كلام  الحافظ ( ابن رجب الحنبلي ) - رحمه  الله - علامات من  علمه  نافع ، ومن علمه غير نافع .
فأما علامات العلم غير النافع ، فقال :
** ومن علامات ذلك ؛ عدم قبول الحق والانقياد   إليه والتكبر على من يقول الحق ، خصوصا إن كان دونهم في أعين الناس ،   والإصرار على الباطل خشية تفرق قلوب الناس عنهم بإظهار الرجوع إلى الحق ،   وربما أظهروا بألسنتهم ذم أنفسهم واحتقارها على رؤوس الأشهاد ليعتقد الناس   فيهم أنهم عند أنفسهم متواضعون فيُمدحون بذلك ، وهو من دقائق أبواب الرياء   كما نبّه عليه التابعون فمن بعدهم من العلماء .
ويظهر منهم قبول المدح واستجلابه مما ينافي   الصدق والإخلاص ، فإن الصادق يخاف النفاق على نفسه ويخشى على نفسه من سوء   الخاتمة فهو في شغل شاغل عن قبول المدح واستحسانه ، فلهذا كان من علامات   أهل العلم النافع : أنهم لا يرون لأنفسهم حالا ولا مقاما ويكرهون بقلوبهم   التزكية والمدح ولا يتكبرون على أحد .
قال الحسن : ( إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة ، البصير   بدينه المواظب على عبادة ربه ) ، وفي رواية عنه قال : ( الذي لا يحسد من   فوقه ، ولا يسخر مم دونه ، ولا يأخذ على علم علمّه الله أجرا ) ، وهذا   الكلام الأخير قد روي معناه عن ابن عمر من قوله ، وأهل العلم النافع كلما   ازدادوا في هذا العلم ازدادوا لله تواضعا وخشية وانكسارا وذلا .
قال بعض السلف : ( ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعا لربه ) .
فإنه كلما ازداد علما بربه ومعرفة به ازداد منه خشية ومحبة وازداد له ذلا   وانكسارا .
ومن علامات العلم النافع : ( أنه يدل صاحبه على   الهرب من الدنيا وأعظمها الرياسة والشهرة والمدح ، فالتباعد عن ذلك   والاجتهاد في مجانبته من علامات العلم النافع ، فإن وقع شيء من ذلك من غير   قصد واختيار كان صاحبه في خوف شديد من عاقبته ، بحيث أنه يخشى أن يكون   مكرًا واستدراجًا ، كما كان الإمام أحمد يخاف ذلك على نفسه عند اشتهار اسمه   وبعد صيته ) .
ومن علامات العلم النافع : ( أن صاحبه لا يدعي   العلم ولا يفخر به على أحد ، ولا ينسب غير إلى الجهل إلا من خالف السنة   وأهلها ، فإنه يتكلم فيه غضبًا لله لا غضبًا لنفسه ولا قصدًا لرفعتها على   أحد ) .
وأما من علمه غير نافع : ( فليس له شغل سوى   التكبر بعلمه على الناس ، وإظهار فضل علمه عليهم ونسبته إلى الجهل ،   وتنقصهم ليرتفع بذلك عليهم ، وهذا من أقبح الخصال وأردئها ، ربما نسب من   كان قبله من العلماء إلى الجهل والغفلة والسهو ، فيوجب له حب نفسه وحب   ظهورها ، وإحسان ظنه بها وإساءة ظنه بمَن سلف ) .
وأهل العلم النافع على ضد هذا ، يسيئون الظن   بأنفسهم ويحسنون الظن بمن سلف عليهم وبعجزهم عن بلوغ مراتبهم والوصول إليها   أو مقاربتها ، وما أحس قول أبي حنيفة ، وقد سئل عن علقمة والأسود : أيهما   أفضل ؟ فقال : ( والله ما نحن بأهل أن نذكرهم ، فكيف نفضل بينهم ) .
وكان ابن المبارك إذا ذكر أخلاق من سلف ينشد :
لا تعرضن لذكرنا في ذكرهم **** ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
ومن علمه غير نافع : إذا رأى لنفسه فضلا على من   تقدمه في المقال وتشقق الكلام ، ظن لنفسه عليهم فضلا في العلم أو الدرجة   عند الله لفضل خص به عمن سبق فاحتقر من تقدمه ، وازدرى عليه بقلة العلم ،   ولا يعلم المسكين أن قلة كلام من سلف إنما كان ورعًا وخشية لله ولو أراد   الكلام وإطالته لما عجز عن ذلك ، كما قال ابن عباس لقوم سمعهم يتمارون في   الدين : ( أما علمتم أن لله عبادًا أسكتتهم خشية الله من غير عيّ ولا بكم ،   وإنهم لهم العلماء والفصحاء والطلقاء والنبلاء ، العلماء بأيام الله ،  غير  أنهم إذا تذكروا عظمة الله طاشت لذلك عقولهم وانكسرت قلوبهم وانقطعت   ألسنتهم حتى إذا استفاقوا من ذلك تسارعوا إلى الله بالأعمال الزاكية ،   يعدون أنفسهم من المفرطين ، وإنهم لأكياس أقوياء مع الظالمين والخاطئين ،   وإنهم لأبرار برآء ، إلا أنهم لا يستكثرون له الكثير ، ولا يرضون له   بالقليل ، ولا يدلون عليه بالأعمال ، هم حيث ما لقيتهم مهتمون مشفقون وجلون   خائفون ) خرّجه أبو نعيم وغيره ** انتهى كلامه .
انظر : كتاب ( بيان فضل علم السلف على علم الخلف )   ، للحافظ ( ابن رجب الحنبلي ) – رحمه الله - ، صفحة ( 80 – 85 ) .