أحوال القلب و علاجه للشيخ عبد الرزاق العباد - و فقه الله - 			
 
 أحوال القلب وعلاجه
 
 إنَّ القلب مضغة صغيرة في صدر الإنسان عظيمة الخطر كبيرة الأثر ، صلاحه  صلاح للبدن كله وللجوارح جميعها، وفساده فساد للبدن كله وللجوارح جميعها .  عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه  وسلم يقول : ((... أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ  صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ؛  أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ )) [1].
 
 فما أعظم خطر هذه المضغة وما أكبر أثرها !! فكل حركة وسكون تقع من الإنسان  وكل فعل أو ترك فرعٌ عن مراد هذه المضغة ، بل لا يمكن للجوارح أن تتخلف عن  ذلك ، كما قال بعض السلف " القلب ملك والأعضاء جنوده ، فإذا طاب الملك طاب  الجند ، وإذا فسد الملك فسد الجند " ، وما أحوج الإنسان إلى العناية بهذه  المضغة إصلاحاً وتنقية وتزكية وتطهيراً ، ومن الدعوات المأثورة في هذا  الباب : عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه  وسلم يقول : (( ... اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ  خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا )) [2]. وإن أهم ما  ينبغي مراعاته في هذا المقام معرفة الغاية التي خُلقت القلوب لأجلها وأوجدت  لتحقيقها ألا وهي توحيد الله وإخلاص الدين له .
 
 والقلوب في هذا الأمر على قسمين :
 
 v  الأول : قلب مشغول بالله عاقل للحق مفكر في العلم مجتهد في تحقيق هذه  الغاية ، وهو بهذا يكون قد وضع في موضعه الصحيح ، وحينئذ يكون له وجهان :  وجهٌ مقبلٌ على الحق علماً وعملاً سعياً وإذعاناً رغبة وطلباً تحقيقاً  وتطبيقاً . ووجهٌ معرض عن الباطل منصرف عنه حذراً من الوقوع فيه ، ويقال له  : القلب الزاكي، والقلب الطاهر ، والقلب السليم ، لأن هذه الأسماء تدل على  سلامة القلب من الشر وبُعده عن الخبث وخلاصه من الآفات .
 
 v  الثاني : قلبٌ منصرف إلى الباطل منحرف عن الغاية التي أوجد لأجلها وخُلق  لتحقيقها ، وله وجهان : وجهٌ مقبلٌ على الباطل مشغول به ، ووجهٌ معرض عن  الحق غير قابل له ، وهما في الحقيقة آفتان : آفة الصدود عن الحق ، وآفة  الإقبال على الباطل ، ولكلٍّ منهما أضراره الجسيمة ونتائجه الوخيمة .
 
 والباطل الذي ينشغل به القلب عن هذه الغاية نوعان :
 
 §   أولاً : نوع يشغل القلب عن الحق ويزاحم الخير الذي فيه دون أن يعانده  ويصادمه ، كالأفكار والهموم والغموم والأحزان الناشئة عن علائق الدنيا  وشهوات النفس .
 
 §   ثانياً : نوع يعاند الحق الذي في القلب ويصادمه ويصد عنه ، مثل الآراء والأهواء المردية من الكفر والنفاق والبدع ونحو ذلك .
 
 فالأول يزاحم القلب ، والثاني يصادم ما فيه [3].
 
 وعلاج الأول : بالعودة بالقلب إلى التوحيد الخالص والإيمان الصحيح الذي خُلق القلب لأجله ، وعدم شغله بأمر آخر .
 
 ومن الأحاديث الواردة في ذلك : ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما ((أَنَّ  رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ  الْكَرْبِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ  إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ  رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ )) [4]  . وعن أسماء بنت عُميس رضي الله عنها قالت : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ  تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ أَوْ فِي الْكَرْبِ ؟ اللَّهُ اللَّهُ  رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا)) [5] . وعن أبي بكرة رضي الله عنه عن  النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ : اللَّهُمَّ  رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ  وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ)) [6] . وعن  سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  ((دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ : لَا  إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ ،  فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا  اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ)) [7] .
 
 وجميع هذه الكلمات الواردة في هذه الأحاديث كلمات إيمان وتوحيد وإخلاص لله  عز وجل وبُعد عن الشرك كله كبيره وصغيره ، وفي هذا أبين دلالة على أنَّ  أعظمَ علاج للكرب هو تجديدُ الإيمان وترديد كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)  ، فإنه ما زالت عن العبد شدةٌ ولا ارتفع عنه همٌّ وكربٌ بمثل توحيد الله  وإخلاص الدين له وتحقيق العبادة التي خُلق العبد لأجلها وأوجد لتحقيقها ،  فإن القلب عندما يُعمَر بالتوحيد والإخلاص ويُشغل بهذا الأمر العظيم الذي  هو أعظم الأمور وأجلُّها على الإطلاق تذهب عنه الكربات وتزول عنه الشدائد  والغموم ، ويسْعَدُ غاية السعادة .
 
 قال ابن القيم رحمه الله : " التوحيد مفزع أعدائه وأوليائه ، فأمَّا أعداؤه  فينجيهم من كرب الدنيا وشدائدها: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا  اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ  إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ** [العنكبوت:65] ، وأما أولياؤه فينجيهم من كربات  الدنيا والآخرة وشدائدها . ولذلك فزع إليه يونس, فنجَّاه الله من تلك  الظلمات , وفزع إليه أتباع الرسل فنجوا به مما عُذِّب به المشركون في  الدنيا وما أعِدَّ لهم في الآخرة . ولما فزع إليه فرعون, عند معاينة الهلاك  وإدراك الغرق, لم ينفعه , لأن الإيمان عند المعاينة لا يقبل ؛ هذه سنة  الله في عباده ، فما دُفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد ، ولذلك كان دعاء  الكرب بالتوحيد ، ودعوة ذي النون التي ما دعا بها مكروب إلا فرَّج الله  كربه بالتوحيد ، فلا يُلقي في الكرب العظام إلا الشرك ، ولا ينجِّي منها  إلا التوحيد, فهو مفزَع الخليقة وملجؤها وحصنها وغياثها . وبالله  التوفيق"[8] ا.هـ .
 
 وعلاج الثاني بالهداية لهذا الدين الحنيف والتوفيق للدخول فيه ، قال الله  تعالى {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ  مِنْ رَبِّهِ ** [الزمر:22] .
 
 وكل منحرف عن هذا الدين منصرف عن الهدى ؛ فقلبه مريض ولا شفاء له إلا  بالدخول في هذا الدين ، وفي غاية الظمأ والعطش لا يرويه إلا معِين هذا  الدين الصافي ومنهله العذْب .
 
 قال أحد المهتدين لهذا الدين : " إنَّ غير المسلمين على اختلاف نحَلهم  ومللهم ظمأى ، بل يكادون يهلكون من شدة الظمأ ، وذلك لأنهم لم يجدوا ما  يروي ظمأهم في عقيدتهم البالية - محرَّفة كانت أو مؤلفة من ورث عقولهم - ،  ويا لله العجب كلما شربوا منها ازدادوا ظمأً ، وما كنتُ إلا واحداً من  هؤلاء ، ووالله ما ارتويت إلا من بعد أن نهلت من نهر هذا الدين العذب  الصافي {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ  الْعَالَمِينَ ** [الجاثية:36] "[9] . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي  العظيم .
 
  
 
 *********
 
 ________________
 
 [1] متفق رواه البخاري (52) ومسلم (1599) .
 
 [2] رواه مسلم (2722) .
 
 [3] انظر (طريق الوصول) لابن سعدي ص (162-163)  .
 
 [4] رواه البخاري (6346) ، ومسلم (2703) .
 
 [5] رواه أبو داود (1525) ، وابن ماجه (3882) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح الترغيب) (1824).
 
 [6] رواه أبو داود (5090) ، وحسنه الألباني رحمه الله في (صحيح الجامع) (338.
 
 [7] رواه الترمذي (3505) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح الجامع ) (3383) .
 
 [8] (الفوائد ) ص ( 95-96) .
 
 [9] من مذكرة لمحمد حسين عبد الله الصيني .