حنين الأبوة إلى أولياء الأمور ...
هل تضايقتم من ضجيج الأولاد ، وشعرتم أنكم بحاجة إلى هدوء يلف ردهات بيوتكم ، وهل تضحرتم من لعب أطفالكم حتى وقت الجد والدراسة ؟ وإذا ضاقت عليكم أنفسكم بسبب تشاجر أبنائكم وطرقت أسماعكم أصوات بكائهم ، وإذا مللتم من ضحكاتهم وتنافسهم عليكم فإن الشاعر بهاء الدين الأميري قد كان مثلكم لكنه عندما سافر أولاده عنه افتقد كل هذه الحركات وبدا في سكون البيت ينتابه ضجيج داخلي ينكر هذا السكون ويستذكر ما كان بشجون :
أين الضجيج العذب والشغب *** أين التدارس شابه اللعِبُ
أين الطفولة في توقُدِها *** أين الدمى في الأرض والكتبُ
أين التشاكس دونما غرض *** أين التشاكي ما له سببُ
أين التباكي والتضاحك في *** وقت معاً والحزن والطرب
أين التسابق في مجاورتي *** شغفاً إذا أكلوا وإن شَرِبوا
يتزاحمون على مجالستي *** والقرب مني حيثما انقلبوا
أيها الأبوان ...
هل ضاق صدركم بتكرار كلمة ( ماما ) أو ( بابا ) في كل مناسبة ، وعلى مدار الساعة ... ربما لو صمتوا وما قالوها لحننتم إلى سماعها كما حدث مع الشاعر :
يتوجهون بسَوق فطرتهم نحوي *** إذا رهبوا وإن رغبوا
فنشيدهم (بابا) إذا فرحوا *** ووعيدهم (بابا) إذا غضبوا
وهتافهم (بابا) إذا ابتعدوا *** ونحيبهم (بابا) إذا اقتربوا
بالأمس كانوا ملء منزلنا *** واليومَ وَيح اليومِ قد ذهبوا
ذهبوا أجل ذهبوا ومسكنهم *** في القلب ما شطوا وما قربوا
ما أجمل أن يكون وجود الأطفال حقيقياً ، ولكن حين تحل الذكرى محل الواقع ، وتبقى الصورة تثير الذكرى ، وتغيب شخوصها عندها سنشعر بما شعر به هذا الأب المفارق :
أيها الآباء والأمهات :
لعلكم ضقتم ذرعاً بما يخربه أطفالكم ، وبما يشوهونه من صور الترتيب والنظافة التي تريحنا ككبار
إني أراهم أينما التفتت نفسي *** وقد سكنوا وقد وثبوا
وأحس في خلدي تلاعبهم في الدار *** ليس ينالهم نصبوا
وبريق أعينهم إذا ظفروا *** ودموع حُرقتهم إذا غلبوا
في كل ركن منهمُ أثرٌ *** وبكل زاوية لهم صخبوا
آثارهم التي إذا نظرنا إليها لدى غيابهم في مدارسهم أو أسفارهم تبتهل قلوبنا بالدعاء لهم أن يحفظهم الله
في النافذات زجاجها حطموا *** في الحائط المدهون قد ثقبوا
في الباب قد كسروا مزالجه *** وعليه قد رسموا وقد كتبوا
في الصحن فيه بعض ما أكلوا *** في علبة الحلوى التي نهبوا
في الشطر من تفاحة قضموا *** في فضلة الماء التي سكبوا
أيها المربون الأفاضل
عواطفنا نحو أطفالنا تخبو وتزيد وقد تترجم حناناً عليهم ، أو بذلاً لهم ، أو بكاء شفقة عليهم وحنيناً لهم كما حدث لشاعرنا حين وصف حاله مع أبنائه :
إني أراهم حيثما اتجهت عيني *** كأسراب القطا سربوا
بالأمس في ( قرنايلٍ ( نزلوا *** واليوم قد ضمتهمُ حلبُ
دمعي الذي كتمته جلداً *** لما تباكَوْا عندما ركبوا
حتى إذا ساروا وقد نزعوا *** من أضلعي قلباً بهم يجبُ
ألفيتني كالطفل عاطفة *** فإذا به كالغيث ينسكبُ
قد يعجب العُذّال من رجل يبكي!! *** ولو لم أبكِ فالعجبُ!!
هيهات ما كل البكا خَوَرٌ *** إني وبي عزم الرجال أبُ
فيا لهم من أطفال يعرفون كيف يلعبون بعواطفنا ، تارة يضحكوننا ، وتارة يبكوننا ، وهم في جميع الأحوال أحبتنا ، لساننا ينطلق بالدعاء لهم ، وعيوننا تسعد برؤياهم ، يحفظهم الله ويرعاهم .