** قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا ** الإسراء : 88.
تأملوا هذه الآية وقارنوها بهذه الآية :
** يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ** الرحمن : 33
إن أول فارق ندركه في هاتين الآيتين الشريفتين هو تقديم الإتس على الجن في الآية الأولى, وتقديم الجن على الإنس في الآية الثانية, فهل يوجد في ذلك سر؟
إن ترتيب كلمات الآيات تابع لأهميتها المعنوية, فالكلمات الأكثر أهمية تأتي أولا, حسب ما يقتضيه الواقع, وذلك يمثل أحد جوانب الإعجاز البلاغي في القرآن.
ما السبب في تقديم الإتس على الجن في الآية الأولى؟, وتقديم الجن على الإنس في الآية الثانية؟
إن تقديم الإنس في الآية الأولى لم يأت جزافا, والسر يكمن في أن المصادمة الظاهرة والمباشرة كانت مع الإنس في هذه الناحية, وما حدث بين الرسول الأعظم - صلى الله عليه وآله - و المشركين خير شاهد على ذلك.
أما تقديم الجن على الإنس في الآية الثانية فلأن الجن أقرب من الإنس وأقدر منهم في العبور والنفوذ من نواحي السماء الأرض بما يمتلكونه من أمور خارقة وحركات سريعة, وسورة الجن خير شاهد على ذلك.
ونجد شاهدا آخر :
** وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون ** النمل : 17
إن حكومة نبي الله سليمان لم تكن حكومة عادية, بل كانت مقرونة بالمعاجز وما هو خارق للعادات , وحيث أن الحديث في هذه الآية كان عن حكومة نبي الله سليمان فقد قدم الجن على الإنس في هذه الآية لأن الحديث عن مظهر قوة غير عادية, والجن أقوى من الإنس في خرق العادات فلذلك جيء بذكرهم أولا.
تأملوا هذه الآية :
** وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا **الأنعام : 112
قدم الإنس على الجن في هذه الآية, لأن الآية تشير إلى أعداء الأنبياء, ومن المعروف أن شياطين الإنس أكثر تعرضا للأنبياء من شياطين الجن, وفي تتبع قصص الأنبيياء وما حدث لهم من إيذاء من أقوامهم لشاهد على ذلك, ولذا كان من المناسب تقديم الإنس على الجن.
فتقديم الكلمات وتأخيرها إنما هو خاضع لأهميتها المعنوية, والقرآن يأتي بالكلمات ذات الأهمية الأعظم في البداية, ثم يأتي بعدها الكلمات التي تليها في الأهمية وهكذا.
هذا والله اعلم
منقول للافادة