قال العلاّمة الألباني رحمه الله تعالى بعد حكمه على
حديث رقم ( 922 ) : ( ألا دخلت في الصف ،
أو جذبت رجلا صلى معك ؟! أعد الصلاة ) .
_ ضعيف جدا .
( فائدة ) : إذا ثبت ضعف الحديث ،
فلا يصح حينئذ القول بمشروعية جذب الرجل
من الصف ليصف معه،
لأنه تشريع بدون نص صحيح، وهذا لا يجوز،
بل الواجب أن ينضم إلى الصف إذا أمكن
وإلا صلى وحده، وصلاته صحيحة، لأنه
( لا يكلف الله نفس إلا وسعها ) ،
وحديث الأمر بالإعادة محمول على ما إذا قصر في الواجب وهو الإنضمام في الصف وسد الفرج
وأما إذا لم يجد فرجة، فليس بمقصر،
فلا يعقل أن يحكم على صلاته بالبطلان
في هذه الحالة،
وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية،
فقال في الاختيارات " ( ص 42 ) :
" وتصح صلاة الفذ لعذر، وقاله الحنفية،
وإذا لم يجد إلا موقفا خلف الصف،
فالأفضل أن يقف وحده ولا يجذب من يصافه،
لما في الجذب من التصرف في المجذوب،
فإن كان المجذوب يطيعه،
فأيهما أفضل له وللمجذوب ؟
الاصطفاف مع بقاء فرجة،
أو وقوف المتأخر وحده ؟
وكذلك لوحضر اثنان، وفي الصف فرجة،
فأيهما أفضل وقوفهما جميعا أوسد أحدهما الفرجة،
وينفرد الآخر ؟
الراجح الاصطفاف مع بقاء الفرجة،
لأن سد الفرجة مستحب، والاصطفاف واجب ".
قلت : كيف يكون سد الفرج مستحبا فقط،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول في الحديث الصحيح : ( من وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله ) !
[ أنظر المشكاة ( 1102 ) ] .
فالحق أن سد الفرج واجب ما أمكن،
وإلا وقف وحده لما سبق .
والله أعلم .
_ سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة
وأثرها السّيء في الأمَّةِ
( 2 / 322 - 323 ) .
/////-------
قال العلاّمة الألباني رحمه الله تعالى بعد بيانه
ضعف الحديث الآتي :
928 - ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم، والناس يمرون بين يديه، ليس بينه وبين الكعبة سترة .
[ وفي رواية ] : طاف بالبيت سبعا،
ثم صلى ركعتين بحذائه في حاشية المقام،
وليس بينه وبين الطواف أحد ) .
_ ضعيف
الأول : ضعف الحديث .
الثاني : مخالفته لعموم الأحاديث
التي توجب على المصلي أن يصلي إلى سترة وهي معروفة،
وكذا الأحاديث التي تنهى عن المرور
كقوله صلى الله عليه وسلم : ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا من أن يمر بين يديه ) .
_ رواه البخاري ومسلم وهو مخرج في
" صحيح أبي داود " ( 698 ) .
الثالث : أن الحديث ليس فيه التصريح
بأن الناس كانوا يمرون بينه
صلى الله عليه وسلم وبين موضع سجوده،
فإن هذا هو المقصود من المرور المنهي عنه على الراجح من أقوال العلماء .
ولذلك قال السندي في
" حاشيته على النسائي " :
" ظاهره أنه لا حاجة إلى السترة في مكة .
وبه قيل، ومن لا يقول به، يحمله على أن الطائفين كانوا يمرون وراء موضع السجود،
أو وراء ما يقع فيه نظر الخاشع ".
ولقد لمست أثر هذا الحديث الضعيف في مكة حينما حججت لأول مرة سنة ( 1369 ) ،
فقد دخلتها ليلا فطفت سبعا، ثم جئت المقام، فافتتحت الصلاة، فما كدت أشرع فيها حتى وجدت نفسي في جهاد مستمر مع المارة بيني وبين موضع سجودي،
فما أكاد أنتهي من صد أحدهم عملا بأمره
صلى الله عليه وسلم حتى يأتي آخر
" فأصده وهكذا !!
ولقد اغتاظ أحدهم من صدي هذا
فوقف قريبا مني حتى انتهيت من الصلاة،
ثم أقبل علي منكرا، فلما احتججت عليه بالأحاديث الواردة في النهي عن المرور،
والآمرة بدفع المار،
أجاب بأن مكة مستثناة من ذلك،
فرددت عليه، واشتد النزاع بيني وبينه،
فطلبت الرجوع في حله إلى أهل العلم،
فلما اتصلنا بهم إذا هم مختلفون !
واحتج بعضهم بهذا الحديث،
فطلبت إثبات صحته فلم يستطيعوا،
فكان ذلك من أسباب تخريج هذا الحديث،
وبيان علته .
فتأمل فيما ذكرته يتبين لك خطر الأحاديث الضعيفة وأثرها السيئ في الأمة .
ثم وقفت بعد ذلك على بعض الآثار
الصحيحة عن غير واحد تؤيد ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، وأنها تشمل المرور في مسجد مكة،
فإليك ما تيسر لي الوقوف عليه منها :
1 - عن صالح بن كيسان قال : رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة ولا يدع أحدا يمر بين يديه،
_ رواه أبو زرعة في " تاريخ دمشق "
(91 / 1) وابن عساكر (8 / 106 / 2)
بسند صحيح .
2 - عن يحيى بن أبي كثير قال :
رأيت أنس بن مالك دخل المسجد الحرام،
فركز شيئا، أو هيأ شيئا يصلي إليه .
_ رواه ابن سعد في " الطبقات "
(7 / 18) بسند صحيح .
( تنبيه على وهم نبيه ) :
اعلم أن لفظ رواية ابن ماجه لهذا الحديث :
" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا فرغ من سُبُعه جاء حتى يحاذي بالركن، فصلى ركعتين.... ".
وقد ذكر العلامة ابن الهمام في
" فتح القدير " هذه الرواية،
لكن تحرف عليه قوله :
" سبعه " إلى " سعيه " !
فاستدل به على استحباب صلاة ركعتين
بعد السعي،
وهي بدعة محدثة لا أصل لها
في السنة كما نبه على ذلك غير واحد
من الأئمة كأبي شامة وغيره
كما ذكرته في ذيل
" حجة النبي صلى الله عليه وسلم "
الطبعة الثانية،
وكذلك في رسالتي الجديدة
" مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة
وآثار السلف " فقرة ( 69 ) .
_ سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة
( 2 / 327 - 328 )