عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 07-08-2007, 07:58 PM   #9
معلومات العضو
أبو عبد الرحمن اليوسف
إشراقة إشراف متجددة
 
الصورة الرمزية أبو عبد الرحمن اليوسف
 

 

افتراضي

كلامنا في الأثر والأعراض

أخي الفاضل الحبيب ( الباحث ) نفع الله تعالى بعلومكم المسلمين ، وجعلك موفقاً حيثما كنت ... :

ما تفضلتم به نافع ومفيد .. إلا أنَّ المسألة المبحوثة – والذي لها حظ من النظر – إنما هي في حدوث التغيرات الحاصلة في جسد الإنسان وتصرفاته ..

وهذا التأثر كما أسلفتُ ذكرًا قد يكون وقتياً ، وقد يكون متتابعاً في التدرج ..

والعين : آلة في الحدوث ، وليست هي المؤثر السببي ، وإنما المؤثر الأنفس والأرواح الشيطانية - بإذن الله تعالى- والحسد المتكيف في الأنفس والأرواح هو أصل الإصابة بالعين ؟! ..

وتأمل معي هذا النص فقد يكون مجلياً لنا جميعاً المراد من المعنى المقصود ..

يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى - :
( ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأوراح قوي وطبائع مختلفة، وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة ، ولا يمكن العاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام، فإنه أمر مشاهد محسوس، وأنت ترى الوجه كيف يحمر حمرة شديدة إذا نظر إليه من يحتشمه ويستحي منه ويصفر صفرة شديدة عند نظر من يخافه إليه، وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه، هذا كله بواسطة تأثير الأرواح ولشدة ارتباطها بالعين ينسب الفعل إليها وليست هي الفاعلة وإنما التأثير للروح، والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها، فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بينا، ولهذا أمر الله سبحانه رسوله أن يستعيذ به من شره، وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية، وهو أصل الإصابة بالعين، فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة وتقابل المحسود فتؤثر بتلك الخاصية، وأشبه الأشياء بهذا الأفعى، فإن السم كامن فيها بالقوة فإذا قابلت عدوها انبعث منها قوة غضبية وتكيفت نفسها بكيفية خبيثة مؤذية، فمنها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين، ومنها ما يؤثر في طمس البصر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأبتر، وذي الطفيتين من الحيات : (إنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحبل) .

ومنها ما تؤثر في الإنسان كيفيتها بمجرد الرؤية من غير اتصال به لشدة خبث تلك النفس وكيفيتها الخبيثة المؤثرة، والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية كما يظنه من قل علمه ومعرفته بالطبيعة والشريعة، بل التأثير يكون تارة بالاتصال، وتارة بالمقابلة وتارة بالرؤية وتارة بتوجيه الروح نحو من يؤثر فيه ، وتارة بالأدعية والرقي والتعوذات وتارة بالوهم والتخيل، ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية بل قد يكون أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره ،وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية ..

وقد قال تعالى لنبيه : ( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ) وقال : ( قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد* ومن شر حاسد إذا حسد ) فكل عائن حساد ، وليس كل حاسد عائنا ..

فلما كان الحاسد أعم من العائن كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن ، وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة ؛فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه أثرت فيه ولا بد، وإن صادفته حذراً شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه، وربما ردت السهام على صاحبها وهذا بمثابة الرمي الحسي سواء ، فهذا من النفوس والأرواح، وذاك من الأجسام والأشباح، وأصله من إعجاب العائن بالشيء ثم يتبعه كيفية نفسه الخبيثة، ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرة إلى المعين، وقد يعين الرجل نفسه، وقد يعين بغير إرادته، بل بطبعه، وهذا أردأ ما يكون من النوع الإنساني، وقد قال أصحابنا وغيرهم من الفقهاء : إن من عرف بذلك حبسه الإمام وأجرى له ما ينفق عليه إلى الموت، وهذا هو الصواب قطعاً ) أهـ .

أما الاستقراء في هذا الموضع : فهو نسبيٌّ ؛ إذ تحقيق التمام فيه ممتنع لاختلاف مدارك الأنظار ، وحصول المعارف كثرةً وقلةً ..


وأخيراً :
أشكر لكم ما ذكرتم من رأي .. والله يحفظكم ويرعاكم ..




محبكم : أبو عبد الرحمن اليوسف .
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة