،،،،،،
بارك الله فيكم أخي الحبيب , ومشرفنا القدير ( البرق ) ، أما بخصوص سؤالكم الكريم فإليكم الاجابة :
أولاً : لا بد أن نعرج على المعنى العام للرقية حتى نستطيع الاجابة على تساؤلكم الكريم :
* المعنى اللغوي للرقية :
* قال ابن سيده : ( الرقية هي العوذة ، قال عروة :
فما تركا من عوذة يعرفانها ولا رقيـة إلا بها رقياني )
( المحكم والمحيط الأعظم في اللغة - ابن سيده - 6 / 309 ) 0
قال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - : ( " رقى " هي ما يقرأ من الدعاء لطلب الشفاء من القرآن ، ومما صح من السنة ) ( ضعيف سنن الترمذي - ص 231 - 232 ) 0
* المعنى الشرعي للرقية :
أما في الشرع فالمراد بالرقية المشروعة : هي ما كان من الأدعية المشروعة أو الآيات القرآنية 0
قال شمس الحق العظيم أبادي : ( الرقية : هي العوذة بضم العين أي ما يرقى به من الدعاء لطلب الشفاء ) ( عون المعبود شرح سنن أبي داوود - 10 / 370 ) 0
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( الرقى بمعنى التعويذ ، والاسترقاء طلب الرقية ، وهو من أنواع الدعاء ) ( مجموع الفتاوى - 1 / 182 ، 328 - 10 / 195 ) 0
اذن تبين لنا هنا بأن المعنى العام للرقية سواء كان ذلك لغة أو اصطلاحاً هو ما يرقى من الدعاء لطلب الشفاء 0
ثانياً : الثابت والصحيح بأن الرسول قد نفث قبل الرقية ومعها وبعدها :
والمتأمل في النصوص النقلية الصريحة الصحيحة في الكيفية الخاصة بالرقية يرى جواز النفث أو التفل قبل القراءة أو بعدها أو معها ، وأذكر هنا بعض النصوص الدالة على ذلك :
* النفث أو التفل قبل الرقية :
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت :
( كان رسول الله إذا أوى إلى فراشه كل ليلة ، جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) ( سورة الإخلاص - الآية 1 ) 0 و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) ( سورة الفلق - الآية 1 ) 0 و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ( سورة الناس - الآية 1 ) 0
ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاثا )
( صحيح البخاري 716 )
* النفث أو التفل بعد الرقية :
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت :
( أن رسول الله كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث ، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه ، وأمسح بيده ، رجاء بركتها )
( متفق عليه )
قال فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – حفظه الله - : ( ولا بأس أيضا بوضع اليد على موضع الألم ومسحه بعد النفث عليه ، كما أنه يجوز القراءة ثم النفث بعدها على البدن كله وعلى موضع الألم للأحاديث المذكورة ، والمسح هو أن ينفث على الجسد المتألم بعد الدعاء أو القراءة ثم يمر بيده على ذلك الموضع مرارا ، ففي ذلك شفاء وتأثير بإذن الله تعالى ) 0 ( الفتاوى الذهبية - ص 18 ) 0
وهذا يدل على أن الدعاء مع النفث جائز للشخص لو كان قبل الرقية أو معها أو بعدها ، وقد أجاز العلماء كذلك النفث في الأطعمة والأشربة والزيوت وهناك فتوى ممهورة بذلك للعلامة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - رحمه الله - 0
ثالثاً : هل ثبت أن رسول الله قد دعى لأحد من الصحابة ، والجواب على ذلك نجده من خلال النقولات الصريحة الصحيحة وهي على النحو التالي :
عن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – قال :
( تشكيت بمكة شكوى شديدة ، فجاءني النبي يعودني ، فقلت : يا نبي الله ، إني أترك مالا ، وإني لم أترك إلا ابنة واحدة ، فأوصي بثلثي مالي وأترك الثلث ؟ فقال : ( لا ) . قلت : فأوصي بالنصف وأترك النصف ؟ قال : ( لا ) . قلت : فأوصي بالثلث وأترك لها الثلثين ؟ قال : ( الثلث ، والثلث كثير ) . ثم وضع يده على جبهتي ، ثم مسح يده على وجهي وبطني ، ثم قال : ( اللهم اشف سعدا ، وأتمم له هجرته ) . فما زلت أجد برده على كبدي - فيما يخال إلي - حتى الساعة )
( حديث صحيح – متفق عليه والرواية في البخاري – الجامع الصحيح - برقم 5659 )
وعن سعد قال :
( اشتكيت بمكة فجاءني النبي يعودني ووضع يده على جبهتي ثم مسح صدري وبطني ثم قال اللهم اشف سعدا وأتمم له هجرته )
( حديث صحيح - الألباني - صحيح أبي داود - برقم 3104 )
عن عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنه – قال :
( قال رسول الله إذا جاء الرجل يعود مريضا ؛ فليقل : اللهم ! اشف عبدك ؛ ينكأ لك عدوا ، أو يمشي لك إلى جنازة )
( اسناده حسن - الألباني - مشكاة المصابيح - برقم 1501 )
وقد ثبت من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنه – أنه قال : قال رسول الله :
( إذا جاء الرجل يعود مريضا فليقل : اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدوا ، أو يمشي لك إلى صلاة ، و في رواية : إلى جنازة )
( حديث حسن - الألباني - السلسلة الصحيحة - برقم 1304)
( وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : دخلت على أبي هريرة وهو شديد الوجع فاحتضنته فقلت : اللهم اشف أبا هريرة ، فقال : اللهم لا ترجعها قالها مرتين ثم قال : إن استطعت أن تموت فمت ، والله الذي نفس أبي هريرة بيده ليأتين على الناس زمان يمر الرجل على قبر أخيه فيتمنى أنه صاحبه )
( اسناده صحيح [ وروي ] مرفوعاً - ابن حجر العسقلاني - الإصابة في تمييز الصحابة – 4 / 210 )
فكافة الأحاديث تدل على جواز الدعاء للشخص بذاته 0
رابعاً : ولو توقفنا عند شروط الرقية الشرعية كما بينها علماء الأمة لتبين لنا أن الدعاء باسم الشخص لا يتعارض مع ذلك مطلقاً ، وقد ذكر تلك الشروط الشيخ سليمان بن عبدالله بن عبدالوهاب – رحمه الله – حيث قال :
( قال الإمام السيوطي - رحمه الله - : " قد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط :
1)- أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته 0
2)- أن يكون باللسان العربي وبما يعرف معناه 0
3)- أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى ) ( تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد - 167 ) 0
* قال ابن حجر في الفتح : ( قد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع هذه الشروط ) ( فتح الباري - 10 / 206 ) 0
والدعاء باسم الشخص ما دام أن المعالج يلتزم بالآداب العامة في الدعاء لا تخالف تلك الشروط بالعموم ، وبخاصة أن ذلك لا يتعارض بأي حال من الأحوال مع حديث عوف بن مالك الأشجعي قال :
( كنا نرقي في الجاهلية فقلنا : يا رسول الله : كيف ترى في ذلك فقال : " اعرضوا علي رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك " )
( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب السلام ( 64 ) – برقم 2200 )
إلا أنني أرى إن كان الرجل يرقي في بيته زوجه أو أحد محارمه فلا تثريب مطلقاً من الدعاء بالاسم ، أما إن كان الأمر يتعلق بالمعالج فالأولى ترك ذلك لمشابهته لما يقوم به السحرة والمشعوذين والمستعينين بالجن لما يلاحظ لديهم على التركيز في مسألة الاسم ، ومعلوم بأن منهجي يقوم على الأخذ بالأحوط وبخاصة أننا نتعامل في كثير من الأحيان مع عوام الناس ، وقد قال السلف :
( العوام هوام )
ولذلك قلت في كتابي الموسوم ( القواعد المثلى لعلاج الصرع والسحر والعين بالرقى ) تحت عنوان ( القواعد والأسس الرئيسة للرقية الشرعية ) البند الثاني والعشرين :
* الابتعاد عن مواضع الريبة :
ومن القواعد الهامة التي لا بد أن تترسخ لدى المعالِج هو الابتعاد عن مواضع الريبة التي توقع العامة في لبس وفهم خاطئ ، كالقراءة بصوت منخفض ، أو التصرف بإشارات مبهمة غير واضحة أو غير معلومة ، بحيث لا يميز المريض ما يقرأه المعالِج أو يقوله أو يفعله ، والأولى القراءة بصوت مسموع لكي لا يكون في الأمر ريبة أو شك ، وقس على ذلك الكثير مما يجب أن يراعيه المعالِج مع المرضى من العامة والخاصة 0
يقول الأستاذ أبو أسامة محي الدين : ( إن الشيطان لا يدع فرصة للدخول منها إلى النفس البشرية إلا وانتهزها ، ومن ذلك مواقف الشبهات واللبس والغموض والوسوسة ، ولذلك يجب على المسلم ألا يقف موقف الشبهات وإذا حدث ذلك فيوضح للناس حاله ومسلكه والغرض من أفعاله حتى لا يدخل الشيطان بينه وبين المسلمين بالوسوسة والإفساد )( عالم الجن والشياطين من القرآن الكريم وسنة خاتم المرسلين - ص 140 ) 0
يقول الأستاذ علي بن محمد ياسين : ( لا بد للراقي أن يكون واضحاً في رقيته ، لا يعلوه أو يعلو رقيته غبش أو تلبيس ، يقرأ بصوت واضح مفهوم ليُعلم عنه ماذا يقرأ ؟! وكيف يقرأ ؟! فلا يهمهم أو يتمتم ، ولا يأتي بحركات أو أفعال غريبة بعيدة عن الرقية الشرعية السهلة الميسرة ، بل عليه التقيد بما ورد ، وكيف كان الرسول يفعل حال رقيته ، لتتميز قراءته بكلام الله والأدعية الشرعية عن همهمات السحرة والدجالين ، ويتضح منهجه الشرعي عن غيره ، فتحصل بذلك المنفعة للناس ويتميز برقيته الشرعية عن أولئك )( مهلاً أيها الرقاة - ص 42 – 43 ) 0
ورسول الله أسوة حسنة في السلوكيات والأخلاقيات ، فقد ثبت في الصحيحين عن صفية بنت حيي زوج النبي قالت : كان رسول الله معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي ليقلبني - أي يرجعني إلى بيتي - وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ، فلما رأيا رسول الله أسرعا ، فقال لهما : على رسلكما إنها صفية بنت حيي 0 فقالا : سبحان الله يا رسول الله ، فقال :
( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا - أو قال شيئا )
( متفق عليه )
قلت : ومن هنا كان حريا بالمعالِج الاهتمام بهذه الجزئية غاية الاهتمام وتوخي الدقة في كافة التصرفات والسلوكيات المنهجية قولا وفعلا ، دون الخوض في أمور مبهمة أو تصرفات عشوائية ، ولا بد من تقديم صورة واضحة نقية عن الرقية الشرعية وضبطها بالقواعد والأصول والأحكام التي لا بد أن تتحلى بها ، وبالتالي تبدو الرقية علما شرعيا يستفيد منه القاصي والداني وينظر اليه بفخر واعتزاز ، ويصبح نواة وأساسا لحل وشفاء كثير من المشكلات المتعلقة بالأمراض العضوية والنفسية والروحية 0
هذا ما تيسر لي بخصوص هذه المسألة فما أصبت من الله وحده وما أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله بريئان 0
زادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0