عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 19-05-2023, 04:21 PM   #3
معلومات العضو
أحمد بن علي صالح

افتراضي

فصل

وأما قول صاحب المقال الباطل: أما دليلنا على الجواز فإنه ما رواه أبو داود في سننه عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة فلما رجع استقبله داعي امرأته - أي زوجة الميت - فأجاب ونحن معه فجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا. وفي هذا الحديث دلالة صريحة على جواز ما يصنعه أهل الميت من طعام ودعوة الناس إليه سواء بقصد طلب


الثواب للميت أو إكراماً للضيف.

فالجواب عنه من وجوه أحدها: أن يقال إن الكاتب قد حَرَّفَ كلمة في الحديث وزاد فيه جملة أفسدت اللفظ وغَيَّرت المعنى, فأما الكلمة التي وقع فيها التحريف فهي قوله: «داعي امرأته» والذي في سنن أبي داود «داعي امرأة» بالتنكير لا بالإضافة, وقد وقع هذا التحريف في «مشكاة المصابيح» , ولعله وقع من بعض النساخ بعد المؤلف, وأما الجملة التي أفسدت اللفظ وغيّرت المعنى فهي قوله - أي زوجة الميت - وقد سبقه إلى هذه الزيادة التي قد غيّرت المعنى على القارئ حيث قال في شرح المشكاة - أي زوجة المتوفى -وسأذكر لفظ الحديث عند أبي داود وغيره ليتضح خطأ صاحب المقال الباطل ومن سبقه إلى التحريف في الحديث والتفسير الباطل في بيان المراد بالمرأة.

الوجه الثاني: أن يقال قد جاء في حديث جيد الإسناد أن الميت الذي خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - معه كان من الأنصار, وجاء فيه وفي أحاديث أخر ما يدل على أنه أبو الدحداح الذي تصدق بحديقته وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حقه: «كم من عذق مدلى في الجنة لأبي الدحداح» وأما المرأة التي دعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى الطعام فهي امرأة من قريش وهي أخت سعد وعامر ابني أبي وقاص رضي الله عنهما وعنها. فأما الدليل على أن الميت من الأنصار فقد رواه الإمام أحمد في مسنده عن محمد بن فضيل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل من الأنصار وأنا غلام مع أبي فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حفيرة القبر فجعل يوصي الحافر ويقول: «أوسع من قبل الرأس وأوسع من قبل الرجلين لرب عذق له في الجنة» وروى الإمام


أحمد أيضاً عن محمد بن جعفر عن شعبة وحجاج عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابن الدحداح, قال حجاج أبي الدحداح ثم أتى بفرس عري فعقله رجل فركبه فجعل يتوقص به ونحن نتبعه نسعى خلفه قال: فقال رجل من القوم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كم من عذق معلق أو مدلى في الجنة لأبي الدحداح» قال حجاج في حديثه قال رجل معنا: عند جابر بن سمرة في المجلس قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم «كم من عذق مدلى لأبي الدحداح في الجنة» وقد رواه مسلم والطبراني في الكبير بنحوه, وفي رواية للطبراني عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال صلينا على ابن الدحداح رجل من الأنصار فلما فرغنا أتى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفرس حصان فركبه حين رجع من الجنازة.

وروى البيهقي في سننه عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجنازة وأنا غلام مع أبي فجلس على حفرة القبر وجعل يومي إلى الحفار ويقول: «أوسع من قبل الرأس أوسع من قبل الرجلين ورب عذق له في الجنة».

وقد ذكر ابن سعد في: «الطبقات الكبرى» جملة من نساء الأنصار اللاتي بايعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر منهن أمامة بنت محرث بن زيد بن ثعلبة, قال: وأمها سلمى بنت أبي الدحداحة صاحب العذق المذلل في الجنة, ويستفاد من قول ابن سعد أن البشارة بالعذق المذلل في الجنة إنما وردت في حق أبي الدحداح ولم ترد في حق غيره, وقد علم مما تقدم من الأحاديث أن أبا الدحداح هو الميت الذي جاء ذكره في حديث عاصم بن كليب الذي رواه أبو داود وغيره.

وأما الدليل على أن المرأة التي دعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى الطعام حين رجع من الجنازة كانت من قريش فقد رواه


الإمام أحمد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن زائدة عن عاصم بن كليب عن أبيه أن رجلاً من الأنصار أخبره قال خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة فلما رجعنا لقينا داعي امرأة من قريش فقال: يا رسول الله إن فلانة تدعوك ومن معك إلى طعام فانصرف فانصرفنا معه فجلسنا مجالس الغلمان من آبائهم بين أيديهم ثم جيء بالطعام فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده ووضع القوم أيديهم ففطن له القوم وهو يلوك لقمته لا يجيزها فرفعوا أيديهم وغفلوا عنا ثم ذكروا فأخذوا بأيدينا فجعل الرجل يضرب اللقمة بيده حتى تسقط ثم أمسكوا بأيدينا ينظرون ما يصنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلفظها فألقاها فقال: «أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها» فقامت المرأة فقالت يا رسول الله: إنه كان في نفسي أن أجمعك ومن معك على طعام فأرسلت إلى البقيع فلم أجد شاة تباع وكان عامر بن أبي وقاص ابتاع شاة أمس من البقيع فأرسلت إليه أن ابتغي لي شاة فلم توجد فذكر لي أنك اشتريت شاة فأرسل بها إليَّ فلم يجده الرسول ووجد أهله فدفعوها إلى رسولي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم «اطعموها الأسارى» إسناده صحيح رجاله كلهم من رجال الصحيح سوى كليب بن شهاب الجرمي والد عاصم وهو ثقة وثقه أبو زرعة وابن سعد وقال رأيتهم يستحسنون حديثه ويحتجون به, وذكره ابن حبان في ثقات التابعين وقال: يقال إن له صحبة, وقد روى له أهل السنن والبخاري في جزء رفع اليدين.

وقال أبو داود في الباب الثالث من «كتاب البيع»: حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن إدريس أخبرنا عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على القبر يوصي الحافر: «أوسع من


قبل رجليه أوسع من قبل رأسه فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا فنظر آباؤنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلوك لقمة في فمه ثم قال: «أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها» فأرسلت المرأة قالت: يا رسول الله إني أرسلت إلى البقيع يشترى لي شاة فلم أجد فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إليَّ بها بثمنها فلم يوجد فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إليَّ بها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم «أطعميه الأسارى» وقد رواه البيهقي في «دلائل النبوة» من طريق أبي داود بمثل روايته. ورواه الدارقطني في سننه من طريق ابن إدريس عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار فذكر أوله بنحو رواية أبي داود وقال فيه فلما انصرف تلقاه داعي امرأة من قريش فقال: إن فلانة تدعوك وأصحابك وذكر بقيته بنحو رواية أحمد, ورواه الدارقطني أيضاً حدثنا علي بن محمد بن عبيد حدثنا ابن أبي خيثمة حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد بن زياد عن عاصم بن كليب عن أبيه قال حدثني رجل من الأنصار قال خرجت مع أبي وأنا غلام مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ثم ذكر نحوه وقال فيه قالت: فبعثت إلى أخي عامر بن أبي وقاص وقد اشترى شاة من البقيع فلم يكن أخي ثمَّ فدفع أهله الشاة إليَّ.

إسناده صحيح, أما علي بن محمد بن عبيد فقال فيه الخطيب البغدادي: كان ثقة أميناً حافظاً عارفاً, ونقل الخطيب عن طلحة بن محمد بن جعفر أنه قال فيه الحافظ الثقة, وترجم له الذهبي في «تذكرة الحفاظ» وقال فيه الحافظ الإمام وذكر قول الخطيب فيه وأقره وأما ابن أبي خيثمة فهو أحمد بن زهير بن حرب قال فيه الخطيب البغدادي كان ثقة عالماً متقناً حافظاً بصيراً بأيام الناس راوية للأدب. قال: وذكره الدارقطني فقال: ثقة مأمون, وترجم له الذهبي في «تذكرة الحفاظ»


وقال فيه الحافظ الحجة الإمام, وذكر قول الخطيب فيه وأقره, وأما موسى بن إسماعيل التبوذكي وعبد الواحد بن زياد فهما من رجال الصحيحين, وأما عاصم بن كليب فقد روى له مسلم وأهل السنن, وأبوه تقدم الكلام في توثيقه.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه المسمى بـ «الإصابة» روينا في الجزء الثاني من حديث أبي العباس بن مكرم بإسناده عن عاصم بن كليب عن أبيه حدثني رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة وأنا غلام مع أبي يومئذ - فذكر الحديث في قصة المرأة التي أضافتهم بالشاة وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ لقمة فلاكها ولم يسغها فقالت المرأة: أرسلت إلى البقيع فلم أجد شاة تباع وكان أخي عامر بن أبي وقاص عنده شاة فدفعها أهلها إلى رسولي وهو غائب, الحديث.

وقد تبين من سياق هذه الأحاديث أن الميت الذي خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - معه وأخبر أن له عذقاً في الجنة هو أبو الدحداح الأنصاري وأن المرأة التي دعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى الطعام كانت قرشية وهي أخت سعد وعامر ابني أبي وقاص ولم تكن أم الدحداح التي هي زوجة الميت, ففي هذا أبلغ رد على من زعم أن صاحبة الطعام زوجة الميت والله أعلم.

الوجه الثالث: أن صاحب المقال الباطل قد اختصر الحديث اختصاراً أخلَّ به وأوهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه أكلوا طعام المرأة, وليس الأمر كذلك لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفظ اللقمة من فيه من حين ابتدأوا في الأكل فرفع القوم أيديهم وأخذوا بأيدي غلمانهم عن الطعام وألقوا ما كان معهم ثم إن رسول الله


- صلى الله عليه وسلم - أمر المرأة أن تطعمه الأسارى. وقد تقدم بيان ذلك في حديث عاصم بن كليب.


https://ketabonline.com/ar/books/223...&index=3099651

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة