : وَا عَضُدَاهُ ، وَا كَاسِيَاهُ ، وَا نَاصِرَاهُ ، وَا جَبَلَاهُ ، وَنَحْوَ هَذَا ، يُتَعْتَعُ –أي يقلق ويزعج ويجر بشدة- وَيُقَالُ : أَنْتَ كَذَلِكَ ؟ أَنْتَ كَذَلِكَ ؟ )
قَالَ أَسِيدٌ : فَقُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) .
قَالَ : وَيْحَكَ ! أُحَدِّثُكَ أَنَّ أَبَا مُوسَى حَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَرَى أَنَّ أَبَا مُوسَى كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟! أَوْ تَرَى أَنِّي كَذَبْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى ؟! حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (1003) بِلَفْظِ : ( مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكِيهِ فَيَقُولُ : وَا جَبَلاهْ وَا سَيِّدَاهْ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إِلا وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزَانِهِ -أَيْ : يَضْرِبَانِهِ وَيَدْفَعَانِهِ- أَهَكَذَا كُنْتَ ؟ ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي .
ويشهد له ما رواه البخاري (4268) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ ، فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي : وَا جَبَلاهْ وَا كَذَا وَا كَذَا تُعَدِّدُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ : مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلا قِيلَ لِي : آنْتَ كَذَلِكَ ؟ فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ .
سَادِسهَا :
مَعْنَى التَّعْذِيب تَأَلُّم الْمَيِّت بِمَا يَقَع مِنْ أَهْله مِنْ النِّيَاحَة وَغَيْرهَا , وَهَذَا اِخْتِيَار أَبِي جَعْفَر الطَّبَرِيّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ , وَرَجَّحَهُ القاضي عِيَاض ، وَنَصَرَهُ شيخ الإسلام اِبْن تَيْمِيَة وَجَمَاعَة مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ .
وَاسْتَشْهَدُوا لَهُ بِحَدِيثِ قَيْلَة بِنْت مَخْرَمَة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهاها عن البكاء على ابنها وقال : ( أَيُغْْلَبُ أَحَدكُمْ أَنْ يُصَاحِب صُوَيْحِبه فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا , وَإِذَا مَاتَ اِسْتَرْجَعَ , فَوَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنَّ أَحَدكُمْ لَيَبْكِي فَيَسْتَعْبِر إِلَيْهِ صُوَيْحِبه , فَيَا عِبَاد اللَّه , لا تَعَذِّبُوا مَوْتَاكُمْ ) قال الحافظ : إسناده حسن . وقال الهيثمي : رجاله ثقات .
وهذا القول الأخير هو أولى الأقوال التي قيلت في معنى الحديث .
وقد سئل شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (34/364) : هَلْ يَتَأَذَّى الْمَيِّتُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ؟
فَأَجَابَ :
هَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِيهَا نِزَاعٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَالْعُلَمَاءِ .
وَالصَّوَابُ :
أَنَّهُ يَتَأَذَّى بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . . . ثم ذكر بعض هذه الأحاديث . ثم قال :
وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَعْذِيبِ الإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لقوله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) ثُمَّ تَنَوَّعَتْ طُرُقُهُمْ فِي تِلْكَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ . فَمِنْهُمْ مَنْ غَلَّطَ الرُّوَاةَ لَهَا كَعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ , وَهَذِهِ طَرِيقَةُ عَائِشَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا .
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا أَوْصَى بِهِ فَيُعَذَّبُ عَلَى إيصَائِهِ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ , كالمزني وَغَيْرِهِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ ، فَيُعَذَّبُ عَلَى تَرْكِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ , وَهُوَ اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ , مِنْهُمْ جَدِّي أَبُو الْبَرَكَاتِ .
وَكُلُّ هَذِهِ الأَقْوَالِ ضَعِيفَةٌ جِدًّا , وَالأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ الَّتِي يَرْوِيهَا مِثْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ لا تُرَدُّ بِمِثْلِ هَذَا .
وَاَلَّذِينَ أَقَرُّوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مُقْتَضَاهُ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ عُقُوبَةِ الإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ , وَاعْتَقَدَ هَؤُلاءِ أَنَّ اللَّهَ يُعَاقِبُ الإِنْسَانَ بِذَنْبِ غَيْرِهِ . . . .
واللَّه تعالى لا يُعَذِّبُ أَحَدًا فِي الآخِرَةِ إلا بِذَنْبِهِ ، ( ولا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) .
وَأَمَّا تَعْذِيبُ الْمَيِّتِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ، فَهُوَ لَمْ يَقُلْ : إنَّ الْمَيِّتَ يُعَاقَبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ , بَلْ قَالَ : ( يُعَذَّبُ ) وَالْعَذَابُ أَعَمُّ مِنْ الْعِقَابِ ، فَإِنَّ الْعَذَابَ هُوَ الأَلَمُ ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ تَأَلَّمَ بِسَبَبٍ كَانَ ذَلِكَ عِقَابًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ , يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) فَسَمَّى السَّفَرَ عَذَابًا ، وَلَيْسَ هُوَ عِقَابًا عَلَى ذَنْبٍ , وَالإِنْسَانُ يُعَذَّبُ بِالأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ الَّتِي يَشْعُرُ بِهَا مِثْلَ الأَصْوَاتِ الْهَائِلَةِ وَالأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ وَالصُّوَرِ الْقَبِيحَةِ فَهُوَ يَتَعَذَّبُ بِسَمَاعِ هَذَا وَشَمِّ هَذَا وَرُؤْيَةِ هَذَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَمَلا لَهُ عُوقِبَ عَلَيْهِ , فَكَيْفَ يُنْكَرُ أَنْ يُعَذَّبَ الْمَيِّتُ بِالنِّيَاحَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ النِّيَاحَةُ عَمَلا لَهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ ؟
ولا نحكم على كل من ناح عليه أهله أنه يعذب بذلك
ثم قال شيخ الإسلام :
ثُمَّ النِّيَاحَةُ سَبَبُ الْعَذَابِ , وَقَدْ يَنْدَفِعُ حُكْمُ السَّبَبِ بِمَا يُعَارِضُهُ فَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَيِّتِ مِنْ قُوَّةِ الْكَرَامَةِ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ مِنْ الْعَذَابِ
وهذا العذاب الذي يحصل للمؤمن ببكاء أهله عليه ، من جملة الشدائد والأذى التي يكفر الله بها عن المؤمن من ذنوبه .
وأما الكافر فإنه يزداد بذلك عذابه ، فيجمع له بين ألم العقاب ، والتألم الحاصل له ببكاء أهله عليه .
ثم قال شيخ الإسلام :
وَمَا يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا وَالْبَرْزَخِ وَالْقِيَامَةِ مِنْ الأَلَمِ الَّتِي هِيَ عَذَابٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ خَطَايَاهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ( مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلا نَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حَزَنٍ وَلا أَذًى حَتَّى الشَّوْكَةَ يَشَاكُهَا إلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ ) انتهى باختصار .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ) ؟
فأجاب :
" معناه أن الميت إذا بكى أهله عليه فإنه يعلم بذلك ويتألم ، وليس المعنى أن الله يعاقبه بذلك لأن الله تعالى يقول : ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ) والعذاب لا يلزم أن يكون عقوبة ألم تر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن السفر قطعة من العذاب ) والسفر ليس بعقوبة ، لكن يتأذى به الإنسان ويتعب ، وهكذا الميت إذا بكى أهله عليه فإنه يتألم ويتعب من ذلك ، وإن كان هذا ليس بعقوبة من الله عز وجل له ، وهذا التفسير للحديث تفسير واضح صريح ، ولا يرد عليه إشكال ، ولا يحتاج أن يقال : هذا فيمن أوصى بالنياحة ، أو فيمن كان عادة أهله النياحة ولم ينههم عند موته ، بل نقول : إن الإنسان يعذب بالشيء ولا يتضرر به " انتهى . "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/408) .
وانظر : "فتح الباري" (3/180- 185)
قلت ( الاثري)
والصواب في المسالة ان المراد بالعذاب العذاب الحقيقي وقد ذكر الشيخ الالباني في احكام الجنائز
انه كان يتبنى القول بأن العذاب هو الالم ثم تراجع الى القول بان العذاب المراد عذاب حقيقي قال قدكنت اقول ذلك وقتاً من الزمن ثم وقفت على رواية صحيحة صريحة في الموضوع وهي (( ان الميت يعذب ببكاء اهله عليه في قبره ويوم القيامة ) فلفظة القيامة تؤكد ان العذاب حقيقي وهذا فيمن يعرف من حال اهله انهم
ينيحون على الميت ولم ينهاهم ولم يامرهم اما من كان يأمرهم ويزجرهم ويبين لهم انه حرام ثم انهم لم ينصاعوا له فلا تزر وازرة وزر اخرى وهذا هو الصواب في المسألة وهوقول جماعة من اهل العلم وان خالف في ذلك ايضاً علماء افاضل ولكن العبرة بالدليل والنص الشرعي راجع احكام الجنائز الالباني