توجيه معالي الشيخ صالح آل الشيخ - حفظه الله - في ( حفظ الأسرار )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجـمـعـيـن
أمـا بـعــــد : فقد جاء في شريط حقوق الأخـوة لمعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - ما نصه :
- المظهر الثالث من مظاهر حفظ العرض أن تحفظ أسراره:
وأسراره هي التي بثها إليك ، بثّ إليك نظرا له ، بثّ إليك رأيا رآه في مسألة تكلمتم في فلان ، فقال لك رأيا له في فلان ، تكلمتم في مسألة فله رأي فيها بثَّه إليك ؛ لأنك من خاصته ، ولأنك من أصحابه ، ربما يخطئ وربما يصيب ، فإذا كنت أخا صادقا له فإنما بث إليك ذلك لتحفظه لا لأن تشيعه ، لأن مقتضى الأخوة الخاصة أن يكون ما بين الأحباب سر ، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داوود في سننه « الرجل إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت عنه فهي أمانة » هي أمانة .
والله جل وعلا أمرنا بحفظ الأمانات ، وحفظ الأعراض ، لأنّك إذا ذكرت هذا الرأي منه ، فإن الناس سيقعون فيه ، ترى منه رأيا عجيبا ، تقول فلان يرى هذا الرأي ، فلان يقول في فلان كذا ، ما معنى الأخوَّة ؟ هل تُشيع عنه ما يرغب أن يُشاعَ عنه ؟ بل أعظم من ذلك أن يأتي أخ بينه وبين أخيه عقد أخوّة خاصة فيستكتمه على حديث فيقول : هذا الحديث خاص بك لا تخبر به أحدا .
فيأتي هذا الثاني ويخبر ثالثا ويقول : هذا خاص بيني وبينك ولا تخبر أحدا ، ثم ينتشر في المجتمع والأول غافل عنه ، كما قال الشاعر: وكل سرٍّ جاوز الاثنين فإنه ... بنفس وتكسيرِ الحديثِ قمين
فهذا واقع ، فإن المرء إذا اصطفى آخا ؛ إذا اصطفى صاحبا له ، أخا له فأخبره بسر ، فلا بد من الكتمان ، خاصة إذا استأمنه عليه ، فإذا لم يستأمنه عليه فكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - « إذا حدَّث الرجلُ الرجلَ بحديث ثم التفت عنه فهي أمانة » فكيف إذا استكتمه إياه ، ولم يأذن له بذكره ، من مظاهر حفظ العرض أن يُحجم المرء عن ذكر المساوئ التي رآها في أخيه ، أو في أهله أو في قرابته ، أو في ما سمع منه ، مثلا واحد يتّصل بأخيه ، فيسمع - وهذا ساكن مثلا مع أهله أو منفرد - فيسمع في بيته ما لا يُرضي ، فيذهب ويخبر ؛ يقول : سمعت في بيت فلان كذا وكذا ، وكذا. أو يراه على حال ليست بمحمودة ، فيذهب يخبر بمساوئه ، ليس هذا من حفظ العرض ، بل هذا من انتهاك العرض ، والواجب عليك أن تحفظ عرض أخيك ، وإذا سمعت شيئا عنه ، أو رأيته هو على حال ، أو تكلم بمقال ، أو رأيته على شيء لن يحمد ، أو نحو ذلك فحفظ عرضه هو الواجب ، لا أن تبذل عرضه ، وأن تتكلم فيه ؛ لأن العرض مأمور أنت بحفظه ، والمسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه .
وقد قال عليه الصلاة والسلام « لا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا » لقد اشتمل على كلمتين، وهو قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث المتفق على صحته « لا تحسسوا ولا تجسسوا » الفرق بين التحسس والتجسس كما قال طائفة من أهل العلم -وثَم خلاف في ذلك- قالوا: التجسس يكون بالعين، والتحسس يكون بالأخبار، دليل ذلك قوله جل وعلا ** يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ **[يوسف:87]، (تَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ) من التحسس، وهو طلب الخبر، أما التجسس فنهى الله جل وعلا عنه في قوله ** وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا **[يوسف:12]، التجسس بالعين .
تبدأ تنظر تتبعه ، رأيته يسير في مسير، فتنظر إليه وتتبعه حتى تعرف خبره ، لا اِحْمَدِ الله جل وعلا أن لم ترَ من أخيك إلا خيرا، كذلك التحسس ما أخبار فلان ؟ إيش قال فلان ؟ وهو من إخوانك وأصحابك الصادقين الذين بينك وبينهم خُلّة ، وبينك وبينهم ، وفاء وصحبة ، فلا تحسس في أخباره ، ولا تجسس عليه ، فإن ذلك منهي عنه المسلم مع إخوانه المسلمين بعامة ، فكيف بمن له معهم عقد أخوّة خاصة ، لا تحسسوا يعني لا تتبع أخبار إخوانك ، ولا تتجسسوا يعني لا تذهب بعينك ، تنظر ماذا فعل ، وماذا فعل ، فإن هذا من المنهي عنه وهو من المحرمات. اهـــــ
منقول