عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 20-05-2009, 08:48 PM   #2
معلومات العضو
القصواء
اشراقة ادارة متجددة
 
الصورة الرمزية القصواء
 

 

افتراضي

الخطبة الثانية:

الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له لَم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأشهد أن محمدًا رسول الله، دعا إلى الله ولم يشرك به أحدًا، صلى لله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وخلفائه، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ [غافر:51] سنة الله في عباده، أن العاقبة للمتقين، وأن جند الله هم الغالبون، ويجب على المسلمين أن يأخذوا بأسباب القوة في الدنيا، وأن يضبطوا ما عندهم بعلوم الآخرة، وأن يولوا أكثر الوقت وأكثر الجهد وأكثر العمر للعمل للباقي، لا للفاني، وأن يعلم الإنسان حدوده، ويتأدب مع ربه، ويعلم عجز المخلوق أمام الخالق، ﴿وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28]؛ ضعيف البنية ضعيف الإرادة، ضعيف العزيمة، ضعيف الصبر، ولذلك خفف الله عنه بهذه الأحكام وبشرع النكاح، وتحريم السفور والنظر إلى النساء، حتى لا يستميل له هواه وشهوته، الله الذي خلقكم من ضعف، من ماء مهين، والنهاية شيخوخة وشيبة.

عباد الله، هذا الضعف الموجود في الكائن البشري يجب عليه أن يلجأ إلى ربه في مواجهة هذا العوراء، ﴿وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [يوسف:33].

العبد بغير توفيق الله ضال، العبد بغير توفيق الله جاهل، العبد بغير توفيق الله مفسد، أين الأدب مع الله؟! ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل:78]. وليس لتتكبروا عليه، وتسبوه وتغتروا بعلمكم وتجحدوا علمه.

إذا لم يكن عون من الله للفتى *** فأول ما يجني عليه اجتهاده

من الذي علم آدم الأسماء كلها؟

من الذي أنزل الكتاب والحكمة؟

من الذي بعث الرسل؟

من الذي هدى البشرية؟

من الذي علمها؟

من الذي سخّر للإنسان البحر لتحمل أمواجه مراكبه لتجري الفلك، وبأمر من تجري؟

ومن الذي يسكن الرياح فتسكن الأمواج، فيضللن رواكد على ظهره؟ ومن الذي يوبقهن فيغرقها؟ ومن الذي يعفو عن كثير، فيسلمها فتصل بما عليها؟

﴿عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ [الرحمن 2 : 4]،
﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الأِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق 4 : 5]
﴿هُوَ الْعَلِيمُ﴾ [يوسف:100] ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾ [غافر:7] ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ﴾ [البقرة:255].

فهو الذي يكشف لهم ما يريد، ويمنع عنهم ما يريد، ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:216]. يعلم الغيب وعواقب الأمور، والمستقبل، وهم يستشرفون ويخطئون ويرجمون بالغيب، ولا يصيبون، ينكرون يجحدون، مع أن ما في السماوات وما في الأرض المفترض أن يزيدهم إيمانا، ينظرون في ملكوت السماوات والأرض، هؤلاء عباد الله الصالحين، الذين إذا تأملوا في ملكوت السماء ازدادوا إيمانًا قائلين: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران:191].

عقاب الله للمغترين من البشرية

لَم يقتصر غرور البشرية على هذا الزمان، لقد كان غرور البشرية بما عندها من القوة والغطرسة والعلم الدنيوي كان قديمًا، ماذا فعل قوم عاد وثمود، جابوا –أي قطعوا- الصخر بالوادي، اتخذوا مصانع لعلهم يخلدون، بكل ريع يبنون آية يعبثون، ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾ عِلْم البناء، وعلم الزراعة، ﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾ [غافر:83].

وما انتفاعُ أخِ الدنيا بمقلته *** إذا استوَتْ عنده الأنوارُ والظُلَمُ

لذلك أمرنا الله أن نسير في الأرض وننظر، لما اغتّر فرعون بما عنده وقال ﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي﴾ [الزخرف : 51]، عاقبه الله بهذا الماء، وجعله يغرق في موجاتٍ من البحر يغشاه ما يغشاه، من هذه الأمواج حتى مات غرقًا ملعونًا منبوذًا مقبوحًا، ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ [محمد:10].

هذه مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا، هذه مدائن صالح والأهرامات، هذه بيوتهم المحفورة المقطوعة تظهر، أبقى الله في الأرض آيات، لكن البشر إذا بغوا وعتوا فإنهم لا يستفيدون شيئًا.

يأجوج ومأجوج إذا خرجوا على الأرض وأفسدوا وقتلوا قال -عليه الصلاة والسلام: (ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيَقُولُونَ: لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الأَرْضِ هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا -ليكون فتنة لهم- فَيَقُولُونَ: قَدْ قَتَلْنَا أَهْل السَّمَاء -كما في رواية الحاكم- فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّغَفَ -وهو دُود يَكُون فِي أُنُوف الإِبِل وَالْغَنَم- فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى -أي: قَتْلَى- كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ). مسلم (2937).

ولأن هناك نتنًا بسبب أجساد هؤلاء يرسل الله طيرًا تحمل أجسادهم وجثثهم لتلقيهم في البحر هناك. هذا نتيجة الغرور.

ولذلك سليمان عليه السلام لما أتاه الله ما أتاه من الإمكانات الهائلة وسخر له من الجن والإنس والريح والطير والدواب، وعلمه وفهمه ماذا قال: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ [ص:35]. فلم يأخذه الغرور، واعترف لله تعالى بحقه، وستبقى البشرية حائرة حتى تتعرف على ربها وتستجيب لحكمه، ووظيفتنا نَحْن المسلمين أن ندعو إلى الله، وأنت من خلال بيتك يا عبد الله تستطيع أن تدعوا عبر هذه الشبكة، فلا تقل إني لست داعية، بل أنت داعية فتعلم دين الله وعلمه وادع إليه واصبر على الأذى في سبيله.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، أصلح نياتنا وذرياتنا، اللهم لا تجعلنا من المغرورين وارزقنا التواضع يا رب العالمين، اجعلنا سلمًا لأوليائك، حربًا على أعدائك، ارزقنا حبك وحب من تحب، وحب كل عمل يقربنا إليك، أحسن خاتمتنا، وأصلح خلقنا، وألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، واجعل هذا البلد آمنًا وبلاد المسلمين، اللهم من أراد بلاد المسلمين بسوءٍ فاجعل كيده في نحره، اللهم إنا نسألك أن تدمر هؤلاء الذين يتهددون أهل التوحيد، اللهم أهلك هؤلاء المشركين الأنجاس الأرجاس واجعل عليهم تدميرك وعذابك يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تعاقب أعداء الدين من اليهود والصليبيين والمشركين والمنافقين، اللهم إنا نسألك أن تنجي المسلمين من مكر المنافقين، اللهم اقطع دابرهم، وأخزهم واجعل تدبيرهم تدميرًا عليهم، اللهم افضح شأنهم، واهتك أستارهم، واجعلهم عبرة للمعتبرين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة