ولذلك فإن فتنة الشيطان.. هي من تمام ما أراده الله للحياة الدنيا.. لكن بعض الناس يتساءل عن قول الله سبحانه وتعالى:
{ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون** البقرة 132.
والنهي هنا للبشر.. والسؤال: هل يملك الناس اختيارا في الموت؟ هل يستطيعون أن يحددوا وقته وزمانه ومكانه.. فلا يموتن الا وهم ومسلمون؟
نقول إن الحق تبارك وتعالى يريد أن يلفتنا الى أن الموت يأتي بغته وفي أي لحظة.. فكونوا على الاسلام دائما.. حتىلا يفاجئكم الموت.. إلا وأنتم مسلمون..
إن الله سبحانه وتعالى.. يريدنا أن نعرف أن فتنة الشيطان.. تخرجنا من جنة التكليف التي تقودنا الى جنة الخلود في الاخرة.. ثم يقول الحق تبارك وتعالى:
{إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم** الأعراف 27.
أي أن الشيطان يرانا ونحن لا نراه.. وهذا يعطيه قدرة على الاغواء.. لأننا ما دمنا لا نراه.. وهذا يعطيه قدرة على الاغواء.. لأننا ما دمنا لا نراه.. فإننا لا نستطيع أن نعرف الجهة التي سيأتي منها.. أو أن ننتبه الى أنه يوسوس لنا.
ولكن هل تركنا الحق تبارك وتعالى للشيطان يغرينا ويغوينا؟.. أم أنه أوجد لنا الوقاية؟
الحق جل جلاله شاء عدله.. أن يوجد لنا الوقاية من هذه الوسوسة.. ومن كل هذا الشر.. الوقاية لا تكون الا بالتمسك بمنهج الله.. والذي يتمسك بمنهج الله ويخلص له.. لا يستطيع الشيطان أن يصل اليه أبدا.. ولا أن يغويه. ولذلك نجد في الآية الكريمة:
** قبعزتك لأغوينّهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين..** اعتراف من الشيطان بأنه لا يستطيع أن يقترب ممن يتمسك بالله وبمنهجه لأنه في منعة منه لتمسكه بمنهج الله.
وهنا يأتي قول الحق تبارك وتعالى:
** إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين** الحجر 42.
لقد كفل الحق تبارك وتعالى الحماية لكل عبد أخلص في إيمانه بالله.. وأخلص في عبادته.. ولذلك فإن المؤمنين يحفظهم الله جل جلاله من غواية الشيطان ..وفي ذلك يقول الحق سبحانه في وثف المؤمنين:
** إنّ الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون** الأعراف 201.
معنى هذا أن الشيطان إذا مس عباد الله المؤمنين فإن الله لا يتركهم، وإنما يذكرهم بمنهجه.. وحينئذ يبصرون الحق، فيعودون الى اتباع المنهج.. فكأن الذي يبتع الشيطان مثل الأعمى.. الذي لا يرى شيئا فيتخبط في السير ويتعثر ويقع.. والشيطان يحاول أن يعمي الأبصار.. حتى لا ترى الحقيقة ..ولا ترى آيات الله في كونه ولا تبصر شيئا.
إن الحق تبارك وتعالى يعطينا هذه الصورة وهو يصف لنا اتباع الشيطان في الآخرة في قوله سبحانه:
{قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى** طه 125ـ126.
أي أن مهمة الشيطان.. أن يعمي الانسان عن آيات الله في الكون.. فلا يرى عظمة الخلق.. ولا يرى قدرة الله الخالق سبحانه وتعالى.. وعدم رؤيته لهذه الآيات.. ينسيه عبوديته لله.. ويجعله يأخذ الدنيا على أنها غاية وليست وسيلة للآخرة.. ولذلك فهو يحاول أن يأخذ منها كل ما يستطيع حلالا أو حراما.. لأنه ما دامت لا توجد بالنسبة له الا الدنيا.. فمهمته أن ينتزع منها كل ما تعطي بطريق مشروع أو غير مشروع.. والمهم عنده ومقياسه في المجاح.. هو ما يحققه من شهوات ونزوات.. وسرقات ورشوة الى غير ذلك.
هذا الصنف من الناس عندما يأتي في الآخرة يبعثه الله أعمى لا يرى شيئا.. يتخبط ويتعثر.. فإذا سأل عن شبب هذا العمى وقد كان مبصرا في الدنيا.. فيقول له الله.. لقد كنت أعمى في الدنيا.. فيقول له الله.. لقد كنت أعمى في الدنيا.. حقيقة كانت لك عينان ولكنك لم تكن تبصر بهما آيات الله في كونه، لهذا انطلقت تعصي وتكفر.. فكما نسيت آيات الله في الدنيا.. ينساك الله سبحانه وتعالى في الآخرة أي لا تنالك رحمته في هذه اليوم.. ولذلك يقول الحق جل جلاله:
{ومن كان في هذه أعمى فهو في الاخرة أعمى وأضلّ سبيلا** الاسراء 72.
والعمى هنا ليس معناه فقد البصر.. ولكن معناه فقد البصيرة التي يرى بها الانسان آيات الله التي تدفعه الى الايمان.. والى طاعة المنهج..
ومن رحمة الله أنه سبحانه وتعالى فضح لنا أساليب الشيطان.. وكيف يغوي الانسان.. وأبان لنا الطريقة التي يدخل بها الى النفس البشرية؟ والوسيلة التي يوقع بها الانسان في المعصية؟ لقد وضح لنا هذا كله حتى نتنبه الى مداخل الشيطان للنفس البشرية.. لكي نسد هذه المداخل.. فلا ينفذ الشيطان الى نفوسنا.
فما هي هذه المداخل؟؟.
الفصل الخامس : مداخل الشيطان إلى الإنسان
الله سبحانه وتعالى.. أخبرنا في القرآن الكريم؛ أن هناك نزغا للشيطان.. وهمزا للشيطان.. وسوسة للشيطان.. ومسا للشيطان.. فما هو الفرق بين هذه الأشياء كلها؟.. وما هي الطريقة التي يدخل بها ـ الشيطان ـ الى النفس البشرية؟.. وكيف يدفعها الى المعصية؟.. وكيف يخوف أولياءه؟.. ويسيطر عليهم بالخوف؟.. وكيف يهرب ويترك الانسان الساقط في المعصية ثم يتبرأ بعد ذلك؟
قبل أن نبدأ.. لا بد أن نقول إن للشيطان وسوسة وللنفس البشرية وسوسة ودفعا الى المعصية.. ذلك أن الله سبحانه وتعالى.. أخبرنا في القرآن الكريم؛ أن النفوس تتفاوت؛ هناك النفوس الطيبة.. والنفس الوامة.. والنفس الأمارة بالسوء.
فالنفس الطيبة هي التي لا تعمل الا طيبا والا خيرا، والنفس اللوامة، هي التي يقع صاحبها في المعصية، ولكنا تلومه عليها.. فيعود الى الخير مرة أخرى، وقد يقع الانسان في المعصية أكثر من مرة والنفس الأمارة بالسوء هي التي اعتاد صاحبها السوء، فلم يعد يثير فيه أي شعور بالندم والاستنكار.. بل هو يعيش مع السوء، ويأمر بالسوء وقد اعتاده، بحيث أصبح لا يفعل الا سيئا.. ويستمتع بذلك السوء!
هناك نوعان من الوسوسة: وسوسة الشيطان بالنسبة للانسان.. ووسوسة النفس له فكيف نفرق بين وسوسة الشيطان، وسوسة النفس؟
نقول: إن الشيطان يريد الانسان عاصيا على أي وجه.. فلا يهمه نوع المعصية ولكن يهمه حدةثها.. فإذا حاول أن يغري الانسان بالمال الحرام‘ ولم يجد منه استجابة.. أسرع يزين له المعصية مع النساء بارتكاب الزنا والفاحشة، فإذا فشل في ذلك.. أسرع يزين له معصية الخمر ويحاول أن يغريه بها، فإن سدّ عليه كل منافذ المعصية.. أسرع يحاول أن يفسد له الطاعة بأن يجعله مقلا يتفاخر بالصدقة فيضيع ثوابها.. أو إذا جاء موعد الصلاة فإنه يحاول أن يمنعه من أدائها.
ويجب أن تعلم أن هذا الاغواء لا ياتي قسرا أو قهرا.. فالشيطان ليس له سلطان القهر على الانسان.. ولكن إذا أذّن للصلاة ـ مثلا ـ فإنه يغريه ألا يقوم الى الصلاة، وإنما يؤجلها حتى ينتهي الفيلم الذي يشاهده في التليفزيون.. فإذا انتهى الفيلم، يذكره بأعمال يؤديها.. كأن يتصل بصديق له بالتليفون.. أو يتناول العشاء أولا.. أو يقوم بزيارة كان قد نسيها، الى غير ذلك من أفاعيل الشيطان.
فإن كان الانسان تاجرا.. فإنه يخوفه من أنه إذا قام للصلاة فستضيع منه صفقات ويضيع منه ربح.. وهكذا يظل ينقله من مشكلة الى أخرى.. حتى يضيع وقت الصلاة.. أو ينصرف عنها بالتدريج.. فإن فشل في ذلك.. فإنه يوسوس له في وضوئه وصلاته.. فيقول له إنك لم تحسن الوضوء فأعده.. ويظل يشككه في وضوئه.. ثم يعيده مرات ومرات.. ثم بعد ذلك يشككه في صلاته.. حتى يعيدها مرات ومرات.. ويدخل الشك في نفس الانسان.. فلا يعرف كم صلى.. ولا يعرف هل أحسن الوضوء أم لا؟
إذن فالشيطان لا يهمه نوع المعصية.. ولكن يهمه أن تتم المعصية.
أما وسوسة النفس.. فهي ان تصر على نوع معين من المعصية... لا تريد غيره.. أي أنها تلح على صاحبها أن يرتكب معصية بذاتها ويكررها.. ولا تطالبه بمعصية أخرى.
الفرق بين الوسوستين
ولكي تعرف الفرق بين الوسوستين نقول لك: إذا كان من يوسوس لك لا يهمه إلا أن تقع في المعصية.. بصرف النظر عن نوعها.. فهذا هو الشيطان.. أما إذا كان هناك إصرار على معصية معينة ألفتها.. فذلك من نفسك.
إذن إبليس دائما يأتي من الباب الذي يرى فيه المنهج ضعيفا.. فإذا وجد إنسانا متشددا في ناحية معينة، ياتي اليه من ناحية أخرى يكون فيها ضعيفا.. فإذا كان الانسان مثلا.. متشددا في الصلاة محافظا عليها ويؤديها في أوقاتها.. جاءه إبليس من ناحية المال، فيوسوس له حتى لا يخرج الزكاة ويقتر، ويأكل أموال الناس بالباطل، مدخلا في نفسه الوهم بأن هذه الطريقة تزيد ماله.. وتجعله غنيا وتبعد عنه الفقر.. والحقيقة غير ذلك.. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما نقص مال عبد من صدقة" أخرجه مسلم 6684.. لأن الصدقة هي التي تكثر المال.. وتضع بركة الله فيه ليزداد وينمو.. والمال هو مال الله. يتركه كل منا عندما يرحل عن الدنيا.. ولكن غير المؤمن يغفل عن هذه الحقيقة.
وحينما يجد إبليس إنسان متشددا في الصلاة.. محبا للمال... يأتيه من ناحية ضعفه فيمنعه من الصدقة وأنواع البر، ثم يغريه بالمال الحرام، وتبدأ المعاصي تنسج على قلبه عودا عودا.. لتغطي القلب كله وتمنعه من ذكر الله.
ولعلنا نذكر قصة ثعلبة الذي طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو له الله أن يغنيه.. فقال له رسول الله عليه الصلاة والسلام:" قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه".. ولكن ثعلبة أصر.. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فكثرت غنمه حتى ضاقت بها المدينة.. فخرج الى خارجها.. وبدأ قعلبة يغيب عن الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فيحضر مرة ويتخلف مرة.. حتى اقتصر على صلاة الجمعة.. ثم امتنع عن صلاة الجمعة.. ثم امتنع بعد ذلك عن دفع الزكاة.. مدعيا أنها جزية. حتى نزل فيه قول الله تعالى:
** ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصّدّقّنّ ولنكوننّ من الصالحين فلمّا آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم الى يوم يلقونه بما أخلفو الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون** التوبة 70ـ77.
وعندما نزلت هذه الآية الكريمة.. انزعج ثعلبة وأسرع يحمل مال لزكاة.. الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقبله منه.. وفي عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه أسلرع يحمل الزكاة الى أبي بكر..ولكن أبا بكر رفض أن يقبلها منه قائلا: ما كنت أقبل ما رفضه رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وعندما جاء عهد عمر بن الخطاب .. عرض ثعلبة الزكاة على عمر فرفض أن يقبلها منه.. ومات ثعلبة في عهد عمر بن الخطاب.
هذه قصة ترينا كيف استغل الشيطان حب المال في قلب عبد من عباد الله.. ليخرجه عن الطاعة وعن المنهج.. وليقوده الى المعصية..والى الكفر والعياذ بالله، والأمثلة على ذلك كثيرة.. إنه يبحث عن نقط ضعف في الانسان لكي ينفذ اليه منها، ولا يفتر عن ذلك أبدأ حتى يوقعه في حبائله ويخرجه عن منهج الله.
البحث عن الضعف
وهكذا تعدد صور الاغواء، فإذا وجد إبليس العبد المؤمن متشدا في الصلاة والزكاة.. وضعيفا من ناحية المرأة مثلا.. أتاه من ناحية هذا الضعف.. فيظل يزين له امرأة خليعة.. ويوسوس له حتى يسقط في الزنا.. ويكون بذلك قد سقط في الكبائر..
فإذا كان العبد المؤمن قويا في كل هذه النواحي.. جاءه إبليس وزين له الخمر.. أو الميسر أو مجلس السوء أو النميمة.. المهم أن إبليس يترك الانسان نقط تشدده ويأتيه من نقطة ضعفه..
إياكم أن تظنوا أن الشيطان حين يغوي الانسان. ياتي له عن طريق شر ينفر منه. بل إن إبليس يلبس هذا الشر لباسا خادعا يجعله محببا الى النفس.. سهلا عليه مرغوبا فيه.
فإذا كان إنسان يعاني ضعفا ماليا.. يأتي له ليحببه في السرقة ويزينها له.. فهو أولا يوسوس لمن يريد أن يدفعه الى السرقة.. بأنها عملية بسيطة.. ستتم بسهولة ولن تنكشف..كأن يقول له ادفع هذا الرجل.. الذي يملك مالا الى الأرض.. ثم تظاهر بأنك تساعده. على النهوض والوقوف مرة أخرى.. وفي هذه الأثناء.. التي لا يكون فيها منتبها.. اسرق حافظة نقوده!.
إنه هنا هنا يبسط له الأمر، ويلبس الشر بلباس خادع.. يأتي مثلا يغري إنسانا بسرقة حقيبة.. فيبين له مكان شيخ كبير يحمل حقيبة ثقيلة.. ويقول له اعرض عليه أن تحمل عنه لتعينه.. لأنه شيخ ضعيف.. وعندما تأتي لتحمل الحقيبة.. يوسوس لك.. غافل صاحبها واهرب بها!.
ياتي الى إنسان.. ليغريه على أن يمد يده لمال حرام. ويكون هذا الانسان مثلا يعمل صرافا... فيوسوس له أنه محتاج للمال الذي في خزينته.. وأنه سيأخذه كسلفة فقط.. ويعيده عندما يتيسر حاله في القريب العاجل.. ويمد الصراف يده الى المال الحرام.. ولكنه لا يستطيع أن يرده...
إن الشيطان ليس أبله.. بحيث ياتي لك بصورة الشر.. على أنه شر.. ويذكرك لما ستتعرض له من العذاب في الدنيا والآخرة.. بل إنه يتسلل لك على أساس أنه خير لك.. والشيطان يجري في الانسان مجرى الدم...
إن من رحمة الله سبحانه وتعالى أنه كشف لنا أسلوبه.. حتى نستطيع أن نقي أنفسنا منه.. والشيطان لا يتركك أبدا ما دت على طاعة.. بل يحاول أن ينفذ اليك من ناحية بعد أخرى حتى يوقع بك.. إلا إذا استعذت بالله دائما واستعنت به.. فإنه لا يستطيع أن ينفذ اليك ولا يكون له عليك سلطان.
الوسوسة في الصلاة
لقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من طريق يستخدمه الشيطان دائما في الايقاع بخلق الله في المعصية.. فقال تبارك وتعالى:
** يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون** المائدة 90.
وهكذا فإن كل من أخذ طريق الخمر.. أو القمار أو التقرب للأصنام.. أو محاولة ضرب الأحجار أو قراءة الورق.. أو أي نوع من أنواع الدجل لمعرفة الغيب.. فإنه يرتكب عملا من الأعمال التي يزينها الشيطان للإنسان.. ليصرفه عن عبادة الله ويوقعه في الحرام.
الله سبحانه وتعالى حذرنا من ذلك.. فقال:
** وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا** المائدة 92.
هذا التحذير ليعلمنا الله أن الشيطان لن يدعنا ندخل في مجال طاعة الله وطاعة الرسول.. وسيحاول جاهدا أن يمنعنا من ذلك.. فإذا أوصدنا كل السبل.. يأتي لحظة الوضوء.. فيجعلنا ننسى هل غسلنا أيدينا أم لا؟ وهل توضأنا كما ينبغي أم لا؟ ثم يأتي وقت الصلاة.. فينسينا عدد الركعات.. أو عدد السجدات.. وهذا ليس علامة سيئة.. ولكنها علامة لصالحنا.. فالشيطان لا يقترب من الشيء الخرب أبدا.. فلو كانت صلاتنا غير مقبولة ما اقترب منها.. ولكن اقترابه منها.. معناه أنها غير مقبولة.. وأنه يريد أن يفسدها.. ولذلك ما كاد الانسان يبدأ الصلاة.. حتى يذكره بأشياء نسيها.. ويوسوس له محاولا أن يفسد صلاته.
ومن وسوسة الشيطان أيضا.. أنه يغرينا بمعصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ويقول لنا: هذا الأمر لم يرد في القرآن فلا تطيعون.. مع أن الله سبحانه وتعالى قال:
** قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول** النور 54.
وفوض الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في التشريع.. فقال:
** وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا** الحشر 7.
ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمنا، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله". أخرجه البيهقي في مسنده 9\557 والحاكم في المستدرك 1\109.
ووسائل الشيطان في الاغواء متنوعة.. فمنها لنزغ ومنها الهمز، ومنها الوسوسة.. والمس..
فكلمة نزغ معناها نخس.. وهي تختلف عن اللمس.. لأنه بين الناخس والمنخوس مسافة.. أما اللمس فهو مباشرا بلا مسافة، ولكن لا تدرك ولا تحس بحرارة من مس.. أما اللمس فإنه إدراك حرارة الملموس..
إذن فهناك ثلاث مراحل.. النزغ والمس واللمس. والنزغ من الشيطان هو أن يدخل خاطرا مهيجا الى نفسك، فيثير فيها الغضب.. ويجعلك تتصرف تصرفا أحمق.. لا يتفق مع العقل ولا مع الدين.
لهذا عندما خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه.. قال كيف يا رب أتقي الغضب؟ قال الحق سبحانه وتعالى:
{وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله** الأعراف 200.
ونحن لا نبحث هذه المسألة بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. وإذا كان بعض الناس يتساءل؛ هل الشيطان يستطيع ان ينزغ رسول الله عليه الصلاة والسلام؟!. نقول لهم: إن الآية لم تقل (إذا).. إنما قالت (إما) وإما معناها أنه يحوز أن يحدث ذلك ويجوز ألا يحدث.. إذن فالمسألة فرض فيه شك.. وعدم تأكيد لشيء لن يحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن لنفؤض أنه حدث.. فلماذا يحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من لذة مواجهة الشيطان ليصفعه ويهزمه؟ رسول الله عليه الصلاة والسلام قال:" ما منكم من أحد إلا وقد وكّل به قرين من الجن، قالوا: وإيّاك يا رسول الله؟! فقال: وإياي؛ إلا ان الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير". أخرجه مسلم 7210.
والشيطان ظهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب الى المسجد.. ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام:" لإن عفريتا من الجن تفلت عليّ البارحة ليقطع عليّ الصلاة فأمكنني الله منه فذغدته (خنقته) فأردت ان أربطه الى سارية من سواري المسجد حت تصبحوا وتنظروا اليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان: رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فرده الله خاسئا..". أخرجه البخاري 461 ومسلم 1146.
إذن فالمواجهة حدثت.. وكانت هزيمة الشيطان سريعة.. والله سبحانه وتعالى طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ به، والاستعاذة هي طلب المعونة.. وأنت لا تطلب المعونة الا ممن هو أقوى منك.. وأقوى ممن يحاول الاعتداء عليك.
تفوق عنصر الشيطان
الشيطان له خصوصيات كثيرة... يتفوق فيها على الانسان.. منها خفة الحركة.. وعدم قدرتنا على رؤيته.. وقدرته على التغلغل في نفوسنا.. إذن فالمطلوب منا.. أن نستعين بمن هو قوي قادر.. ولا يوجد أقوى على الشيطان من خالقه.. والله سميع عليم.. يسمع استعاذتنا.. ويعلم مما نستعيذ.
ويجب أن نلاحظ ان الله عز وجل قد فرق في الحديث بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أمته.. فعندما خاطب رسول الله عليه الصلاة والسلام قال:** وإمّا ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله**.. ولكن عندما خاطب أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
{إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون** الأعراف 201.
إذن فعندما تكلم الحق عن المؤمنين.. انتقل الى المس، ولكن من رحمته أنه لم ينتقل الى مرحلة اللمس (الالتحام). فالشيطان لا يلتحم بإنسان مؤمن.. وإنما يكون على مسافة قريبة منه.. ماذا يحدث في هذه الحالة؟ يتذكر المؤمنون قدرة الله عز وجل على الشيطان.. ويتذكرون أن منهج الله يحميهم من الشيطان.. وعين الله لا تغفل عن عباده أبدا.. ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى في حديث قدسي ـ ما معناه ـ:
"يا عبادي إن كنتم تعتقدون أني لا أركم فالخلل في إيمانكم، وإذا كنتم تعتقدون أني أراكم فلم جعلتموني أهون الناظرين إليكم".
وكما قلنا فإن الشيطان.. أكثر حركة وإغواء بالنسبة للمؤمنين.. لأن العاصي عاون الشيطان بشهوات نفسه.. وأصبح يعبد شهواته.. فلم يعد الشيطان محتاجا الى جهد كبير.. ليقوده الى المعصية.ز أما المؤمن الطائع.. فإنه محتاج الى جهد كبير.. ليقع في المعصية.
قلنا إن الشيطان له نزغ.. وهمز.. وسوسة.. ومس.. وتحدثنا عن النزغ وهو كما قلنا أن يأتيك الشيطان بخاطر.. يثير فيك الغضب فتفقد عقلك.. وترتكب ما يغضب الله في نزوة الغضب.
أما الهمز فهو ما يلقيه إليك الشيطان.. بصوت خافت محاولا أن يدبر لك ما تفعله لتنفذ معصية، أما الوسوسة فهي المحاولة الدائمة للشيطان.. يأتي لك من الجانب الضعيف.. محاولا أن يحبب الى نفسك الخروج عن طاعة الله.. وهذا هو العمل الدائم للشيطان.. هذه مهمته.
ولكن ما هو المس؟.. الله تبارك وتعالى يقول عن الذين ياكلون الربا:
{الذين ياكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس** البقرة 275.
فكأن الشيطان قد مسّ التكوين الانساني.. مما أفسد استقامة ملكاته.. التكوين الانساني له استقامة من الملكات.. بحيث تتسق كل حركة مع غيرها.. فإذا ما مس الشيطان أحدا من البشر.. فإن هذا الانسان الممسوس يفقد إنسجام حركات جوارحه.. فتتخبط ملكاته مع بعضها البعض وتكون حركاته غير منتظمة وغير منطقية.
وإذا أردنا هذا الوصف في الآخرة.. فهي سمة تميز أهل الربا.. وإذا أردناها في الدنيا.. فهي سمة لحركة الانسان غير المنطقية.. بحيث أن الحركة تتسم بالهستيريا.. وعندما نتأمل العالم الآن وما يحدث فيه.. نجد أن الاضطراب والحركات الهستيرية تسوده.. كأن يدخل إنسان الى مدرسة أطفال.. لا يعرفها وليس له عداء لمن فيها.. ويقتل كل الأطفال بلا سبب!! أو أن يأتي إنسان الى إنسان لا يعرفه ويلقي به تحت عجلات المترو.. كما يحدث في نيويورك هذه الأيام!!
التكامل وليس التكرار
والله سبحانه وتعالى خلق العالم على هيئة التكامل وليس التكرار.. ولذلك تنوعت الملكات والامكانيات.. وارتقى الانسان في الكون وتقدم.. وكان المنطق يقتضي أن يعيش العالم مستريحا وهادئا.. لأن الحضارة وفرت له أكبر الثمر.. بأقل مجهود وفي أقل زمن.
ولكن هل العالم الذي نعيش فيه عالم منطقي على هذا الواقع؟.. لا.. إننا نجد أننا أغنى بلاد العالم.. وأحسنها من ناحية الرقي الاقتصادي.. هي التي تمتلئ بأمراض النفس.. من قلق وغم واكتئاب..و حزن واضطراب وشذوذ وانتحار.. ذلك أن العالم الذي نشكو منه الآن لا يسير بمنهج الله.. ولكن يسير بهوى النفس وإغواء الشيطان.. ولذلك أصيب العالم بالهيستيريا والتناقض والتخبط.. إن العالم وما يجري فيه يبدو الآن..مصداقا لقوله تعالى:
** لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس** البقرة 275.
فلماذا لم يبحث المفكرون عن سر هذا الشقاء؟.. ألم يكن على المفكرين أن يسألوا أنفسهم.. لماذا نشقى كل هذا الشقاء؟.. وعندنا من التقدم المادي ما يكفل سعاة البشر.. لماذا لم يبحثوا؟.. وكان يجب أن يفعلوا ذلك.
وإذا كانت البلوى عامة كما قلنا.. فإنها لا تترك دولا متخلفة .. ولا دولا متقدمة.. إن البلوى تشمل البلاد كلها.. ولذلك لا بد أن يكون لها سبب مشترك.. والبحث لا بد أن يقودنا الى أن العالم ابتعد عن منهج الله.. فأصبحت الدنيا عندنا غاية وليست وسيلة.. والمال أصبح عندنا هدفا.. وليس مجرد مسألة لازمة لحركة الحياة وعمارة الأرض.. فالمال هو مال الله.. لا يملكه أحد.. وعندما نموت.. نترك مال الدنيا للدنيا.. فلماذا غيروا استخدامه؟.. وجعلوه غاية؟! والجواب في كلمة واحدة: إنه البعد عن منهج الله.
إن الدنيا كلها.. لا يمكن أن تكون غاية.. أولا لأنها فترة محدودة وتنتهي، وثانيا لأن متاعها قليل، وثالثا لأن البقاء فيها ليس مضمونا.. فأنت لا تضمن الحياة فيها الى الساعة القادمة..
وإذا أردنا أن نحدد مهمة الشيطان في كلمات قليلة.. فإن أساس هذه المهمة؛ أن يجعلنا ننسى أن الله موجود.. وأنه يسمع ويرى.. فالانسان لا يسرق أو يزني أو يقتل وقد استحضر في ذهنه أن الله يراه.. وأنه سيعاقبه على ما يفعل.. إنه لو استحضر ساعة الجريمة العقوبة عليها لما أقدم على جريمته.. ولكن الشيطان مهمته.. أن يجعلنا ننسى أن الله موجود.. فالذي يرتكب معصية في الخفاء.. يعتقد أنه ما دام اختفى عن أعين الناس فإن أحدا لم يره.. وينسى أن الله يسمع ويرى.. ولا تخفى عليه خافية.
وفي ختام هذا الفصل نقول: إن منهج الشيطان.. هو أن يكتشف نقط ضعف الانسان لينفذ منها.. وأنه يصوّر لنا المعصية في صور محببة الى النفس.. فيغلفها بصورة زائفة للخير.. وأن شغله الشاغل.. هو مع الطائعين لله.. لا يتركهم أبدا.. وانه ينزغ الإنسان بما يثير في نفسه الغضب.. ويهمس له بما ييسر له الشر.. ويوسوس له بما يزين له المعصية.. ويجعلها محببة الى نفسه.. فإذا تمكن من الانسان مسه.. فأفقده إنسجام حركاته.. فتصبح تصرفاته نوعا من الهيستيريا والتخبط.. والشيطان له طرق إغواء متعددة، والله سبحانه وتعالى يعين المؤمنين من عباده على مقاومته ومخالفته ويترك له عباده الكافرين ليزيدهم ضلالا ومعصية.. والله جل جلاله لا يعين كافرا ولا يهديه.
الفصل السادس : الشيطان وجنوده
وإذا أردنا أن نكمل الصورة.. فإننا نقول: إن هناك جنودا لشيطان.. جنودا مادية من الانس والجن.. وجنودا معنوية يستخدمها في إضلاله للناس.
ولكن قبل أن نبدأ الحديث، وحتى تكون الصورة واضحة فإنه لا الشيطان ولا جنوده يخرجون عن أمر الله الفعلي في كونه.. والله سبحانه وتعالى أعطانا تجربة عملية.. باني أخضع الشياطين الذي هم أعلى عنصرا في الخلق.. لبشر نبي هو سليمان عليه السلام.. وجعلهم يأتمرون بأمره ولا يستطيعون مخالفته.. واقرأ قول الحق تبارك وتعالى:
** ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه، ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير** سبأ 12.
وهكذا أخضع الله سبحانه وتعالى الجن ـ شياطينهم وصالحهم ـ كما قلنا ـ لبشر مخلوق من طين.. هو سليمان عليه السلام.. ولو أراد الحق سبحانه وتعالى.. ان يخضع لنا شياطين لأخضعهم لنا.. لأن الله جل جلاله.... استجاب لدعوة سليمان حين دعاه يطلب منه ملكا لا يعطيه الله لأحد من بعده.. واقرأ في القرآن الكريم:
** قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي، إنك أنت الوهاب فسخّرنا له الرياح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كلّ بنّاء وغوّاص وآخرين مقرّنين في الأصفاد** ص 35ـ38.
إذن فالحق سبحانه وتعالى.. حين أراد أن يخضع الشياطين للإنسان أخضعهم رغم رادتهم قهرا.. فلا يعتقد أحد أن الشياطين في الأرض تقوم بما تقوم به.. رغما عن إرادة الله في كونه.. بل كما قلنا هي من تمام مهمة الدنيا أن يكون فيها إغواء.. وفيها جهاد وإيمان.. وأن ينتصر المؤمنون بجهادهم وإيمانهم.. على إغواء الشيطان فيستحقوا الجنة.
إن الشيطان كما قلنا له جنود مادية وجنود معنوية.. ومن أكبر جنود الشيطان المعنوية الغرور.. فهو يظل يحوم حول الانسان حتى يدخل الى قلبه الغرور المعنوي المعنوي والمادي ويحاول أن يجعله يغتر بماله.. أو بعلمه أو بقوته.. أو بأي شبء آخر.. المهم أن يغتر الانسان.. ويحسب أنه استغنى عن الله تبارك وتعالى.. وينسب الفضل الى نفسه.. فيقع في المعصية والكفر.
الشيطان في غزوة بدر
ولننظر ماذا فعل الشيطان في غزوة بدر مع الكفار ليحرّضهم على قتال المؤمنين.. إن القرآن الكريم يروي لنا هذه القصة فيقول:
** وإذ زيّن لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم، فلما ترآءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني اخاف الله، والله شديد العقاب** الأنفال 48.
هكذا كان دور الشيطان في غزوة بدر.. بدأ بزرع الكبر في قلوب الكفار. وقال لهم ستغلبون وتنتصرون على المسلمين.. إنكم الأقوياء في العتاد والعدة.. وإنهم قلة بالنسبة لإعدادكم.. إنكم ستغلبونهم كتما.. وأنا معكم سأنصركم.
وظل يدخل الكبر في نفوس الكفار.. ويزين لهم أنهم أقوياء.. وأنهم منتصرون لا محالة.. حتى صدقوه وذهبوا ليحاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين.
وعندما وصل الكفار الى موقع المعرك وأصبح القتال حتميا، نظر الشيطان ورأى قوة الايمان.. وبأس المؤمنين وتأييد الله لهم.. فأسرع هاربا تاركا أولياءه الذين وعدهم بأنه لا غالب لهم .. أسرع يهرب بعيدا.. وقال كما يروي لنا القرآن الكريم:
** إني أرى ما لا ترون إني اخاف الله، والله شديد العقاب**.
هنا يتوقف بعض الناس.. ليقولوا كيف يقول الشيطان إني اخاف الله؟! وإذا كان يخاف الله تبارك وتعالى.. فلماذا المعصية والاصرار على المعصية؟.. وماذا يخيف الشيطان.. وهو مطرود من رحمة الله.. ملعون رجيم خالد في النار هو وكل من تبعه؟!.
نقول: إن الشيطان يخاف العذاب الذي ينتظره في الآخرة.. وهذا الخوف يملأه رغم كل ما يفعله في الدنيا.. إنه يتبرأ من كل معصية تمت على يديه.. ويحاول أن يتنصل منها ويهرب من مسؤوليتها امام الله.. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى:
** كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني اخاف الله رب العالمين** الحشر16.
وهكذا يحاول الشيطان أن يتنصل من مسؤولية إغواء الانسان بالكفر والمعصية. حتى يوم القيامة، عندما يقف أمام الله، يلقي اللوم كله على الانسان.. ويحاول أن يهرب من المسؤولية.
ويعطينا الحق سبحانه وتعالى صورة لهذا المشهد.. في قوله تعالى:
** وقال الشيطان لما قضي الأمر إنّ الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم، ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي، إني كفرت بما أشركتمون من قبل، إن الظالمين لهم عذاب أليم** إبراهيم22.
إن الشيطان الذي زين للناس كل المعاصي والكفر، يأتي يوم القيامة ويتبرأ مما فعل، ويحاول أن يلقي اللوم كله على الانسان.. ويقول إنني لم أفعل شيئا.. إلا أنني دعوتكم فاستجبتم لي.. ولولا أنكم في أنفسكم تريدون الكفر والمعصية وتميلون اليهما، ما كنت قادرا على أن آخذكم الى معصية الله.. فلا تلقوا اللوم عليّ.. ولكن ألقوه على أنفسكم، لأنكم استمعتم الى إغوائي.. ولم يكن لي سلطان أن أقهركم على المعصية وهذه حقيقة، لأن الشيطان لا يملك أن يقهر إنسانا على معصية الله جل جلاله.
لا عقاب على القهر
إن من دلائل رحمة الله بعباده أنه يسقط عنهم كل عمل يتم قهرا حتى يكون الحساب عدلا.. فكل ما يقهر الانسان عليه ويفعله رغم إرادته لا يحاسب عليه يوم القيامة.. مصداقا لقول الحق سبحانه وتعالى:
{من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان** النحل 106.
وهكذا فإن الذي يكره على إعلان الكفر ـوقلبه مؤمن ـ لا يحاسب على ذلك.. ولقد جعل الله تبارك وتعالى.. منطقة الحساب ـوهي ما يعتقده القلب ـ لا يمكن ان تخضع لأي إكراه.. فأنت تستطيع أن تخضع الانسان.. ليفعل ما تريد رغما عنه.. ولكنك لا تستيطع أنتكره قلبه أبدا على أن يحبك وهو يكرهك، ولا أن تخضع القلب قهرا ليؤمن بما لا يريد أن يؤمن به.
الله سبحانه وتعالى يخبرنا أن الشيطان ليس له سلطان على الانسان.. والسلطان إما أن يكون سلطان القهر.. بحيث يجعل الانسان يعمل شيئا رغما عنه بالقوة، وإما سلطان الحجة بحيث يقنع الانسان بأن يفعل شيئا بإرادته.. والشيطان في كلتا الحالتين لا يملك سلطان القهر ولا سلطان الحجة.. ولكنه ـ كما قلنا ـ ينفذ من جوانب الضعف في الانسان.. فيزين له ما تهواه نفسه حتى يقع في المعصية. والآية الكريمة تقول:
{ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ**.
مصرخكم.. أي أسرع لنجدته ليزيل أسباب صراخه.. وفي هذه الحالة لا بدّ أن يكون من القوة بحيث يستطيع أن يزيل أسباب الصراخ.. فإذا هاجم لص شخصا وصرخ طالبا النجدة، فإنه لا يهب لنجدته إلا إنسان قوي يستطيع أن يتغلب على المهاجم، ولكن إذا كان الذي سمع الصراخ شيخ ضعيف فإنه لا يستطيع إن يصرخه، او يزيل سبب صراخه..
إن الشيطان يقول.. أنا لا أملك القوة لأزيل سبب صراخكم من العذاب الذي أنا ذاهب اليه معكم، ثم يتبرأ من الذين كفروا بسبب إغوائه.. ويحاول أن يتنصل من المسؤولية فيقول كما يروي لنا القرآن الكريم:
{إني كفرت بما أشركتمون**.
إذن فأول جنود الشيطان هو الغرور، بأن يصوّر للإنسان أنه يستطيع أن يحقق بذاته ما يشاء ويجعله يعبد نفسه. أو يعبد عقله، أو يعبد الأسباب، أو يعتقد أنه أقدر من الله سبحانه وتعالى على التشريع، فيترك منهج الله وقوانينه ويشرّع نفسه مما يسمونه القوانين الوضعية الى آخر ما نراه.
ويجب أن نعلم أن الشيطان له جنود ماديون.. هم شياطين الانس والجن، وأولئك هم الذين اتبعوه واتخذوا منهجه.. يقاتلون من أجل الباطل.. ويحاربون الحق.. ويسخرون من المؤمنين، وهؤلاء يقول عنهم الله سبحانه وتعالى:
** استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، أولئك حزب الشيطان، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون** المجادلة19.
حزب الشيطان هؤلاء.. يحاولون نشر الالحاد.. ويقاومون كل دعوة للحق.. ويقفون امام رسالات السماء.. يصدون عنها الناس.. وتصل المسألة الى حدّ القتال.. مصداقا لقوله تبارك وتعالى:
{الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفرا يقاتلون في سبيل الطاغوت** النساء 76.
وهناك شياطين الجن وشياطين لبلنس.. شياطين الانس، هم الذي يكون لهم الشيطان قرينا.. أي يكون مقترنا بالإنسان... وعندما يكونالشيطان قريبا وملازما للإنسان.. يكون الإنسان قد وصل الى قمة المعصية.. لأنه ما دام الشيطان ملازما لشخص ما، فهو لا يدفعه الى الخير أبدا.. بل يدفعه دائما الى الشر.. لنه قرين سوء..
وهكذا دائما قرناء السوء يساعد بعضهم بعضا، ويقوي بعضهم قلوب بعض على اقتراف الاثم.. تراهم وقد اجتمعوا على المعصية.. في كل ليلة يجتمعون في منزل أحدهم.. ومعهم الخمر والنساء ويرتكبون كل ما يغضب الله.. وتربط بينهم المعصية في الحياة الدنيا براباط قوي متين.. ولكن في الآخرة يتبدل الحال، ويكونون أعداء لبعضهم البعض.
على أن الله سبحانه وتعالى شرح لنا ماذا يفعل الشيطان في قرينه.. فقال كما يروي لنا القرآن الكريم:
{ولأضلّنّهم ولأمنّينّهم ولآكرنّهم فلبيتكنّ آذان الأنعام ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق الله، ومن يتخذ الشيطان وليّا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا** النساء 119.
هذا هو ما يفعله الشيطان مع قرنائه؛ إنه أولا يضلهم.. أي يبعدهم عن منهج الحق.. ويفسد لهم هذا المنهج.. وقد كانت الشياطين قبل نزول الآيات تسترق السمع في السماء على منهج الله.. فإذا علمت شيئا منهم.. أسرعوا الى قرنائهم من الكهنة والسحرة وغيرهم.. وأبلغوه بما سمعوا من المنهج محرفا.. بعد أن يضيفوا اليه ما يجعله وسيلة للضلال.. ويخفوا منه كل ما يهدي الانسان، ثم يضيف الكهنة بدورهم الى المنهج ما يحقق لهم السلطان في الدنيا.. ويدعون أنه من عند الله.. ليفسدوا به فس الأرض.. ويضلوا به الناس..
وهكذا حرّفت الكتب السماوية.. وأضيف اليها ما لم يأمر به الله.. وما لم ينزله.. وحذف وأخفى منها ماأمربه الله... فأصبحت لا تفي بغرض الهداية.. ولكن عندما نزل القرآن الكريم.. منعت الشياطين من استراق السمع.. وحفظ الله القرآن الكريم من أي تغيير أو تبديل..
هذا هو الاضلال.
أما قول الشيطان "لأمنينهم".. فإن الشيطان يزين للانسان المعاصي.. التي يتمنى أن يفعلها.. ويصور له أنها ليست معصية ولكنها خير...
أما مسألة الأنعام وتغيير خلق الله.. فإنه من تمام الخلق هو ما خلق الله سبحانه وتعالى.. فكل خلق لله له مهمة في الحياة.. خلق ميسرا أن يؤديها.. وتغيير هذا الخلق هو إفساد لهذه المهمة...
إن الذين كانوا يشقون آذان الأنعام.. على أساس أنها للأصنام وخدامها.. خرجوا بخلق الله عنه مهمته.. فالأنعام هي متاع للإنسان.. يحمل عليها أثقاله.. ويأكل لحومها ويأخذ جلودها وأصوافها.. ولكنها لا افيد الأصنام شيئا. فكأن الشيطان يريد أن يخرج خلق الله عما خلقوا من أجله.. ويستعين في ذلك بقرنائه...
وإذا نظرنا الآن.. الى بعض التجارب التي تتم كأن يأتوا بقدم كلب ويزرعونها في جسد ضفدعة.. أو غير ذلك مما يتم.. نقول لهم ماذا تستفيد الانسانية.. من ضفدعة لها قدم كلب؟ّ الضفدعة لها مهمة في الدنيا خلقت من أجلها، وخلقها بالطريقة التي خلقت بها هو من تمام أداء مهمتها.. ولكنك جئت لتفسد هذه المهمة دون أن تفعل شيئا.. وكذلك كل التجارب التي تتم.. فينتج عنها إنسان مشوّه.. نقول أفسدت خلق الله.. ولم تستفد شيئا.. وكذلك بالنسبة لكل العبث الذي يتم للسيطرة على العقل البشري.. إنما يفسد مهمته في الكون.
الله سبحانه وتعالى.. إظهارا منه جل جلاله لتفاهة ما يمكن أن يفعله الشيطان.. يخبرنا بأن الشيطان.. يستعمل سلاح الخوف ليستعبد الانسان.. فيقول جل جلاله:
** إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه، فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين** آل عمران175.
كيف يسيطر الشيطان على الانسان بالخوف؟.. إذا تصدق الانسان خوفه الشيطان من الفقر. وإذا أراد أن يقول كلمة حق.. خوفه الشيطان من بطش رؤسائه الظالمين.. وإذا أراد أن يقوم للصلاة.. خوّفه الشيطان من أنه سيضيع منه كذا وكذا من مصالح الدنيا.. وإذا قام ليجاهد في سبيل الله.. خوفه الشيطان من قوة الكافرين وأدخل في نفسه أنه سيقتل عند بدء المعركة.. وإذا أراد أن يسعى في خير..خوّفه الشيطان في أن ذلك سيضيع وقته ومصالحه.. وإذا أراد أن ينهى عن منكر.. خوفه الشيطان من أن ذلك سيجلب عليه الأذى..
وهكذا كل خير يخطر على النفس.. يخوّف الشيطان الانسان من أنه سيقع عليه ضرر؛ في ماله أو نفسه أو أولاده أ, وظيفته أو تجارته.. أو ما يهمه من أمور دنيوية.. وبهذا السلاح ـ سلاح الخوف ـ يلقي الشيطان الرعب في نفس الانسان من ناحية لخير.
على أننا قبل أن نختم هذا الكتاب.. لا بد من وقفة مع الأنبياء والرسل.. والشيطان.. هناك حكم عام وخصوصية مع عدد من أنبياء الله ورسله.. الحكم العام هو قول الله سبحانه وتعالى:
** وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ إلا تمنّى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما ألقى الشيطان ثم يحكم الله آياته، والله عليم حكيم ليحعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم، وإن الظالمين لفي شقاق بعيد** الحج 52ـ53.
نقول ما هي أمنية كل رسول.. أمنية كل رسول هي أن ينشر منهجه.. ويؤمن به لناس.. وينجح في إصلاح حركة حياتهم.. وجذبهم للإيمان.. وتركهم الكفر.. هذه هي أمنية الرسول.. ولكن هل يترك الشيطان الناس يستمعون للرسل ويؤمنون برسالاتهم؟.. لا إنه يقف لهم ليصدهم عن منهج الله.. ويبدأ بالمترفين الذين سيضرهم المنهج في نفوذهم الدنيوي.. فيجعلهم دعاة له.. يقاومون الرسالات.. ويضعون العراقيل.. ويعذبون من آمن حتى يكفر.. ويتصدون للمؤمنين بالإيذاء.
ولكن.. هل يظل الباطل منتصرا؟.. لا.. إن الله تبارك وتعالى ينسخ ما يلقي الشيطان وينصر رسوله.. فتنجح الدعوة ويزداد عدد المؤمنين.. هذا هو معنى الآية الكريمة.. الرسول يتمنى أن ينجح في مهمته.. ولكن الشيطان يحرض العاصين والكافرين ضده.. وتنتهي المعركة بإنتصار الرسول على الشيطان.
على أنه ورد ذكر الشيطان بالنسبة للرسل في أكثر من آية.. في قول أيوب عليه السلام:
{أنّي مسّني الشيطان بنصب وعذاب** ص 41.
وقول يوسف عليه السلام:
{من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي** يوسف 100.
وقول الحق جل جلاله:
{فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين** يوسف 42.
وقوله سبحانه وتعالى:
{وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره** الكهف 63.
وقول موسى أيضا:
{قال هذا من عمل الشيطان إنه عدوّ مضلّ ملبن** القصص 15.
وهذه الآيات على سبيل المثال لا الحصر.. ونقول: إن كون الأنبياء معصومين.. لا يعني أنهم ممنوعون من جهاد النفس، بل لا بدّ أن يبقى لهم شيء يجاهد كل منهم به نفسه فالرسول نفس بشرية.. فيها نوازع وشهوات، يتغلب عليها بجهاد نفسه. وإذا لم يكن لنفوس الأنبياء امور ومواقف يجاهدونها لكانوا ملائكة.
لقد جعلهم الله سبحانه وتعالى بشرا حتى يكونوا قدوة للمؤمنين بهم في كفاح الشيطان، وكفاح النفس والتغلب عليهما، ولذلك سمي بعض الأنبياء بأولي العزم. والعزم هنا معناه؛ العزم في طاعة الله ومحاربة الشيطان.
أما بالنسبة لموسى عليه السلام.. فعندما ضرب الرجل وقتله لم يكن قد كلف بالرسالة بعد.. ولكن كان فيه الايمان والتقوى.. فتنبه في الحال الى أن ما عمله هو من عمل الشيطان. واتجه الى الله سبحانه وتعالى. طالبا المغفرة والتوبة.. اما قوله عليه السلام:"وما أنسانيه إلا الشيطان".. فمعناه أن الشيطان. حاول أن يوسوس لموسى.. فتنبه موسى عليه السلام.. وتخلص من وسوسة الشيطان.
أما بالنسبة ليوسف عليه السلام.. فغن قول الحق تبارك وتعالى:** فأنساه الشيطان ذكر ربه**.. فهو يحمل معنيين: أن يكون الذي خرج من السجن أنساه الشيطان أن يذكر يوسف عند عزيز مصر، فلبث يوسف في السجن بضع سنين.. وإما أن يكون يوسف هو الذي نسي. ولكن المعنى الأقوى هو أن الشيطان أنسى ذلك الذي نجا أن يذكر يوسف عند عزيز مصر.. ويطلب منه إخراجه من السجن.. وبسبب ذلك بقي في السجن بضع سنين...
ويؤكد هذا أن يوسف قال للرجل:" أذكرني عند ربك".. أي عند الملك الذي أنت ذاهب اليه .. وقل له هناك مظلوم في السجن.. أحواله كذا وكذا.. ومن هذا نفهم أن الآية لا تعني أن الشيطان أنسى يوسف ذكر الله تبارك وتعالى.
أما قول أيوب عليه السلام:
{أني مسني الشيطان بنصب وعذاب**.. فقد كان أيوب يشكو لربه.. أن الشيطان يوسوس له.. ويقول كيف وأنت نبي تصيبك كل هذه الابتلاءات؟.. كيف تمرض ويحدث لك ما حدث.. من فقد للأولاد.. ومعصية من الزوجة وغير ذلك... ألم يكن من الواجب أن يكرمك الله سبحانه وتعالى.. لأنك نبي.. ويمنع عنك كل هذا؟.. ولكن أيوب عليه السلام.. الذي أتعبه وأضابه كلام الشيطان بعذاب نفسي.. لم يلتفت اليه.. وإنما اتجه الى الله سبحانه وتعالى بالدعاء.. يطلب منه أن يذهب عنه ما هو فيه.. واستجاب الله جل جلاله لدعائه.
وهكذا نرى أن إبليس.. حاول أن يقترب من أنبياء الله.. كما شارك في تدبير خطة قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الهجرة.. ولكن الله جل جلاله عصم الأنبياء والرسل منه.. ونصرهم عليه.
على أننا لا بد أن نتعرّض لحديث رسول الله الذي يقول فيه:" إن الشيطان يجري في الانسان مجرى الدم" أخرجه مسلم 5729 ذلك أن بعض المستشرقين يحاول التشكيك في هذا الحديث..
ونقول لهؤلاء المشككين الذين يحاولون أن يجدوا ثغرة ينفثون من خلالها سمومهم ـ وهيهات ـ: إن الدم فيه مكونات تجري فيه.. مثل الحديد والفوسفات والكالسيوم.. وغير ذلك من المكونات التي أظهرتها لنا التحاليل الحديثة.. بل إن الميكروبات والجراثيم ـ وهي جسم مادي ـ تخترق الجلد وتدخل الى الدم.. وتظل فيه فترة حضانتها حتى تتكاثر.. وتقوم بينها وبين كرات الدم البيضاء معارك.. والشيطان ليس مخلوقا من مادة الطين.. بل هو مخلوق من مادة أكثر شفافية.. هو غاية في اللطف والدقة.. فكيف نستكثر أن يخترق الجلد ويجري في الدم كما تجري عشرات المواد الصلبة ونحن لا نحس بها؟؟!.
نسأل الله أن يعصمنا من الزلل.. وألا يجعل للشيطان على قلوبنا من سبيل، إنه سميع مجيب.
تمّ بحمد الله
صاحب الكتاب هو الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه