عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 07-08-2005, 09:02 AM   #8
معلومات العضو
ابن حزم
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية ابن حزم
 

 

افتراضي

الرؤيا تختلف حسب الأوقات والأحوال
وتتغير فيه عبارته عند الشتاء إذا ارتحل, ومع الصيف إذا دخل, عارفا بالأزمنة وأمطارها ونفعها ومضارها, وبأوقات ركوب البحار وأوقات ارتجاجها, وعادة البلدان وأهلها وخواصها, وما يناسب كل بلدة منها, وما يجيء من ناحيتها كقول القتبي في الجاورس: ربما دل على قدوم غائب من اليمن لأن شطر اسمه جا والورس لا يكون إلا من اليمن عارفا بتفصيل المنامات الخاصية من العامية فيما يراه الإنسان من المرئيات التي تجتمع العالم والخلق في نفعها, كالسماء والشمس والقمر والكواكب والمطر والريح والجوامع والرحاب, فما رآه في منامه في هذه الأشياء خاليا فيه مستبدا به, أو رآه في بيته فهو له في خاصيته.
وقد قالت القدماء: من غلبت عليه السوداء رأى الأحداث والسواد والأهوال والأفزاع. وإن غلبت عليه الصفراء رأى النار والمصابيح والدم والمعصفر. وإن غلب عليه البلغم رأى البياض والمياه والأنداء والأمواج. وإن غلب عليه الدم رأى الشراب والرياحين والعزف والصفق والمزامير. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الرؤيا ثلاثة: فرؤيا بشرى من الله تعالى, ورؤيا من الشيطان, ورؤيا يحدث بها الإنسان نفسه فيراها وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذهبت النبوة وبقيت المبشرات وقد قال بعض المفسرين في قوله عز وجل: لهم البشرى في الحياة الدنيا قال: هي الرؤيا الصالحة. وقيل: إن العبد إذا نام وهو ساجد يقول ربنا عز وجل: انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده في طاعتي وروي عن أبي الدرداء قال: "إذا نام الرجل عرج بروحه إلى السماء حتى يؤتى بها العرش فإن كان طاهرا أذن لها بالسجود".
وقد اختلف الناس في النفس والروح فقال بعضهم هما شيء واحد مسمى اسمين. كما يقال إنسان ورجل وهما الدم أو متصلان بالدم يبطلان بذهابه, والدليل على ذلك أن الميت لا يفقد من جسمه إلا دمه, واحتجوا لذلك أيضا من اللغة, ويقول العرب: نفست المرأة إذا حاضت, ونفست من النفس وبقولهم للمرأة عن ولادتها نفساء لسيلان النفس وهو الدم, وربما لم يزل جاريا على ألسنة الناس من قولهم: سالت نفسه إذا مات, قال أوس بن حجر:
نبئت أن بني سحيم أدخلوا أبياتهم تأمور نفس المنذر
والتامور الدم أراد قتلوه فأضاف الدم إلى النفس لاتصالها به. وقال آخرون: هما شيئان فالررح باردة والنفس حارة ولهذا النفخ يكون من الروح ولذلك تراه باردا, بخلاف النفس من النفس فإنه سخين, وسميت العرب النفخ روحا لأنه من الروح يكون على مذهبهم في تسمية الشيء بما كان متصلا به, وسببا له فيقولون للنبات ندى لأنه بالندى يكون, ويقولون للمطر سماء لأنه من السماء ينزل, قال ذو الرمة لقادح نار:
فقلـت له ارفعها إليك وأحيها بروحك واجعلها لها قنية قدرا
يريد أحيها بنفخك وأنشد بعض البغداديين:
وغلام أرســــلته أمـــه باشـاحين وعقـد مـــن ملـح
تبتغـي الروح فأسعفنا بهـــا وشـفاه مــاء عيـن فـي قدح
وهذه امرأة استرقت لولدها فابتغت الروح أي في نفخ الراقي إذا نفث في ماء من ماء العيون وأخذوا النفس من النفس, وقالوا للنفس نسمة يقال: على فلان عتق نسمة أي عتق نفس والله عز وجل يقول: ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن الروح روح الحياة في هذه المواضع. وذهب بعض المفسرين إلى أنه ملك من الملائكة يقوم صفا وتقوم الملائكة صفا, فإن كان الأمر على ما ذكر الأولون فكيف يتعاطى علم شيء استأثر الله عز وجل به ولم يطلع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقد امتحن بالسؤال عنه ليكون له شاهدا ولنبوته علما
الرؤيا تختلف باختلاف الهيئات والزمان
قال ابن قتيبة: لما كانت الرؤيا على ما أعلمتك من خلاف مذاهبها وانصرافها عن أصولها بالزيادة الداخلة والكلمة المعترضة وانتقالها عن سبيل الخير إلى سبيل الشر باختلاف الهيئات واختلاف الزمان والأوقات, وأن تأويلها قد يكون مرة من لفظ الاسم, ومرة من معناه, ومرة من ضده, ومرة من كتاب الله تعالى, ومرة من الحديث, ومرة من المثل السائر والبيت المشهور, واحتجت أن أذكر قبل ذكر الأصول أمثلة في التأويل لأرشدك بها إلى السبيل, فأما التأويل بالأسماء فتحمله على ظاهر اللفظ كرجل يسمى الفضل تتأوله إفضالا, ورجل يسمى راشدا تتأوله إرشادا أو رشدا, أو سالما تتأوله السلامة, وأشباه هذا كثيرة.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: رأيت الليلة كأنا في دار عقبة ابن رافع فأتينا برطب ابن طاب فأولت أن الرفعة لنا في الدنيا والآخرة وأن ديننا قد طاب فأخذ من رافع الرفعة وأخذ طيب الدين من رطب ابن طاب.

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة